روما، 23 يوليو 2007 (zenit.org). – عن إذاعة الفاتيكان
دير مار موسى الحبشي الذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 900 سنة ويضم أقدم اللوحات الجدارية في الشرق المسيحي كان سيسقط من ذاكرة التاريخ لولا جهود ومثابرة كاهن إيطالي متحمس للحوار مع الإسلام. يقع هذا الدير الأثري على السفح الشمالي لجبل القلمون على علو أكثر من 1300 متر وكان مهجورا حتى العام 1831. في عام 1982 وصل شاب إيطالي يدعى باولو ديللوليو لزيارة الموقع مساء فوقع في حبه على الفور. وروى عائدا بذاكرته إلى ذلك اليوم: دخلت إلى الدير مع حلول الظلام. كان مجرد خربة. وفي الكنيسة شعرت بتأثر كبير لدى رؤيتي اللوحات الجدارية لقديستيْن
هكذا أحب هذا الشاب المكان وشعر بشيء يشده إليه ليجد نفسه في قلب بادية النبك السورية يكرس حياته لإعادة إعمار الدير الواقع على بعد 80 كيلومترا شمال العاصمة السورية دمشق. وبعد سنتين من تاريخ وصوله رسم كاهنا لدى طائفة السريان الكاثوليك. وبفضل اندفاعه وحماسه انتقلت العدوى إلى متطوعين عرب وأجانب جاؤوا يمدون له يد المساعدة لإعادة الحياة إلى هذا المكان الذي يضم كنيسة يعود تاريخ تشييدها إلى العام 1058 وتؤوي أيقونات ولوحات جدارية رائعة استعادت جمالها ورونق ألوانها الأصلية بفضل مدرسة ترميم إيطالية سورية تمول بدعم من الاتحاد الأوروبي. وقال راهب أرثوذكسي شاب متحدر من مدينة حمص إن الجدارية المؤثرة أكثر من غيرها تمثل الدينونة.
ولفت علماء آثار إلى أن الدير بات يعد رصيدا سياحيا يهم الدولة السورية. وفي العام 1991 حصل الأب باولو من السلطات المسيحية المحلية على إذن بتأسيس جماعة رهبانية في مار موسى. وسرعان ما توافد رجال ونساء للانضمام إلى الدير معظمهم من المسيحيين السوريين. فهد، مسيحي أرثوذكسي من دمشق، درس الهندسة الزراعية يستقبل الشابات اللواتي يقصدن الدير للرهبنة. وتقوم حياة الرهبنة في هذا الدير على ثلاث أولويات: الصلوات والعمل اليدوي وضيافة بدون شروط كما يؤكد الأب باولو. خصوصية هذا الدير المسيحي تكمن في الواقع في انفتاحه على الإسلام. ففي الكنيسة يستطيع الزائر قراءة كتابات عربية. ويوضح الأب باولو أن هذه الكتابات التي تبدأ بالبسملة "باسم الله الرحمن الرحيم" وتشير إلى التقويم الهجري تؤكد أن الكنيسة الكاثوليكية كانت في تلك الحقبة مندمجة تماما في البيئة العربية الإسلامية. وحرص الكاهن على الحفاظ على ذلك التقليد القائم على الانفتاح بين الأديان.
واليوم تقام الصلاة مرتين يوميا وباللغة العربية وهو خيار جذري بالنسبة لهذا الإيطالي الذي يعتبر متطرفا لجهة التقارب الإسلامي ـ المسيحي. لذلك تخلع الأحذية قبل الدخول إلى الكنيسة كما يفعل المصلون لدى دخول المساجد وهو تفصيل لا يمر دون أن يترك أثره لدى الزوار مسيحيين كانوا أم مسلمين. والأب باولو ما زال لديه إيمان راسخ بأن ديرا مسيحيا شرقيا في البادية يسهم في تقوية الحوار بين المسيحية والإسلام