يوم عيد التجلي في السادس من آب أغسطس 1978 وفي القصر الرسولي? بكاستل غاندولفو لفظ البابا بولس السادس آخر أنفاسه وأسلم الروح فانتقل مع المسيح المتجلي من هذه الفانية إلى دار السعادة الأبدية حيث الكنز الحقيقي الذي لا يفسد. ولم تمر هذه المناسبة دون أن يستذكر البابا بندكتوس الـ16 الأحد الفائت ذلك الراعي الصالح والربّان الحكيم الذي في أحلك السنين وأصعبها قاد سفينة بطرس بخطى ثابتة وإيمان قوي ومحبة صافية نحو ميناء الخلاص فدعي بحق خادمَ الكنيسة والمسيح.
ولد جوفاني باتيستا مونتيني في كونشيزيو من أعمال بريشيا بشمال إيطاليا في 26 أيلول سبتمبر عام 1897. سيم كاهنا عام 1920.? وانتقل بعدها إلى روما حيث تابع تحصيله العلمي. انضم إلى السلك الدبلوماسي الفاتيكاني عام 1923 وأرسل إلى السفارة البابوية في وارصو ببولندا ليعود بعدها إلى روما ويتسلم مهمة المسؤول الوطني للاتحاد الجامعي الإيطالي الكاثوليكي حتى العام 1933. عمل في أمانة سر الدولة حتى عام 1954 حين انتخبه البابا بيوس الثاني عشر وعينه رئيس أساقفة ميلانو. وفي عام 1958 رفعه البابا يوحنا الـ23 إلى رتبة الكاردينالية.
انتخب في 21 حزيران يونيو عام 1963 حبرا أعظم على الكنيسة الكاثوليكية واتخذ اسم بولس السادس وأكمل المرحلة الثانية من المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في 29 أيلول سبتمبر منه واختتمها في الثامن من كانون الأول ديسمبر عام 1965. احتفل في الأول من كانون الثاني يناير عام 1968 بيوم السلام العالمي الأول. كان البابا الأول في التاريخ الذي استقل طائرة ليقوم بزياراته الرسولية إلى العالم فكانت الأرض المقدسة أولى محطاته عام 1964 خارج الحدود الإيطالية. التقى شخصيات سياسية ودينية ومدنية مرموقة وكتب رسائل عامة وإرشادات رسولية وقام بإصلاحات عديدة داخل الفاتيكان والكنيسة.
وُصف بالحزين والمتألم ولكن حياته وتعليمه سطّرا أمانة بطرس للمسيح وذكاءَ أغسطينس القلق وفرحَ باسكال الداخلي: فهو خادم المسيح والكنيسة.
كتب مرة يقول: "نفتش عن كل شيء ما خلا الله! يقولون: مات الله، فلا حاجة بنا إلى الاهتمام به! فالله لم يمت! بل هو في نظر الكثير من أبناء العصر ضائع: أفلا يستحقّ أن نفتش عنه؟? نفتش عن كل شيء، عن الجديد والقديم، عن الصعب والتافه، عن الصالح والخبيث، حتى لَتقول: إن التفتيش هو ميزة عصرنا! ولمَ لا نفتش عن الله؟ أليس الله قيمةً تستحق أن نفتش عنها؟ أليس الله حقيقةً تتطلب معرفة أفضل من تلك المعرفة الاسمية الدارجة على ألسنة الناس؟ معرفةً أفضل من بعض الممارسات الدينية المبنية على الخرافة والغرابة، والتي يجب أن ننبذها لأنها خاطئة، أو أن ننقيها لأنها ناقصة؟ معرفةً أفضل من تلك التي تعتدّ بأنها كاملة، فتتناسى أن الله سرّ لا يُدرَك، وأن معرفتَه قضية حياة، حياةٍ أبدية؟ أليس الله، كما يقولون، قضية تمَسُّنا في? الصميم؟ جديرةً بأن تحرك تفكيرنا وضميرنا ومصيرنا، ولا شكّ، يوما ما، لقاءنا الأبدي والشخصي لله؟ أفلا يكون الله قد أخفى ذاته ليحثنا على التفتيش عنه بجهد وشغف، وذلك بالنسبة إلينا أمرٌ مقضي حاسم؟ وماذا لو كان الله هو المفتش عنا؟?? (بولس السادس يحدثنا)