كيف نبشر بالإنجيل مع أخذ ثقافة الشعوب في عين الاعتبار؟

مقابلة مع الأب مارتان برادير

روما، 21 سبتمبر 2007 (ZENIT.org)

 الإعلان عن إيمان واحد في كل القارات. هذا هو النداء الذي حمله السيد المسيح لتلاميذه ماضياً وحاضراً. لكن كيف عسانا نلبي النداء مع أخذ الثقافة التي نتوجه إليها في عين الاعتبار؟ يجيب الأب مارتان برادير، خوري جماعة إيمانويل ومؤلف كتاب "تلمذوا كل الأمم لتبشير يحترم الثقافات"، عن الأسئلة التي طرحتها وكالة زينيت في هذا الإطار.

زينيت: "التثقّف" يبدو أنه لا مفر من هذا المصطلح الغامض كلما ذكرنا التبشير الجديد. ماذا يعني هذا المصطلح؟

الأب مارتان برادير: تشير هذه اللفظة المستحدثة إلى عملية مزدوجة ترافق هذه المهمة: من جهة تبشير الثقافات، ومن جهة أخرى إضافة ثروات هذه الثقافات إلى تراث الكنيسة لكي تصبح أكثر كاثوليكية، أي عالمية.

زينيت: لم التركيز على مسألة التثقّف في هذا الوقت بالذات؟

الأب مارتان برادير: لقد أدت الملحمة التبشيرية المذهلة في القرنين التاسع عشر والعشرين إلى نشوء كنائس جديدة في أفريقيا وآسيا وأوقيانيا التي طلبت جميعها أخذ تراثها الثقافي في عين الاعتبار لدى التعبير عن إيمانها. وأصبحت هذه العملية ملحة اليوم بسبب ظاهرة العولمة التي ينتج عنها تشوهات سريعة للغاية في السلوكيات الجماعية التي قد تؤدي إلى اختفاء كنوز حكمة التقاليد العريقة.

زينيت: هل كان أسلافنا في الإيمان يطبقون مفهوم التثقّف من دون سابق معرفة؟

الأب مارتان برادير: في الواقع، إن مفهوم التثقف قديم قِدم قصة الخلاص. فقد تمكن شعب إسرائيل خلال تاريخه من دمج ثروات آسيا (بلاد ما بين النهرين، بلاد كنعان، بلاد فارس…) وأفريقيا (مصر) وأوروبا (اليونان) في العهد القديم بعد تنقيتها. ومنذ العنصرة، انفتحت الكنيسة التي تنبثق من هذه الجذور اليهودية على ثروات البلدان الوثنية لإعلان قيامة المسيح في كل اللغات والثقافات.


زينيت
: ما هي مخاطر سوء فهم التثقّف ؟

الأب مارتان برادير: يكمن الخطر اليوم في اعتبار هذا المفهوم خطوة تحريرية في وجه الهيمنة الثقافية لكنائس أوروبا بسبب الجراح التي خلفها التاريخ. على سبيل المثال، ألقى سينودس آسيا الضوء على هذا الواقع المدهش: يسوع الأسيوي يبقى مختبئاً في وطنه لأنه الأسيويين يعتبرونه غربياً. في كنائس أفريقيا، غالباً م تتطرق الأوساط الفكرية إلى الرأي الذي يعتبر أن المسيحية كانت في خدمة الاستعمار. رداً على ذلك، يمكن اعتبار التثقّف عملية مشابهة لذلك مما قد يؤدي إلى تداخل الخصوصيات بدلاً من التعبير السمفوني عن الإيمان ذاته في الثقافات المختلفة.


زينيت
: كيف نتفادى هذه المخاطر؟

الأب مارتان برادير: إن التبشير والتعليم الديني المعمقين ضروريان للتعلق أكثر بشخص المسيح الذي يتخطى الثقافات. بمعنى آخر، يبدو لي أن التعمق في معرفة الإنجيل في عهديه القديم والجديد قد يساعد في حل الكثير من الجدالات الخاطئة. قد يجد مسيحيو أوروبا وآسيا وأفريقيا في يسوع المسيح جذورهم الروحية المشتركة، أي العالم اليهودي، فيكون تقربهم من بعضهم حقيقياً وأكثر سهولة. إلى جانب ذلك، يسمح الإنجيل بإعادة قراءة الثقافات عبر معرفة "بذور الفعل" الموجودة فيه أصلاً ومعرفة ما يجب تنقيته منها. بالعكس، تسمح الثقافات بإعادة قراءة الكتاب المقدس عبر احترام تقليد الكنيسة الحي والوفاء للعقيدة.

زينيت: يكثر الحديث اليوم عن الضرورة الملحة لتبشير بلدان أوروبا القديمة من جديد. هل يمكن أن تنطبق العودة إلى جذورنا اليهودية والإنجيلية التي ذكرتها على حضاراتنا الغربية؟

الأب مارتان برادير: نعم، أظن ذلك. في الخطاب الشهير الذي ألقاه البابا بنديكتوس السادس عشر والذي أسيء فهمه إلى حد كبير، أظهر قداسته عبر الكتاب المقدس أن هوية أوروبا ترتبط بتلاقي الإيمان المسيحي-اليهودي والفلسفة اليونانية. فأوروبا اليوم تحتاج إلى إيجاد هذا الحوار الخصب بين الإيمان والعقل الذي لطالما طبع تاريخها. يمكن لإعادة اكتشاف الجذور اليهودية والإنجيلية أن يساعد قارتنا "المفككة" بشكل خاص في استعادة معنى الحياة وحبها على ضوء قيامة المسيح.