مقابلة مع الدكتور جوزف طربيه، رئيس الرابطة المارونية

 روما، 23 أكتوبر 2007 (zenit.org).

 في مقابلة أجرتها معه وكالة زينيت، تحدّث رئيس الرابطة المارونية الدكتور جوزيف طربيه عن الرابطة ودورها على الصعيد السياسي والإجتماعي والإقتصادي ورؤيتها ومستقبلها، وعن معنى الزيارة التي قام بها إلى الفاتيكان وإيطاليا في ظل الأجواء السائدة في لبنان. وقد شدد طربيه على أهمية الوحدة بين اللبنانيين من مختلف الطوائف والأطياف وعلى دور لبنان كبلد رسالة في منطقة تتربص بها مخاطر جمّة.

ننشر في ما يلي النص الكامل للمقابلة.

 

س: هل عرّفتمونا بدايةً بشكل مختصر على الرابطة المارونية؟

ج: تأسست الرابطة المارونية منذ أكثر من خمسين عاماً وهي تمثل نخبة من الموارنة وفقاً لنظامها. وهذه النخبة متنوعة الأطياف على الصعيد السياسي وعلى الصعيد الفكري. وتجمعهم المارونية وهدفهم خدمة لبنان وخدمة الإغتراب أيضاً لأنه من جملة أهداف الرابطة موضوع الإنتشار اللبناني والمسيحي بصورة خاصة. والرابطة تُعتبر حارسة للتراث الماروني بالتنسيق مع الكنيسة المارونية حيث أن الرابطة تشكل بالفعل الجناح المدني للمارونية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى ومن مسؤولية.

س: ما هي علاقة الرابطة بالبطريركية المارونية؟

ج: البطريركية المارونية هي المرجعية النهائية للرابطة المارونية دون أن تكون الرابطة جزءاً من تنظيمات البطريركية. إذاً هناك استقلالية في العمل ووحدة في الهدف. وبالطبع هذه العلاقة هي علاقة مميزة وتعرفون الدور الذي يلعبه اليوم البطريرك الماروني في الحياة الوطنية في لبنان، والرابطة هي داعمة لهذا الدور ومساندة له وباكتمال الدورين نستطيع أن نخدم الأهداف المشتركة.

س: ما معنى الزيارة التي تقومون بها كرئيس للرابطة إلى الفاتيكان وروما؟

ج: هذه الزيارة تقليدية يُفترض القيام بها بعد انتخاب المجلس التنفيذي الجديد للرابطة المارونية حيث قمنا بزيارة وزير خارجية الفاتيكان ورئيس مجمع الكنائس الشرقية وبحثنا معهم في كل الشؤون التي ترعى العلاقة بين الكرسي الرسولي والموارنة في الإنتشار وفي لبنان. وتعرفون إستقرار وإستمرار السياسة الفاتيكانية الحاضنة للبنان ومسيحيي لبنان. وكانت بالفعل فرصة لتبادل الآراء في كل المستجدات الحالية وبالنظرة المستقبلية أيضاً لمستقبل لبنان والمنطقة التي نعيش فيها لأن مستقبل لبنان ذات تأثير كبير على المسيحية المشرقية وحتى على حوار الحضارات والعلاقات الدينية بين الإسلام والمسيحية باعتبار أن لبنان هو أرض الحوار ونقطة التواصل السلمية الأساسية في العلاقة بين هاتين الديانتين الكبيرتين ومصير المسيحية في لبنان يهم الفاتيكان أيضاً من منطلق أن وجود بلد يعيش فيه المسلمون والمسيحيون متساويين في منطقة الشرق الأوسط المضطربة والتي تلتقي فيها الصراعات الدولية اليوم، بينما لا صراع ديني في لبنان على هذا الصعيد. هذه تشكل بالفعل نقطة جديرة بالإهتمام، جديرة بالرعاية، جديرة بأن تحرسها المؤسسات الدولية والفاتيكان بهذه الناحية حساس جداً، وتعرفون موقفه باعتبار أن لبنان هو رسالة وليس فقط وطن.

س: ما هو دور الرابطة على صعيد الحوار الكنسي أولاً الكاثوليكي، سيما وأن لبنان مؤلف من أكثر من كنيسة مشرقية كاثوليكية وأيضاً أرثوذكسية. ما هو دور الرابطة وهل هناك من علاقات مع رابطات أخرى مسيحية كاثوليكية أو أرثوذكسية؟

ج: نحن بالفعل على علاقات ليس فقط مع المسيحيين المشرقيين إنما مع المسلمين أيضاً حيث هرمية الرابطة تتضمن 12 لجنة متخصصة بينها لجنة للحوار مع الأديان. وهذه اللجنة تقوم بالتواصل مع كل الأديان الموجودة في لبنان، وأنتم تعرفون أن لبنان يقوم على 18 طائفة مُعترف بها في القانون. ورئيس الرابطة هو رئيس اتحاد الرابطات المسيحية في لبنان. إذاً هناك دور للرابطة يتجاوز علاقة الرابطة بالشأن الماروني لتتناول أيضاً العلاقة بمختلف الكنائس المشرقية القائمة في لبنان.

س: ما هي خطوات المجلس التنفيذي الجديد برئاستكم؟

ج: خطوات المجلس التنفيذي متعددة. أولاً من واجباته النهوض بالرابطة بعد أن كانت نشاطاتها شبه مجمّدة في السنوات الأربعة الأخيرة نتيجة خطة إعادة النظر بنظامها وجراء إدخال إصلاحات وتحديث على هذا النظام. إذاًمجلسنا أتى بعد هذه الفترة من التأمل والركود وبالتالي دخلنا بمهمة إعادة تنشيط الرابطة من خلال القدوم بفريق قوي جداً يمثل بالفعل أهم الفعاليات الموجودة في الطائفة حيث يضم هذا الفريق سفراء سابقين شغلوا وظائف رئيسية في عواصم القرار الدولي كما يضم رؤساء هيئات إقتصادية كرئيس جمعية المصارف ورئيس جمعية الصناعيين وإعلاميين ورجال قانون كبار ورؤساء مؤسسات ضخمة وأكاديميين ورجال إدارة وجيش، ما يعني أن أهم اطياف المجتمع المدني الماروني ممثلة في هذا المجلس التنفيذي، دون أن يكون المجلس متوقفاً أمام أية اعتبارات سياسية. يضم مجلسنا كل الأطياف السياسية ونحن ندير قضية التنوع براحة وبتفاهم ونعتبر أن ما نقدمه في المجلس التنفيذي للرابطة من إمكانية التقارب الماروني الماروني هو بالفعل مثل يُحتذى في العلاقات الداخلية.

س: بالنظر إلى الأوضاع القائمة حالياً في لبنان والمنطقة وما يتعرض له المسيحيون بالإجمال من دون تفرقة بين ماروني وغير ماروني ونظراً للإستحقاق الرئاسي الذي هو على الأبواب في لبنان، ما هي التطمينات التي تلقيتموها من الكرسي الرسولي خلال زيارتكم؟

ج: أولاً، المسيحيون في لبنان لا يتعرضون لأي خطر لا يتعرض له بقية اللبنانيين. يعني في لبنان ليس هناك بالفعل من خلافات طائفية تنعكس على الوضع السياسي بل هناك خلافات سياسية تنعكس على المجتمع اللبناني بأجمعه. والدليل على ما أقول إن المسيحيين متوزعون على كافة الأطياف السياسية. والتحالفات الجارية في لبنان سياسياً تخطت الإطار الطائفي خصوصاً بالنسبة إلى المسيحيين، أي إنهم ليسوا مع فريق واحد أو جهة واحدة بل هم متوزعو التحالفات وأنا بالفعل كنت أطمح بأن يكونوا هم موحدين وفي الوقت نفسه جسر تواصل مع بقية الطوائف لأن الدور المسيحي الذي نريده في لبنان هو أن يكون دور الوصل وليس دور الفصل، بأن يكون دور التقارب وليس دور التحزب خاصةَ في هذه المرحلة المصيرية التي تعيش فيها منطقة الشرق الأوسط على فوهة بركان وتنعكس فيها الصراعات الخارجية على الأوضاع الداخلية في لبنان. هذه أول مرة نرى فيها أن الصراع الجاري في لبنان هو بأساسه صراع خارجي مطلق ينعكس على البنية المتنوعة الغنية بالأفكار والإتجاهات ويؤثر بالتالي على الإستقرار الداخلي. وما يحصل هو بالفعل يشير إلى أن خط الصراع الإقليمي يمر في لبنان مثلما يمر في فلسطين ومثلما يمر في العراق ومثلما يمر في سوريا، وبالتالي نحن في منطقة ملتهبة ونسعى لأن نحيّد لبنان قدر المستطاع عن هذا الصراع بحيث لا يُستعمَل اللبنانيون وقوداً له وهم في الواقع ليس بينهم قضية كبرى غير قضية هذا الصراع. لأنه في لبنان ليس هناك من صراع دستوري. نحن متفقون جميعاً على دستور الطائف وعلى توزيع السلطات بين مختلف الطوائف اللبنانية. وهذه إشارة سلام كبيرة بأن لا يكون في البلد بالفعل صراع على النظام. فإذاً الصراع ليس على النظام. وهناك وحدة وطنية فعلية تتجلى بالشعب وتتجلى بالجيش أيضاً بدليل أن الإعتداء الذي حصل في نهر البارد واجهه الجيش اللبناني ملتحماً بكافة طوائفه وأظهر وحدة لا بد من أن تنعكس إندماجاً مطلقاً بين مختلف فئات الشعب اللبناني حيث تسابق الجميع من كل الأطياف والطوائف للدفاع عن لبنان في معركة كان جزء كبير منها التلاحم بالسلاح الأبيض – نكاد نقول بالسلاح الأبيض- بدليل عدد الضحايا الذين سقطوا في تلك المعركة وروح الإستشهاد التي أبداها مختلف أطراف الجيش اللبناني أمام خطر اعتبروه أنه خطر على لبنان وبالتالي توحدوا في مواجهة هذا الخطر.

س: تقولون إن ما من صراع في لبنان وأن الصراع نوعاً ما يأتينا من الخارج. ولكن ما هي نظرتكم إلى المشاحنات بين الأطراف المارونية وما هي الخطوات التي تستطيع الرابطة الإضطلاع بها للخروج من هذا المأزق؟

ج: طبعاً نحن لسنا راضين تمام الرضى على الإنقسام الحاد المسيحي أمام الإستحقاقات الكبرى. كما أننا لا نطمح من جهة أخرى لأن نضع كل الفرقاء المسيحيين ضمن نظرة واحدة ورؤية واحدة. ونحن كموارنة وكمسيحيين نفتخر بحرية الرأي وحرية الفكر لدينا. ولا نتصور إطلاقاً أن يكون هناك قالب واحد يصب فيه ليس فقط كل المسيحيين بل كل اللبنانيين. ونحن نعطي مثلاً حياً على ذلك من خلال إدارة شؤون الرابطة إذ نعتبر أن التنوع الموجود فيها يتطلب حنكة ودراية لإدارة الشأن العام ولكنه لا يسبب إطلاقاً لا إنقساماً ولا مناكفة ولا عداءً. ونرجو أن ينقلب هذا الموضوع على الشأن السياسي، وبالفعل ضمن إطار الرابطة لدينا اللجنة السياسية التي ينص عليها النظام وهي تضم كل الفرقاء المسيحيين المختلفين ضمن الإطار الذي تعمل فيه الرابطة ويشكلون جسر حوار وتواصل. ونأمل من خلال هذه اللجنة التي هي من ضمن تركيبة الرابطة أن تكون مفاعيلها كبيرة على وضع سقف للخلافات، ليس إلغاء او إزالة الخلافات وإنما وضع سقف مقبول نتحاور تحته ونختلف تحته ولكن لا نتعداه لأننا إذا تعديناه نكون بالفعل نضر بالمصلحة اللبنانية وبمستقبل لبنان واستمراريته. إذاً موضوع الحالة مرتبط بالفعل بالمنافسة التي يسببها الإستحقاق الرئاسي، لأن هناك موضوع منافسة هنا والمنافسة مشروعة ولكن يجب أن تجري ضمن إطار المؤسسات الدستورية. أي نحن نقبل المنافسة على مصراعيها ولكن شرط أن تحترم قواعد اللعبة. فالخروج عن قواعد اللعبة يجعل لبنان في مهبّ الرياح وهذا يشكل خطراً على مستقبله ومستقبلنا معاً ونعمل نحن على الحد من إنفلات هذا الأمر وقد بادنا في الشهرين الماضي والحالي إلى استضافة أسبوعية لكل الرموز الضالعة في الإستحقاق الرئاسي، بحيث تأتي إلى الرابطة وتتحاور مع اللجنة السياسية والمجلس التنفيذي في سبيل الوصول إلى أطر نستطيع التفاهم على أساسها وتساعد في اجتياز الإستحقاق الرئاسي بأقل قدر ممكن من الإنعكاسات السلبية.

س: ما هو نوع الدعم الذي تتلقونه للقيام بمهامكم في الرابطة المارونية وما هي التحديات التي تواجهونها في الرابطة؟

ج: نحن لا نطلب دعماً من أحد. نحن أتينا لندعم وبالتالي فتركيبة المجلس التنفيذي التي هي تركيبة أناس فاعلين يُطلَب منهم الدعم ولا يمكن أن يطلبوا الدعم إلا الدعم المعنوي والدعم التأييدي لخطواتهم في سبيل تنزيه العمل الوطني من كل الشوائب في سبيل خفض التنافس المضرّ وتشجيع التنافس المفيد بحيث يكون التنافس نحو الأصلح وليس التنافس الذي لا يأخذ بعين الإعتبار القواعد والتقاليد التي يجب أن تتمحور حولها السياسة اللبنانية والسياسيين اللبنانيين وهي تقاليد كانت في الماضي كبيرة ومحترمة وأطلقت رجالات خدموا لبنان ليس فقط في الداخل وإنما على صعيد الأمم المتحدة وعلى صعيد الساحات الدولية والإغتراب. فنحن نظرتنا إلى السياسيين اللبنانيين لا تقتصر فقط على السياسيين العاملين في الحقل الداخلي بل نحن ننظر أيضاً إلى اللبنانيين وبصورة خاصة إلى المسيحيين الذين تبوأوا ويتبوأون أعلى المراكز على الساحة الدولية سواء في حقل الدول التي يعيشون فيها حيث وصل بعضهم إلى أعلى المناصب بما فيها مناصب الرئاسة أو كان ذلك على الصعيد الإقتصادي حيث أيضاً نرى لبنانيين يتبوأون أعلى هرم من أهرام الثروة. فإذاً ليس عندنا عقدة الضعف ولا عقدة الإستضعاف. عندنا بالفعل نظرة أوسع من خريطة لبنان إذ نعتبر أننا نعيش في عصر القرية الكبرى واللبنانيون منتشرون في هذه القرية وبصورة خاصة يخدمون منطقتهم. فإذا ما نظرنا إلى انعكاسات الأزمة على لبنان رأينا أن هناك هجرة واغتراباً كبيراً ولكن هذه المرة هي هجرة مثقفة، كفوءة وخريجة أهم الجامعات اللبنانية التي هي أهم الجامعات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط والتالي برز النظام التعليمي للبنان كنظام متقدم في المنطقة يزوّد المنطقة بالكادرات الإقتصادية والإدارية والفنية والإعلامية والثقافية والفكرية والمالية بحيث نرى بالفعل الطلب على الموارد البشرية اللبنانية هو في أعلى مستوياته حالياً.

س: بالحديث عن الهجرة ما الذي تقو م به الرابطة المارونية للحد من ظاهرة هجرة الشباب اللبناني وبالتحديد المسيحي الماروني منه؟

ج: الهجرة في لبنان هي هجرة شاملة أي أنه لا يمكن أن نقول إنها محصورة بفئة دون فئة أخرى، إنما هناك فروقات في مستقبل الهجرة، ما يعني أن المهاجرين المسيحيين منهم بصورة خاصة والموارنة عندما يهاجرون إلى بلاد الغرب وبصورة خاصة الأميركيتين يندمجون في المجتمات ويعتبرون أنهم جزء منها وبالتالي يفقدون بعد جيل أو جيلين اتصالهم بالوطن ويعتبرون نفسهم جزءاً من البلاد الجديدة التي دخلوا فيها. بينما الإغتراب والهجرة من الطوائف الأخرى فهي بمعظمها تعتبر نفسها بأنها تدخل مجتمعات جديدة غريبة عنها لا تبحث عن الإندماج فيها إنما تعتبر وجودها فيها موقتاً بسبب عمق اتصالها مع مجتمعها الأم لأسباب ثقافية وحضارية ودينية وما شابه. فإذاً الفارق بين المهاجرين هو موضوع الإندماج في مجتمع الهجرة. ونحن نتمنّا من إخواننا الموارنة والمسيحيين أن يحافظوا على علاقتهم مع لبنانهم لأنه وطن تاريخي لهم ووطن حضارة وحرية ويستطيعون أن يرفعوا الرأس لانتسابهم له وبصورة خاصة حيث يشكل المغتربون اللبنانيون في معظم البلدان شبكة علاقات مهمة تخدم أهدافهم الشخصية من أهداف مالية وإقتصادية وتجارية وما شابه، كما أنها تنعكس إيجاباً على لبنان بدليل حجم القطاع المصرفي اللبناني الذي يضم جزءاً كبيراً من ثروات المغتربين والمهاجرين بحيث تبلغ نسبة حجم موجودات هذا القطاع إلى نسبة حجم الدخل القومي في لبنان نسبة غير مسبوقة لأنها تساوي حوالى 350 % من نسبة الدخل القومي، وهذه النسبة بين موجودات القطاع المصرفي وحجم الدخل القومي قي لبنان (الذي يعبّر عن الثروة لبلد ما) هي في معظم البلدان أقل من 100%. إذاً هناك تبادل في الإفادة من المواطنية اللبنانية ومن الإقتصاد اللبناني بحيث يستفيد المغتربون من هذا الإقتصاد نتيجة إيداع أموالهم في جزء كبير منها في لبنان كما لبنان أيضاً يفيد من هذه الثروة بحيث أنه مرّت ثلاثون سنة من الأحداث والحروب وبقي لبنان يموّل نفسه بنفسه من سيولة أبنائه وليس من الإستعطاء الخارجي على أبواب الدول وأبواب صناديق الإغاثة.

س: لقد قلتم للتو إن المسيحيين يندمجون نوعاً ما في المجتمعات التي يهاجرون إليها. فما هي الخطوات العملية التي تتخذونها في الرابطة المارونية للبقاء على تواصل مع هؤلاء المسيحيين تلافياً لأن يفقدوا هويتهم اللبنانية وأن يندمجوا إلى أبعد الحدود في المجتمعات التي يذهبون إليها ويصبحوا من الأجيال الثانية والثالثة كما نرى اليوم؟

ج: لا أحد يستطيع أن يمنع الإندماج لأن هذه قضية فكرية وقضية ثقافية. ما نريده هو أنه ولو اندمجوا في المجتمعات التي هم فيها، ونحن لا اعتراض لدينا إطلاقاً على خدمة أوطانهم الجديدة وعلى دخولهم بالعمق في مجتمعاتها ونشاطاتها لأنها تعبّر بالفعل عن انبعاث شخصيتهم وغناها وتأقلمها، إنما نريدهم أيضاً أن يبقوا محافظين على علاقتهم بلبنان وذلك لأسباب عاطفية ولأسباب أيضاً منفعية وكذلك وطنية سياسية بحيث يكون لهم دائماً كلمة في بلاد الأرز التي هي بلادهم الأساسية ويستطيعون أن يقدّموا ما يستطيعون تقديمه لبلد الحوار الأول في العالم لأننا نعتبر أن لبنان هو بلد الحوار الأول في العالم، بلد تآلف الأديان والحضارات واحترامها لبعضها البعض وتجاورها. وإذا نظرنا إلى خريطة لبنان الدينية لرأينا أن هذه الخريطة فيها إبداع وتقارب وتعاون، وحتى في القرى اللبنانية عندما تحدث وفاة أو يكون هناك مناسبة فرح نرى رجال الدين من كل الفرقاء يشاركون في هذه المناسبات. إن أعمالي ونشاطاتي في لبنان تجعلني أتنقّل في العالم العربي كله من خلال موقعي في رئاسة إتحاد المصارف العربية. ليس هناك من تجربة مثل التجربة اللبنانية ولا من بلد على هذا الصعيد يحترمه العرب أكثر من لبنان بالنسبة إلى هذا الموضوع. فروح التسامح الموجودة في لبنان ينعم بها العرب حتى ولو كانوا في أوطانهم لديهم وجهات نظر أخرى أو يخضعون لأنظمة أخرى. فهم يأتون إلى لبنان وينظرون إلى لبنان ويؤيدون بقاء روح التسامح في لبنان، وكما تعرفون فدستور الطائف الذي أُقرّ في الطائف في المملكة العربية السعودية التي يختلف نظامها اختلافاً كلياً عن لبنان كان بتأييد كل الدول العربية، أي أن كل الدول العربية وافقت وأيدت أن يبقى في لبنان رئيس دولة يكون مسيحياً ويكون رئيس مجلس النواب شيعياً ويكون رئيس الحكومة سنياً. وهذا موقف هو بالفعل تاريخي بأن يكون هناك تأييد عربي إسلامي لهذه الصيغة المتنوعة التي تشكل قبلة الأنظار ومصدر غنى للعالم العربي بأجمعه.

س: لقد تكلمتم عن الصيغة المتنوعة في المجتمع اللبناني في الوضع السياسي اللبناني وفي الدستور اللبناني. نخشى أن تستمر الحالة القائمة اليوم لجهة عدم عيش هذه الصيغة المتنوعة. هل تتوقعون حلولاً وما هو دوركم كرئيس للرابطة بإعادة هذه اللحمة التي فقدت جراء النزاعات السياسية. هل من حلول قريبة برأيكم ونحن على أبواب الإستحقاق الرئاسي؟

ج: نحن ننظر إلى الموضوع من منظار واسع. فما يحصل في لبنان هو بالفعل خلاف سياسي عميق وليس خلافاً طائفياً كما قلتُ، إلإ إذا اعتبرنا أن الصراع القائم في منطقة الشرق الأوسط هو صراع سني-شيعي ترك انعكاساته في لبنان. ولكن في لبنان حتى الآن هناك حاجز يحول دون تفجيره، ما يعني أن هذا الصراع الذي برز بصورة خاصة في العراق، عندما دقّ أبواب لبنان بعنف وجد من يلجمه بصورة فورية نتيجة أولاً تجربة اللبنانيين المرّة في الحرب الأهلية السابقة وثانياً نتيجة عدم وجود عداء فعلي طائفي في لبنان وإنما وجود مشاريع سياسية تدقّ باب لبنان وهذه المشاريع هي بالفعل انعكاس لصراعاتها في المنطقة. ونحن نحاول أن ننقذ الإستحقاق الرئاسي ونخرجه من هذه المحنة التي ليس هو سببها إنما هي انعكاساتها عليه لأنه ليس من خلاف في لبنان على أن يكون رئيس الجمهورية من الطائفة المارونية فإذا حددنا الصراع والخلاف لوجدنا أن الخلاف ليس على هوية الرئيس الطائفية إطلاقاً بل الخلاف هو على هوية الرئيس السياسية، وهل هو من هذه الجهة أم من الجهة الأخرى. وبالتالي فإن هذا الموضوع يتطلب معالجة خارجية وداخلية بحيث نستطيع أن ننجز الإستحقاق الرئاسي بموعده حتى لا نفتح باب عدم الإستقرار بالنسبة للبنان وإنجاز الإستحقاق الرئاسي بموعده متوفر لأنه ليس مطلوباً من الرئيس أن يدخل ضمن مشاريع سياسية وإنقسامات سياسية بل يجب أن يكون وبحسب الدستور اللبناني حَكَماً بين المتصارعين يستطيع بروحه الإبداعية وحنكته ودرايته أن يقرّب الخيارات الوطنية المختلفة بحيث يجعل كلاً من المختلفين أو المتحاورين يحصل على شيء من خلال الحل ويكون الرابح الفعلي هو لبنان بتمكّن الرئيس من تدوير الزوايا الحادة والحرص دائماً على أن تكون المصلحة الأولى المحترمة هي مصلحة لبنان.

س: طبعاً لا يفوتكم بوصفكم رجل أعمال واقتصاد ما لهذا الوضع من تدعيات على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي في لبنان. ما هي الخطوات التي تتخذونها للحدّ من تفشّي الأزمة الإجتماعية في البلاد؟

ج: طبعاً إن التأزم السياسي انعكس في السنتين الماضيتين وينعكس الآن بصورة أسرع على الوضع الإقتصادي وعلى معيشة اللبنانيين وهذه أمور نلفت دائماً انتباه السياسيين إلى التوقف عندها بإمعان، لأنه لا يمكن أن نضغط بالخلافات السياسية على صدر البلد حتى الإختناق ونعجب بعدئذٍ كيف قطعنا أنفاسه وجعلناه في حالة لا يُحسَد عليها. هناك مسؤولية كبيرة على السياسيين وأعتقد أنهم مدركون لها. وبالنتيجة فإن مظهر التشنج السياسي واضح وما يسببه هذا الإحتدام والإستنفار وأحياناً الإنفجارات والإغتيالات السياسية من عدم استقرار على اللبنانيين واقتصادهم وأعمالهم وهجرتهم إلى الخارج. واليوم إن الحركة الكبيرة هي حركة خروج الشباب لأخذ مواقعهم في أوطان أخرى ونحن نأمل أن يتم الإستحقاق الرئاسي بخير ليعود مؤشر الإستقرار إلى البلد وهو فعلاً سيعود في ما إذا استطعنا احترام الدستور اللبناني لأن البنية الحيوية للبنان موجودة، والطائرات تتوجه من وإلى لبنان ملأى بالركاب. كنا في السابق نحصي السياح، أما اليوم فبتنا نحصي اللبنانيين الذين يشكلون غالبية المسافرين على هذه الطائرات للعمل في الخارج والعودة أحياناً في نهاية الأسبوع أو نهاية الشهر، بحيث أصبح جزء كبير من الشعب اللبناني مسافراً ولم يعد مستقراً في وطنه وهذه كلها أو الجزء الأكبر منها هي تأثيرات الوضع السياسي الحالي حالياً في لبنان.

س: سؤال أخير. لقد تناهى إلى مسامعنا أن الرابطة المارونية ونظراً لتكوينها من شخصيات وسفراء ووزراء تسعى إلى التحول إلى مركز أبحاث أو مركز أكاديمي في البلاد وربما في المستقبل في الشرق. فما الذي يمكنكم أن تقولوه لنا حول هذا الموضوع؟

ج: نحن نطمح للرابطة بأن تكون أيضاً بالفعل نقطة ارتكاز للرأي والمشورة على الصعيد الوطني ونسعى بالفعل لتطوير إمكانيات الرابطة على هذا الصعيد من خلال اللجان المتخصصة الموجودة فيها والتي تضم أهم الفعاليات العاملة في لبنان على الصعيد الفكري والإقتصادي وعلى صعيد الأنشطة عامة. وتعرفون أن الرابطة تضمّ في عضويتها معظم رؤساء الجامعات في لبنان ومعظم رؤساء الأحزاب ورؤساء الجمهورية السابقين ومعظم الوزراء والنواب الحاليين والسابقين والمرشحين البارزين لرئاسة الجمهورية حالياً كلهم أعضاء في الرابطة. فإذاً هذا النادي هو نادي النخبة. وباعتباره نادي النخبة يقتضي تفعيله ليعمل بالفعل ضمن الإطار الذي تعمل به نوادي النخبة، بمعنى آخر أن يكون هناك فكر استراتيجي يشارك الجميع في تطويره ويكون هذا الفكر جاهزاً لخدمة المسؤولين في الدولة والمسؤولين في القطاع الخاص وللتعاطي الدولي أيضاً بكل ما يخدم لبنان ويقوي منعته, وهذا جزء من اهتمامنا بالزيارة التي قمنا بها إلى إيطاليا، سواء في اجتماعنا بالمسؤولين الكبار في الفاتيكان أو اجتماعنا بالرئيس برودي الذي استمع في الماضي ويستمع اليوم بأذن صاغية إلى رأي الرابطة في ما يجري وما يحدث على الصعيد اللبناني. وتعرفون أن إيطاليا تلعب دوراً محورياً في لبنان من خلال قيادتها لقوات الأمم المتحدة ومن خلال وجودها ودورها في أوروبا ومن خلال أيضاً علاقاتها العربية التي ساعد وجودها على رأس قوات حفظ السلام في لبنان على تطوير هذه العلاقات ولعبها دوراً محورياً في الدور المستقبلي لإيطاليا في المشرق العربي. إذاً نحن نقارب الموضوع ليس فقط حلاً لأزمة موجودة حالياً في لبنان إنما تطويراً لعلاقات مستقبلية كبيرة تلف العالم العربي مع أوروبا التي يجمعها البحر المتوسط بحيث يكون هذا البحر بحيرة سلام داخلية تجمع على ضفافها شعوباً متحاورة ذات ثقافات متنوعة ولكن ذات رؤية إنسانية غنية مشتركة.