رأي هيئة أساتذة المعهد الحبري بالرسالة المفتوحة التي وجهها 138 عالم مسلم لرؤساء الكنائس المسيحية

رأي هيئة أساتذة المعهد الحبري للدراسات العربية والإسلامية في روما بالرسالة المفتوحة التي وجهها 138 عالم مسلم لرؤساء الكنائس المسيحية

"كلمة سواء بيننا وبينكم"

روما، 29 أكتوبر 2007 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي رأي هيئة أساتذة المعهد الحبري للدراسات العربية والإسلامية في روما الصادر في 25  أكتوبر الجاري، تعليقًا على الرسالة المفتوحة التي وجهها 138 عالم مسلم لرؤساء الكنائس المسيحية بعنوان "كلمة سواء بيننا وبينكم"، والتي صدرت في 13 أكتوبر 2007 بمناسبة عيد الفطر.

 * * *

 إن الرسالة المفتوحة والنداء الذي وجهه القادة الدينيون المسلمون إلى مسؤولي مختلف الكنائس المسيحية – كرسالة احتفالية بمناسبة ختام شهر رمضان 1428 \\ 2007، وبمناسبة ذكرى مرور سنة على الرسالة المفتوحة من 38 عالماً مسلماً لقداسة البابا بندكتس السادس

عشر في عام 2006، إنما هي حدث بالغ الأهمية، ولا يجب إهمالها بل تقديرها بكل أهميتها.

 لهذا، نعتبر، نحن أعضاء الهيئة التعليمية في المعهد الحبري للدراسات العربية والإسلامية (PISAI) في روما، وإذ تهمنا بشكل خاص العلاقات بين المسيحيين والمسلمين، أنه من واجبنا أن نعبر عن رأينا بشأن هذه الوثيقة.

 وإذ نحاول الولوج دون أحكام مسبقة في دينامية الحدث – لأننا نؤمن بصدق نوايا الذين أصدروه بعد أن تطهروا بواسطة صوم رمضان الطويل – نود أن نعبر عن تقديرنا لما يحمله تقديم ومكنون هذه الصفحات.

 إن ترددنا الحثيث والطويل الأمد نسبيًا إلى موارد التراث الثقافي والديني الإسلامي، وعلاقاتنا الفريدة مع الجماعة الإسلامية، تسمح لنا بتسطير جدة المبادرة وتؤهلنا لكي نلفت انتباه غير المسلمين إلى نوعيته.

 في المقام الأول، نعبر عن إعجابنا للأفق الواسعة التي يتمحور فيها هذا النص: سعة الموقعين، 138 شخصية إسلامية من دول عديدة ومن كل القارات، والذين تعبّر انتماءاتهم عن تنوع واختلاف؛ سعة المرسل إليهم، كل قادة الكنائس المسيحية المختلفة، حيث يتم ذكر 28 منهم صراحةً. وفي الخط عينه، نشير إلى اتساع المجال المعروض، الذي يتضمن المسلمين، المسيحيين، اليهود وكل الأشخاص في العالم بأسره.

 لا يتستر كتاب النص وراء ادعاء دفاعي عقيم ينطلق من مبدأ "الأمة"؛ بل يضعون أنفسهم كشركاء في البشرية جمعاء، والتي يعرضون عليها طريقتهم في فهم المبادئ والأسس – التي تعترف بها الجماعات الأخرى – من أجل الحفاظ عليها بسلام عام وفاعل.

 كذلك، تستحق سعة المنظور الانتباه: فالكتاب يهتمون إن بمصير العالم الحالي، الحاضر الآن وهنا، وإن بعالم "النفوس الأبدية"، عالم الآخرة والمستقبل. هذا المنظور المزدوج، الذي هو في الوقت عينه باطني ومتسامٍ، يحرك تيارًا قويًا ومحررًا.

 كما ويؤثر فينا الطابع المبدئي في الخطاب، الذي يضع في الميدان الله والإنسان. من السهولة بمكان التوقف على أفكار سخية، تبقى مبهمة وعمومية، بدل جذب الانتباه إلى إلحاحية حقوق الله والإنسان، التي تتطلب من كل شخص انتباهًا مستمرًا وحبًا عمليًا وعاملاً.

 كما ويعجبنا الانتباه الصادق، الذي يكرسه موقعو الرسالة إلى المرجعية الأساسية التي ترسم الآخر كيهودي أو مسيحي، أي الوصية المزدوجة بمحبة الله والقريب في سفر تثنية الاشتراع وفي إنجيل متى.

 تبدو لنا إرادة الاعتراف بالآخر هذه، مع الرغبة العميقة بأن يكون ما يريد أن يكون، إحدى نقاط النص الأساسية. وحدها هذه الإرادة تستطيع أن تضمن نجاح علاقة حقة بين الجماعات المختلفة دينيًا وثقافيًا.

 في الوقت عينه، نقدر الطريقة التي يرى فيها كتاب النص في هذه الوصايا، كمسلمين، تعريفًا بهويتهم الذاتية. يبدو لنا وكأنهم لا يقومون بذلك من أجل الإطراء أو السياسة، بل بالحقيقة، وفقط انطلاقًا من إعلان التوحيد، ركيزة الدين الإسلامي.

 نعترف بأن القبول الجذري بالتوحيد هو إحدى التعابير الأصيلة عن المحبة التي تتوجب على الإنسان نحو الله وحده، وأن محبة الله لا تنفصل عن محبة القريب: الإيمان، كما لا ينفك القرآن يردد ("الذين آمنوا" و "عاملوا الصالحات": البقرة 2، 25)، لا ينفصل عن الأعمال الصالحة.

 نحن ممتنون لأولئك الذي يحثوننا لكي نحافظ على نظرة واقعية وشجاعة، مسطرين هكذا التفاهم بشأن ما هو جوهري ويؤسس مختلف جماعات المؤمنين.

 بالواقع، هم لا يلغون الاختلافات في وجهات نظرنا الكريستولوجية؛ من ناحية أخرى، لا يتغاضون عن مشكلة الحرية الدينية ("لا إكراه في الدين": البقرة 2، 256)، التي يعتبرونها نقطة أساسية.

 هذه الواقعية لا تمنعهم من رؤية إيجابية للعوائق والاختلافات التي تبقى بيننا، لدرجة أنهم في أمانتهم إلى التقليد القرآني الذي يلهمهم، يرون في هذه الاختلافات مناسبة للبحث عن الخير المشترك ("فاستبقوا الخيرات": المائدة 5، 48).

 بكل تأكيد، هذه النظرة الإيجابية للمصاعب هي التي سمحت لهم أن يضعوا جانبًا الجدل، وأن يتجاوزوه وألا يعتبروا الخيبة التي نتجت عن جواب لم يطابق توقعاتهم، بُعيد الرسالة التي وجهوها إلى قداسة البابا بندكتس السادس عشر عام 2006.

 من خلال قراءة هذه الوثيقة، نرى من قبلهم نظرة جديدة وخلاقة إلى النص القرآني والتقليد النبوي، في ما يتعلق ببعض التفاسير التاريخية – التي كانت متأثرة ببعض الأوضاع الخاصة التي كانت تحجم نتائجها – بشأن اعتبار غير المسلمين.

 نفكر بشكل خاص بالقيمة العامة التي يعطونها لآيات سورة آل عمران 3، 113 – 115، التي تشير إلى " أمَّة قَآئِمٌَة يَتْلون آيَاتِ اللهِ آنَاء الليْل وَهُمْ يَسْجُدُون" والتي كان بعض المفسرين يطبقون حتى الآن فقط على المسيحيين المزمعين على الارتداد إلى الإسلام.

 يسعدنا أن نرى أن الاستشهادات البيبلية من العهدين الأول والثاني في هذه الوثيقة، هي مستمدة من المراجع الأساسية، وأن التفاسير المعطاة ترتكز أحيانًا على اللغات الأصلية: العبرية، الآرامية، واليونانية. وهذه شهادة لاحترام وافر ولانتباه كبير نحو الآخر، إضافة إلى روح علمي أصيل.  نرى في هذه الحالة أيضًا ظهور نظرة جديدة.

 ختامًا، نود أن نشدد على موقف الكتاب الإيجابي من حيث المبدأ في تفسير النصوص الثلاثة المتوازية في الأناجيل الإزائية. كان بامكانهم أن يختاروا تفاسير مقيدة وقصيرة النظر التي كان باستطاعتهم استقاؤها بسهولة من التقليد المسيحي وهم حتمًا لا يجهلونها.

 وإذ يشجعنا موقفهم، نود أن نعتمد نحن أيضًا التفسير الواسع الآفاق الذي بحسبه لا تحصر النصوص القرآنية والتقليد النبوي بأبناء الأمة الخيرات التي يجب على كل مسلم أن يتكرم بها على جاره باسم الإيمان بالله ومحبته الشخصية له.

 تشجعنا هذه الوثيقة على متابعة التزامنا بقناعة، حتى لا يكون اختلاف ألسنتنا وألواننا (راجع الروم 30، 22)، أي اختلافاتنا الثقافية العميقة، مدعاة للشك أو الاحتقار أو الاختلاف – كما حدث غالبًا في علاقاتنا، لا في الماضي فقط، بل أيضًا في أيامنا هذه – بل يتم قبولها كعلامة للعالمين (إن في ذلك لآية للعالمين)، أي كرحمة من لدن رب الجميع.

 
الأب ميغيل أنخل أيوسو غويكسوت، عميد الكلية

الأب أتيين رونو، مدير الدروس

الأب ميشيل لاغارد، أستاذ

الأب فالنتينو كوتيني، أستاذ

الأب فيليكس فيري، أستاذ

المعهد الحبري للدراسات العربية والإسلامية

 
PISAI

 
Viale di Trastevere, 89

00153 Roma

Tel. (39) 06 58392611

Fax (39) 06 5882595

e-mail: info@pisai.it