قيام وتأسيس رهبنة الفرنسيكانيات مرسلات مريم

باقي موضوع "جرأة امرأة"

 \"\"

 

بقلم أنطوانيت

صديقي كم وكم من المشاكل تبدأ وتكبر بحياتك بينك وبين الآخر لعدم السماع له أو عدم وجود جسر يصل بينك وبينه في طريقة الفكر والعمل ؟؟ حتى داخل أسرتك. هل تبني جسر أم تهدم الجسور ؟؟؟

 

في الموضوع الماضي، توقفنا عند تدهور الوضع بين الراهبات في الهند: الأم ماري دو لا باسيون و20 راهبة أخرى، وبين بيت الرئاسة في فرنسا وذلك لعدم السماع لها.

 في سنة 1876، وعلى أثر سوء التواصل والتفاهم هذا، سافرت الأم ماري دو لا باسيون ومعها ثلاثة من الراهبات إلى روما. وهناك سيكون لبعض العلمانيين دورًا فعالاً بين الراهبات وبين الكرسي الرسولي في روما، فساعد ذلك الراهبات بالالتقاء مع البابا.

عانت ماري دو لا باسيون في روما الكثير والكثير من الفقر قبل أن تحصل على سماح شفهي من البابا بتأسيس الرهبنة : قال البابا يومها:ً " إني أباركهن"

كذلك بعد مخاض مرهق تأسست الرهبنة باسم مرسلات مريم في 6 يناير 1877. فقالت الأم ماري دو لا باسيون: " سعادتي أن أكون ابنة لمريم؛ كم من النفوس تقول مع السامرية أنا عطشى … لنعطف على تلك النفوس العطشى كبنات لمريم، رسالتنا هي أن نتابع رسالة مريم إعطاء يسوع إلى العالم، دعوتنا هي الإتحاد مع مريم من حيث أننا عابدات ومرسلات، لنتابع عملها في الأرض بلا ضجة، في المحبة في سلام الناصرة وتواضعها "

 

وكشعلة نار مدفوعة بقوة الروح القدس، انطلقت ماري دو لا باسيون وبدأت في تأسيس أول بيت للرهبنة في سان بريوك بفرنسا؛ كان بيت صغير وفقير جداً ولا أثاث فيه. وبالرغم من ذلك أذن أسقف المدينة بوجود القربان فيه واحتفل بأول قداس معهن في هذا البيت مع بعض سيدات سان بريوك. فسرعان ما توافدت الدعوات تطلب الإنضمام إلى الرهبنة " رهبنة مرسلات مريم ". هذا الأزدهار السريع لم يشغل المؤسَّسة عن دورها في التنشئة، فعملت على توطيد روح البساطة والأخوة والفرح في الحياة الجماعية، وروح الشمولية في الحياة الرسولية، وتتابعت حفلات لبس الثوب. وبدأ الأنطلاق، إذ أرسلت ماري دو لا باسيون خمس راهبات ليلتحقن بأخواتهن في الهند، ويشاركنهن فرح ولادة هذه الرهبنة الجديدة، ولكي يؤسِّسن ديرًا ثانيًا في الهند

من اقوال الطوباوية في هذه الفترة " إلهي أجعل من قلبي ومن الرهبانية شعلة نار تلهب العالم " يد الله كانت تقود هذه الرهبنة الجديدة، وتقدمها السريع ما كان إلا تلبية لاحتياجات العالم الواقعية.

 

وفي عام 1880، وبمساعدة بعض العلمانين تمّ تأسيس بيت آخر "الشاتوليه" بمنطقة أخرى، أكبرمن دير "سان بريوك"، فانتقل بيت الابتداء إليه، وذلك لإيستيعاب الدعوات الكثيرة.

 

وحتى سنة 1882 كانت الرهبنة شبيهة بأجنه في أحشاء أمها قبل الولادة، نابضة بالحيوية، فلابدّ أن يأتي اليوم ويرى هذا الجنين النور.

ثم توجهت الأم ماري دو لا باسيون ثانية إلى روما. فقادتها العناية الإلهية للقاء الرئيس العام للرهبنة الفرنسيسكانية، حيث شعرت من جديد بأنها في بيتها إلى جانب روحانية القديس فرنسيس. نصحها الرئيس العام بأن لا تتأخر عن كتابة قوانين الرهبنة، فدوّنتها وهي جالسة على مدرج " الكوليزية " في روما، في المكان الذي كان الشهداء يبذلون دماءهم من أجل المسيح في بداية انتشار الكنيسة. وكانت تقول " عليّ الحصول على اعتراف علنيّ رسمي بالرهبنة مهما كلف الأمر، وإنشاء قوانين توافق عليها الكنيسة."

 وفي الذكرى المئوية السابعة لولادة القديس فرنسيس 4 أكتوبر 1882، دخلت الأم ماري دو لا باسيون الرهبنة الفرنسيسكانية الثالثة، ومن بعدها أنضمت جميع الراهبات إلى العائلة الفرنسيسكانية باسم " الفرنسيسكانيات مرسلات مريم "، وفي 1882 تأسس دير الرئاسة العامة في روما وتمّ الأعتراف النهائي بالرهبنة

 

صديقي العزيز بأي مقدار يوجد في داخلك حماس كهذا فتعمل به كشعلة نار ولا تتوارى لحظة للوراء ؟؟؟

وإن كان لك هذا الحماس بمقدار صغير فإلى متى لا تسعى إلى تنميته بإعطاء ملء ذاتك ؟؟؟

 

وبعد هذا التأسيس 1882 كانت محنة عظيمة في حياة الأم ماري دو لا باسيون حتى 1884، تأججت الأزمة من جديد: فإن الذين سببوا الأزمة في الهند لم يتوقفوا عن الوشاية بها في الأوساط الكنسية. أقيلت ظلماً من مهمتها كرئيسة عامة للرهبنة دون أن يسمح لها بالدفاع عن نفسها، وعزلت في أحد الأديرة، غير مسموح لها بمراسلة أخواتها الراهبات.

كان الجرح بليغاً لأنه أتى من الكنيسة التي قدمت حياتها من أجلها ودعتها دائماً أمي الكنيسة. وتعرضت الأم ماري دو لا باسيون إلى تجربة الإيمان فقالت : "احياناً شعرت أن إيماني على وشك أن ينهار، وأحياناً أخرى خُيل إلىّ أن الله سبحانه سوف يحاكمني أيضاً دون الاستماع إلىّ دون سبب …. "

وشهِّر بها فقالت " الله وحده يعلم مقدار ما يقرأ عني في الصحف ! "

ودخلت في صراع فقالت: " أريد الأنقياد للحب الكامل الخافق في قلبي تجاه الله وكنيسته: فإن كان الله لا يريد هذه الرهبنة فلماذا أريدها أنا ؟ ولماذا أتمسّك بعد بموافقتى وآرائي ؟؟

" شعرت أنني ضحية الحب ! من أجل البابا، وكل الكهنة والرهبنة وكل النفوس "

ساندها الرئيس العام للرهبان الفرنسيسكان قائلاً: " آلامك واكتئابك ما هي إلا بركة للرهبنة كثير من السنابل سوف تنبت من حبة القمح التي تموت"

 كالذهب الذي يُطهّر بالنار أصقل الرب كيانها وأنضجها

 

صديقي كم من مرة تتعرض لمحنة تبعدك عن إلهك الكلي الحب، وتشك في حبّه لك ؟؟؟

 وكم من مرة تتعرّض لمحنة من جرّاء أشخاص في حياتك، وكيف لو تعرّضت للمحن من أحباء؟؟؟ فكم تكون قدرتك على حبِّهم أكثر في ذلك الوقت ؟؟؟

 

وبعد الليل يطلع النهار! وبعد الضلال والظلمة تظهر الحقيقة! وبعد الموت تأتي القيامة بكل تأكيد! في مارس 1884 أعيد اعتبار الأم ماري دو لا باسيون من قبل الكنيسة وعُيّنت رسمياً رئيسة عامة للرهبنة مرة ثانية وقالت " سأبارك طوال حياتي وقت المحنة هذا! كم استطيع أن احقق الآن أمور لم يكن بوسعي القيام بها من قبل !"

بقلبها الكبير غفرت وسامحت، واحتراماً للأشخاص المعنيين، طلبت من الراهبات أن يعدن أمام العذراء بالتزام الصمت تجاه هذه الأمور وتجاه الأشخاص الذين كانوا سبب آلامهم، والعيش بحسب روح الإنجيل روح التسامح والسلام.

 

وهنا نسأل ياصديقي ذواتنا

إلى أي مدى نحيا بروح الإنجيل هذا، فنلتزم الصمت تجاه أشخاص سببوا لنا جروحات؟؟

إلى أي مدى نحيا روح التسامح والسلام في علاقتنا اليوم… الزوج والزوجة، الأخوة مع بعضهم البعض، في وسط الأهل والأقارب والأصدقاء ؟؟

 

ومن عام 1882 إلى 1904 جاءت التأسيسات عديدة، حرصت فيها الأم ماري دو لا باسيون على أن تكون الراهبات في الدير الواحد من مختلف الجنسيات علامة لوحدة أبناء الله … إنه الملكوت على الأرض. وقد تأسس أول دير للرهبنة في مصر عام 1924

 

في 9 يوليو عام 1900 استشهدت سبع راهبات فرنسيسكانيات مرسلات مريم خلال ثورة البوكسر في الصين.

خلال إبراز نذورهن، كنّ قد قدّمن ذواتهن من أجل الكنيسة وخلاص العالم. وها هنّ اليوم باستشهادهن في ذروة تقدمة ذواتهن.

وعندما جاءها النبأ صرخت الأم ماري دو لا باسيون " الآن استطيع أن أقول: لي هناك سبع راهبات فرنسيسكانيات مرسلات مريم "

 

أقف وأتعجب واسأل الشهيدات السبع: بكل هذا الحب تقدمن ذواتكن ذبيحة من أجل أسم وحب ربنا وإلهنا يسوع المسيح ! وأنا ماذا أقدم من أجل اسم وحب يسوع المسيح اليوم ؟؟

 

وفي 15 نوفمبر عام 1904 أتمت الأم ماري دو لا باسيون حياتها وعبرت نحو الله الأب في مدينة سان ريمو في إيطاليا وهي تقول " لا يكفيني ما قد تم، فأني أودّ لو كان لي الف حياة لأصرفها كلها… فالكثير الذي أنجز هو قليل بالنسبة إلى الكثير الباقي "

 

وأعلنت الكنيسة تطويبها في 20 أكتوبر 2002

 

صديقي إذا قراءت قصة تأسيس رهبنة على يد طوباوية أو قديس من القديسين، لابد من أن تقرأها بأنها رسالة موجهة لك اليوم وليست قصة عابرة تنسى في الحال.  إن لم تستطيع أن تفعل ذلك لا داعي لقرأة هذة السطور أو أي سيرة من سير القديسين!