القسم الأول: التدبير الإلهى فى حياة الأسرار من 1113 ـ 1134

المقال الثانى

السر الفصحى فى اسرار الكنيسة

1113 ـ الحياة الليترجية فى الكنيسة تدور كلها حول الذبيحة الافخارستية والاسرار فى الكنيسة أسرار سبعة: المعمودية والتثبيت او الميرون، الافخارستيا، التوبة، مسحة المرضى، الكهنوت، الزواج. فى هذا المقال نعالج ما هو مشترك بين اسرار الكنيسة السبعة من الناحية العقائدية. وأما ما هو مشترك بينها من ناحية الاحتفال بها، فسيعرض فى الفصل الثانى، وأما ما يخص كلاً منها فسيعالج فى القسم الثانى.

1ً. أسرار المسيح

1114 ـ "فى تقيدنا بعقيدة الكتب المقدسة والتقاليد الرسولية (.. .) وإجماع رأى الآباء"، نعترف "بأن أسرار العهد الجديد قد أنشأها كلها ربنا يسوع المسيح".

1115 ـ إن أقوال يسوع وأعماله مدة حياته المستترة ورسالته العلنية، بات لها، مذ ذاك، فعلها الخلاصى. وكانت بمثابة لقدرة سره الفصحى، وبمثابة إبناء وتمهيد لما كان مزمعاً أن يمن به على الكنيسة عندما يتم كل شىء. إن مكنونات حياة المسيح هى مرتكزات النعم التى بات المسيح يوزعها فى الاسرار، على يد خدمة الكنيسة، لن ما كان مرثيا فى مخلصنا أصبح كامنا فى اسراره ".

1116 ـ الاسرار هى "القوى التى تخرج" من جسد المسيح، الحى أبداً والمحى، وهى أيضا أفعال الروح القدس العامل فى جسد المسيح أى الكنيسة، وهى اخيراً "روائع الله" فى العهد الجديد الأبدى.

2ً. أسرار الكنيسة

1117 ـ لقد اكتشفت الكنيسة شيئا فشيئاً، بالروح الذى "يرشدها الى الحق كله" (يو 16: 3) هذا الكنز الذى نالته من المسيح، وأوضحت طريقة "توزيعه"، كما فعلت ذلك فى تحديد لائحة الكتب المقدسة وعقيدة الإيمان، بصفتها وكيلة اسرار الله. هكذا ميزت الكنيسة، على مدى الاجيال، من بين الاحتفالات الليترجية التى تحتفل بها، سبعة أسرار، بالمعنى الحصررى، انشأها الرب.

1118 ـ الاسرار هى "من الكنيسة" بهذا المعنى المزدوج أنها "بها" و"لها" فالاسرار هى "بالكنيسة"، لأن الكنيسة هى سر عمل المسيح الذى يعمل فيها بالروح القدس المبعوث إليها. وهى "للكنيسة"، لأن "الأسرار هى التى تصنع الكنيسة": "ولا بدع فهى تعلن للناس وتبلغهم، ولا سيما فى الاقخارستيا، سر الشركة مع الله المحبة الواحد فى ثلاثة أقانيم.

1119 ـ الكنيسة التى تؤلف مع المسيح الرأس "شبه شخص واحد سرى"، تعمل، بواسطة الأسرار، عمل "أسرة كهنوتية"، "مركبة تركيباً عضوياً": فبالمعمودية والتثبيت يصبح الشعب الكهنوتى أهلا لان يحتفل بالليترجيا، وهناك، من جهة أخرى، مؤمنون "قد اتشحوا بكرامة الكهنوت المقدس، واقيموا ليرعوا الكنيسة، باسم المسيح، بالكلمة ونعمة الله".

1120 ـ الخدمة المرسومة او "كهنوت الخدمة" هى فى خدمة الكهنوت العمادى وهى كفيلة بأن المسيح، فى الأسرار، هو الذى يعمل بالورح القدس لخير الكنيسة. رسالة الخلاص التى وكلها الآب إلى ابنه المتجسد، وكلت على الرسل وبهم إلى خلفائهم: فهم يتلقون روح يسوع ليعملوا باسمه وفى شخصه. وهكذا فالخادم المرسوم هو الصلة التى تربط، من خلال الأسرار، العمل الليترجى بما قال الرسل وعملوه، وبواسطتهم بما قاله وعمله المسيح منبع الأسرار ومرتكزها.

1121 ـ الأسرار الثلاثة: المعمودية والتثبيت والكهنوت تولى المؤمن، مع النعمة "طابعاً" اسرارياً أو "خاتما" يشركه فى كهنوت المسيح ويجعله جزءاً من الكنيسة وفقاً لأحوال ووظائف متنوعة. هذا التطبع بطابع المسيح والكنيسة الذى يحققه الروح، له اثر لا يمحى، ويرسخ أبداً فى المسيحى بمثابة استعداد إيجابى للنعمة، ووعد وضمانه للحماية الإلهية ودعوة على ممارسة العبادة الإلهية وخدمة الكنيسة. ومن ثم فهده الأسرار لا تكرر أبداً.

3ً. أسرار الإيمان

1122 ـ لقد أرسل المسيح رسله " ليعلنوا باسمه التوبة وغفران الخطايا فى جميع الأمم " (لو 24: 47) " أذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والورح القدس " (متى 28: 19) رسالة التعميد، وبالتالى رسالة منح الأسرار، متضمنة فى رسالة التبشير لأن الاستعداد يتم بكلمة الله والايمان الذى هو انقياد لهذه الكلمة:

"يجتمع شعب الله أولاً بكلمة الله الحى (…) فلابد لخدمة الاسرار من اعلان الكلمة، وذلك بأننا فى صدد اسرار الإيمان، والإيمان تعوزه الكلمة ليولد ويترعرع".

1123 ـ "تهدف الأسرار إلى تقديس البشر وبنيان جسد المسيح وتأدية العبادة لله، وهى، بصفتها علامات، تهدف أيضا إلى التعليم. أنها لا تفترض الإيمان وحسب، ولكنها تغذية أيضا وتقوية وتعبر عنه بالألفاظ والأفعال، ولذا تدعى أسرار الإيمان".

1124 ـ إيمان الكنيسة يسبق إيمان المؤمن المدعو إلى اعتناقه. وعندما تحتفل الكنيسة بالأسرار فهى تعترف بالإيمان الموروث من الرسل. من هنا القول الماثور: "قاعدة الصلاة هى هى قاعدة الإيمان" (أو "قاعدة الإيمان تقرر قاعدة الصلاة"، على حد قول بروسير الاكيتانى من القرن الخامس). قاعدة الصلاة هى قاعدة الإيمان، ومفاد ذلك أن الكنيسة تؤمن على منوال ما تصلى. الليترجيا هى أذن من مقومات التقليد الحى المقدس.

1125 ـ ولذا للا يجوز لأى خادم أو جماعة أن يغيرا أو يحورا على هواهما طريقة الاحتفال بالأسرار. وحتى السلطة العليا فى الكنيسة لا يجوز أن تغير الليترجيا وفق رغبتها بل فى طاعة الإيمان وفى شعور من الورع والاحترام لسر الليترجيا.

1126 ـ وبما أن الأسرار، من جهة أخرى، تعبر عن شركة الإيمان فى الكنيسة وتنميتها، فقاعدة الصلاة هى من المقاييس الجوهرية للحوار الهادف إلى إعادة الوحدة بين المسيحيين.

4ً. اسرار الخلاص

1127 ـ إن الأسرار، إذا احتفل بها فى الإيمان احتفالاً لائقاً، فهى تولى النعمة التى تومى إليها. وهى اسرار فاعلة لأن المسيح نفسه يعمل من خلالها. فهو الذى يعمد، وهو الذى يفعل الأسرار ويمنح بها النعمة التى تدل عليها. ويستجيب الآب دائما لصلاة كنيسة ابنه التى تعرب عن إيمانها بقدرة الروح، فى استدعاء الروح القدس الذى يرافق كلا من الاسرار. فكما تحول النار كل ما تمسه، يحول الروح القدس إلى حياة إلهية كل ما يسلس لقدرته.

1128 ـ وهذا ما تؤكده الكنيسة بقولها: إن الأسرار تعمل تلقائياً (أى بمجرد القيام بها)، أعنى بقوة عمل المسيح الخلاصى الذى حققه دفعة واحدة. ويتبع ذلك أن "السر لا يتحقق ببر من يمنحه أو يناله، بل بقدرة الله" فكل مرة يحتفل بالسر وفقاً لنية الكنيسة، فإن قدرة المسيح وروحه يعملان فيه بمعزل عن قداسة القائم به. بيد أن ثمار الأسرار رهن باستعدادت من ينالها.

1129 ـ تؤكد الكنيسة أن اسرار العهد الجديد ضرورية لخلاص المؤمنين. "فنعمة السر" هى نعمة الروح القدس يمنحها المسيح خصيصاً لكل سر. فالروح يشفى ويغير الذين ينالونه ويصورهم على صورة ابن الله؛ وثمرة الحياة التى نستمدها من الأسرار هى ان روح التبنى يؤله المؤمنين ويضمهم ضماً محيياً إلى الابن الوحيد المخلص.

5ً. أسرار الحياة الأبدية

1130 ـ تحتفل الكنيسة بسر ربها "إلى أن يأتى" وإلى أن يصير الله "كلاً فى الكل" (1 كو 11: 26؛ 15: 28 ). منذ عهد الرسل نرى الليترجيا مشدودة إلى غايتها بأنين الروح فى الكنيسة: "ماراناتا"، (1 كو 16: 22) وتشاطر الليترجيا هكذا رغبة يسوع: "اشتهيت شهوة شديدة ان آكل هذا الفصح معكم (…) إلى أن يتم فى ملكوت الله" (لو 22: 15 ـ 16) فى اسرار المسيح، تخطى الكنيسة منذ الآن بعربون ميراثها، وتشترك منذ الآن فى الحياة الأبدية، " منتظرة السعادة الموجودة وتجلى مجد إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (تى 2: 13 ). "بقول الروح والعروس: "تعال !، أيها الرب يسوع" (رؤ 22: 17: 20).

يلخص القديس توما فى ما يلى، مختلف ابعاد علامة السر: "السر هو العلامة التى تذكر بما سببق، أى بآلام المسيح، وتبين بوضوح ما يتم فينا بفعل آلام المسيح، أى النعمة، وتستشرف أى تؤذن بالمجد الآتى".

بإيجاز

1131 ـ الأسرار هى علامات تحقق النعمة، وضعها المسيح ووكلها إلى الكنيسة وبها تسبغ علينا الحياة الإلهية. الطقوس المرئية التى يتم بها الاحتفال بالأسرار، تبين وتحقق النعم التى يتميز بها كل سر، وهى تؤتى ثمراً فى الذين ينالوها بالاستعدادت المفروضة.

1132 ـ تحتفل الكنيسة بالأسرار بوصفها أسرة كهنوتية تستمد هيكلتها من الكهنوت العمادى وكهنوت الخدمة المرسومين.

1133 ـ الروح القدس يعد (المؤمنين) لنقبل الأسرار بكلمة الله وبالإيمان الذى يستقبل الكلمة فى قلوب مستعدة. إذ ذاك تصبح الأسرار أداة قوة وتعبير عن الإيمان.

1134 ـ ثمرة الحياة المستمدة من الأسرار فردية وكنسية. هذه الثمرة تحول من جهة كل مؤمن أن يحيا لله فى المسيح يسوع. وهى، من جهة أخرى، للكنيسة سبب نمو فى المحبة وفى رسالتها الشاهدة.