بمناسبة اسبوع الصلاة لإجل الوحدة للأب/ يوسف رمزي

بمناسبة الأسبوع العالمي للصلاة لأجل وحدة المسيحيين والتي تقام عالمياً في الفترة من الجمعة 18 يناير إلى الجمعة 25 يناير نصلي بعمق من اجل وحدة المسيحيين التي يسوع صلّى من أجلها. نرفع للربّ الصلاة الحارة لتحقيق الوحدة ابتداءً من وحدة الإنسان مع ذاته وصولاً للوحدة مع الكنائس بحسب إرادة الربّ، وبالطريقة التي يريدها الرب. نصلّي من أجل وطننا مصر ومنطقة الشرق الأوسط، ومن أجل العالم لكي يعطيه الربّ السلام. اليوم منطق اللاسلام يعود ويسيطر، نصلّي كي يستيقظ ضمير الإنسان ويتحقق السلام ويعاش بقلب المجتمعات والكنائس والأوطان والعالم.

 واستعداداً للسنة البولسية التي أعلن عنها قداسة البابا بيندكتس الـ 16 والتي بدايتها في يوليو القادم، نتناول القديس بولس الرسول مثالاً للاهتداء والوحدة. في سفر أعمال الرسل الفصلين 8 و9، بشكل أساسي، يَرسم القديس لوقا كاتبه هذا الاختبار بإطار واسع وشامل، هو أيضاً اختبار الكنيسة التي كانت تواجه الاضطهاد آنذاك والاضطهاد والانقسام حالياً. ولكن رحمة المسيح ونعمته افتقدت شاوُل، نطلب من الرب إن يفتقد كنيسة اليوم. حدث شاوُل حدثٌ مهمٌّ بحياة الكنيسة، كنيسة الاضطهاد وكنيسة الازدهار أيضا.

 إطار التغيير بحياة شاوُل هوَ إطار الكنيسة التي تواجه الآلام التي تزدهر بقلب المواجهة. نرى شاوُل يوافق على قتل استفانوس، ونحن نعرف إن استفانوس هو الأول بين الشمامسة وهو صورة للمسيح الخادم، والكنيسة هي الخادمة على مثال المسيح. شاوُل مضطهد خادم المسيح أي مضطهد كنيسة المسيح. وشاوُل يوافق على قتل استفانوس.

بدأت كنيسة أورشليم تعاني اضطهاداً. ونتيجة هذا الإضطهاد: تشتّت المسيحييّن، وهذا الشتات مهمّ، هو مسألة جوهريّة في بداية رسالة الكنيسة. تشتَّتَ المسيحيّون ما عدا الرسل بقوا مجتمعين، وهذا التشتّت ليس انقساماً، وجماعة الرسل المتحدّة هي ضمانة واستمراريّة لرسالة الكنيسة بالرغم من الاضطهاد الذي كانت تواجهه.

شاوُل هوَ مساهم أساسي في مشروع هدم الكنيسة. كان يسعى إلى خراب الكنيسة، الهيكل، إلى هدم الكنيسة، يذهب من بيتٍ إلى بيت، يُخرج منه الرجال والنساء ويلقيهم في السجن، والمسيحيون المشتتون ينتقلون من مكان إلى آخر. هذا الشتات عاشه المسيحيون ببعد كرازي نبوي. الله يتدخّل بقلب الاضطهاد، والصعوبة كانت فرصة للتبشير بكلام الإنجيل مكان حلولهم. الله يستخدم الاضطهاد والشتات لنشر الكلمة. نرى التحوّل من شاوُل لبولس مربوطاً بإطار الكنيسة. حضورها هوَ حضور يساعد هذه المجتمعات الوثنية واليهوديّة لأن تتحوّل وتعيش خبرة هذا التحوّل.

في السامرة، يذكر النص، أنّه تتم شفاءات ويعم في المدينة فرح عظيم. تحوّل والتجديد يطال المجتمعات والأشخاص، وهذا التغيير يتم بواسطة الرسل وكل أبناء الكنيسة ولليوم ما زال هذا الاهتداء يتم بواسطة أبناء الكنيسة. الرب هوَ الذي يحقق هذا التحوّل لكن بواسطة الرسل والمؤمنين.

هكذا الله يعمل من خلال الإطار البشريّ، من خلال الناس. مدينة السامرة تتحوّل، تنال الشفاءات منَ الأرواح النجسة.

إذاً تحوّل يطال الأشخاص والمدن والمجتمعات، ويطال شاوُل، واطلب من الرب إن يطالنا نحن في كلّ لحظة عامة وفي أسبوع الصلاة لأجل الوحدة خاصة. يطال شاوُل مباشرة ويقلب الأمور رأساً على عقب، ويغيّر المقاييس والمنطق ( راجع أع 9 ).

"شاوُل ينفث صدرهُ تهديداً". لهذا هوَ كان واضحٌ بفكره وعقيدته ومقتنع، يمارس هذه المهمّة بوعي وتقنيّة، ويطلب رسائل إلى مجامع دمشق ليعتقل الرجال والنساء. يتوجّه إلى دمشق لأنّه فكّر أنه إذا اعتقل التلاميذ هناك يكون قد وضع حدّاً للانتشار المسيحي بكل المنطقة. كان هدفه بسرعة إلى دمشق، لأنّه من هناك كان خطر الانتشار في كلّ المنطقة إلى الشرق الأقصى والغرب.

إذاً "بينما هوَ يقترب من دمشق، سطع حوله بغتةً نورٌ من السماء"، مشهد رائع جداً، بغتة، تدخّل الله يخلق حالة من النور، في هذا الأسبوع لنطلب بحرارة الإيمان أن يتدخل الله فتدخله يحدث النور والاستنارة والصدمة التي تهز الكيان البشري والإنساني.

"فوقعَ إلى الأرض"، وقع شاوُل إلى الأرض. تدخّلَ الله في تاريخ هذا الإنسان بالذات، احدَثَ تغيير جذري "وقع إلى الأرض"، يعني تجرّدَ من كلّ موقف سابق، من كلّ تصميم سابق، من كلّ برنامجه، من كل مخططاته. سقطَ إلى الأرض، عاد إلى الأرض، عادَ إلى التراب، ليعود ويولد الولادة الجديدة. نزل إلى الأرض بصفته الإنسان المُضطهِد، بصفته صاحب المنطق والغيور على عقيدته وعقيدة أهل بيته، سقَطَ إلى الأرض ليقومَ إنسان آخر، فلا تحوّل بدون هذه الهزّة، ولا تحوّل بدون هذه السقطة إلى الأرض، ولا تحوّل بدون اختبار الإخلاء. إذاً لا يمكن أن يتحقق تحوّل حقيقيّ بدون هذه السقطة إلى الأرض، بدون هذا الإمّحاء، بدون هذه العودة إلى الذات وإفراغ الذات، عندها أصبح جاهزاً لأسمع صوت الله، ونحن في أسبوع الصلاة للوحدة نحتاج أن نسجد على الأرض لنكتشف إرادة الثالوث القدوس من أجل وحدتنا.

وسمِعَ صوتاً يقول له: "شاوُل، شاوُل، لماذا تضطهدني؟"

سَمِعَ ومعناه عميق، حالة السماع، أي أنّه الآن توصّلَ شاوُل لأن يسمع. سماع الصوت وهو الفرّيسي، الغارق بالشريعة، وهو المعلّم لهذه الشريعة، كان يعلَم ويعلّم، لكنّه لم يسمع قط الصوت. والآن في أعماقه صوت يسوع المخلّص لأنّه تحرّر من سماع صوته الشخصيّ وآرائه وفلسفته وعلمه. "عددتُ كلّ شيء كالذبل لأربح المسيح". سمِعَ الصوت بفضل النعمة وبفضل تجاوبه مع هذه النعمة، "شاوُل شاوُل لماذا تضطهدني؟" سمّاه باسمه وعرّفه على اسمه، ليُعطيه اسماً جديداً. ليتنا في أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيين نسمع صوت المسيح لماذا تضطهدوني بانقسماتكم، ليتنا نتحرر من سماع صوتنا الشخصي وآرأنا وفلسفتنا وعلمنا.
فقال شاوُل:"مَن أنتَ، يا ربًّ؟" فأجابهُ الصوتُ: "أنا يسوعُ الذي أنتَ تضطهدُهُ. صعبٌ عليكَ أن تقاومني". أنا يسوع، أنا هوَ الذي أنتَ تضطهده. أجاب بولس…فقال وهوَ مرتعب خائفُ: "يا ربُّ، ماذا تريد أن اعمل؟" ماذا تُريد أن أعمل، رائع جدّاً… دون تفكير، دون تردّد، لا جدل، لا شكّ، لا نقاش، لا تراجع ولا عودة الى الماضي، بل بداية جديدة أساسها القيامة، أول كلمة قالها يسوع "قم"… لنردد في أسبوع لصلاة ماذا تريد يارب؟ وليس ماذا نريد؟ لا رجوع ولا عودة للماضي المؤلم بل كلنا رجاء وأمل في تحقيق طلبة الرب ليكونوا واحداً.

فقال له الربُّ: "قم وادخل المدينة، وهناك يُقال لكَ ما يجب أن تعمَل". "قم"، أساس لقيامة الحياة الجديدة ومقوماتها الكنيسة، "قم"، ادخل الى المدينة، أي قم وادخل إلى الكنيسة. وهناك يُقال لك ما يجب أن تعمل. حياة جديدة تنطلق من القيامة وتنمو في الكنيسة، هناك يُقال لكَ، أي الكنيسة تقول لكَ ما يجب أن تعمل. هذه أُسس لنا بإيماننا بمسيرتنا المسيحيّة الإنسانيّة التي أساسها القيامة ونموّها الكنيسة. هل نحن مستعدّين لقبول الأسس، ولا نهرب من بعض الأشياء، نفهم أن الكنيسة والمسيح مرتبطين ببعضهم البعض. أساسنا القيامة ونموّنا في الكنيسة وبتوجيه الكنيسة، هنا تحقّق مشروع الوحدة المنشودة. إذا الوحدة تنطلق من اختبار شخصيّ بالمسيح الحيّ. والكنيسة هي التي تقول لنا ما يجب علينا أن نفعل. اختبار شاوُل هو تحديد واضح وتعريف صريح بكنيسة المسيح ودورها ورسالتها، فمن خلالها وبواسطتها تتفاعل نعمة يسوع بحياتنا. نِعَم كثيرة بقلب كنيسة المسيح. وهنا نرى كم أن الأسرار حاملة نعم خلاص إلى العالم.

وأمّا رفاق شاوُل فوقفوا حائرين يسمعون الصوتَ ولا يشاهدون أحداً. فنهضَ شاوُل عن الأرض وفتح عينيه وهوَ لا يبصرُ شيئاً.

نهض عن الأرض وفتح عينيه ولكن هو لا يبصر شيئاً، لأنّه سوف يبصر نوراً جديداً، بعد اختبار القبر المظلم… فقادوه بيده إلى دمشق. فبقيَ ثلاثة أيامٍ مكفوف البصر لا يأكل ولا يشربُ."بقيَ ثلاثة أيام" مكفوف البصر، وُضِعَ في قبر، عاشَ الاختبار في ملئه. عاش تدبير الابن كلّه. مرّ فيه كلّه. مرّ بالمراحل التي مرّ فيها السيد، عاش اختبار الموت والدفن والقبر والقيامة. والكنيسة تواصل ما بدأه يسوع والنتيجة : حنانيا، كنيسة دمشق…"إذهب… لأنّي أخترته رسولاً لي يحمل اسمي الى الأمم والملوك وبني اسرائيل، وسأريه كم يجب أن يتحمّل من الآلام في سبيل اسمي…".اخترته رسولاً، يسوع يحمل نداؤه ويمنح نِعَمَه إلى الناس عبرَ الكنيسة، ولا بدّ من اختبار صدمة، ساعة خاصة في حياة كلّ إنسان وهزّة، إنّها علامة تدخّل الله القويّ في اختبارنا البشريّ. تدخّل الله يتّم ويتواصل عبر الكنيسة، التي ترسم لنا طريقة الولادة الجديدة والتحوّل اليومي.كلّنا التقينا المسيح، عشنا اختبار، ولكن لا بدّ من هزّة. كلّنا دخلنا كمعمّدين في مشروع المسيح، هو اختارنا ونحن لبّينا، ولكن لا بدّ من هزّة كيانيه داخلية لتحقيق وحدة الكنيسة.

لقاء شخصي، يسوع يرسل الكنيسة، وطبعاً نحن رسل، ونحن يجب أن نعي أنّ كلّ معمّد هو رسول باختيار من الله. "إذهب" هذه الكلمة التي وُجّهت إلى حنانيا، موجّهة إلى كلّ واحد منّا. يسوع يختار، النعمة الإلهيّة تختار، هذا فعل وضع اليد على كاهن، تختار، هذه دعوة إلى القداسة. الدعوة المسيحيّة هي الإختيار العام والشامل، ومنها تأتي دعوات التكرّس في الكهنوت والتكرس في الحياة الرهبانيّة، والتكرّس في العيلة المسيحيّة هوَ من أجل بناء حضارة الملكوت على الأرض. حان الوقت ليعي كلّ معمّد أنّه رسول. حقيقة واضحة لكنّنا نهرب منها في بعض الأحيان وننسبها إلى فئة معيّنة من أبناء الكنيسة… "أنا ارسلتهم الى العالم كما ارسلتني الى العالم" (يوحنا 17، 18). شتات المسيحيين بسبب الاضطهاد جعلهم يبشّرون بكلمة الإنجيل، شتات المسيحيين بسبب الانقسام هو شتات آخر… ولكن الشتات الأول يولّد وحدة، الشتات الثاني بسبب الانقسام والكبرياء، يعطّل بشارة الإنجيل ويكون علامة شك للعالم ولا نستحق أن نُدعى رسلاً. نحن دُعينا رسلاً لتحقيق الوحدة التي هيَ مشروع كلّ معمّد. تحقيق الوحدة مع الذات ومع الأخوة لكي يحقق الروح في الكنيسة الوحدة بطريقة شاملة بين كل كنائسنا.

أهميّة بولس أنّه حمل الاسم إلى الكل، كلّ الحضارات والثقافات، وهنا عظمة هذا الرسول الذي حمل البشارة إلى جميع الناس، حقّق إرادة يسوع الذي أتى إلى الكل ليربح الكلّ، وخلاصه يطال كلّ إنسان. تحوّل شاوُل هوَ تحوّل من الفئويّة إلى الشموليّة، من الضيق إلى وسع الصليب.

أخيراً "ذهب حنانيا، ودخل البيت ووضع يده على شاوُل وقال: "يا أخي شاوُل، أرسلني إليكَ الربّ يسوع الذي ظهر لكَ وأنتَ في الطريق التي جئتَ منها، حتى يعود البصر إليك وتمتليء من الروح القدس". فتساقطَ من عينيه ما يشبه القشور، وعاد البصر إليه، فقام وتعمّد. ثم أكل فعادت إليه قواه". (أع.17-19).معموديّة، افخارستيا، تحقق وتعطينا قوّة الله. ثم سارع إلى التبشير أن يسوع هو ابن الله.

يعتبر هذا تحوّل شاوُل، لكن هذا أيضاً تحوُّلنا جميعاً. تحوّل علينا أن نعيشه بعمق وصدق، من حالة الإنسان الذي يهدم، ويخرّب كنيسة المسيح، إلى إنسان يساهم في بناء الهيكل الروحي، حتى يكون كلّ واحد منّا حجراً حيّاً في هذه الكنيسة الفائقة الروعة. والجمال………….آمين.

الأب/ يوسف رمزي

الاسماعيلية