لنتأمل مع بندكتس 25 & 26 من يناير

الخامس والعشرون من يناير

روما، 25 يناير 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل الخامس والعشرين من يناير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

إرتداد مار بولس

إن الإرتداد بالمعنى البولسي للكلمة حدث أكثر جذرية من إعادة النظر في بعض الآراء والمواقف السابقة على سبيل المثال. إنه حدث موت، أي بكلمات أخرى، دفن الإنسان القديم واستبداله بإنسان جديد تكفّ فيه الـ"أنا" الذاتية عن كونها كياناً مستقلآً وقائماً بحدّ ذاته. فتراها تنسلخ بعيداً عن هذا الكيان لتحلّ في ذات جديدة. فلا تُحجَب الـ"أنا" وحسب، بل عليها أن تتفلّت من ذاتها التي تأسرها كيما تلتقي ذاتها مجدداً بانسجام في "أنا" جديدة وأعظم. في الرسالة إلى أهل غلاطية، تبرز الفكرة الأساسية حول طبيعة الإرتداد مجدداً –باعتباره استسلاماً للـ"أنا" القديمة والمنعزلة في ذاتيتها كيما تجد نفسها في وحدة ذات جديدة تفجّر حدود الـ"أنا" وقيودها ما يجعل الإتصال ممكناً مع ما هو في أساس كل الوجود- مع تأكيدات جديدة في سياق آخر… فهناك واحد فقط حمل الوعد، وكل ما هو خارج عنه ليس سوى عالم من الفوضى وتحقيق الذات يتنافس فيه البشر ويتزاحمون ويرغبون في منافسة الله، فيكون حسبهم أنهم بالكاد يرقون إلى مستوى طموحهم الحقيقي… فمع المسيح تصبح إنساناً جديداً وفريداً، ونتيجة لذلك –وبفعل اندماج حالات الـ"أنا" المختلفة- تلقى نفسك ضمن نطاق الوعد.

السادس والعشرون من يناير

روما، 25 يناير 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل السادس والعشرين من يناير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

الإرتداد والطاعة

الإيمان يفترض الإرتداد والإرتداد فعل طاعة لواقع يسبقني ولا يتأتى عني. والطاعة فعل مستمر، بمعنى أن المعرفة لا تحوّل أبداً هذا الواقع إلى عنصر مكوّن لفكري الخاص، وإنما العكس هو الصحيح: فأنا من يتكيّف معه، في حين يبقى هو دائماً فوقي. ولا ينظر المسيحيون إلى هذا الواقع المسبَق باعتباره "أمراً" بل "هو" أو بالأحرى "أنتَ". إنه المسيح، الكلمة الذي صار بشراً. إنه البداية الجديدة لفكرنا. إنه الـ"أنا" الجديدة التي تكسّر حدود الذاتية والقيود التي تفصل الفاعل والمفعول به، فيصبح بمقدوري القول: "لستُ أنا من يحيا". ولا يؤدي الإرتداد إلى علاقة خاصة مع يسوع التي حسبها في نهاية الأمر أن تكون شكلاً جديداً من أشكال مناجاة النفس العقيمة. بل الإرتداد هو انخراط في مسار العقيدة، كما يقول بولس، أو على حدّ ما نقرأ عند يوحنا، دخول إلى صيغة الـ"نحن" التي تكوّن جماعة الكنيسة. ففي ذلك الضمانة الوحيدة على أن الطاعة التي ندين بها للحق هي طاعة منظورة… ووحده الإله المنظور يمكن أن يشكل واقعاً مختلفاً عن حالة إسقاط جديدة لذاتنا البشرية. إن السير على خطى المسيح هو الطريقة الوحيدة لكي نخسر أنفسنا فنبلغ الهدف المرتجى… فذاك الذي اتخذ جسداً حافظ على الجسد… إنه منظور… وما الطاعة للكنيسة إلا تجسيداً ملموساً لطاعتنا. فالكنيسة هي هذا الكيان الجديد والعظيم حيث يلتقي الماضي والحاضر، والفاعل والمفعول به. فالكنيسة ووحدها الكنيسة هي تجسيد لحضور المسيح معنا في زمننا اليوم.