لنتأمل مع بندكتس 15- 16 من فبراير

روما، الجمعة 15 فبراير 2008 (zenit.org).

 ننشر في ما يلي تأمل اليوم الخامس عشر من فبراير للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 الكنيسة والأيام الأربعون

 لا تنفك الأصوات ترتفع لتطالب الكنيسة بإلحاح أكبر بمقايضة الفداء بالكلمة البعيد والغريب عن الواقع بفداء أشدّ وأمتن يكون بالخبز وبسلوك درب التسييس الأكيد. وخبرتنا، إذاً، هي خبرة كنيسة تعيش في قفر الصحراء، في زمن الأيام الأربعين. إنها خبرة كنيسة تواجه الخلاء، قُل عالماً يبدو من الناحية الدينية وقد هجرته الكلمات والصور والأصوات. هي تواجه عالماً تلبّدت فيه السماوات فوقنا وانبرت بعيدةً غير مدرَكَة. ومع ذلك، فإن هذا الزمن من الخلاء بالنسبة إلينا وإلى  كنيسة اليوم يمكنه أن يتحول زمن نعمة يولد فيه حبّ جديد من مأساة العذاب المتمخض عن بعد الله عنا. وغالباً ما ينتابنا شعور خانق وضاغط بأن "منّ" إيماننا لن يكون إلا كفاف يومنا هذا –ولكن الله يعطينا هذا المنّ كل يوم إن نحن أفسحنا له المجال. علينا أن نعيش في عالم يبدو أنه لا يرى الله إلا إلهاً ميتاً- وينسى أنه  قادر على إخراج الماء الحيّ حتى من الصخور. هي كنيسة في زمن صومها الكبير، في فترة أربعينيتها في القفر. في زمن الصوم هذا، هلمّوا نشدّد العزيمة منّا لكي نقبل حالتنا بصبر وإيمان ونمشي بجرأة لا تعرف الخوف وراء إلهنا الخفيّ. فإن مشينا الطريق بإيمان وطول أناة انبلج لنا أيضاً فجر جديد من سواد الظلمة واسترجعنا عالم الله النيّر، عالم الصور والأصوات الضائع، وطلعت شمس جديدة على خليقة الله الحسنة.

السادس عشر من فبراير

الغاية من الصوم الكبير

 إن الهدف من الصوم الكبير هو أن يُبقي حيّاً في ضمائرنا وحياتنا المبدأ القائل بأنه "أن أكون"مسيحياً لا يمكن إلا أن تعني أن "أصير" مسيحياً في تجدد مستمر؛ فهذا الواقع ليس أمراً منتهياً أو من المسلّمات بل مسيرة تفترض ممارسة مستمرة. فنتساءل إذذاك: ماذا يعني أن أصير مسيحياً؟ وكيف يحصل ذلك؟… إن أراد المرء أن يكون مسيحياً، عليه أن يتمتع بالشدّة التي تخوّله الإنتصار في نهاية الأمر؛ وهو يحتاج إلى القوة ليصمد في وجه النزعة الطبيعية إلى الإنجراف. لقد جرى تعريف الحياة بالمعنى الأكثر شموليةً على أنها "مقاومة لقوة الجاذبية". وفقط عندما تُبذل جهود مماثلة تكون الحياة؛ فمتى توقفت هذه الجهود توقفت الحياة. وإن صحّ ذلك في مجال علم الأحياء، فلا غروَ في أن يصحّ أكثر في العالم الروحي. فالشخص البشري هو الكائن الذي لا يصبح نفسه بشكل تلقائي. ولا يفعل ذلك بمجرد السماح لنفسه بأن تنجرف وبالإستسلام إلى دفع قوة جاذبية طبيعية من خلال عيشه حياة خاملة سلبية لا مكان فيها للتفاعل. بل هو يصبح نفسه دائماً وفقط بالكفاح ضدّ تلك النزعة إلى التقوقع في الخمول والسلبية وبواسطة قواعد لتهذيب الذات قادرة على تجاوز ضغوط الرتابة و تحرير الذات من ضغوطات الأهداف والغرائز المنفعية. إن عالمنا مشحون بكل ما يمسّ مشاعرنا بشكل مباشر، حتى إذا بنا معرّضون لخطر أن ينحصر نظرنا في التفاصيل وأن يفوتنا المشهد بكليّته. فلا بدّ من بذل الجهود الحثيثة لكي نتمكن من رؤية ما هو وراء الأمور التي تنجلي لبصرنا ولكي نتحرر من هيمنة ما يضغط علينا بشكل مباشر.