طباعنا.. هل يمكن أن تتغير؟

 
طباعُنا.. هل يمكن أن تتغيّر؟ سؤال طرحته الآنسة جُمان خيّاط، الأخصائيّة في علم الاجتماع، وحاولت الإجابة عليه، وتركته برسم التفكير والتأمّل والاختيار. وذلك خلال محاضرة قيّمة تحمل عنوان السؤال نفسه، مساء الثلاثاء 23 تشرين الأول أكتوبر 2007، ضمن برنامج كنيستنا الثقافي. وكالعادة غصّت صالة المطران إدلبي بالحضور. لم تشأ المحاضرة إلا أن تستعرض من خلال عرض شرائح ضوئيّة (PowerPoint) ما توصّلت إليه علوم الوراثة والجينات، لتؤكّد أن مهما تكوّنت طباع الإنسان بفعل والوراثة والتربية وأثر المجتمع والظروف، يبقى له هامشاً واسعاً من الحريّة، ليكون سيّد نفسه. فالله لم يخلقه إلا ليمنحه، في حبّه العظيم، هذه السيادة. ولقد أغنت المناقشات والمداخلات الموضوع، لا لكي نصل إلى إجابة نهائيّة عن السؤال المحاضرة، بل ليبقى مع الكثير من التساؤلات مفتوح الأفق نحو التأمل في سرّ الإنسان!.. والتاريخ أيضاً!.. والله أيضاً وأيضاً!!..
وإليك نص المحاضرة:
مشكلة الوراثة ككل المشكلات الحيوية ليست وليدة العصر الحديث وإنما نجد أنها شغلت ذهن الإنسان منذ زمن بعيد. ولذا كان طبيعيًا أيضًا أن يرغب المرء أن ترث ذريته خير الطباع وأسمى الصفات سواء في ذلك جمال الخلقة أو قوة الصحة أو ذكاء العقل أو طيب الخُلق.
ومشكلة الوراثة لم تكن قديمة فحسب، وإنما أخذت بعض نظرياتها تتكون بصورة لا يطمئن لها العلم الحديث والعلوم الإنسانية كل الاطمئنان فنجد الشاعر العربي يقول:
إذا كان الطباع طباع سوء                
فلا أدب يفيد ولا أديب
ويؤكد الشاعر هنا أن للكائن طبيعة ثابتة لا تؤثّر فيها البيئة ولا يجدي فيها التأديب والتعليم, نجد أيضًا الأمثال الشعبية المنتشرة بين الناس تحمل الكثير من المعاني المؤكدة لفكرة الوراثة: إن الحية لا تلد إلا الحية,
إن هذا الشبل من ذاك الأسد
ولكننا عندما ننتقل إلى أقوال بعض المربين نجد أن هناك خلافًا. فالإمام الغزالي يؤكد أن عقل الطفل قابل للتأثر بكل ما حوله. ويؤكد لوك كذلك أن الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء ينقش عليه المربي ما يريد.
ونرى في الوقت نفسه شاعرًا عربيًّا يصف الموقف في اتزان وحكمة فيؤكد كلا من الجانبين دون أن يغفل الآخر, يرى هذا الشاعر في الحياة جانبين: جانبًا مرجعه المحيط والمجتمع، وآخر مرجعه الوراثة ويرى جانب الوراثة أهميته بحيث يضع الحدود التي تحدد مدى أثر المحيط و المجتمع, فلا يمكن أن نحوّل الأغبياء بطبيعتهم إلى أذكياء عن طريق التعلم.
رأيت العقل عقلين                           
فمطبوع ومصنوع
ولا ينفع مصنوع                            
إذا لم يك مطبوع
إذا لاحظنا الآراء منقسمة إلى 3 نظريات: الأولى تؤيد الوراثة فقط لا غير، والثانية تؤيد التربية والبيئة دون وجود أي اعتبار لوراثة الإنسان وجيناته، والثالثة تجمع بين الرأيين السابقين معطية الأهمية لجينات الإنسان ووراثته وللبيئة التي نشأ وترعرع فيها.
فإذا أخذنا الطبع بالمفهوم العلمي حاليّاً وجدنا الجين يرافقه, هذا الجين هو المسؤول عن المظهر الخارجي يلعب الدور الرئيسي في العمليات الجارية داخل الكائن الحي، فكما يمنحه الهيكل الخارجي أي البنية الخارجية يمنحه البنية الداخلية أو التحتية. الجين الذي يعطي الفرد ملامحه الشخصية مثل: الطول, لون البشرة, الشعر, العينين, وغير ذلك يكون أيضًا مسؤول عن الإفرازات الداخلية التي تسيطر على وظائف الجسم كلها كالخمائر والهورمونات والبروتينات الفعالة وغيرها.
إن ثمة حقيقة وجب ذكرها, وهي أن الجينات الموجودة في البشر ليست متساوية في الفعالية من حيث إنتاجها البروتينات، والبيئة تلعب دوراً هامّاً فيها, الجينات قد تستنسخ ذاتها إذا اقتضت الحاجة. فمثلا في البيئة الملوثة بمادة الكاديوم (مادة سامة تكثر في التربة)، يحتاج الجسم إلى مادة أخرى لمعادلة التسمم به, فالجين المكلف بإنتاج هذه المادة يستنسخ نفسه مرات كثيرة ليلبي الإنتاج المطلوب. وقد تنعدم وظيفة هذا الجين وحتى قد يختفي إذا عاش الفرد في بيئة خالية من الكاديوم حيث تنعدم الحاجة إليه, وهكذا تتصرف غالبية الجينات الأخرى الفعالة.
وهذا هو أحد الفوارق بين جينات البشر الذين يعيشون في بيئات مختلفة وظروف متباينة.
الدماغ
هو العضو الأكبر للجهاز العصبي, وهو عضو النطق والعاطفة ومركز السيطرة على الجسم.
الخلايا العصبية و الجينات
في الأسبوع الثالث من الحمل يتكون أنبوب عصبي يشبه الأسطوانة داخل الدماغ من طبقة رقيقة من الخلايا العصبية تتكاثر داخل هذا الأنبوب بمقدار ربع مليون خلية في الدقيقة، ويكون هذا الأنبوب تحت رحمة البيئة، أي بيئة الرحم؛ اذ أن أي تغيير فيها نتيجة سوء التغذية, إدمان على الكحول, تعاطي أدوية معينة يؤدي إلى تغيير طبيعة هذا الأنبوب.
الجين و تصرفات الفرد
الدراسات المتتالية أثبتت أن الجينات تلعب دوراً هامّاً بتصرفات الفرد وحالته العقلية. إن عمل الجين يرجع إلى فعل البروتين الذي ينتجه. فمثلا نقصان مادة السيروتونين في الدماغ يؤدي إلى الكآبة, لأن السيروتونين يكبح الاعتداء والغضب ويسيطر على الشهية والرغبة في تناول المشروبات الروحية وينظم النوم ويحسنه, فلذا يحسن النشاط والحيوية، وهو موجود في الغدة الصنوبرية، وينتج أثناء النهار، ويتحول إلى مادة الميلاتونين ليلا. فتركيزه يرتقع استجابة للضياء. أما الميلاتونين فيرتفع في الظلام. وهذا الأخير يسيطر على الساعة البيولوجية في الإنسان ويتناقص مع التقدم في العمر إذ ينخفض تركيزه ليصل 10% عندما يبلغ الإنسان 80 سنة من عمره نسبة إلى ما هو موجود منه في من هو في 20 سنة, وهو يساعد على النوم المنتظم, ولذا يكون كبار السن عادة أكثر أرقا من الشباب.
جين الساعة (clock)
قد يكون غريباً أو جديداً أن يكون ثمة جين أو عدة جينات تسيطر على الساعة الداخلية الآلية في الدماغ، فاكتشف الباحثون جيناً في الفأر أطلقوا عليه اسم الساعة clock. وهو واحد من عشرة جينات على الأقل في الإنسان تنتج بروتينات متنوعة تنظم دورة الجسم خلال 24 ساعة، وأهميته هي أن بعض الأمراض مثل عدم النوم أو مرض الكآبة قد يكون نتيجة خلل هذا التنظيم.
جين كرب (creb)
لاحظ اريك كاندل من جامعة كولومبيا جين آخر يدعى "كرب"، فوجده مسؤولاً عن قوة الذاكرة, ذلك أن فاقد هذا الجين يستطيع التعلم ولكنه ينسى ما تعلمه بعد فترة قليلة، فاستنتج أن التطبع مهم ولكنه يعمل من خلال الطبع.
إن شحذ الخلايا الدماغية يكون بواسطة الاتصال فيما بينها وهذا يعتمد على محاكاة الطفل خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر, إن قلة أو عدم التكلم مع الطفل خلال هذه المرحلة أو إهماله وعدم اللعب معه يحرمه كثيرا من الأنسجة الدماغية، والتعلم في مرحلة متقدمة من العمر.
يكون دور الجينات بارزاً في هذه المرحلة إذ تسبب نمو الاتصالات بين الخلايا العصبية، فما نقش في الجين في السنين الثلاث الأولى من العمر يبقى راسخًا وثابتًا جداً في السنين التي تلي.
يتأثر دماغ الطفل سلبيًا إذا حرم من المحفزات البيئية، فالأطفال الذين لا يلعبون كثيرا ولا يتصل بهم يكونون ذوي عقل أصغر 20-30% من الأطفال الطبيعيين الذين يلقون العناية, وفي نهاية البلوغ 18 سنة تقل المرونة في الدماغ ولكنه يزداد قوة, عند هذا تتفتح المواهب والأهداف والميول الكامنة التي ترعرعت خلال الفترة السابقة, إن الخبرات والحوادث التي مرّ بها الفرد منذ طفولته تنطلق بعدئذٍ كتصرفات سواء أكانت حسنة أم سيئة.
مادة الدوبامين وجين ناقل الدوبامين
ثمة مادة أخرى في الدماغ كناقل كيمائي هام هي (الدوبامين). هذه المادة التي تفرزها جينات معينة في خلايا منطقة الانشراح الدماغية تكون مسؤولة عن الطرب والانشراح وإن نقصانها يسبب مرض الرعاش (البركنسون) والكآبة.
فعند سماع الإنسان موسيقى عذبة أو كلمة إطراء ينبعث الدوبامين من منطقته ويسبب انتعاشاً ولكنه سريع الزوال, أما إذا كان الإفراز كثيراً نتيجة سماع الإنسان أخبار سارة جداً يرقص طرباً ويصاب بالهلوسة.. إن الكحول والنيكوتين يساعدان على إفرازه, أما المادة المخدرة الكوكايين فتمنع إعادة امتصاصه.
تسبب هذه المواد المذكورة سابقاً وفرة الدوبامين مما يسبب شدة الفرح أو الهلوسة.
إن ثمة جين يدعى بالجين ناقل الدوبامين ينظف الفجوات من الدوبامين، فبعد أن يفعل هذا تستنفذ كميته لدى بعض الأفراد، فتكون النتيجة هياجاً وعنفاً وتصرفاً طائشاً, وقد يلجأ هؤلاء الأفراد إلى الإدمان على الكحول لتعويض ما فقد.
لقد قام الدكتور مارك كارون من جامعة هارفارد بإزالة الجين ناقل الدوبامين من الفئران، فوجدها في حركة ونشاط دائمين، ودون تفكير في الأكل حتى تسقط, فصار الاعتقاد أن ثمة تأثيرا جينياً على إدمان الكحول والمخدرات, ولكن هذا لا يعني أن ثمة جيناً واحداً للإدمان على المخدرات تم اكتشافه وعزله.
أكسيد النتريك الجين والعنف
هناك ناقل كيماوي هام هو أكسيد النتريك (NO)، الذي ينتج غاز يدوم بضع ثوان فقط مسبباً انبساط الأوعية الدموية. وإن قلة إفرازه يسبب الغضب والعنف، كما يقول دكتور سنايدر وزملائه 1993 من جامعة جون هوبكنز، ولكن لم يتم حتى الآن عزل هذه الجينات المسببة للعنف أو تسميتها.
جين ناقل الدوبامين : يؤدي إلى الإدمان ومن ثم إلى العنف.
استنفاذ السيروتونين: لا يسبب الكآبة فحسب، بل العدوان والعنف.
الدكتور جون أزال هذا الجين من الفأر الذكر فأصبح معتديا, قاسيا, مغتصبا جنسيا, قاتل أفراد جنسه, فاستنتج أن أكسيد النتريك يعمل كفرامل على التصرفات الانفعالية .
جين التدخين 
ينتج الجين الطبيعي خميرة تبطل عمل النيكوتين بجعله أكثر ذوباناً في الماء لذا يسهل على الجسم التخلص منه.
يوجد هذا الجين بأليلين، فإذا كان أحدهما مشوها غير طبيعي لا يستطيع التخلص من النيكوتين فيتجمع هذا الأخير و يصبح المدخن عرضة للتسمم فيتوقف عن التدخين.
اكتشفت راشيل تنديل من جامعة تورنتو بكندا هذا الجين في حزيران 1998، ونشرت بحثها في مجلة nature تقول: أن الأشخاص الذين يحملون هذا الجين المشوه يكونون مرتين أكثر قدرة من الأشخاص ذوي الجين الطبيعي على ترك التدخين.
ووجدت أن20% من غير المدخنين يحملون هذا النوع المشوه من الجين, كما أن هؤلاء يكونون أقل قابلية على تحويل المواد الكيماوية في دخان التبغ إلى مواد سرطانية وأقل احتمالا للتعرض سرطان الرئة.
الجينات تلعب دورا في تصرفات الأفراد بالتناغم مع البيئة 
هناك حقيقة وجب ذكرها، ذلك أن كثير من الجينات لا يظهر فعلها ما لم تجابه ظروفاً ملائمة, فالشخص الذي يرث جين مرض السكر النوع الثاني من أبيه أو أمه ليس محتمٌّ عليه أن يصاب بمرض السكر إذا التزم بنظام غذائي صحي ومارس الرياضة بشكل منتظم، فالجين في هذه الحالة نائم، ولكن استفزازه بالانغماس في الطعام والشراب وزيادة وزن الجسم وعدم الحركة يوقظه ما يؤدي للإصابة به.
لذا يمكننا القول أن الجينات تلعب دوراً هاماً في تصرفات الإنسان بالتناغم مع البيئة.
إن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تلعب دوراً كبيراً في تحفيز الجينات التي تسيطر على العنف, الغضب, الكآبة وغيرها.
أما الفوارق بين الأفراد فهي في درجة الحال من حيث شدتها أو ضعفها فقد يعود إلى عدد نسخ هذه الجينات التي تعود بدورها إلى الظروف التي تجابهها أو قوة الإثارة أو الاثنين معا ومدى استعداد الفرد لتحمل هذه الظروف.
النواقل الكيميائية التي تتوسط جينات الخلايا العصبية في الدماغ بإفرازها تلعب الدور الأساس في تصرفات الإنسان. فقلة إفرازها أو كثرته تعتمد على فعالية الجين المختص الموجود أولا وعلى تفاعله مع البيئة ثانية, لذا تكون استجابة الأفراد الذين يعيشون في بلدان مختلفة لأحداث متباينة متشابهة نتيجة تصرف الجينات التي أثرت عليها البيئة.
لماذا تختلف وراثة الأخوة والأخوات؟ 
لأن اتصال كروموسوم من زوج ما بكروموسوم من زوج آخر يتوقف على المصادفة. أي إذا كانت الخلية تحتوي على زوجين اثنين من الكروموسومات هما أآ , ب بَ فإن كروموسومات هذين الزوجين قد تنفصل أو تتصل ببعضها البعض في عدة تشكيلات فقد يحدث الإيصال بين آب, أب؛ أبَ, آبَ.. وبذلك يكون لدينا أربع تشكيلات محتملة الحدوث.
ولكن نحن لدينا 24 زوج من الكروموسومات فإن عدد التشيلات المحتملة الحدوث يكون 16,777,216 أي أن ذكر من البشر يستطيع أن ينتج أكثر من 16 مليون تشكيلة مختلفة من الكروموسومات وكذلك المرأة واحتمال ظهور أي تشكيلة من هذا العدد الهائل يساوي احتمال ظهور أي تشكيلة أخرى و الجينات مثلها مثل الكروموسومات.
إذا الوراثة تكشف نفسها عن طريق تفاعلات معقّدة مع البيئة التي يعيش فيها الفرد.
فالوراثة ليست قدر الإنسان الذي لا مفر عنه, فالطريقة التي يفهمها علماء الجينات السلوكية: أن هناك ترابطاً و تجاوباً بين الحالتين، وأن أي أمر له علاقة بالوراثة يستدعي صدور جواب بيئي عليه.
التطبع نصنعه و الطبع نرثه
الإنسان مثل كرة الثلج!
وُصف الإنسان الإيجابي الذي يكتسب من الطباع الجيدة من المجتمع بكرة الثلج التي تتدحرج على المجتمع لتلتقط كل ما يتعلق بها, وهنا يحكم عليه بما علق به وليس حجمه قبل بدء مسيرته, فمن غير المستحب الإنسان الذي يعيش بطبعه ويقتات منه ولا يحاول أن يضيف إليه شيء: "ربي كما خلقتني".. ويموت كما هو، ويسلم دفتر حساباته إلى السماء دون رصيد. ويترك أيضا حيزاً للشخص ذاته ليطور نفسه كقول المتنبي:
ليس الفتى من قال كان أبي        
بل الفتى من قال ها أنا ذا
هناك مثال آخر على تداخل الوراثة والبيئة وهو المواهب، إن كانت الموسيقية أو الرياضية. فليس بمقدروي أن أطلب من طفل يبلغ 10 سنوات أن يعزف مقطوعة مشهورة لبيتهوفن مثلا وهو لم يتدرب أبدا على العزف بمجرد أن أمه عازفة ماهرة و تقدم أكبر الحفلات.
إن العلماء أجمعوا سيكون استنساخ الإنسان بيوم ما ممكن, ولكن ليس بشكل كامل , ذلك أن الإنسان جسم ودماغ. إنك تستطيع أن تستنسخ الجسم ولكنك لا تستطيع استنساخ الدماغ, ذلك أن الدماغ يتطور بالتعلم والتجارب وليس بالجين فقط, إذ يجب أن يمر النسخة بنفس الظروف والخبرات في طفولته وحياته حتى يشبه الأصل.
إن سبب تسليط الضوء وبشكل موسع على موضوع الموروث من الطباع بحسب رأي علماء الجينات السلوكيين, من أجل توضيح ما يمكن أن نكون أخذناه من آباءنا وأجدادنا له علاقة بسوكنا الحالي، كـ طبع الغضب الزائد أو الطبع الدمث الهادي أو الطبع المكتئب مع عدم إغفال الجانب التربوي المرافق له. أي أن صاحب الطبع العصبي هو موجود بجيناته, ولكن البيئة تحاول تهذيبه حتى يكون ملائم ليكون صاحب هذا الطبع، قدر الإمكان، اجتماعي ومحبوب.. ولا ننسى رغبة الإنسان ذاته أن يشتغل على ذاته ليكون مرضي للمجتمع إذا أراد, ولكننا، كما أوضحنا، لا يمكننا أن نحوّل هذا الإنسان لإنسان هادي صاحب أعصاب باردة جداً و العكس صحيح.
مثال صغير آخر، وهو نحت تمثال: أنا أمامي مادة وهي الصخرة التي سأنحتها لتعطيني تمثال جميل, فالمادة الأولية (الصخرة) سوف تحدد لي الشكل الذي سأقوم بنحته لتمثال جميل قابل للعرض, هذه الصخرة هي جينات الإنسان التي سوف تنحتها البيئة وخبرات الإنسان ورغبته وإرادته, فالإنسان يجب أن يعرف كيف يوظف الطبع الذي يملكه بشكل ايجابي بالنهاية هذا هو الإنسان الإيجابي والناجح.
وبالمقابل، فالخارطة الجينية لم تكتمل ولا يمرّ يوم دون اكتشاف جين جديد، فهناك طباع أخرى كـ البخل, الكرم, الامبالاة, الغيرة, الخجل, الكذب,.. هذه الطباع يكتسبها الفرد خلال سنوات طفولته الأولى فالطفل مقلد بالدرجة الأولى وأي طبع من هذه الطباع التي ذكرتها إذا بحثنا في طفولة الإنسان وفي المحيط الذي عاش فيه نجد له جواباً.
خلاصة القول، إن طبعنا الذي نرجع له دائماً ونقول أنه الغالب بداية هو جيناتنا ومورثاتنا وهو خبرات السنوات الأولى من العمر ثانياً, وأما الأمر الثالث فهو خبرات الإنسان ذاته خلال معركته مع الحياة، هذه الخبرة التي تبقى مفتوحة على مدار حياة الإنسان بالكامل.
فالتغيير يكون مستحيل بالجينات والمورثات، ومستحيل أيضاً بخبرات السنوات الأولى من العمر لأن الطفل مسيّر, ولكنه غير مستحيل بالأمر الثالث الذي هو في البداية خبرات الإنسان ذاته, وثانياً إرادته باختيار حياته بهامش من الحرية التي منحها إياه الله من المؤكد لن يتغير 180 درجة لأنه يملك أمرين ثابتين جيناته وطفولته, ولكنه إذا أراد ربنا ترك له الأمر الثالث ليوجه حياته وطباعه وما منحه إياه بالشكل السليم, الأمر ليس بالسهل ولكنه ليس بالمستحيل أن يتعب الإنسان على نفسه ويشغل عقله بالشكل الإيجابي الصحيح .
فالتغيير بالطباع بالنهاية هو بين أيدي الإنسان ذاته وخبراته وظروف حياته.
حيث يجب أن يكون الإنسان جاد جدا كي ينهي المهمة الصعبة التي قرر أن يخوضها ليصل لهدفه المنشود وهو تغيير الجانب السلبي في حياته.

هذا التغيير بالتأكيد سوف يكون مبعث فخر الإنسان بذاته، إضافة إلى الجانب الإيجابي من طبعه الذي منحه إياه رب العالمين.

عن موقع القديسة تريزا