ثلاثة أشياء لا تتغير

(مز 51)
هل يمكنك أن تتصور ردة الفعل لدى الآباء والأجداد الأتقياء القدماء الذين ظهروا في التاريخ، فيما لو قدر لهم أن يبعثوا من قبورهم و يروا ما نرى و يسمعوا ما نسمع ويلمسوا ما نلمس؟ أظنك توافق معي أن الدهشة، بل الذهول كان يستولي عليهم واعتقدوا أن عالمنا هو  غير العالم الذي عاشوا فيه.ففي أيامهم لم تكن هناك طائرات أو ناطحات سحاب أو قطارات أو تلفاز أو هاتف أو غسالات و سائر مخترعات و مكتشفات القرن العشرين.لذا فأنا لا استغرب البتة لوان أجدادنا هؤلاء طالبوا الله بالسماح لهم بالرجوع من حيث أتوا .
و لكن مع هذا كله فأن هؤلاء، رغم دهشتهم، سيجدون أن هناك أشياء ثلاثة لم تتغير قط منذ أن كانوا على الأرض.و هذه الأشياء الثلاثة هي: حالة الإنسان، و حاجة الإنسان، و خالق الإنسان.  و سأبدأ بالحديث أولا عن حالة الإنسان.فما هي الحالة هذه؟ يقول الكتاب المقدس "لا فرق، إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله ." أي أن الإنسان، أيا كان، في كل زمان و مكان، هو انسان خاطئ.صحيح نحن نسمع الكثيرين يمتدحون أنفسهم و يدعون حيازتهم قلوبا بيضاء، ولكن هذا لا يغير من وضع الإنسان شيئا.فالقلب أخدع من كل شيء وهو  نجيس.و من الداخل كما قال الرب، من قلب الإنسان تخرج الشرور.و خير مثال على واقع الإنسان هذا هو التفكك الذي أصاب الفرد والعائلة والمجتمع والوطن والعالم.و كيف يكون القلب أبيض وهو  مليء بالكبرياء والكذب والخداع و حب المادة والكراهية؟ فمع أن الإنسان حاول وما زال يحاول، أن يحدث تغييرا و تبديلا في نفسه و قلبه، ولكنه فشل فشلا ذريعا.والسبب؟ هو ان الخطية جعلت قلب الإنسان أشبه شيء بالقارورة السوداء، على حد ما قال أحد الأباء الغربيين.قال داود: "هاأنذا بالإثم صورت و بالخطية حبلت بي أمي ."
هنا نأتي إلى النقطة الثانية و هي حاجة الإنسان، و يا لها من حاجة! تقول كلمة الله أن الإنسان ضعيف، واية حاجة للضعيف غير القوة؟ و تقول كلمة الله أن الإنسان عبد، وأية حاجة للعبد سوى الانعتاق؟ و تقول الكلمة الإلهية أيضا أن البشر أسرى وأعداء و مجرمون، وأية حاجة لهم غير الخلاص والمصالحة والغفران؟
بيد أن هذه الحاجة أو الحاجات تستلزم إقرارا منا بوجودها فينا كأفراد، لان معرفتنا والاعتراف بها لله شرطان ضروريان في سيرنا الله و نحو اختبار نعمته المخلصة.فأن "من يكتم خطاياه لا ينجح و من يقر بها و يتركها يرحم ." فما عليك قارئي الحبيب إلا أن تأتي إلى الرب بقلب منكسر معبرا له عن احتياجك إليه، واعلم أن القلب المنسحق والمنكسر لا يحتقره الله.
و من الطبيعي أن تأتي عند هذه النقطة إلى الحديث عن خالق الإنسان.فالله غير متغير. أنه أمس واليوم والى الأبد.و مع أنه لا يتغير فقد حبانا طبيعة قابلة للتغير.وفي سبيل تغير طبيعتنا الساقطة وضع كل غنى نعمته و حكمته و رحمته و كنت أعمى قدرته على حسابنا فهو لا يريد خلاصنا و حسب بل هو  قادر أن يخلصنا عمليا واختباريا ولآن  بحيث يستطيع الواحد منا أن يقول مع الأعمى الذي فتح يسوع عينيه، "كنت أعمى ولآن أبصر" فالله يحبك و قد دبر لك  طريقا لنجاتك من الخطية والغضب الآتي وقد يسر لك وسائط النعمة لتتمكن من الإقبال إليه و قبوله شخصيا بالمسيح يسوع الذي ليس بأحد غيره الخلاص.فأن كان الإنسان محدودا و يقف عاجزا عن أمور كثيرة، فالله غير محدود و يقدر أن يفعل المستحلات.فلا تدع نفسك تهلك والخلاص في متناولك، ولا  تغامر بنفسك و يسوع فاتح ذراعيه حبا بك داعيا إياك إليه.تعال شاكرا معترفا و مصمما على تسليم قلبك له، فتخرج من حضرته إنسانا جديدا .
صـــلاة: نشكرك اللهم لانك لا تتغير.فمحبتك لنا ثابتة و باقية، ولا زلت تنادينا بصوت نعمتك لكي نقبل إليك.هب جميع من يقرأون كلمتك اليوم أن لا يترددوا في الاعتراف بحالتهم و حاجاتهم كي يتمتعوا بغنى رحمتك في المسيح يسوع.لأجل اسمه أسمع واستجب.آمين .
منقول