الأقباط والحياة السياسية في القرن العشرين: قرأة تاريخة (1)

تعني المواطنة المساواة الكاملة بين جميع المواطنين في الوطن الواحد في الحقوق والواجبات، كذلك حرية المشاركة السياسية دون قيود ناتجة عن تمييز بسبب الدين أو اللون أو الجنس. ولا شك انك تعلم عزيزي القارئ أن العمل السياسي لا يعني فقط تبوؤ المناصب القيادية أو الحقائب الوزارية أو الكراسي النيابية أو الحزبية،  إنما السياسة تشمل كل جهد مخلص يبذل من اجل رفعة وتطوير الوطن، أي وطن في أي زمان.

يحلو للبعض بين الحين والأخر الكلام عن السلبية السياسية للأقباط، وقد يهدف هذا الكلام إلى تنشيط الحراك السياسي القبطي من أجل مشاركة سياسية أكثر فاعلية، وقد يكون ذا هدف عكسي من بعض الاسلاميين بهدف تسريب الاحباط إلى نفوس الشباب القبطي لاشعارهم بالأغتراب في بلدهم لحثهم على الهجرة أو تغيير الدين.

لكن لم يحاول احد من المتهمين للأقباط بالسلبية أن يبحث لماذا تسربت هذه السلبية السياسية إلى الأقباط وهل هي من طبيعتهم؟ ولماذا يتم تلميع بعض الهامشيين من الأقباط المتآمرين على إخوانهم وإغداق الالقاب السياسية عليهم دون حساب ك "المفكر القبطي" و "الناشط السياسي". لذا ارغب عزيزي القارئ التجوال معك عبر ربوع القرن العشرين لنقرأ فيها صفحات مشرقة من المشاركة السياسية القبطية، ولنضع ايدينا سوياً على الاسباب الحقيقية للسلبية القبطية الحالية، وللننظر معاً للأمام من أجل الوصول لمواطنة حقيقية في وطننا وبلدنا.

1. الأقباط والمواطنة

يعاني الأقباط منذ الاحتلال الاسلامي لمصر عام 644 من نقص الحرية الدينية والسياسية الممنوحة لهم، هذه الحرية التي تعتمد دائماً على الصفات الشخصية للحاكم الاسلامي وما يكنه نحو الأقباط من ميل أو عداء، انتهاءً إلى الحقبة العثمانية والتي فرض فيها الحكام نمط من العلاقة بين المسلم والمسيحي كتلك بين السيد والعبد، فأبتداءً من عهد عمر بن الخطاب حتى بداية حكم محمد علي (1805-1848) والمسلمون يرون في الأقباط ويتعاملون معهم كأهل ذمة وجب عليهم دفع الجزية لنوال الحماية.

سعى محمد علي إلى خلق دولة حديثة تعتمد على المساواة في المواطنة بين الجميع دون تمييز بسبب الدين، استمرت هذه المساواة تحكم العلاقة بين جميع المصريين طوال فترة حكم أسرة محمد علي (1805-1952) (وهنا تجدر الإشارة عزيزي القارئ إلى أهمية الفصل بين مبادئ الحكم لدى اسرة محمد علي وبين تأثيرات الاحتلال الإنجليزي على الحياة السياسية والاجتماعية في مصر آنذاك).

تبقى أهمية الاشارة إلى أنه ابتداء من القرن العاشر الميلادي وحتى النصف الأول من القرن العشرين بقي الازهر دائماً المؤسسة الأكثر عداءً للاقباط، تخف نبرة العداء هذه احياناً امام رغبة الحاكم أو في أوقات الأزمات السياسية الكبرى كالإحتلال أو الثورات.

2. الأقباط والحياة السياسية في القرن العشرين

حينما نبدأ الحديث عن المشاركة القبطية في الحياة السياسية في القرن العشرين نفضل تبويب هذه المشاركة إلى حقبتين: الأولى قبل ثورة يوليو 1952 و الثانية من ثورة يوليو 1952 حتى الآن، لقناعتنا أن هذه الثورة حد فاصل في تاريخ الأقباط المعاصر لا يمكن اهماله أو تناسيه ولما تمثله هذه الثورة من أحد العوامل الأساسية لتأخر المجتمع المصري. وقد يتسأل البعض لماذا لا أبوب المشاركة القبطية إلى ما قبل وما بعد 1928 (تاريخ نشأة حركة الأخوان المسلمين في مصر)؟ ويرد على ذلك أن حركة الأخوان ما بين 1928 و 1952 رغم ما كان لها من سطوة وتأثير لم يكن لها السلطة المباشرة لوضع مبادئها موضع التنفيذ، تلك السلطة التي حازتها بوصول بعض تلاميذها إلى سدة الحكم من خلال الثورة السابق الحديث عنها.

أ. المشاركة السياسية للأقباط قبل ثورة يوليو 1952

كانت مشاركة الاقباط في الحياة السياسية في النصف الأول من القرن العشرين قوية وفعالة والأمثلة على ذلك كثيرة جداً يمكننا فيما يلي سرد بعضها:

               ما بين اعوام 1908 و 1910 كان رئيس وزراء مصر هو بطرس باشا غالي القبطي الذي شغل قبل ذلك منصب وزير الخارجية. تم اغتياله عام 1910 على يد شاب مسلم يدعى الورداني، وحاول علماء الأزهر آنذاك إظهار عملية الاغتيال هذه كفعل وطني موجه ضد أحد خائني الوطن، في حين رأى فيه الأقباط تحريضاً من الأزهر حتى لايصل قبطي أن يكون والياً على المسلمين، وهذا ما دفعهم لعقد مؤتمر الأقباط الأول باسيوط في الرابع عشر من مارس 1911.

               أسس أخنوخ فانوس عام 1908 "الحزب المصري" ذاك الحزب الذي كان أول من طالب بخلق حياة نيابية في مصر ونادي بمشاركة الشعب في الحكم من خلال نواب منتخبين، وقد سعى هذا الحزب لحث السلطة على تأسيس مجلسي النواب والشيوخ.

               عام 1919 رغم كون رئيس الوزراء مسيحياً "يوسف باشا وهبي" ألا أن الأقباط المعارضين لاختياره كانوا كثيرين وذلك لكونه من الموالين للإحتلال الانجليزي، ولم يمنع كونه قبطي أن يقدم عريان يوسف اسعد الشاب القبطي على أغتياله (يرى بعض المؤرخين أن بعض علماء الأزهر حرصوا أن يكون منفذ الاغتيال هذه المرة قبطي حتى لا يتهموا من قبل الملك أنهم يحرضون ضد الأقباط أو يعارضون إرادته).

               لا يمكن أغفال مشاركة الأقباط في ثورة 1919 ضد الأحتلال الانجليزي لمصر، هذه الثورة التي تعد الحدث السياسي الأول والمهم الذي يشارك فيه كل المواطنين المصريين معاً (دون تفرقة دينية من جانب المسلمين) منذ الاحتلال الاسلامي لمصر، حتى أن سعد زغلول نفسه وصف هذه المشاركة ب" الوحدة المقدسة".

               لا يمكننا في سياق حديثنا أن نغفل شخصيات قبطية قد أثرت الحياة السياسية كثيراً منهم: سينوت حنا والذي اختير عضواُ في لجنة قيادة الحزب الوطني عام 1913 و كان أحد قادة ثورة 1919 وهو الذي استشهد حينما حاول إنقاذ مصطفى النحاس باشا من الاغتيال فمات بدلاً منه. كذلك ويصا واصف الذي انتخب رئيساً للبرلمان عام 1934، كما شغل منصب وزير الخارجية في حكومة الوفد المشكلة عام 1936. أيضاً علينا أن نذكر مرقص حنا الذي تولى وزارة الاشغال العامة في حكومة الوفد السابق ذكرها، كذلك شارك كعضو في مجلس ادارة الجامعة المصرية وعضو بامانة حزب الوفد. وفي سياق حديثنا لابد ان نذكر سكرتير عام حزب الوفد مكرم باشا عبيد والذي كان بالفعل الدينامو المغذي للحزب بالطاقة والنشاط، كما شغل ايضا منصب وزير المالية في الفترة ما بين 1936 و1942 وهو أول من نطق عبارة "مصر ليست وطناً نعيش فيه ولكنها وطن يعيش فينا" وكما سبق التوضيح لك عزيزي القارئ أن العمل السياسي الحقيقي هو كل جهد يهدف إلى تطوير ورفعة شأن الوطن يروم لي أن أضع بين يديك أمثلة أخرى لنماذج وطنية مصرية قدمت الكثير لهذا الوطن وقد تغيب احياناً عن ذاكرتنا منها:

               ما قام به غبطة البطريرك مرقس الثاني خزام بطريرك الأقباط الكاثوليك (1947-1957) بالمشاركة مع الكاهن اليسوعي هنري عيروط بتأسيس الجمعية المسيحية لمدارس الصعيد والتي اهتمت ببناء المدارس في القرى المحرومة بصعيد مصر لتعليم الأطفال المصريين دون تفرقة بينهم بسبب الدين أيماناً منهما أن التعليم هو الركيزة الأساسية لنهضة هذا الوطن، وقد رأى كثيراً من الصحفين فيما قام به البطريرك نوعاً من البطولة الوطنية فلقبوه ببطريرك الفلاحين لاهتمامه بخدمة الفقراء من المصريين.

               تقديم الراهبات الكاثوليكيات للخدمات الطبية من خلال المستشفيات والمستوصفات التي شيدت في كل ربوع مصر من اجل خدمة كل المصريين دون تفرقة بينهم بسبب الدين.

               تبني الأقباط الانجيليين عام 1947 للحركة القومية لمحو أمية الكبار، تلك المشكلة التي عجزت الحكومة في التصدي لها، كذلك وجهت الحملة السابقة لتشمل كل المصريين دون تمييز بينهم. وبالعودة السريعة للحياة النيابية نجد أن الأقباط استطاعوا أن يشغلوا عن طريق الإنتخاب أكثر من عشرين مقعداً برلمانياً في انتخابات 1924، في حين تقلص هذا العدد إلى ثلاثة مقاعد فقط في انتخابات 1931 بسبب الدعاية الدينية التي بدأ الأخوان استخدامها آنذاك ضد المرشحين الأقباط.

ب. المشاركة السياسية للأقباط بعد ثورة يوليو 1952

أملَ الأقباط كما كل المصريين أن يعيشوا مع هذه الثورة مواطنة كاملة غير منقوصة بأي شكل، ساعد على تأجيج هذا الأمل الشعار الذي رفعه الثوار وهو عبارة عن مآذنة مسجد تحتضن منارة كنيسة وكتب اسفلهما "الدين لله والوطن للجميع لو شاء ربك لوحد الأكوان"، لكن هذا الأمل لم يدم كثيراً ذالك أن مجلس قيادة الثورة شكل في ديسمبر 1952 لجنة من خمسين عضواً لصياغة الدستور الجديد للبلاد بينهم خمسة أقباط وعشرين من أعضاء حركة الأخوان المسلمين فأتت المادة الأولى من هذا الدستور "الأسلام دين الدولة مع حرية العبادة للكل دون تمييز" هذه المادة التي كانت الخطوة الأولي في مشروع أغتيال الدولة المدنية وأسلمة مصر.

أصر عبد الناصر أن يكون بين وزراء الحكومة الأولى التي شكلها اللواء محمد نجيب أثنين على الأقل من أعضاء حركة الأخوان المسلمين وألا يزيد عدد الوزراء الأقباط عن وزيراً واحدأً (سنورد فيما بعد جدولاً باسماء وعدد الوزراء الأقباط إبان حكم عبد الناصر والسادات ثم نقوم بتحليله).

رغم الميول التأسلمية الواضحة للبارزين من الضباط الثوار إلا أن المشاركة الوطنية للأقباط لم تنقص أو تفتر ومن امثلة ذلك مشاركتهم في الحروب التي خاضتها مصر ضد الكيان الصهيوني وأعوانه أعوام 1956، 1967 و 1973 ومن قبلهم عام 1948 بفلسطين، وقد استشهد في الحروب السابقة أعداد كثيرة من المسيحيين كما من المسلمين من أجل الدفاع عن الوطن والأرض. ولم تكن القيادة القبطية الروحية بعيدة عن المشاركة الوطنية فها هي رسالة بطريرك الكنيسة القبطية الارثوذكسية البابا كيرلس السادس والمؤرخة بالسابع من يناير 1970 والموجهة للجنود المصريين الرابضين على الجبهة ليشجعهم ويحثهم على المزيد من التضحية من أجل الدفاع عن الوطن، نفس البطريرك الذي سبق أعقاب نكسة 1967 بإيفاد أحد الأساقفة لزيارة كنائس المانيا وايطاليا وانجلترا واليونان والولايات المتحدة لطلب مساعدتهم لدى منظمات الصليب الأحمر في بلادهم للتدخل لحل مشكلة الأسرى المصريين لدى إسرائيل.

في الثاني عشر من أكتوبر 1970 قام وفد من الكنائس القبطية برئاسة بطريرك الكنيسة القبطية الارثوذكسية بزيارة القصر الرئاسي لتأييد ترشيح السادات رئيساً خلفاً لعبد الناصر، ورغم ما شاب فترة السادات من توجهات تأسلمية إلا أن مشاركة الأقباط استمرت نشطة إنطلاقاً من حسهم الوطني خاصة في الأوقات العصيبة من تاريخ الأمة كما في فترة حرب أكتوبر 1973، ليست فقط من خلال تضحيات الشباب القبطي المستشهد في الحرب ولكن ايضاً من خلال ما قامت به المؤسسات القبطية لتخفيف أثار الحرب على المتضررين منها عن طريق تقديم المساعدات العينية من هذه المؤسسات كاريتاس مصر وجمعية الصعيد المسيحية والهيئة القبطية الإنجيلية إلى جانب ما قدمته الإيبارشيات على أختلاف طوائفها من دعم مادي للمجهود الحربي.

يجب أن يعلم القارئ أن مشاركة الأقباط السياسية لم تقتصر على المواقف السابقة ولكنهم وجدوا أيضاً بين صفوف المعارضة الهادفة لتقويم نظام الحكم بعد أن خرجت الثورة والثوار عما وعدوا به، فتعرض هؤلاء المعارضون للتعذيب والقتل في سجون عبد الناصرومن هؤلاء الأقباط: الدكتور لويس عوض، سعد كامل وزوجته، الصحفي أبو الخير نجيب، عادل ثابت ولويس اسحق الذي قتله زبانية عبد الناصر في سجن الواحات عام 1963.

نلمس من كل ما سبق أن الأقباط لم يكنوا يوماً سلبيين سياسياً بطبعهم، لكن هذه السلبية تسربت لهم نتيجة مخطط الضباط الملقبين بالأحرار وسعيهم لأسلمة مصر واختزال دور الأقباط السياسي وتهميشهم بعدم تعينهم في المناصب القيادية وحرمانهم من وظائف بعينها لنوال رضى الإخوان من ناحية وهبات بدو الوهابية من ناحية آخرى.

لقراءة صعوبات مسيرة الاقباط في الحياة السياسية علينا العودة وتركيز الضوء على انتخابات عام 1931 البرلمانية والتي شهدت تقلص عدد الأقباط من عشرين عضو عام 1924 إلى ثلاثة أفراد فقط نتيجة نشاط حركة الإخوان الناشئة واستخدام الدعاية والشعارات الدينية ضد المرشحين الأقباط، كذلك نقفز سريعاً لعام 1947 حيث شهدت مصر أول حلقة من أعتداءات الأخوان الدموية ضد الأقباط واستهداف الكنائس بالحرق والتدمير على يد الجهاز السري للحركة الإخوانية.

بالرغم من ذلك كان بإمكان ضباط الثورة إنقاذ الوحدة الوطنية من مؤامرات الإخوان، ولكن كيف ذلك وإثنان من ذوي الاصوات الفعالة في مجلس قيادة الثورة تتلمذوا وتخرجوا من مدرسة الإخوان المسلمين؟ فها هو جمال عبد الناصر والذي كان مسؤولاً عن تدريب أعضاء الجهاز السري للإخوان التدريبات العسكرية يقوم في اليوم التالي للثورة بزيارة قبر حسن للبنا للترحم عليه في حين لم يهتم بالترحم على شهداء حرب فلسطين. والثاني هو السادات المشارك مع خلية إخوانية في إغتيال أمين عثمان في يناير 1946، والذي يعلن من موقعة كسكرتير عام للمؤتمر الاسلامي عام 1956 أنه خلال عشرة أعوام إما يتحول الأقباط إلى الإسلام إما سيصيرون ماسحي أحذية. اتت انتخابات 1957 فلم تشهد نجاح أي مرشح قبطي وبدلاً من أن يبحث الرئيس ومعاونوه الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة لجأ عبد الناصر وخلفائه إلى حيلة التعيين والتي تعطي الحق لرئيس الجمهورية بتعيين عدد من الأشخاص كأعضاء في المجالس النيابية عقب كل انتخابات على أن يكون من بينهم نسبة من الأقباط كضرورة لتجميل صورة الحاكم امام الرأي العام العالمي.

تأتي فترة السادات بكل ما تضمنته من مخططات لأسلمة مصر، وما نتج عنها من أعمال عنف دموية ضد الأقباط في اسيوط والمنيا والاسكندرية والزاوية الحمرا والخانكة وغيرها دون رد فعل حقيقي من السلطة السياسية، فنتج عن هذا العنف شعور قوي لدى الأقباط بالإغتراب في وطنهم ومعه ولد حلم الهجرة إلى بلداناً أكثر أمناً وحرية ومن هنا بدأت حركات هجرة الأقباط والتي سأتعرض لها في عجالة فيما يلي.

3. هجرة الأقباط الأسباب والنتائج

بدأ ضباط ثورة يوليو مخططاتهم لأسلمة مصر بتضيق مجال مشاركة الأقباط في الحياة السياسية والعامة، فشعر الأقباط أن مصر دخلت مرحلة التحول التدريجي نحو الدولة الدينية التي لا مجال فيها لأصحاب الرأي أو المختلفين دينياً، وثبت هذا التوقع بإعتقالات 1959 التي شملت كل أصحاب الرأي من المثقفين. وبدأت معها حركة هجرة المثقفين وخاصة الأقباط منهم نحو الغرب حيث الحرية والمساواة، شملت كذلك الموجة الأولى من هجرة الأقباط عددأ من الأسر القبطية الغنية التي أمم عبد الناصر أموالهم في حركة التأميم التى طالت بشكل أساسي أفراد أسرة محمد علي والأثرياء من الأقباط وعدد محدود جداً جداً من المسلمين لزوم تجميل الصورة.

بعد نكسة 1967 وما تبعها من تنامي نفوذ الإخوان المسلمين من ناحية وقمع عبد الناصر من ناحية أخرى وإنهيار المشروع القومي من ناحية ثالثة بدأت الموجة الثانية لهجرة المتعلمين الأقباط نحو الغرب.

مع سياسة الإنفتاح التي انتهجها السادات منذ عام 1974 بدأت حركة أخرى من الهجرة شملت كل المصريين مسلمين ومسحيين باحثين عن المال في بلاد البترول، كذلك حركة أوسع من  هجرة الشباب المسيحي الجامعي إلى الغرب، الشباب الذي تلامس مع جماعات العنف الإسلامي في الجامعة بشكل مباشر ففقد كل أمل في مستقبل داخل مصر.

اما نتائج حركات الهجرة هذا فقد أثرت بلا شك في الحراك السياسي القبطي من حيث

               نقص القيادات المثقفة المعدة للمشاركة السياسية.

               نجاحات أقباط المهجر في حياتهم عمقت شعور اقباط الداخل بأن الهجرة هي الحل وبالتالي اصبحوا غرباء داخل وطنهم ولو على المستوى النفسي.

               انتهاج الأقباط لمنهج الهجرة الدائمة للغرب في الوقت الذي انتهج فيه المهاجرين المسلمين نمط الهجرة المؤقتة لدول الخليج والعودة بأفكارهم الوهابية قبل اموالهم ساعد على ظهور طبقة جديدة من السياسيين المتأسلمين الذين يحاربون التواجد القبطي في الحياة السياسية بشتى الطرق فأصبحت المعركة غير متكافئة فعزف عنها الكثيرون من الأقباط.

4. الوزراء الأقباط أثناء حكم عبد الناصر والسادات

الفترة

رئيس الوزراء

عدد الوزراء

عدد الأقباط

الاسم

1953

محمد نجيب

20

1

وليم سليمان

1953-54

محمد نجيب

15

1

وليم سليمان

1954

عبد الناصر

19

1

وليم سليمان

1954-56

عبد الناصر

19

1

جندي عبد الملك

1956-58

عبد الناصر

20

1

كمال رمزي

1958

عبد الناصر

19

1

كمال رمزي

1958-60

عبد الناصر

22

1

كمال رمزي

1961

عبد الناصر

22

1

كمال رمزي

1961

عبد الناصر

28

1

كمال رمزي

1970-71

محمود فوزي

28

1

ابراهيم نجيب

1971

محمود فوزي

28

2

هنري ابادير – محب استو

1972

عزيز صدقي

26

1972-74

السادات

28

1

البرت برسوم

1974-75

عبد العزيز حجازي

26

1

البرت برسوم

1975-77

ممدوح سالم

28

2

البرت برسوم بطرس غالي

1977

ممدوح سالم

28

2

محب استو

بطرس غالي

1978-79

مصطفى كمال

26

1

بطرس غالي

1979-80

مصطفى كمال

26

2

بطرس غالي

فكري مكرم

1980-81

السادات

24

1

بطرس غالي

 

من الجدوا السابق نلاحظ ما يلي:

               لم يزد عدد الوزراء عن أثنين على أقصى تقدير وقد خلت بعض الوزارات نهائياً من الاقباط

               تحرص الدولة على استمرار الوزير القبطي نفسه لعدد من الحكومات المتتالية حتى لايتاح لعدد اكبر من الأقباط الدخول في الحياة السياسية أو اكتشاف مخططات السلطة.

               معظم الوزراء الأقباط من أسر سياسية عريقة وغنية و محددة تتناوب السلطة الاختيار فيما بينهم حتى لا يدخل المجال السياسي عدد أخر من الأسر القبطية.

 يبقى عزيزي القارئ التنويه أن للمقال بقية سنتناول فيها الفترة الباقية من القرن العشرين ودور الكنيسة في التنشيط السياسي للأقباط وكذلك دور مؤسسات المجتمع المدني في تفعيل المواطنة بين الماضي والحاضر

 

 الموقع ينشر هذا المقال على مسئولية كاتبه

 

مراجع الموضوع

ابراهيم الزيني، إغتصاب مصر: من العقل إلى العقال، القاهرة 2004.

أحمد فارس، السلطة السياسية في مصر وقضية الديمقراطية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1997.

أسامة سلامة، مصير الأقباط في مصر، القاهرة 1999.

السيد يوسف، الإخوان المسلمين وجذور التطرف الديني والإرهابي في مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1999.

أميرة خواسك، دكتور مصطفى خليل شاهد على ثلاثة عهود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2004.

أنطونيوس الأنطوني (القمص)، وطنية الكنيسة المصرية وتاريخها، جزء 2-3، القاهرة 2002.

جمال بدوي، الفتنة الطائفية في مصر جذورها واسبابها، الأزهر للإعلام العربي، القاهرة 1992.

خالد محي الدين، والأن اتكلم، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة 1992.

رفعت السعيد، مصر مسلمون وأقباط، القاهرة 1993.

رفيق حبيب،الإحياء الديني: ملف اجتماعي للتيارات المسيحية والإسلامية في مصر،الدار العربية، القاهرة 1991.

زكي شنودة، قبطي شاهد على العصر، القاهرة 1992.

عبد العظيم رمضان، الإخوان المسلمون والتنظيم السري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1993.

عبد العظيم رمضان، الوثائق السرية لثورة يوليو، ج 1-2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1995.

عبد العظيم رمضان، جماعات التكفير في مصر الأصول التاريخية و الفكرية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1995.

عبد العظيم رمضان، قصة عبد الناصر والشيوعيين ج 1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1998.

عبد العظيم رمضان، الأقباط وثورة 1919، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2002.

منى مكرم عبيد، إشكالية الدور السياسي للأقباط، (في) عبد العظيم رمضان (اعداد)، الدور الوطني للكنيسة المصرية عبر العصور، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2002.

Abiksys Fredric، L’identità nello specchio della legge، il caso delle persone in Egitto tra fine del 900 e la metà del ventesimo secolo، in «Egitto e il Mondo Arabo»، n. 1، Il Cairo، giugno 1993، pp. 67-73.

Ali Shaukat، Hassan al-Banna and the ikhwan al-musalimeen، Aziz Publishers، Lahore 1983.

Beshai Adel Abduh، La posizione e il ruolo attuale dei copti nell’economia egiziana: tradizioni e specializzazioni، in Pacini Andrea (a cura di)، Comunità Cristiane nell’Islam arabo: la sfida del futuro، Edizioni Fondazione Giovanni Agnelli، Torino 1996، pp. 207-216.

El-Khwaga Dina، Le dinamiche politiche dei copti: rendere la comunità un protagonista attivo، in Pacini Andrea (a cura di)، Comunità cristiane nell\’islam arabo: la sfida del futuro، Edizioni Fondazione Giovanni Agnelli، Torino 1996، pp. 187-206.

Fouad Allam Khaled، L’islam contemporaneo، in Giovanni Filoramo (a cura di)، Islam، Laterza، Roma 2007، pp. 219-307.

Hiro Dilip، Islamic Fundamentalism، Paldin Grafton Books، New York 1988

Kepel Gilles، Il profeta e il faraone: i Fratelli Musulmani alle origini del movimento islamico، Laterza، Roma 2006.

Lorieux Claude، Cristiani d’oriente nelle terre dell’Islam، Argo، Lecce 2002.

Mitchell Richard، The Society of Muslim Brothers، Oxford University Press، Oxford 1993.

Montessoro Francesco (a cura di)، Lo stato islamico: teoria e prassi nel mondo contemporaneo، Guerini، Milano 2005.

Schulze Reinhard، Il mondo islamico nel XX secolo، Feltrinelli، Milano 2004