مسيحيو العراق محاصرون بين ذبح القاعدة واغتيالاتها واختطافاتها

خيّره إرهابيو القاعدة بعد اختطافه بين التحول إلى الإسلام أو دفع (فدية ثقيلة الوزن)
أو يأخذون إحدى بناته (جارية)
مسيحيو(نينوى)محاصرون بين ذبح القاعدة واغتيالاتها واختطافاتها
وبين اضطهاد(المتطرفين القوميين الأكراد)
 
نقلا عن: الملف برس
29 أمشير 1724 للشهداء – 8 مارس 2008 ميلادية
 
يواجه المسيحيون العراقيون في الشمال –برغم تشبثهم بالبقاء والمقاومة السلمية- ضغطاً شديد الوطأة من الميليشيات المرتبطة بالقاعدة، وأيضا ممن يسميهم (سام داغير) مراسل صحيفة الكريستيان ساينز مونيتور "القوميين المتطرفين الأكراد". فكلا الطرفين يمارس "شرّانيته" ضد المسيحيين المتمسكين ببلدهم، لكي يجبرهم على ترك محلاتهم وكنائسهم وتراثهم، ولكي لا يبقى لهم ملجأ غير الفرار من العراق.

فدية مليون دولار لإطلاق سراح (راهو)

يقول مراسل الصحيفة: وُضعت الرصاصات على المنضدة إلى جانب الأناجيل ومسبحات الصلاة. كانت الرصاصات لمسدسين خاصين بالأب (أيمن دانا). وينقل عن (دانا) الكاهن الكاثوليكي السرياني في كنيسة القديس جورج في برطلة، المدينة التي تقع في منطقة خصبة تدعى "سهل نينوى" التي كانت –قبل عمليات التغييب والتطهير والإزالة المستمرة من قبل عناصر القاعدة والمتطرفين الأكراد- منطقة يتركز فيها سكن أعداد هائلة من المسيحيين العراقيين.

إن المسيحيين الذين هربوا من "الاضطهاد الطائفي" الذي تبع الغزو الأميركي سنة 2003، يحاولون الآن التمسك بواحد من آخر ملاذاتهم النهائية. إنهم –كما تقول الكريستيان ساينز مونيتور- محاصرون بميليشيات العرب السنة من جانب ومن جانب آخر بالقوميين الأكراد المتطرفين مع أن كل من هذين الطرفين له أجندة تختلف عن أجندة الآخر بالنسبة لحساباتهم في تطهير المناطق من المسيحيين العرب العراقيين.

ولعل العلامة الأكيدة على "بؤس الحال"، وكيفية تردّي الأوضاع الأمنية، اختطاف (بولص فرج راهو) رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية القريبة من مدينة الموصل القديمة، يوم الجمعة الماضية، إضافة الى أنّ ثلاثة ممن كان معه قد قتلوا.

ويوم الثلاثاء قال رئيس الوزراء العراقي (نوري المالكي) إن كل شيء يجب أن يعمل من أجل إطلاق سراح رئيس الأساقفة. وكان ذلك بعد أيام على صدور بيان من البابا (بينيديكت) السادس عشر، وصف اختطاف (راهو) بـ "مكروه" قد حصل لمسيحي العراق. وقالت مصادر في سهل نينوى إن المختطفين طلبوا فدية مقدارها "مليون دولار" مقابل إطلاق سراح (راهو).

ورئيس الأساقفة (راهو) واحد من عشرات رجال الدين المسيحيين الذين جرى اختطافهم في الموصل منذ سنة 2003. والكثيرون جداً من المواطنين المسيحيين البسطاء اختطفوا أيضا. وفي معظم الحالات تدفع فديات لتحرير رجال الدين المسيحيين. وطبقاً لما أكدته المصادر فإن ثلاثة من الكهنة قد اغتيلوا.

ابتزاز باسم "الجزية الإسلامية"

تقول الصحيفة: إن كنائس بغداد، وكركوك، والموصل قد تعرّضت للتفجير طوال فترة الحرب. والآن –يقول الكهنة المسيحيون والمواطنون الآخرون- إنهم يدفعون مبالغ كبيرة من المال للميليشيات المرتبطة بالقاعدة في الموصل، مركز مدينة نينوى في مقابل حماية أنفسهم وكنائسهم.

إن هذا النظام –برأي الكريستيان- من جنس الضريبة الخاصة التي كان يدفعها مسيحيو المنطقة الى الخلافة الإسلامية قبل قرون عدة. ويقول المسلمون في المدينة إن التجار والأثرياء من غير المسيحيين يتعرّضون للابتزاز أيضا، فيدفعون "الضريبة" أو "الجزية" بصرف النظر عن إيمانهم، أو دينهم.

وحسب قول (راين نيجارا) من مدينة القوش فإن هذه الابتزازات المالية التي تستوفى من المسيحيين، يفترض أنها لقاء حماية ما يقرب من 2000 طالب ينتقلون يومياً بالباصات من منطقة سهل نينوى الى كلياتهم في الموصل. ولكنْ –طبقاً لنيجارا- فإن هذه الأموال التي تـُبتز من المسيحيين لم تؤد الى حمايتهم في النهاية. ويقول إن أحد أصدقائه، وهو "بروفيسور في الهندسة" اختطف مع تسعة طلبة السنة الماضية، ولم يطلق سراحه إلا بعد دفع "الفدية" أو "مبلغ الابتزاز" …..

يقررون الرحيل من العراق نهائياً

ويوم الأحد الماضي، اجتمعت العوائل المسيحية في قاعة كنيسة القديس إلياس في منطقة "عينكاوه" وهي مدينة مسيحية تقع داخل منطقة كردستان شبه المستقلة. ويمكن القول إن كل شخص من هؤلاء الذي حضروا الاجتماع له قصة مؤلمة يمكن أن يتحدث عنها تتعلق باختطاف واحد من أقربائه أو أصدقائه أو تتعلق بالابتزاز الذي يتعرض له، وبإجباره على الرحيل عن سكنه على أيدي المتطرفين الإسلاميين الذين يعمدون إلى إخلاء المنطقة من المسيحيين.

وقال رجل هو بالأصل من بغداد، والذي اختطف قبل سنتين وأطلق سراحه فقط بعد أن دفعت عائلته المسكينة فدية "ثقيلة جدا": "كان أمامي اختيارات إما أن أتحوّل الى الإسلام، وبالتالي يرسلونني في مهمة انتحارية، أو أدفع الضريبة أو الأتاوة التي تفرضها العصابات الإرهابية، أو أعطيهم إحدى بناتي يتسرّون بها كجارية مملوكة يستعبدونها".

أما الآن فإن هذا الرجل الذي وقع في محنة الاختيارات الصعبة الثلاث قرر مغادرة العراق والى غير رجعة كما يقول، متأسياً بعدد غير قليل من كفاءات مسيحية فنية وعلمية وثقافية وتجارية وطبية وهندسية غادرت البلد ولم تعد تفكر بالعودة إليه إلا بعد عمر طويل كما يقول أحد المسيحيين.

وتقول الكريستيان ساينز مونيتور إن العملية الحالية التي تنفذها قوات أميركية وعراقية مشتركة في منطقة الموصل وحواليها، لتكون معركة حاسمة ودقيقة ضد القاعدة في العراق، لم تحقق "الكثير" مما كان يرجوه الناس لكف أذى الميليشيات في المدينة.

وفي تقرير آخر تنشره الملف برس اليوم ثمة تفاصيل أكثر أهمية بشأن عمليات الاضطهاد التي يتعرّض لها المسيحيون العراقيون بهدف إخلاء العراق منهم إما لأسباب "اضطهاد ديني" تمارسه القاعدة أو لأسباب "اضطهاد قومي"، يمارسه كما قالت الكريستيان أكراد متطرفون.