الجنس.. حاجة أم دافع؟

مقدمة

الدوافع لدى الإنسان كثيرة ومتنوعة كما نعلم، منها دوافع فطرية (طعام، شراب، جنس، أمومة) ومنها دوافع اجتماعية يكتسبها الإنسان في حياته (الانجاز، الانتماء، …) هذه الدوافع تعمل وراء كل أشكال من السلوك، وهي لا تختلف في النوع بحسب بل تختلف كذلك من حيث الشدة. والواقع أن الفرد يشعر بالمتعة والسرور حين يستطيع إشباع الدافع ويصل إلى غرضه إلا أنه يشعر بالضيق حين يوجد هناك ما يعوق إشباع ذلك الدافع. فإذا كان الدافع ملحّاً والعائق قويّاً، اشتد الضيق. وإذا كان العائق مانعاً في النهاية من الوصول إلى تحقيق غرض الدافع شعر الإنسان بالخيبة والفشل. فالإحباط الذي ينتهي إلى دافع الفرد لا ينتهي دائماً إلى الاستسلام، بل كثيراً ما ينتهي إلى أشكال من السلوك يمكن أن ينطوي بعضها على العدوان، ويمكن أن ينطوي بعضها الآخر على نزوع إلى محاولات جديدة أو إلى حالات من الاضطراب.. نتساءل في هذا السياق: ما هو الدافع الجنسي؟..
أ) الدافع الجنسي:
من المسلَّم به أن الحاجة للجنس قد وجدت في الإنسان كما وجدت في غيره من الكائنات الحية بحكم مقررات وراثية، غير أن هذه المقررات، في الإنسان بصورة خاصة، تتحور تبعاً للتدريب والتقاليد. ومع أن هذه الحاجة للجنس لا تتساوى مع الحاجة للطعام والشراب من حيث أهميتها الآنية للحياة، إلا أن أهميتها بعيدة المدى، هي أكثر وأعظم من الغذاء، لأنها تضمن التكاثر وبقاء الجنس وتنوعه وتطوره.
أن الرأي العام الغالب في الوقت الحاضر هو أن الدافع الجنسي عند الإنسان، ذكراً أو أنثى، ربما كانت بدايته في الدماغ، ومع أنه لا يوجد برهان على ذلك عند الإنسان، إلا أن الأبحاث العلمية أثبتت وجود مثل هذا المركز في الحيوانات، كما أن لعوامل أخرى مثل الصوت والرائحة واللمس أن تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على هذه المناطق وبالتالي على السلوك الجنسي.
"إن أصالة وأساسية الدافع الجنسي في الحياة الإنسانية لا يمكن الجدل فيها وبما يناهضها، فالتكوين البيولوجي للإنسان عضوياً وهرمونياً وعصبياً مهيأ كله لتحقيق هذا الدافع" (كمال, علي، الجنس والنفس في الحياة الانسانية"، ط1، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت1984, ص24). إضافة إلى أن ظهور بوادر الرغبة الجنسية والسعي إلى تحقيقها بشكل تلقائي وبدون إثارة خارجية في الأدوار الأولى من الطفولة، له أن يدلل على أن الجانب الأكبر من دوافعنا الجنسية يتقرر من استعداد بيولوجي هو جزء أساسي من واقعنا البيولوجي.
أن هنالك أوجه شبه، ونواحي اختلاف بين الدافع الجنسي من ناحية وبين الدوافع الأولية كالجوع والعطش، فالشبه يكمن في أنها جميعها دوافع بيولوجية تحتاج إلى إرضاء، الحرمان منها يسبب الألم والمعاناة، والإرضاء لها يعني شعور القناعة أو اللذة والاكتفاء. والدوافع كلها لها مراكز مخصصة في الجهاز العصبي. أما أوجه الخلاف فهي كثيرة، ومنها أن الدافع للجوع مثلاً يعتمد على البينات الكيماوية التي تنجم عن تمثل الطعام والتي يحملها الدم وهي عملية متواصلة، غير أن مثل هذه البينات غير ضرورية لقيام الدافع الجنسي. فبينما يرتبط دافع الجوع أو العطش بالحاجة الداخلية إلى الغذاء أو الماء، فإن الدافع الجنسي لا يأتي من حاجة داخلية بقدر ما يأتي من حوافز خارجية. وأخيراً، فبينما نجد بأن دوافع الجوع والعطش والاستجابة هي دوافع أساسية ضرورية للحياة، فإن الدافع الجنسي ليس فيه مثل هذه الضرورة، إذ يستطيع الفرد البقاء بدون التحسس به أو بدون الاستجابة له عند قيامه. وعلى العكس فإن الإفراط في الجنس قد يؤذي صاحبه ويضعف من مقاومته لما يهدد حياته، إضافة إلى أنه قد يشغل الفرد عن الاهتمام بما يقيه، وهو بالتالي يعرض حياته للخطر.
ب) الحوافز الجنسية:
ما زال من الصعب التوصل إلى فهم كامل لكيفية قيام الدافع الجنسي والعناصر اللازمة لقيام هذا الدافع. ومهما كانت النظريات المطروحة لتفسير ذلك فإنها لا بد أن تعتمد أولاً افتراض وجود قاعدة بيولوجية أساساً للدافع الجنسي، وهذا القاعدة البيولوجية جذرية في حياة الإنسان، كما هي في حياة غيره من الحيوانات.
إن السؤال الذي لا بد أن يطرح هو أين وكيف يبدأ الحافز الجنسي على هذه الخلفية الواسعة والمعقدة من القاعدة البيولوجية؟ وهنالك تفسيرات عدة لمثل هذا الواقع. والرأي السائد هو أن مثل هذا الحافز قد يحدث بطرق عدة منها ما هو شعوري ومنها ما هو غير شعوري، ومنها ما يثار تلقائياً ومنها ما يثار بواسطة فعلية، فالدافع الجنسي قد يشعر الفرد بوجوده وبتطوره نحو الاستجابة والإرضاء، كما أنه يمكن أن يعرض له وهو في حالة غير واعية أثناء الحلم أو النوم أو حتى في حالة اليقظة وهو منصرف عن التفكير الواعي بالجنس. وقد يكفي لإثارة الحافز الجنسي أن يتوجه ذهن الفرد إلى الناحية الجنسية سواء استعان الفرد بالصور الخالية الجنسية أو لم يستعن. وهنالك حالات الإثارة التي تأتي عن طريق الحوافز الجنسية الفعلية، سواء جاءت هذه على شكل إثارة حسية بصرية أو سمعية، أو بالشم أو اللمس أو الإثارة الموضعية للمناطق الجنسية. وأخيراً فإن من الممكن أن يكون التغير الفيزيولوجي في العضو التناسلي، مهما كان سببه، حافزاً في ذاته للإثارة الجنسية، كالانتصاب التلقائي. ولعل من الخطأ اعتبار الحافز الجنسي عملية تلقائية من الأعضاء الجنسية ذاتها، فإن من المتعذر تصاعدها إلى حدود الذروة بقوتها الذاتية وفي معزل عن فعل ومشاركة المراكز العليا للقاعدة البيولوجية، إذ يقتضي لهذا التصاعد أن تكون الإحساسات الحاصلة من التغيير في الأعضاء الجنسية إحساسات ملذة، ومثل هذا الإحساس يتطلب مشاركة الشعور بكامله، ومثل هذا الشعور باللذة هو أمر ضروري لزيادة الحافز الجنسي وبدونه يتوقف الحافز ويتشتت." أن لبعض الناس دون غيرهم حوافز معينة للإثارة الجنسية أو أنهم أكثر أو أقل إثارة بالحوافز المعتادة عند غيرهم" (كمال, ص26, 1984)، والسبب في هذه الفوارق يعود جزئياً إلى الفوارق المقررة في التكوين للقاعدة البيولوجية الجنسية من عصبية وهرمونية وعضوية. كما يعود بعضه إلى الفروق في نمو التجارب الجنسية للفرد وأثر التعلم أو التطبع على هذه التجارب. وهذه الفروق يمكن أن تقرر نوع الحافز الجنسي وقوته ومدته لكي يثير الاستجابة الجنسية، كما أنه يقرر على سبيل المثال فيما إذا كان الفرد يحفز جنسياً بطريقة التأمل والخيال، أو أنه يقتضي تحفيزه بواقع العلاقة الجنسية المباشرة والفعلية. فالذي يلاحظ هو أنه كلما ازدادت ثقافة الفرد وتجربته، ازداد فعل الحافز التأملي والخيالي (فانتزي) للإثارة الجنسية، على عكس من هم دون ذلك ممن لا يتحفزون جنسياً إلا بفعل المواجهة الحقيقية للعلاقة الجنسية، كما يلاحظ أن الرجل يختلف عن الأنثى في تحفيزه الجنسي. فالرجل كثيراً ما يثار بصورة تلقائية، وغالباً ما يكون ذلك بفعل التخيل، بينما الأنثى تثار عادة بحوافز موضعية وفعلية، وقلما تثار بفعل الخيال أو بصورة تلقائية إلا بنتيجة إمعان عظيم ولمدة طويلة وبإسناد من حوافز إضافية موضعية في الأعضاء الجنسية.
ج) الحاجة للجنس:
هنالك مراتب في حاجات الكائن الحي تتقرر تبعاً لضروراتها للحياة والبقاء بالنسبة للكائن للجنس الذي ينتمي إليه. وهذه الحاجات ربما لا تكون واعية في ذهن الكائن الحي بما في ذلك الإنسان، وهو يندفع إلى إرضائها بفعل قوة " غريزية " أو بالأحرى بيولوجية. وأهم هذه الحاجات وأكثرها ضرورة وإلحاحاً هي تلك التي تتصل بالمحيط الداخلي للكائن الحي وضرورة تنظيم هذا المحيط، هي الحرارة والطعام والماء. غير أن للكائن الحي حاجات أخرى أقل ضرورة وأساسية وحفظاً للحياة، وهي تتعلق بعلاقات الفرد مع غيره في المحيط الخارجي، وليس لها ضرورة ماسة في المحافظة على التوازن في المحيط الداخلي للفرد. والجنس والعلاقة الجنسية هي في مقدمة هذه الحاجات.
1-حاجات التكاثر: (كمال, ص28, 1984) إن أبسط الدلائل على أهمية (الجنس والعلاقة الجنسية) تأتي من استحالة الإبقاء على الجنس بدونهما. فالكائنات الحية كلها باستثناء البكتيريا وبعض الفطريات، تتكاثر عن طريق جنسي. ويقتضي لتكاثر الكائنات الجنسية أن تلتقي الخلايا الأنثوية مع خلايا الجنس الآخر. وهكذا فإن حياة الجنسين يجب أن تتوافر في المحيط الواحد. وأن يسهل التلاقي بينهما، ويقتضي لضمان هذا التلاقي أن يتوقف، ولو إلى حين، العمل بالقاعدة الطبيعة، وهي مطاردة المعتدي وهرب الفريسة، فمعظم الحشرات مثلاً تلتقي جنسياً مرة واحدة يصبح بعدها الذكر كائناً لا ضرورة له، أو أنه كما هو الحال في بعض مراتب الحشرات المتقصدة، فإن الأنثى تأكل الذكر حالما تقضي حاجة حافزها الجنسي، ويخف هذا الحافز، وينهض الدافع للجوع والطعام من جديد. ويبدو في مثل هذه الكائنات الحية أن الحاجة الجنسية تخدم أغراضاً كثيرة تعلو على كل غرض آخر، وأهمها غرض ضمان التكاثر، وهنالك أمثلة عديدة منها ذبابة مايس وأنثى الأخطبوط وغيرها والتي تموت حال لانتهاء من التوالد أو بعده بقليل.
2-الجنس ضرورة اجتماعية: (المرجع السابق, ص29) للسلوك الجنسي عند الإنسان بصورة خاصة، ضرورات اجتماعية وهي تنبع بالأساس من حاجة كل من الأنثى ومولودها إلى الحماية والعناية وتوفير الطعام، ولضمان هذا الهدف، فقد بات من الضروري للأنثى في هذه الحالة أن تظل جذابة للذكر بطريقة أو أخرى، وهكذا فقد أدت طبيعة العلاقة بين الجنسين والنابعة من ضرورات المحافظة على النسل، إلى قيام مظاهر سلوكية جديدة في المجال الجنسي لا تخدم فقط غايات المحافظة على الجنس بقدر ما تخدم تكوين الجماعة وتماسكها.
3-الجنس واللذة: (المرجع السابق, ص30) إن مما لا يجادل فيه أن العلاقة الجنسية في معظم الناس وفي معظم الحالات تعطي اللذة للمشاركين فيها. ومن الواضح بأن هذا الشعور باللذة يتوافر بصرف النظر عن غاية العلاقة الإخصابية والتكاثرية. وهكذا فللباحث أن يستنتج بأن العلاقة الجنسية لها وظيفتان الأولى للتكاثر والأخرى لضمان اللذة. ومع أن الكثيرين من الناس في مختلف الحضارات والمعتقدات عبر العصور المتعاقبة ينكرون أن تكون للجنس غاية أخرى غير غاية التكاثر والخلق، إلا أن إنكار هذا الواقع لا يغير من واقع أن العلاقة الجنسية هي بلا استثناء تقريباً، ملذة في الحالات الطبيعية، وبأنها تمارس بشكل مستقل في كثير من الأحيان عن حاجات التكاثر والإخصاب.
د) مقررات السلوك الجنسي في الإنسان:
السلوك الجنسي في الإنسان، حاله حال الكائنات الأخرى، يتقرر بالعوامل الأساسية المقررة للسلوك الجنسي في معظم الكائنات الحية، وهي المقررات البيولوجية أولاً، والعوامل المحيطية المتفاعلة معها بالدرجة الثانية، غير أن الحياة الجنسية في الإنسان تتميز عن الحياة الجنسية في المراتب الأدنى من التطور، بإضافة عامل آخر مقرر للسلوك الجنسي وهو العامل الحضاري، وهو العامل الفعال في إعطاء الحياة الجنسية في الإنسان ما تعرف به من مظاهر التنوع والاختلاف والانحراف، مما لا تتصف به الكائنات الأخرى. ولعل من الخطأ الاعتقاد أن الإنسان وحده هو الذي استطاع إضافة هذا البعد الحضاري لحياته الجنسية من دون غيره من الكائنات، ذلك أن هنالك الكثير من مظاهر السلوك الجنسي في كائنات أخرى، مما يتسم بفعل مؤثرات تزيد على الفعل البايولوجي والمحيطي، مما يتوجب الافتراض بأن تطوراً قد حدث في حياتها فيه بعض ما يمكن اعتباره سمات حضارية بالقياس مع الإنسان في سلوكه الجنسي، فقد وجد الباحثون تنوعاً وتفنناً وانحرافاً في السلوك الجنسي لبعض الحيوانات مما لا يمكن تفسيره على أساس من المقررات البايولوجية والمحيطية فقط. ولا بد بذلك من رده إلى فعل التعلم والتقليد والاختبار والحاجة، وكل هذه عوامل فعالة في العملية الحضارية في حياة الإنسان، ولها ما يماثلها في حياة بعض الحيوانات الأخرى.
إن النواحي الجنسية التي تأثرت وتتأثر بالفعل الحضاري عديدة ومتنوعة وهي تشمل السلوك الجنسي من حيث طرق الممارسة الأصلية للجنس، والأعضاء التي تشملها الإثارة والعبث الجنسي، واختيار الشريك الجنسي وتنوع أو تعدد العلاقات الجنسية، والعلاقات الجنسية المقبولة أو المحرمة، والجواذب الجنسية لكل من الجنسين، والنواحي الجمالية والقيم المعنوية للجنس، والارتباطات العاطفية والعقلانية للجنس، وغيرها من المعاني والارتباطات التي نشأت حول الجنس والدافع إلى تحقيقه في الحياة. وجميع هذه الظواهر والمعاني والارتباطات قد نشأت وتطورت في الإنسان بفعل المؤثرات الحضارية. والتي بدورها قد أثرت في التطور الحضاري للإنسان." وهكذا نجد أن الجنس والحضارة هما في حالة تفاعل مستمرة تؤدي إلى تطور كل منهما." (كمال, ص32).
هـ) النزعة الجنسية في الإنسان ليست حتمية:
يتصور بعض دارسي فيزيولوجيا الإنسان والكثير من العامة أن النزعة الجنسية في الإنسان هي نزعة اضطرارية قاهرة، لا يستطيع الفرد أن يتحكم فيها، شأنها في ذلك شأن جاذبية الأرض التي تجبر الأشياء على السقوط. فإن كل هذا الأمر صحيحاً فلا داعي إذا للأخلاقيات والمبادئ لأن الأمر خارج عن إرادتنا. لكن الحقيقة تخالف هذا الاعتقاد، فمن المعروف أن الهرمونات التي تنظم الجهاز التناسلي يتم التحكم فيها عن طريق أحد مراكز المخ واسمه الهيبوتالاموس وهو مركز الأحاسيس والمشاعر والنزعات الجنسية. يقع هذا المركز بدوره تحت سيطرة قشرة المخ وهي عبارة عن الجزء الخارجي من المخ الذي يمثل التفكير والأفعال الإرادية. وهنا يكمن الاختلاف بين الرغبة الجنسية وبقية الأنشطة غير الإرادية في الإنسان كحركة المعدة والأمعاء وانقباضات القلب، وكلها حركات انعكاسية تلقائية لا تحتاج إلى تفكير، لذا تتم السيطرة عليها من خلال مراكز موجودة في الهيبوتالاموس من دون حاجة إلى سيطرة قشرة المخ.
"فالنزعة الجنسية في الإنسان خاضعة إذاً للإرادة والوعي، هذه حقيقة يجب أن نقتنع بها، وهي بخلاف الاعتقاد السائد الذي يعتبر الرغبة الجنسية في الإنسان ملحة واضطرارية" (بولاد, هنري، "أبعاد الحب"، ط2، دار المشرق، بيروت1997, ص21). والحقيقة أن الإنسان هو الذي يضع نفسه في ظروف معينة يجعلها تبدو له كذلك، في حين أنه يستطيع أن يتحكم في هذه الظروف حتى لا تكون الرغبة قاهرة لديه. الجنس في الإنسان ليس حتمياً، لكن هل معنى هذا أننا نستطيع أن نلغيه تماماً من حياتنا؟ بالطبع لا، فهو جزء أساسي في كيان الإنسان، ولا يمكن استبعاده نهائياً، وإلا أصبح الإنسان ناقصاً. فالبعد الجنسي في الإنسان مصدر غنى في وجوده، لكن المهم هو كيف نحسن تدبير هذه الوزنة المعطاة لنا.
و) الفرق بين الكبت وضبط النفس:
"الكبت هو عملية ناتجة من خوف أعمى يجعل الإنسان ينكر حقيقة معينة، ويتصرف كأنها غير موجودة فيه، في حين أنها تكمن في جزء من كيانه منتظرة فرصة لتظهر فيها. الكبت هو رفض الاعتراف بحقيقة موجودة بالفعل" (بولاد, ص,27).
فإذا طبقنا ذلك على الطاقة الجنسية نقول إن كبت الطاقة الجنسية لا جدوى منه، لأنه من غير المعقول أن تكبت طاقة هائلة لفترة طويلة من دون أن تظهر بطريقة أو بأخرى. فتكون النتيجة أن يظهر نفسه من منافذ أخرى في حياتك، وينتج من هذا الصراع الداخلي الكثير من الأمراض النفسية مثل الوسواس والعصاب … إلخ.
أما ضبط النفس فهو شيء مختلف تماماً وهو ناتج من وعي حقيقة ما، فيكون تصرف الإنسان إزاء هذه الحقيقة واعياً وإرادياً. وبذلك يقرر الفرد كيف يتحكم في طاقته الجنسية ويوجهها توجيهاً سليماً، بأن يعطيها سبيلاً ومنفذاً، والهدف من ذلك ليس عملية الضبط بحد ذاتها، بل التدبير والتوجيه.
في المجال النفسي، حين أكون متخوفاً من هذه الحقيقة الموجودة بداخلي، فإني أحاول أن أكبت أي ظاهرة جنسية عندي. والنتيجة أن هذه الطاقة المكبوتة ستنفجر فجأة بطريقة عشوائية، إذ ما وجدت الفرصة المواتية، وبالطبع سيكون الحال أسوأ كثيراً مما لو كنت قد تصرفت بحكمة من البداية.
م) الفرق بين الحرمان الجنسي والشبق الجنسي
أرى في بحث كامل يدور موضوعه الأساسي حول الحرمان الجنسي والحاجات الجنسية، إلى ضرورة التفريق بين الحرمان الجنسي كنتيجة لطول وشدة الكبت وعدم ممارسة علاقات جنسية وبين الشبق الجنسي كمرض نفسي أو جسدي بحسب أسبابه، إلا أنني أرجح الأسباب النفسية.
يطلق على الشبق الجنسي عند النساء اسم النمفومانية، أما بالنسبة للرجل فهو Satyriasis شراهة الجماع (ولسن, كولن، أصول الدافع الجنسي، ط3، دار الاداب، بيروت1986, ص41).
وهو نوع من العصاب الذي يدفع المرء إلى البحث عن بلوغ ذروة النشوة الجنسية بأي ثمن، الأمر الذي يؤدي بالمرء المصاب بهذا المرض إلى سلوك مختلف السبل لإشباع غرائزه المقلقة العنان.
الأسباب الجسدية:
يرجع العلماء الأسباب الجسدية للشبق الجنسي إلى اختلاف في الهرمونات، "معروف أن الهرمون المذكر موجود عند المرأة بنسبة 1 إلى 10 في الحالة الطبيعية، فإذا ارتفعت هذه النسبة شعرت المرأة بتضخم البظر واحتقانه وكان شعورها هذا مماثلاً لشعور الرجل بالانتعاظ، وهذا ما يدفعها إلى الإلحاح في طلب تهدئة الثورة الجنسية التي      في حوضها" (القباني, صبري، مئة سؤال وسؤال حول الجنس، ط5، دار العلم للملايين، بيروت1983, ص19).
وقد تعود العوامل الجسدية المسببة للشبق إلى أمراض عصبية تؤثر في الغدة النخامية التي بدورها تؤثر على إفرازات باقي الغدد.
ومن الأسباب الطارئة عند الذكور تحديداً عدم الختان وضعية القلفة، بحيث تتراكم المفرزات الدهنية مع بقايا البول فتبقى الحشفة في حال من التخرش المستمر، والتخرش منبه جنسي دائم.
الأسباب النفسية:
يقول بعض العلماء بأن الشبق الجنسي ما هو إلا انعكاس للبرود الجنسي من " النمفومانية هي في الغالب نتيجة للبرود الجنسي عند النساء، لأن المرأة المعنية لا تستطيع أن تكسب رضى عميق من العملية الجنسية فهي تندفع إلى إعادة هذه العملية بغية الوصول إلى المتعة " (ولسن, ص41).
علماء آخرون يفسرون سبب الشبق الجنسي بأنه " نتيجة لإغراء الفتاة عندما كانت في عمر ( 6 – 10) سنوات من قبل بالغين أو مراهقين أكبر منها سناً. تظهر في النتيجة حالة مرضية يسميها أطباء الأمراض الجنسية " التطور الجنسي – النفسي المبكر"(نيكييفا, ديلا، "علم النفس العملي للمراهقين"، ط1، دار الحوار، اللاذقية2001، ص 115).
بعد أن شرحنا ماهية الشبق الجنسي أرى أنه أصبح الفرق واضح ما بين الحرمان الجنسي وبين الشبق الجنسي، من حيث الأسباب والنتائج، فهما مختلفان جذريان، إلا أن كلاهما يؤدي بارتفاع مستوى الحاجة الجنسية لدرجات عالية.

مع الملاحظة أنه من خلال توزيع الاستبانات وتفريغها، أن هناك العديد من المتزوجين الذي يمارسون الجنس مع أزواجهم ولكنهم غير مكتفين، لا نعلم إن كان السبب هو عدم اكتفاء من العلاقة نفسها أو بسبب الشبق الجنسي، أعتقد أن هذا الموضوع يحتاج بحثاً كاملاً مخصصاً يتناوله.

عن موقع القديسة تريزا