لنتأمل مع بندكتس 4-5 الرابع والخامس من أبريل

الخامس من أبريل

روما، الجمعة 4 أبريل 2008 (zenit.org).

ننشر في ما يلي تأمل اليوم الخامس من أبريل للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".
* * *

لماذا يغسل يسوع أقدامنا

من لم يُحصَ بين الأقوياء سيكون شاكراً حينما ينظر أحد الأقوياء وهو لا يساعد نفسه على مائدة الحياة. حينما ينظر القويّ إلى السلطة والممتلكات التي أُعطي باعتبارها تفويضاً لخدمة الآخرين… فطالما أنه يُنظَر إلى القوة والثروة كغايةٍ بحدّ ذاتها، ستبقى القوة قوةً تُستخدَم ضدّ الآخرين وتبقى الممتلكات وسيلةً لإلغاء الآخرين. وفي تلك اللحظة، حين يأتي ربّ العالمين ويؤدي مهمة الخادم بغسل الأرجل –التي هي بدورها مثال بسيط عن الطريقة التي يغسل فيها أرجلنا على مدى حياتنا-، حينذاك تُرسَم لدينا صورة مختلفة تماماً. فندرك أن الله الذي هو القوة المطلقة نفسها لا يرغب في سحقنا، بل تراه يجثو أمامنا ليرفعنا. وينجلي سرّ عظمة الله تحديداً في قدرته على أن يكون صغيراً. فليس عليه أن يجلس في أعلى المناصب أو يتصدّر المجالس. والله يحاول بهذه الطريقة أن يثنينا عن أفكار السلطة والهيمنة التي تساورنا. وهو يبيّن لنا أنه من الترّهات أن أكون قادراً على إعطاء الأوامر لحشد هائل من الناس وأحصل على كل ما أمنّي به النفس – وأنه حقاً من العظيم أن أكون في خدمة الآخرين… فوحده يوم تتبدّل القوة من الداخل، ويوم تتغير علاقتنا بالممتلكات من الداخل ونقبل يسوع وطريقة عيشه حيث يتفاعل كل كيانه مع فعل غسل الأرجل، وحده يومذاك يصبح العالم مؤهلاً للتعافي والناس قادرين على العيش بسلام مع بعضهم البعض. إن يسوع يبيّن لنا ما يجب للإنسان أن يكون عليه، وكيف يفترَض به أن يحيا وما يجب أن نعمل من أجله.

 

 

 

الرابع من ابريل

يهوذا وبطرس

قد يضع الإنسان أحياناً حدوداً حتى حيثما لم يفرض الله أي حدود. وهنا يجوز لنا أن نضرب مثالين. أوّلهما يتجلّى في صورة يهوذا، حيث يصادفنا الـ"لا" المتأتي من الطمع والشهوة والزهو، ذاك الذي يرفض قبول الله. وكلمة "لا" هذه تنتج عن رغبتنا في الإستحواذ على العالم وعن عدم استعدادنا لقبول هذا العالم كهدية من الله. يقول نيتشيه: "الأفضل أن نبقى في الدين من أن ندفع بنقود لا تحمل صورتنا- وهذا ما تقتضيه سيادتنا". إن الجمل لن يدخل من خرم الإبرة لأنه يشمخ بحدبته ويصير بالتالي عاجزاً عن عبور باب اللطف الرحوم. أظنّ أنه من واجبنا جميعاً أن نتساءل الآن وفوراً عمّا إذا لم نكن مثل أولئك القوم الذين يمنعهم غرورهم وزهوهم من تطهير أنفسهم وقبول عطية محبة يسوع المسيح الشافية. وإلى هذا الرفض النابع من الطمع والغرور البشريين، يبرز أيضاً خطر التقوى المتمثلة ببطرس: إنه التواضع الزائف الذي لا يقبل بأن ينحدر ما هو بعظمة الله إلى مستوانا، إنه التواضع الزائف الذي ينحجب فيه الغرور والذي يكره المسامحة ويؤثر تحقيق طهره الذاتي؛ إنه الغرور الزائف والتواضع الزائف الذي يرفض رحمة الله. بيد أن الله لا يحبّذ التواضع الزائف الذي يرفض طيبته، بل ذاك التواضع الذي يسمح لنفسه بأن تتطهر وتصبح نقيّة. تلك هي الطريقة التي يقدّم من خلالها نفسه لنا.