هل يمكننا أن نعيش الفرح في الاضطهاد والظلم؟

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الخميس 10 أبريل 2008 (Zenit.org).

 إن إحدى أبسط وأعمق تعابير جان دارك هي: "الفرح هو الأقوى". ولم تكن الشابة لتقل هذه الكلمات في أوقات رفاهة وتنعم بل في زمن كانت تعاني فيه الأمرّين من الاتهامات الموجهة إليها بالشعوذة.

ولعل أكبر الشهادات التي يستطيع المسيحي تقديمها هي الفرح، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: "هل يمكن العيش بفرح في خضم الصعاب والظلم والاضطهاد؟
يأتي جواب بويسيوس في أشهر مؤلفاته، "تعزية الفلسفة" (De consolatione philosophiae)، الذي ألّفه في السجن لكي يعطي معنىً لأسره الجائر. فقد تم اتهامه بالتآمر ضد الملك تيودوريكوس لأنه دافع في القضاء عن صديق هو عضو مجلس الشيوخ ألبينوس. ولكن هذه كانت فقط الذريعة: بالواقع، كان تيودوريكوس آريوسيًا وبربريًا، وكان يشك بأن بويسيوس كان يميل إلى الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس. وبالواقع تمت محاكمته فتلقى الحكم بالإعدام، وأعدم في 23 أكتوبر 524، على عمر 44 سنة فقط.

بحث بويسيوس في هذا المؤلف عن التعزية في السجن، كما وبحث عن النور وعن الحكمة. ويقول في كتابه أنه عرف أن يميز، في هذه الحالة بالذات، بين الخيرات الظاهرة – التي تتبدد في السجن – والخيرات الحقة، كالصداقة الأصيلة التي لا تتبدد ولا حتى في السجن.

وجد بويسيوس معنىً في صلب الظلم الذي يعيشه عبر التفكير بمأساته الشخصية على ضوء نص حكمي من العهد القديم (حك 7، 30 – 8، 1) يستشهد به: "الحِكمَةُ لا يَغلِبُها الشَرَ؛ إِنَّها تَمتَدُّ بِقوّةٍ مِن أَقْصى العالَمِ إِلى أَقصاه وتُدَبّر كُل شيء لِلفائِدَة". ولذا يُظهر ما يُعرف بازدهار الأشرار على حقيقته أي كأمر زائف، كما ويُبين الطبيعة الإيجابية للخبرات الصعبة.

واكتشف بويسيوس في سجنه أن صعوبات الحياة لا تكشف هباء هذه الحياة وقصرها وحسب، بل تظهر أيضًا كوسائل ناجعة لاكتشاف العلاقات البشرية الأصيلة بين البشر وللحفاظ عليها.

فالخبرات الصعبة تسمح لنا أن نميز بين الأصدقاء الزائفين والأصدقاء الحقيقيين وتفهمنا بأن ما من شيء أثمن للإنسان من الصداقة الحقة.

إن بويسيوس، لأجل نهايته المأساوية بالذات – إذ مات بسبب حكم جائر – يستطيع أن يخاطب من الداخل، بخبرته الذاتية، إنسان اليوم وبوجه الخصوص من يعاني المصير نفسه بسبب الظلم الحاضر في قسم كبير من "العدالة البشرية".

وقد قال البابا في تعليم سابق له عن بويسيوس: "إن بويسيوس هو رمز لعدد وفير من المسجونين ظلمًا في كل الأزمان والأماكن، وهو باب موضوعي للولوج في تأمل مصلوب الجلجلة الغامض".

ألم المسيحي يجد معناه في عمق السر الفصحي، ففي سر موت وقيامة الرب يسوع يلتقي المسيحي بسرٍ هو أقوى من الموت، ويختبر في حياته ماهية هتاف بولس الرسول: "أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا جحيم؟". هذا الانتصار لا يعبق بأريج نشوة الانتصار الأرضي. فالألم والاضطهاد والموت واقع لا يستطيع الإنسان إلا أن يواجهه برعدة ورهبة المجهول الرهيب، ولكن في عمق الكأس المر هناك بريق الرجاء الذي يخيب، والمحبة المفاضة في قلب المؤمن بالروح القدس، والإيمان بأنه "إذا متنا معه، فسنحيا معه".