مخطوطات قمران: حيـاة جـمـاعـة قـمـران (7)

نواصل  عرض  أراء  فيلون  الإسكندري . ونقتطف جزءاً من كتاب الدفاع عن اليهود – الجزء  الذي  نورده متخذ من نصوص أوردها أوسابيوس القيصري في سياق حديثه عن الأسينيينٍ:

(1) دفع مشرّعنا عدداً كبيراً من التلاميذ لأن يعيشوا حياة مشتركة. ويسمي هؤلاء "أسينيون". لقد استحقوا هذا الاسم- حسب رأيي- بسبب قداستهم، ويسكنون في مدن يهوذا وبعض القرى في مجموعات.

(2)ليست الدعوة لهذه الحياة وراثية، لأن الولادة ليست علامة على الاختيار الحر إنما تقوم الدعوة على الغيرة وعلى الفضائل ورغبة النمو في حب الآخرين

(3)لذلك لا يوجد بين الأسينيين لا أطفال ولا مراهقون ولا شباب حديثو السن، لأن خاصية هذه المرحلة السنيّة هي عدم الاستقرار والبحث عن جديد بسبب عدم النضج. وتتكون الجماعة من رجال ناضجين يقتربون من الكهولة غير خاضعين لتغييرات وتأثيرات الجسد ولا الغرائز، متحلين بالحرية الحقيقية.

(4)وتشهد حياتهم على هذه الحرية. ولا يقبل أحدهم أن يمتلك شيئاً، لا منازل ولا عبيد ولا حقول، ولا قطعان، ولا أي شيء يؤدي إلى الثراء بل يضعون كل شيء في صندوق مشترك يستفيد منه الجميع.

(5)ويعيشون في مكان واحد في أخويات، لأنهم اختاروا الحياة الجماعية حتى في تناول الوجبات ويعمل كل واحد لمصلحة الجميع.

(6)ويمارس كل واحد نشاطاً مختلفاً ينقطع إليه بكل غيرة، كما لو كان رياضياً، دون أن يتعلل بالحر أو البرد ولا أية ظروف مناخية أخرى. وينقطعون على أعمالهم منذ بزوغ الفجر ولا يتركونها قبل مغيب الشمس. ويقومون بأعمالهم بفرح لا يقل عن فرح الذين يستعدون للسباقات الرياضية.

(7)إنهم يعتبرون أن ما يمارسونه من أعمال وأنشطة أكثر فائدة للحياة والجسد والنفس وأكثر دواماً مما يفعله الرياضيون، واضعين في اعتبارهم أنهم يستطيعون مواصلة تمارينهم حتى إن لم يكن الجسد في كامل قوته.

(8)بعضهم بارع في الزراعة والفلاحة، وبعضهم رعاة متميزين ولا يغيب في الجماعة مربو النحل.

(9)وآخرون يمارسون مختلف الحرف، لذلك لا ينقصهم أي من احتياجات الحياة اليومية ولا يتراجعون أمام أية وسيلة رزق مشروع.

(10)          وينال كل واحد منهم أجره عن نشاطه ويسلمه إلى شخص مسؤول تنتخبه الجماعة. ويقوم هذا المسؤول بقضاء احتياجاتهم ويوزع عليهم الطعام بسخاء وكل احتياجات الجماعة.

(11)          إنهم يشتركون دائماً معاً في الحياة وفي الطعام، لهم نفس الذوق لكونهم متجردين هاربين من الترف هربهم من وباء يعدي النفس والجسد.

(12)          وليس المأكل فقط مشترك بل الملبس أيضاً ولديهم أردية ثقيلة للشتاء وملابس رخيصة للصيف. ويُسمَح للفرد أن يختار الملبس الذي يريد، لأن كل شيء مشترك بينهم.

(13)          وإذا مرض أحدهم يتمّ علاجه على حساب الجماعة وتسهر عليه الجماعة بعناية فائقة. أما الشيوخ الذين لا أولاد لهم فإنهم يُعاملون كشيوخ ذوي أولاد كثيرين، وأبناء بارين: إنهم يقضون آخر أيامهم في شيخوخة سعيدة محاطين بمظاهر الاحترام والامتيازات وعناية أبناء كثيرين يقومون بعلاجهم انطلاقاً من رغبة تلقائية أكثر منها احتياج طبيعي.

(14)          ومن ناحية أخرى رأى هؤلاء، ببعد نظر منقطع النظير، الصعوبات التي يتعرض لها الفرد وبالأكثر الجماعة بسبب الزواج، أن يتخلوا عن الزواج وأن يعيشوا بطهارة تامة. لذلك لا يتزوج أي منهم لأن المرأة أنانية وبالغة الغيرة وبارعة في نصب حبل المكر حول الرجل وجذبه بمختلف الوسائل.

(15)          فالمرأة تتحايل بكل الوسائل، بكلمات غاشة وأقنعة مثل الممثلين في الروايات، وعندما تتمكن من إبهار الأعين والسيطرة على الآذان، وبمعنى آخر خداع الحواس، فإنها تغيِّب الفهم.

(16)          وعندما ترزق بالأولاد، تمتلئ كبرياء وصلفاً وعجرفة بدون أي رادع وتلجأ إلى العنف للإتيان بأعمال كلها ضارة بخير الحياة الجماعية ، وتعلن بذلك أنها كانت في البداية تماطل وتخادع إلى أن تتمكن.

(17)          بذلك يتحول الزوج إلى عبد بدلاً من أن يكون إنساناً حراً. سبب ذلك هو القيود التي تفرضها عليه زوجته أو لانشغاله بأمر أولاده، وهو أمر طبيعي.

(18)                       وفي الواقع لا يقدر فقط الناس العاديون طريقة حياة الإسنيين، بل الملوك أيضاً يسعدون بتكريم هؤلاء مغدقين عليهم الإكرام.

يوسيفوس فلافيوس

يتناول يوسيفوس فلافيوس (37/38- نهاية ق1م) الأسينيين في موسوعتين من أعماله: حرب اليهود وعاديات يهودية.وشارك في حرب اليهود، التي كتبها ما بين 75و79 الملل اليهودية. ويذكر الأسنيين قبل الفريسيين والصدوقين.

(119)تتم العناية بالفلسفة لدى العبرانيين بثلاثة طرق: يطلق على أصحاب الأول اسم فريسيين وعلى أصحاب الثانية اسم صدوقيين وأصحاب الثالثة هم الأسينيون. يعرف عن الأسينيين بنوع خاص القداسة أنهم يهود أكثر مرتبطون ببعضهم ببعض برباط الحب.

(120)يرفض هؤلاء الملذات ويعتبرونها شراً ويعتبرون القناعة ورفض الشهوات فضيلة.كما أنهم يرفضون الزواج إن كانوا يثبتون أولاد الآخرين في المرحلة التي فيها يقبلون تعاليمهم: يعتبرونهم أقارب ويشكلونهم حسب عاداتهم.

(121)إنهم لا يلغون الزواج ونتيجته الإنجاب ولكنهم يبتعدون عن النساء سهلات القياد؛ كما أنهم مقتنعون بأنه لا تظل امرأة أمينة لرجل واحد.

(122)إنهم يحتقرون الثروة، وتثير حياتهم الجماعية الإعجاب: لا يمكن أن نجد فيهم شخصاً لديه ممتلكات أكثر من الآخرين لأنه هناك قانون يتنازل بموجبه من يريد الانتماء للجماعة عن كل ممتلكاته لها. حتى لا يعاني أحدهم صفة الفقر أو شظف العيش كل شيء ملك للكل.

(123)إنهم يعتبرون الزيت قذارة، إذا لامسه أحد لا إرادياً أو دُهن به: إنهم يحافظون على أجسادهم جافة ويرتدون الثياب البيضاء. ويتم اختيار المسؤولين عن إدارة الممتلكات وتوزع الواجبات على الجميع.

(124)لا يسكنون في مدينة واحدة، بل يعيشون، في كل مدينة يتواجدون فيها، في جماعة واحدة.ويستقبلون بحفاوة ضيوفهم من الجماعة من مدن أخرى.ويستطيع هؤلاء أثناء مدة ضيافتهم الانتفاع بكل الإمكانيات كما لو كانت ملكهم ويعاملون من أشخاص لم يروهم من قبل معاملة الأصدقاء الحميمين.

(125)لذلك لا يحملون معهم أي شيء أثناء السفر، ماعدا بعض الأسلحة للدفاع عن الذات ضد المجرمين الذين قد يهاجمونهم. وتعين جماعة كل مدينة مسؤولاً عن الضيافة لتدبر الملابس والطعام للضيوف.

(126)أما فيما يخص الملبس والظهر الخارجي فإنهم مثل شبان تلقوا تربية جيدة وقاسية: إنهم لا يلقون لا ثوباً ولا صندلاً إلا بعد أن يكونا قد بليا تماماً ويكون زمنهما قد انتهى.

(127)ولا يبيعون أو يشترون من بعضهم شيئاً إذ يترك المرء للآخر ما يحتاجه ولا يأخذ مقابله إلا ما يحتاج هو إليه. يستطيع كل واحد أني نال ما يحتاجه من الآخرين دون أن يدفع مقابلاً لذلك.

(128)ولتقواهم تجاه الله صبغة خاصة: إنهم لا يفعلون أي شيء قبل بزوغ الشمس. سوى تلاوة الصلوات طالبين منه أن يهلّ عليهم.

(129)بعد ذلك يدعو المسؤولون الأفراد للتوجه كل إلى العمل الموكل إليه ويعملون بجدية تامة حتى الساعة الخامسة ثم يجتمعون معاً لتناول الطعام جماعة ويغتسلون بماء بارد مرتدين ثياباً بيضاً. وبعد إتمام طقوس التطهير هذا يتوجهون إلى مبنى لا يُسمح لأي خارج عن الجماعة الدخول إليه: وهم ذاتهم لا يدخلون إلا بعد أن يكونوا قد تطهروا.

(130)ثم يجلسون صامتين ويمر الخباز عليهم بالخبز حسب النظام المتبع والطباخ يقوم بصب صحفة واحدة بها نوع واحد من الطعام.

(131)وقبل تناول الطعام يتلو الكاهن الصلاة. ولا يتناول أي منهم شيئاً قبل الصلاة. وبعد الأكل يتلو الكاهن صلاة أخرى. وهكذا يكرمون الله معطي الحياة قبل الأكل وبعده.

(132)عندئذ يتناولون العشاء بنفس الطريقة مع الضيوف الذين قد يمرون مصادفة بهم. ولا يسمع في البيت ضجيج أو ضوضاء وقبل أن يبدأ واحد منهم الحديث ينتظر أن يختم الآخر حديثه.

(133)ويبدون للخارجين أن الصمت سر رهيب بينما الدافع إليه هو قناعتهم وأنهم ينالون من الطعام ما يكفيهم فقط.

(134)وفيما يخص باقي الأشياء فإنهم لا يفعلون شيئاً بدون أمر المسؤول ويترك أمران لتقدير الشخص: العناية بالآخرين وأعمال الرحمة. فيستطيع كل واحد أن يساعد من يراهم في حاجة إلى ذلك أن يطعم المحتاجين. ولكن لا يسمح لأحد أن يعطي هدايا لأقاربهم دون تصريح المسؤول.

(135)إنهم يتحكمون في انفعالاتهم وعواطفهم ويتحلون بالأمانة ويدعون ويعملون لأجل السلام وتفوق كلمتهم مكانة القسم ولكنهم لا يقسمون إطلاقاً، إذ يعتبرون القسم شيئاً…. لأنهم يعتبرون مذنباً من لا يصدق الآخرون كلامه إلا باستدعاء الله (القسم).

(136)ويولون كتابات الأقدمين عناية خاصة وينتقون منها تلك التي تفيد النفس والجسد ويدرسون مداواة الأمراض وأسبابها وطبيعة الصخور.

(137)ولا يقبل الراغبون في الانضمام إلى الجماعة فوراً. فإنهم يطلبون من المرشح أن يعيش مثلهم مدة عام- حتى وإن كان خارج الجماعة ويسلمونه فأساً صغيرة، وحزاماً وثوباً أبيض.

(138)وبعد أن يبرهن على ثباته- أثناء سنة التجربة هذه- يتقدم أكثر من طبيعة الحياة ويشترك في غسولات تطهير أكثر سمواً، ولكنه لا يشترك معهم في الحياة الجماعية وبعد أن يبرهن على ثباته تحبز لمدة عامين فإذا أثبت جدارته فإنه يقبل في الجماعة.

(139)إلا أنه قبل أن يشترك في الوجبة العامة يتلو عدة أقسام رهيبة أمام الجماعة: أولاً أن يكون تقياً وباراً لله وأن يكون عادلاً مع الآخر وإلا يلحق الضرر بأحد لا من تلقاء نفسه ولا تنفيذاً لأمر أحد وأن يكره الظالمين وأن يساعد الصديقين.

(140)وأن يكون أميناً مع الجميع وخاصة تجاه السلطات لأن السلطة لا تقع على أحد إلا بسماح من الله وإلا يكون مستبداً في السلطة، إذا وصل هو ذاته لذلك وإلا يتميز عمن يتسلط عليهم بالثياب أو زينة خاصة.

(141)وأن يحب الحق دائماً وأن يخزي الكاذبين، وأن يحافظ على يديه نقيتين من السرقة ونفسه عن الكسب الحرام وألا يخفي شيئاً عن (اخوته في) الجماعة وألا يكشف شيئاً عنهم لمن هم خارج الجماعة وإن عُذب حتى الموت.

(142)بالإضافة إلى ذلك يقسم ألا يوصل لأحد تعاليماً خاصة بالجماعة مخالفة لما تلقاه هو ذاتها وأن ينتقد عن أعمال الإجرام وأن يحفظ كتب الجماعة وأسماء الملائكة. بهذه تضمن الجماعة أمانة أعضائها.

عن مجلة صديق الكاهن