نص الخطب التي قيلت بمناسبة زيارة البابا لمصر

نص الخطب التي قيلت بمناسبة زيارة البابا لمصر

كلمة الرئيس حسني مبارك:

ألقى الرئيس حسني مبارك كلمة رحب فيها بضيف مصر الكبير البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان. وقال الرئيس مبارك في كلمته: إنه ليوم سعيد لنا أن نرحب بك هنا في مصر نيابة عن جميع المصريين.. إن شعبنا ينظر إليك بعظيم الاحترام والإجلال بوصفك رجلاً تتحلى بالشجاعة والحكمة والتسامح. إن إسهامك في حل القضايا الإنسانية في هذا العصر الذي تسوده الفوضى وعدم الأمان إنما هو محل إعجاب الجميع. لقد أخذت على عاتقك نحو ثابت مهمة النهوض بمبادئ الإخاء والسلام والتعايش بين كل الشعوب.. إنك تعمل ليلاً ونهاراً دون كلل من أجل إقامة عالم خال من الظلم والقمع والتعصب. إنك تقف بجانب الضعفاء والفقراء وهم يكافحون الفقر والجوع. إنك تؤمن وتناضل من أجل إقامة عالم يسوده التسامح والقبول الدولي.. وقد قلت ذات مرة "في عالم اليوم حيث ابتعد الناس عن ذكر الله بصورة محزنة ندعو المسيحيين والمسلمين بروح الحب إلى الدفاع والإعلاء دائماً لكرامة الإنسان والقيم الأخلاقية والحرية". لقد ساندت ونهضت بالحوار بين جميع الأديان على أساس الرباط الروحي الذي يوحد جميع المؤمنين بالله. إن هذا الرباط يمثل قاسماً مشتركاً لنا جميعاً في مصر الأرض التي تعتز بنفسها بوصفها مهد الحضارة والملاذ الآمن الكريم لجميع رسل الله. وعندما أراد المسيح عيسى عليه السلام وعائلته الكريمة العيش بعيداً عن بطش هيرودس وقع اختيارهم على أرض مصر وقام عليه السلام بوضع حجر الأساس لكنيسته في مصر التي أصبحت واحدة من "الكنائس" الأربع الرئيسية في العالم، وقد حمل القديس مرقص الشعلة في سنة 61م وأقام كنيسة الإسكندرية التي قدمت إسهاماً عظيماً للفكر المسيحي والفلسفة. واليوم يقف الشعب المصري يداً واحدة يوحده خضوعه لمشيئة الله ويستمد إلهامه من روح كل من المسيحية والإسلام وهو يؤمن بتعاليم كل من الإنجيل والقرآن الكريم. ويحض القرآن الكريم جميع المؤمنين على الخضوع لكلمة الله حسبما نزلت عليهم عن طريق جميع أنبيائه دون أي تمييز أو استبعاد وكانت هذه هي الفكرة التي ترددت في آيات كثيرة من القرآن الكريم حيث يقول: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" صدق الله العظيم. قداسة البابا ونحن مع بدء ألفية جديدة في التاريخ الحديث للبشرية نشاطرك عظيم الأمل في مستقبل أفضل يحمل في طياته عهداً من السلام والحب في عالم تهيمن عليه قيم نابعة من أدياننا وتقاليدنا. ونحن نعتقد أن التقدم الذي نطمح إلى إنجازه لا يمكن تحقيقه إلا إذا تأسس على إيماننا بوحدة مصيرنا وأهدافنا بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو العقيدة. ينبغي علينا معاً أن نسعى بكل قوة من أجل التصدي للتعصب والتحامل والكراهية وينبغي علينا رفض كل أشكال التمييز والظلم والمعايير المزدوجة إذا ما كنا نهدف إلى إقامة نظام عالمي جديد قابل للتطبيق.. إن صوتك في هذه القضايا يمثل قيمة عظيمة. نتمنى لكم إقامة سعيدة وطيبة في بلدنا وليبارك الله لنا جميعاً.



 

 

كلمة البابا يوحنا بولس:

ألقى البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان كلمة أعرب فيها عن شكره للرئيس حسني مبارك الذي أتاح له أن يقوم بزيارته التاريخية وأشاد بجو التسامح الديني الذي تحياه مصر وتعيشه في الداخل والخارج وجهودها لإقرار السلام في الشرق الأوسط. وقال: لسنوات عديدة كنت أتطلع للاحتفال بالعيد الألفين لمولد السيد المسيح عيسى وذلك من خلال زيارة الأماكن المقدسة والمرتبطة بصفة خاصة بتدخل الله في التاريخ.. إن حجي يأتي بي اليوم إلى مصر فشكراً للسيد الرئيس لأنك جعلت من الممكن لي أن أحضر إلى هنا وأن أتوجه حيث أظهر الله اسمه إلى موسى كعلامة لكرمه وطيبته نحو مخلوقيه. إنني أقدر تماماً أعمالك الجيدة الكريمة وأرضكم هي أرض حضارة بلغت سبعة آلاف سنة ومعروفة في العالم لآثارها وسبقها في مجالات الرياضة والفلك هي هذه الأرض التي اختلطت فيها الثقافات المختلفة معاً والتقت مما جعل مصر شهيرة وعظيمة بعلمها وفكرها. لقد أنشئت في مدينة الإسكندرية كنيسة القديس مرقص وشهد أباء عظماء للكنيسة عظمة القديسة كاترين وكل ذلك مستقر في قلوب المسيحيين وفي العديد من الكنائس في مناطق العالم المختلفة. إن مصر هي أرض القديس أنطونيوس وهي معقل الدراسات المسيحية ولعبت دوراً عظيماً في الحفاظ على الثقافات والعقائد الخاصة بالكنيسة. ولقد جاء الإسلام بالعلم والمعرفة الذي أثر تأثيراً كبيراً على العالم العربي وأفريقيا وطبقت مصر لقرون عديدة أفكار الوحدة الوطنية ولم تكن الاختلافات في الديانة حاجزاً أبداً أمام التفاهم وخدمة المجتمع الواحد ولسوف أتذكر كلمات البابا شنودة الثالث الذي قال أن مصر ليست بلداً نستوطن فيه إنها أرض تعيش فينا أو تعيش بداخلنا. السيد الرئيس.. إنك ملتزم التزاماً راسخاً بالسلام وموقفك في الشرق الأوسط معروف فقد كان لك دور أساسي في تقدم عملية السلام بالمنطقة وكل الرجال العقلاء يقدرون الجهود الكبيرة التي بذلت حتى الآن ويأملون في أن تسود العدالة كل شعوب هذه المنطقة الفريدة من العالم.. وأن تشهد هذه المنطقة احترام الحقوق والوفاء بالأماني المشروعة للشعوب. إن زيارتي لسانت كاترين في سيناء ستكون لحظة للصلاة المكثفة من أجل الوئام الإقليمي والتخلي عن العنف والكراهية وانتهاك تعاليم الله والتاريخ الحديث والمعاصر قدم لنا أمثلة عديدة لإساءة استخدام الديانات. وعلينا جميعاً أن نعمل من أجل تقوية الالتزام المتعاظم ومن أجل الحوار ما بين الأديان والأمل لشعوب العالم.والسلام عليكم. تحيتي وصلاتي التي أقدمها لمصر ولشعبها فليبارك الله العظيم أرضكم وليسود السلام والرخاء عليها وشكراً.



بيان غبطة البطريرك إسطفانوس الثاني بمناسبة زيارة البابا[1]



أصدر البطريرك إسطفانوس الثاني بطريرك الأقباط الكاثوليك بياناً في مناسبة زيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني لجمهورية مصر العربية جاء فيه: باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك بمصر، يسعدني أن أنهي لشعبنا الكاثوليكي أنه للمرة الأولى يقوم أحد باباوات روما بزيارة لوطننا الغالي مصر تلبية للدعوة الكريمة التي وجهها له السيد الرئيس حسني مبارك، وتتواكب هذه الزيارة الميمونة مع مرور ألفي عام على ميلاد السيد المسيح عليه السلام الذي بارك بلادنا بمجيئه إليها مع أمه السيدة العذراء والقديس يوسف النجار لكي يحتمي فيها من بطش هيرودس الملك… وبلادنا هي التي احتضنت من قبل إبراهيم أبا المؤمنين، ويوسف الصديق، وأرميا النبي.. ومن هنا فإن رحلة البابا يوحنا بولس الثاني إلى مصر هي رحلة حج إلى المقادس التي تزخر بها بلادنا. وقال في البيان: إن هذه الزيارة هي أول زيارة لصاحب كرسي مار بطرس إلى كرسي مارمرقس، وأعرب باسم الشعب الكاثوليكي في مصر وقيادته عن ترحيبه بالحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني في مصر والدعاء له بإقامة هنيئة وسطنا ودعاء خالص أن يكلل مجهوداته بالخير العميم في الكنيسة وبالسلام الشامل والعادل في منطقتنا الشرقية وفي سائر بلدان العالم.



خطاب البابا يوحنا بولس الثاني في اللقاء المسكوني بكاتدرائية العذراء بمدينة نصر[2]



"لتكن نعمة الرب يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس معكم جميعاً"(2كو 13/13).

قداسة البابا شنودة. غبطة البطريرك إسطفانوس الثاني. السادة الأساقفة والسادة كبار القيادات الكنسية من كل الطوائف المسيحية في مصر.

1- أحييكم من كل قلبي وبكل مودة وببركة القديس بطرس الذي يقودنا مباشرة داخل سر الثالوث في علاقات المحبة التي يجمعنا فيها الرب. إنه لفرح عظيم أن أزور اليوم هذا البلد الذي رحّب ووفّر الحماية للسيد المسيح، مع أمه السيدة العذراء ويوسف النجار، بحسب ما جاء في إنجيل القديس متى (2/14-15).
لقد آمنت مصر بالمسيحية منذ عصر الرسل وسرعان ما أصبحت كنيسة الإسكندرية منارة للمسيحية الأولين منذ تأسيسها على يد القديس مرقس. كما قدمت هذه الكنيسة أباء عظام مثل القديس أثناسيوس، والقديس كيرلس الكبير، الذين شهدوا للإيمان بالثالوث الواحد، ويسوع المسيح الإله الحق والإنسان الحق كما حددته المجامع المسكونية الأولى، وأيضاً تعود أصل الحياة الرهبانية إلى صحراء مصر متمثلة في صورة الحياة المنفردة وحياة الشركة تحت الأبوّة الروحية للأنبا أنطونيوس، والأنبا باخوم. فبفضل هذان القديسان وبفضل تأثير كتاباتهما الروحية أصبحت الحياة الرهبانية جزءاً لا يتجزأ من مورثنا المشترك. وفي خلال هذه العقود الأخيرة ازدهرت الحياة الرهبانية مرة ثانية وامتدت خارج مصر.

2- ونحن نشكر الرب اليوم لأننا أصبحنا نعي بشكل أكثر بشهادتنا المشتركة في الإيمان وفي ثراء حياتنا الروحية. وأيضاً نحن نشترك معاً في تقديم الإجلال للسيدة العذراء والدة الإله، هذا الإجلال التقوي الذي تشتهر به الكنائس القبطية وسائر الكنائس الشرقية. ونحن عندما نتحدث عن التراث المشترك، فنحن لا نقصد فقط المؤسسات الدينية والطقوس وغيرها من وسائل الخلاص والتقاليد التي شكلتها الطوائف وحفظتها الكنيسة، إنما علينا أن نذكر أولاً وقبل كل شيء حقيقة القداسة. (رسالة بابوية رقم  Encyclique Ut unum sint, n. 84). ولقد كانت مصر ولا زالت تقدم الكثير من التضحيات لتحافظ على هذا الميراث وتدعو إليه بأمانة، فكم من شهيد، جاءت سيرته في سنكسار الكنيسة القبطية الذي يؤرخ لقديسين من عصر الاضطهاد الذي حدث من قبل الرومان (284-303م)، فهؤلاء الشهداء يمجدون الرب في مصر من خلال جهادهم المستمر بلا ضعف حتى الموت.

3- وقد نقل التقليد الرسولي والتراث المشترك ونشر في صور مختلفة مع الأخذ في الاعتبار الخواص الثقافية المختلفة لكل شعب. وبالرغم من ذلك فقد حدثت الكثير من الإنشقاقات المؤلمة في كنيسة المسيح الواحدة بسبب عوامل لاهوتية وغير لاهوتية وأيضاً بسبب نقص المحبة الأخوية والتفاهم. ولم تكف الخلافات وعدم الثقة بين المسيحيين عن النمو، بل استمرت على عكس رغبة يسوع المسيح الملّحة الذي صلى "ليكونوا واحداً" (يو 17-21). وخلال القرن العشرين، قرّب الروح القدس بين الكنائس المسيحية في حركة مصالحة. وأنا أتذكر بامتنان المقابلة التي تمت بين البابا بولس السادس وقداسة البابا شنودة الثالث في عام 1973 وتوقيعهم (الإعلان المشترك عن طبيعة المسيح) وبهذه المناسبة أشكر كل من ساهم في تحقيق هذا الإنجاز المهم خاصة مؤسسة برو أورينتا في فيينا. وكذلك تأسيس اللجنة الدولية المشتركة بين الكنيسة الرومانية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وليبارك الرب اللجنة الدولية المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والكنيسة الأرثوذكسية حتى تعمل من جديد للتوضيح اللازم للحقائق الكنسية الأساسية.

4- وأكرر ما قد تحدثت عنه في رسالتي إذ أن ما يختص بوحدة الطوائف المسيحية يدخل ضمن أولويات بابا روما، ولكني أدعو من جديد كل المسؤولين الكنسيين وعلماء اللاهوت حتى يؤسسوا معي، حول هذا الموضوع حواراً أخوياً متأنياً، نستطيع من خلاله أن نصغي لبعضنا البعض فوق الجدال العقيم محتفظين فقط في أذهاننا برغبة السيد المسيح "من أجل الكنيسة". بالنسبة لأسقفية روما، أطلب من الروح القدس أن يرسل لنا نوره ليرشد كل قساوسة كنائسنا وعلماء اللاهوت حتى نستطيع أن نجد معاً الأشكال التي تتمكن من خلالها هذه الأسقفية من تحقيق خدمة محبة للكل. (عظة في بازيليك الفاتيكان بحضور ديمتريوس الأول، رئيس أساقفة القسطنطينية والبطريرك المسكوني في 6 ديسمبر 1987 رقم 3، رقم CF 95). اخوتي الأحباء: ليس لدينا وقت لنضيعه في هذا الشأن.

5- إن اتحادنا في يسوع المسيح الواحد، وفي الروح القدس الواحد وفي المعمودية الواحدة تعتبر حقيقة عميقة وأساسية. هذا الاتحاد يسمح لنا بالشهادة المشتركة بإيماننا في الكثير من المجالات، بل أن هذا يتطلب أن نتعاون معاً حاملين شعلة المسيح إلى العالم الذي ينتظر الخلاص. وتعتبر الشهادة المشتركة مهمة جداً خاصة في مطلع عام جديد وقرن جديد يمثلان الكثير من التحديات للعائلة البشرية، لذلك أيضاً لم يعد هناك وقت لنضيعه. وللحفاظ على هذه الشهادة المشتركة يجب علينا أن نتحاشى كل ما يمكن أن يؤدي بنا إلى الاختلاف وعدم الثقة. إننا متفقون على أنه يجب أن نتحاشى كل تعليم ديني وكل سلوك يخالف مقتضيات المحبة المسيحية وكل ما يميز العلاقات بين الكنائس (الإعلان المشترك للبابا بولس السادس والبابا شنودة الثالث، 1973). وأذكر أن المحبة الحقيقية المنغرسة- في الإيمان الكامل بالرب يسوع المسيح وفي الاحترام المتبادل لكل من التقاليد الكنسية وممارسات الأسرار- هي العنصر الأساسي في البحث عن الوحدة الكاملة. نحن لا نعرف بعضنا بعضاً بصورة كافية، فلنجد إذاً طرقاً للتقابل، لنبحث عن أشكال حية للوحدة الروحية، مثل الصلاة، الصوم المشترك، استقبال أو تبادل الرهبان بين الأديرة. دعونا نجد أشكالاً ملموسة للتعاون لنجيب خاصة على الاحتياج الروحي الحالي لكثير من الشعوب لنحمل عنها ضيقها. وكذلك أيضاً نهتم بتعليم الشباب ولنوفر لهم كل الظروف الجيدة للحياة الإنسانية للارتقاء بالاحترام المتبادل، والعدالة والسلام، وحتى نعمل على نمو الحرية الدينية التي تعتبر حقاً إنسانياً أساسياً.

6- في بداية أسبوع الصلاة من أجل الوحدة المسيحية في 18 يناير 2000، قمت بفتح الباب المقدس لكنيسة القديس بطرس خارج الأسوار وارتقيت عتبتها مع ممثلي الكثير من الكنائس والتجمعات الكنسية وقد قام كل من نيافة الأنبا بيشوي من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وممثلي الكنائس الأرثوذكسية والكنائس اللوثرية بحمل الإنجيل في الأربع جهات الأصلية. وكان هذا تعبيراً قوياً لرسالتنا المشتركة من أجل الألفية الجديدة معاً. إذن لابد أن نشهد لإنجيل يسوع المسيح رسالة الحياة والخلاص، الحب والأمل للعالم. خلال نفس الطقس (الليتورجية) قام ممثل بطريرك الإسكندرية للروم الأرثوذكس بإعلان قانون الإيمان. ثم تبادلنا السلام وقد انتابتني في لحظة الفرحة هذه شعور مسبق بالوحدة الكاملة التي نعمل على تحقيقها بين رسل المسيح. فليهبنا روح الرب الوحدة الكاملة والملموسة التي نبغيها.

7- إنني أضع هذه الرغبة لشفاعة والدة الإله فهي أجمل وأنقى وأقدس جميع المخلوقات القادرة أن تكون الكنيسة بلا شبيه، فنحن في حماية أمنا العذراء نجد الشجاعة للاعتراف بخطايانا ونبحث عن المصالحة التي تجعلنا قادرين على العيش في المحبة مثلما أحبنا المسيح. اخوتي، فليكن اليوبيل يوبيل وحدتنا الكاملة في الآب والابن والروح القدس. آمين

(ترجمة غير رسمية)



خطاب قداسة البابا يوحنا بولس الثاني

في حديقة الزيتون بدير سانت كاترين



اخوتي وأخواتي الأحباء،

1-       في هذه السنة، سنة اليوبيل العظيم، يدفعنا إيماننا إلى أن نصبح حجاج على طريق الرب. ونتأمل الطريق الذي أخذنا عبر الزمن ليعلن للعالم أجمع السر العظيم لمحبته للبشر. واليوم ها هو بابا روما يحج إلى جبل سيناء بفرحة عميقة، فقد جذبه هذا الجبل المقدس الذي يقف منتصباً لذكرى ما أعلنه الرب لشعبه في هذا المكان: هنا أعلن الرب اسمه القدوس، هنا أعطى شريعته: الوصايا العشر. كم من الناس حضروا إلى هذا المكان المقدس من قبلنا. هنا نزل شعب الله ووضع خيمة (خر19/2) هنا وجد النبي إلياس في المغارة، هنا وجدت رفات القديسة كاترين مكانها الأخير، هنا صعد الكثير من الحجاج على مر العصور إلى جبل الرغبة، كما أسماه القديس غريغوريوس النيصي (حياة موسى، 2، 232) هنا عاشت أجيال من الرهبان في صلاة وسهر. نحن اليوم نتبع بتواضع خطواتهم حتى "الأراضي المقدسة" بداية من المكان الذي وعد فيه الله إبراهيم واسحق ويعقوب بتحرير الشعب.

2-      يُظهر الرب نفسه لنا بطريقة عجيبة- مثل النار التي لا تحترق- وفقاً للمنطق يتحدى الله كل ما نعرفه وننتظره. فهو الإله القريب والبعيد في نفس الوقت، هو في العالم ولكنه ليس من العالم، هو الإله الذي يأتي لمقابلتنا ولكنه الإله الذي لا يملكه أحد. إنه هو هو الاسم الذي ليس هو اسماً- (أنا هو)؟: السر الإلهي يتوحد فيه المضمون والموجود! فأمام هذا السر الغامض، كيف لا نخلع نعلينا كما أمر الرب، ونعبده على هذه الأراضي المقدسة. وهنا على جبل سيناء، تظهر حقيقة من هو الرب؟ الأساس وضمان الشريعة، هنا دخل موسى إلى (الغمامة المضيئة) كما قال القديس غريغوريوس النيصي (حياة موسى 2، 164) وأخذ لوحي الشريعة مكتوبين بأصابع الله (خر 31/18). ولكن ما هو هذا القانون؟ ما هي تلك الشريعة؟، إنها شريعة الحياة والشريعة الروحية. ذاق شعب إسرائيل في البحر الأحمر تجربة كبيرة للحرية، لقد عاين قوة وأمانة الرب، واكتشف أنه إله يريد الحرية الحقيقية لشعبه كما وعد. ولكن على جبل سيناء ختم الرب محبته ووضع عهده الذي لن ينقضه أبداً، وإذا أطاع الشعب شريعته سيعرف الحرية إلى الأبد. إن الخروج والشريعة ليست فقط أحداثاً ماضية وإنما هي مصير شعب الرب إلى الأبد. إن اللقاء بين الرب وموسى على الجبل يضع في لب إيماننا المسيحي سر الطاعة، التي تجد اكتمالها في الطاعة الكاملة ليسوع المسيح في التجسد وعلى الصليب (فيلبي 2/8، عب 8/5-9) ونحن أيضاً سنصبح بالحقيقة أحراراً إذا تعلمنا أن نطيع مثلما فعل يسوع (عب5/8). إن الوصايا العشر لم يفرضها سيد بأسلوب الأمر، ولكنها كتبت على حجر ومن قبل كتبت في قلب الإنسان كقانون أخلاقي عام، صالح لكل زمان وفي كل مكان. وحتى اليوم مازالت، وستظل الوصايا العشر هي الأسس الوحيدة الحقيقية للأفراد والمجتمعات والشعوب. اليوم تمثل هذه الوصايا المستقبل الوحيد للبشرية، لينقذها من القوى المدمرة مثل الأنانية والكذب والكراهية فهي تطرد الآلهة التي تقود الإنسان إلى العبودية: حب الذات لدرجة رفض الرب، جشع السلطة والشهوة التي تقلب نظام العدالة وتهين الكرامة الإنسانية، ونحن إذ تركنا هذه المعبودات المزيفة وتبعنا الرب الذي يقود شعبه إلى الحرية، والذي يظل دائماً معه، سنظهر مثل موسى بعد أربعين يوماً على الجبل (يشع بالمجد) فبحسب ما قال القديس غريغوريوس النيصي (حياة موسى 2، 232) سنكون نحن أيضاً مضيئين بنور الرب. حينما تحفظوا الوصايا، سوف تصبحون أمناء للرب ومع أنفسكم ومع طبيعتنا وأمانتنا العميقة. إن الهواء الذي يطير اليوم على سيناء يذكرنا بأن الرب يتمجد من خلال نمو خلائقه. وفي هذا الاتجاه يدعونا هذا الهواء إلى التصميم على الحوار بين رسل الديانات التوحيدية الكبرى، وذلك من أجل خدمة العائلة البشرية، وهذا يوضح لنا أننا نستطيع مع الرب أن نجد نقاط للالتقاء في الرب، الكلي القدر والكلي الرحمة، خالق الكون وسيد التاريخ الذي سيديننا بالعدل في يوم القيامة.

3-      إن النص الكتابي الذي استمعنا إليه يوضح لنا أن سر جبل سيناء، يتمثل في جبل ثابور، حيث ظهر يسوع لتلاميذه وهو يشع بمجد الله ومعه كان إيليا وموسى، ليشهدا على أن الإعلان الإلهي يكتمل في يسوع المسيح، له المجد. تحدث الرب من على جبل التجلي من خلال الغمامة، مثلما حدث في جبل سيناء، ولكن في هذه المرة قال: هذا هو ابني الحبيب، له اسمعوا (مر9/7). فالرب يأمرنا بأن نسمع لابنه لأنه ليس أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له (متى 11/27) وهكذا قد علمنا أن الاسم الحقيقي للرب هو الآب، إنه اسم يعلو فوق كل اسم "أبا" (غلاطية 4/6)، ونحن نعرف أننا في المسيح نسمى أبناء وبنات. إننا نعلم أن رب الخروج والشريعة يحرر شعبه، لأنه يحب أبنائه وبناته، الذين لم يخلقوا للعبودية، وإنما لحية مجد أبناء الله (رومية 8/21) ويقول القديس بولس "أنتم قد متم للناموس بجسد المسيح" (رو7/4) وهذا لا يعني أن شريعة سيناء هي من الماضي، إنما يعني أن الوصايا العشر أسمعتنا صوت الابن الحبيب. إن الإنسان الذي حرره يسوع المسيح يدرك جيداً أنه محاط من داخل قلبه بالحب، ومن الخارج محاط بكثير من الحقوق. إن الوصايا العشر هي شريعة الحرية، ليس حرية اتباع الأهواء العمياء، إنما حرية الحب وحرية اختيار ما هو أحسن لكل موقف. إنها ليست قوانين عامة، يجب إطاعتها دون فهم واستيعاب، إنما هي تتطلب منّا أن نحب الآب من خلال المسيح يسوع في الروح القدس (رومية 6/14 وغلاطية 5/18). عندما أظهر الرب نفسه لموسى على الجبل وأعطاه شريعته أعلن نفسه للإنسان. إن سيناء تقع في قلب الحقيقة التي تخص الإنسان ومصيره.

4-      وفي رحلة البحث عن الحقيقة قام رهبان بنصب خيامهم تحت ظلال سيناء، ويحمل دير التجلي أو دير سانت كاترين علامات الزمن واضطرابات الإنسان، ومع هذا يقف صامداً كشاهد على الحكمة وعلى الحب الإلهي. وعلى مر العصور عاش في هذا الدير كثير من الرهبان، يصلون معاً ويستمعون إلى كلمة الرب التي تبشر بحكمة الآب وحبه للبشر. وفي هذا الدير دون القديس يوحنا السلمي رائعته الروحية "السلم المقدس"، الذي لا يزال يلهم الرهبان والراهبات من جيل إلى جيل، في الشرق والغرب، وذلك في حمايته والدة الإله القديسة مريم، إذ أنه منذ القرن الثالث الميلادي بدأ الأقباط يلجأون إلى السيدة العذراء بعبارات الثقة: في ظل حمايتك نلتجئ يا مريم يا أم الله. ولقرون عديدة ظل دير سانت كاترين نقطة لقاء لكثير من الشعوب، من كنائس متنوعة، ذات ثقافات مختلفة. وأنا أصلي في بداية الألفية الجديدة لكي يصبح دير سانت كاترين منارة ترشد كل الكنائس لتتعرف على بعضها البعض بطريقة أفضل، وأن يكتشفوا ما يراه الرب صالحاً لوحدتنا في المسيح.

5-      وفي هذه المناسبة يسرني أن أشكر بصفة خاصة أبناء إيبارشية الإسماعيلية للأقباط الكاثوليك وأسقفهم الأنبا مكاريوس توفيق، الذين أتوا خصيصاً لمشاركتي في هذا الحج إلى جبل سيناء. إن خليفة بطرس يشكركم عل صبركم في الإيمان، فليبارككم الرب مع عائلاتكم. كما أشكر من كل قلبي نيافة الأنبا مكاري أسقف سيناء للأقباط الأرثوذكس وأعبّر له عن امتناني لوجوده معنا، وأطلب منه أن ينقل تحياتي الحارة لكل المؤمنين في إيبارشيته. وأتمنى بصفة خاصة أن أعبر عن خالص شكري للمطران دميانوس مطران دير سانت كاترين على كلمات الترحيب التي استقبلني بها نيافته مع رهبان الدير. وليبقى دير سانت كاترين واحة روحية، لكل المؤمنين في كل الكنائس في السعي لمجد الرب الذي أسّسه على جبل سيناء (خروج 24/16) وأن رؤية هذا المجد يدفعنا لأن نتهلل بفرح شاكرين الرب أبانا من أجل اسمه القدوس الذي أسكنه في قلوبنا.

آمين.

(ترجمة غير رسمية)




[1] جريدة الأهرام، 25فبراير 2000، ص3.

[2] جريدة حامل الرسالة، الأحد، 5 مارس، 2000، ص4.