لنتأمل مع بندكتس 16-18 السادس والسابع والثامن عشر من أبريل

روما، الأربعاء 16 أبريل 2008 (zenit.org).

ننشر في ما يلي تأمل اليوم السادس عشر من أبريل للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 
القيامة والقدرة على إرساء العدالة

المسيح قام! العدالة للعالم! أصبح هناك عدالة شاملة للجميع، وهذا من شأنه، وبمفعول رجعي، أن يجعل كل العذابات السابقة حسنة، لأن الله موجود وله القدرة على إتمام ذلك. كما قال القديس برنارد دي كليرفو، الله قادر على أن يكون حليماً وإن كان لا يتألم. ويمكنه أن يكون حليماً لأنه قادر على أن يحبّ. إن قوة الحلم هذه النابعة من قوة المحبة هي القادرة على أن تجعل الماضي حسناً وتوجد العدالة. المسيح قام، وهذا يعني أن ثمة قوة قادرة على خلق العدالة وهي تنشط في خلقها. لهذا السبب، لا تقتصر رسالة القيامة على كونها نشيداً لله بل هي أيضاً نشيد يتغنى بقدرة محبته وبالتالي نشيد للإنسان والأرض والمادة. فالكل قد خُلِّص. والله لا يسمح لأي من خليقته أن يغرق بصمت في ماضٍ قد انقضى إلى الأبد. لقد "خلق كل شيء ليكون"، بحسب سفر الحكمة. خلق كل شيء ليكون الكل واحداً وملكاً له، كيما يكون "الله الكل في الكل".  

السابع عشر من أبريل

 الإيمان والذات الحقيقية

 إن الإيمان توجيه لحياتنا برمّتها. إنه خيار أساسي يطال كل ميادين حياتنا وهو لا يتحقق ما لم تتضافر كل طاقات وجودنا من أجل صونه والحفاظ عليه. فالإيمان ليس مجرّد نشاط فكري أو حتى إراديّ أو عاطفيّ، بل هو كل هذه الأمور معاً. إنه فعل يعني الذات بكلّيّتها والشخص بكلّيّته في اتحاد طاقاته مجتمعةً. وفي هذا الإطار، يصف الكتاب المقدس الإيمان باعتباره فعل "الجنان" (روم 10: 9). الإيمان فعل شخصي بامتياز… يتجاوز الذات وحدود الفرد. يقول القديس أغسطينس أن ما من شيء أقلّ ملكاً لنا من ذاتنا. وعندما يتعلّق الأمر بالإنسان بكلّيته، نراه يتجاوز ذاته؛ والفعل الذي يولد من الذات بكلّيّتها هو في الوقت عينه دائماً فعل انفتاح على الآخرين، وبالتالي فعل تواصل مع الآخرين. بل وأكثر، فإنه لا بدّ لنا لإتمام هذا الفعل من أن ندخل إلى أعمق ما فينا لنلمسه، إلى الإله الحيّ المقيم في أعماق وجودنا أساساً داعماًً لبقائه. وأي فعل يعني الإنسان بكلّيّته يعني أيضاً، لا الذات وحسب، بل الـ"نحن" أي الـ"أنتَ" الكلّي الإختلاف، الله، إلى جانب الذات. ولكن ذلك يعني أن فعلاً كهذا يتجاوز ما يمكنني القيام به بمفردي. فلمّا كان الإنسان كائناً بشرياً، لا تقتصر الحقيقة الأعمق بشأنه أبداً على الفعل بل وبشكل دائم على العاطفة أيضاً؛ فالإنسان ليس مُعطياً وحسب بل مُتلقياً أيضاً… والإيمان إماتة للذات الصرفة وهو إذاً بالتحديد قيامة للذات الحقيقية. فأن أومن يعني أن أصير ذاتي من خلال التحرر من الذات الصرفة، تحرر يقيمنا في شركة مع الله بواسطة الشركة مع المسيح.

الثامن عشر من أبريل

موت المسيح صلاةً

لقد حوّل يسوع المسيح موته إلى إطار لفظي- إلى صلاة- فبدّل العالم بفعله هذا. فأصبح هذا الموت قادراً على أن يكون حاضراً لنا، إذ إنه يستمرّ في الصلاة، ومن خلال الصلاة ينتقل عبر العصور… ولأن يسوع حوّل الموت شهادة شكران ومحبة، فقد أصبح اليوم حاضراً على مرّ القرون كينبوع حياة، وأصبحنا قادرين على ولوج الموت من خلال الصلاة مع يسوع. فهو يجمع، إن صحّ التعبير، فُتات عذابنا ومحبتنا ورجائنا وانتظارنا الهزيل في هذه الصلاة، في فيض عظيم تشاركه فيه حياته، بحيث نشارك حقيقةً في التضحية. لا يقف المسيح وحيداً إزاءنا. لقد كان وحيداً في ساعة موته، كحبّة الحنطة، ولكنه لا يقوم وحده من الموت بل كسنبل قمح كامل، مع شركة القديسين. ومنذ لحظة القيامة، لم يعد المسيح وحيداً بل هو على الدوام وبكلّيّته منفتح علينا أجمعين… وما عظمة ما أنجزه المسيح بالتحديد إلا في عدم بقائه شخصاً آخر، في مواجهتنا، يعمل مرة جديدةً على نفينا في دور سلبي محض؛ وهو لا يتحمّلنا بأناة، بل هو يرفعنا ويتماثل معنا إلى حدّ أن تصير آثامنا عليه ويتوحّد لاهوته بناسوتنا: لقد قبلنا حقاً ورفعنا كيما نصبح أنفسنا ناشطين بدعمه وإلى جانبه، ونتعاون وننضمّ إلى التضحية التي قام بها، ونشارك بدورنا في هذا السرّ. وعليه، يمكن لحياتنا وآلامنا، وآمالنا ومحبّتنا أن تثمر جميعها في الجنان الجديد الذي منَحَناه