كيف نواجه مشكلة الزواج المؤجل قسرياً؟

كثير من الآراء تفترض أن يتزوج المرء لكي يطفئ شهوته، وأن الطريق الوحيد للخلاص من الحاجة الجنسية الملحة هو الزواج، " ما يعني أن الشهوة تبقى هكذا على فجاجتها ولو سترت بستر الزواج، أي أنها لا تقيم وزناً لأهمية الآخر بحد ذاته" (بندلي,الجنس في انواره وظلاله- ط1- منشورات النور- طرابلس-1999 ,ص144).
وهذه الآراء ترى بأن المشكلة الفعلية التي علينا مواجهتها هي مشكلة الزواج المؤجل لظروف مادية وسكنية حقيقية.
ولكن ما النتيجة الحقيقية لعلاقة زوجية تبنى فقط لإسكات الشهوة الجنسية؟
إن الإنسان، إذا اتخذ من أي إنسان آخر، وبنوع أخص من الذي يرتبط به برباط الزواج، مجرد أداة ووسيلة لتحقيق أغراضه، لا يسيء إلى هذا الآخر فحسب إنما يسيء إلى ذاته أيضاً.
فالإنسان يحتاج فعلاً إلى أشياء كثيرة . يحتاج إلى طعام ولذة وأمان ومقام ومال يوفر له هذه الأشياء كلها، يحتاج إلى حلول لمشكلاته وانفراج لأزماته.. ولكنه أحوج ما يكون إلى تحقيق لقاء بالإنسان الآخر يحرره من سجن عزلته ويسمح للحياة بأن تتدفق فيه ويصله بالوجود قاطبة.
ولا يستطيع للفرد أن يرى الآخر كشخص إلا إذا اعتبره مهم كما يعتبر نفسه هو مهماً، أي إذا أراده (من أجل ما ينتظره منه وحسب، من لذة أو أمان أو تخلص من مشاكل وما شابه ذلك، بل من أجل نفسه أولاً).
أي إذا اعتبر مصير الآخر مهم كمصيره هو وسعادته الآخر مهمة كسعادته نفسه وكذلك منفعته.
عند ذاك، وعند ذلك فقط تنشأ محبة أصلية " أحبب قريبك كنفسك" (لوقا 10: 27).
إن الزواج من شأنه بالعقل أن يلبي حاجات متنوعة (جسدية ونفسية واجتماعية) ولكن ذلك ليس بجوهره، وأما إذا تحول هدف الزواج هو تحقيق تلك الحاجات فقط فهو عندئذ سيتحول لصفقة مربحة ونوع من الدعارة المشروعة، ويؤدي إلى فقدانه للركيزة التي تضمن سلامته وهي اللقاء بين الشريكين، وفي هذه الحالة فإن استمرارية الزواج تعرض للتهديد لأن موضوع الشهوة يستنفذ فيتحول الرجل عن امرأته وتصبح (عينه إلى الخارج) ويتفكك الزواج فعلياً فتنفض حياة الزوجين وتضطرب نفسية الأولاد.
فلا نقول إن الرجل يتزوج من أجل إطفاء الشهوة ، إنما هو يتزوج (وهذا هو المعنى الإنساني للزواج) إذا ما أحب فتاة ووجدا كلاهما أن هذا الحب بلغ مرحلة نهائية يسمح لكل منهما بالمراهنة على ضم مصيره إلى مصير الآخر المحبوب، والمحبوب المقصود عنا ليس بالضرورة أن يكون حباً رومنسياً مشبوباً، بل أن يجمع المقومات الثلاث التالية: تجاوب على الصعيد الجنسي، تجاوب على الصعيد العاطفي وتجاوب على الصعيد الروحي (صعيد الأفكار والمواقف والتطلعات والأهدا).
هذا الحب الحقيقي يسمح للشاب والفتاة أن يتبادلا الأفكار والخبرات، وأن يعملا معاً من أجل قضية مشتركة، في هذا المناخ يتاح للشهوة أن تتسامى، وتغذي نشاطات إنسانية راقية وفي هذا المناخ يكتشف الشاب والفتاة بعضهما البعض لا كمجرد أنثى أو ذكر يثير المشاعر الجنسية، بل كإنسان بالدرجة الأولى.
بالطبع قد يصطدم هذا الحب في الظروف الراهنة بعقبات تحول دون تحقيقه الفوري بالزواج وتضطر المعنيين به إلى الانتظار فترة قد تطول، ولكن كونه حباً أصيلاً سيكون قادراً على مواجهة الصعوبات.
فالحب، يلطف الشهوة ويروقها بالحسنى، ولذا فهو يسمح بتأجيل إشباعها دون أن يحصل تحرق.
من جهة أخرى فالحب يدعو إلى مواجهة العقبات التي تعترض الزواج بنظرة جديدة وبناءة فقضية السكن بالفعل مشكلة ليس لأن الفتاة التي ترفض السكن مع أهل الشاب هي غير متواضعة، فالمفهوم الحالي للزواج هو مفهوم الاستقلال عن الغطاء الأبوي وبناء أسرة مستقلة تعبر عن بلوغ الزوجين مرحلة الرشد وتتطلب بالتالي سكناً مستقلاً يكرس استقلالها ويحميه. ومن الطبيعي بالتالي أن تريد الفتاة أن تتصرف كراشدة وأن يسلك زوجها أيضاً على هذا المنوال.
إلا أن الكثيرين لا يقبلوا بأن يقدمون على الزواج إلاّ إذا توفرت لهم جميع وسائل الرفاهية، وهذا ناتج من كونهم لا يرون في الحب الركيزة الأولى والأساسية للزواج، والفتاة هي عادة للأسف الأكثر تشدداً من حيث هذا الطلب، لأنها ترى هي أيضاً في الزواج لا تعبيراً عن الحب بالدرجة الأولى، بل وسيلة لبلوغ الاستقرار والأمان والوجاهة الاجتماعية، أما إذا أساء الحب فهو كفيل بأن يجعل الشاب والفتاة يقنعان بالقليل. " كما في حال الكثير من الكوبلات الطلاب الجامعي في الغرب ذلك لأن الحب يبدو في نظرهما أهم من السكن الذي يضمه .. فيرتضيان في البداية مأوى متواضعاً يطورانه لاحقاً نحو الأكمل والأفضل بجهاد مشترك يستمد حوافزه من فرح عيشهما معاً" (المرجع السابق,ص148).
فالعفة تعتبر عند الكثيرين، موقفاً سلبياً في جوهره، موقف امتناع. واللفظة المستعملة نفسها تدعم هذا التفسير وتغذيه: فعبارة " عفة " مشتقة من " عف " عن الشيء أي امتنع عنه. ولكن هذا المظهر السلبي بعيد عن أن يستنفذ معانيها أو يعبر عن جوهرها الأصيل. هذا الجوهر لا يتضح إلا إذا نظرنا إلى العفة من خلال الحب الذي هو اكتمال الجنس الإنساني. فالعفة مرتبطة بالحب ارتباطاً وثيقاً، العفة إذاً إيجابية بطبيعتها، إذ أنها عملية ربط الجنس بالحب، إنها الحرص على أن يبقى الجنس محافظاً على مرماه الإنساني والاتحادي.

صحيح أن هذا الموقف الإيجابي الأساسي يقتضي اتخاذ بعض المواقف السلبية، ولكن هذه الأخيرة نابعة عن الأول ومترجمة له.

عن موقع القديسة تريزا