الأنبا كيرلس وليم فى حوار شامل

  أجرى الحوار ناجح سمعـان

يبدو ان للتعليم قيمة كبرى في حياة صاحب النيافة الأنبا كيرلس وليم مطران أسيوط، فمنذ التحاقه بالاكليريكية الصغرى في طهطا ولم يكن قد تجاوز التاسعة من عمره لفت أنظار اساتذته ومكونيه، وعقب دراسته للفلسفة باكليريكة المعادي حظى باختيار الرؤساء فأوفدوه إلى روما لتكملة دراساته اللاهوتية. وخلال مسيرته العلمية بروما والتى امتدت إلى تسع سنوات برع سيادته في تحصيل العلوم الدينية حيث حصل على ليسانس الدراسات اللاهوتية من الجامعة الاوربانية في 1969، وليسانس الدراسات الكتابية من المعهد الباباوى للكتاب المقدس في 1981، والدكتوراه في اللاهوت الكتابي من الجامعة الجريجورية في 1983. والمتابع لنشاط الرجل وأعماله يقرر بموضوعية أن ما حصل عليه الأب الجليل من تعاليم وخبرات وضعه بسخاء العالم بين يدى تلامذته الاكليريكيين،  وكذلك بشر به أبناء ايبارشيتة، منذ ان دعاه الله ليكون راعياً لايبارشية أسيوط. وفي حوار شامل وسيادة المطران لم أتعجب عندما قال أن التنوير رسالته الأولى في اسيوط وانه يرجو لأبنائه العبور من الإيمان المؤروث إلى الإيمان الشخصي النابع عن المعرفة، وفيما يلى نص الحوار كاملاً.    

 

* سيادة المطران .. في البداية دعنا نقدم للقراء أهم الملامح المميزة لايبارشية أسيوط ؟ 

– بالفعل تحظى ايبارشية اسيوط بعدد من العوامل التى تميزها ولعل ابرز هذه العوامل موقعها الجغرافي المتوسط بين ايبارشيات الصعيد اذ يحدها من الشمال ايبارشيتي المنيا والجيزة ومن الجنوب ايبارشيتى سوهاج والأقصر مما يساعد على التواصل مع كافة الايبارشيات بالمنطقة. كذلك تعد ايبارشية اسيوط ثاني ايبارشية من ناحية عدد المؤمنين بعد الايبارشية البطريريكية وربما يعود ذلك إلى كثافة التواجد المسيحي في اسيوط حيث يوجد بالايبارشية 38 رعية قبطية كاثوليكية و 17 بيت للراهبات وتتميز الايبارشية ايضاً باحتضانها لمزار ودير السيدة العذراء بدرنكا حيث يتقاطر اليه المؤمنون طوال العام وبالأخص في شهر أغسطس وذلك بالإضافة إلى مزار ودير الآباء الفرنسيسكان بأسيوط وهو من أعرق المؤسسات الكاثوليكية بصعيد مصر.  كذلك لا ننسى أن باسيوط جامعة عريقة تجتذب إليها الطلاب من كل مكان مما يضع على اكتافنا رسالة الاهتمام بالطلبة المغتربين ورعايتهم. واخيراً تتسم ايبارشية اسيوط بتنوع الدعوات الكهنوتية والرهبانية اذ يخدم بالايبارشية 42 كاهن و5 رهبان و 65 راهبة بالإضافة إلى عدد من الأباء الكهنة يخدمون خارج الايبارشية.

* شعاركم الكهنوتي في 10 يونية 1974 ( سأبشر بأسمك إخوتي وأسبحك في وسط الكنيسة ) وشعاركم الاسقفي في 3 يونية 1990 ( من أجلهم أقدس ذاتي ). أعطنا فكرة عن منهج نيافتكم الرعوي ؟

– إذ رجعت إلى الوراء أكثر من ذلك فستجد انني حينما ارتديت الثوب الاكليريكي في أول يونيو 1961 كان شعاري الانجيلي ( حول عينى عن النظر إلى الباطل ) مز 119/ 37. وكانت هذه المرحلة بداية فهم أعمق للدعوة حيث وجه لبس الثوب كياني كله في الاتجاه نحو الجوهر. وفي الدعوة إلى الكهنوت أردت أن تتمحور رسالتي الكهنوتية في التعليم والتسبيح، فعن التعليم فقد قضيت حياتي الكهنوتية كلها في خدمة التعليم بالاكليريكية وكذلك عشت التسبيح من خلال حياة روحية شخصية وايضاً من خلال القيام بواجباتي الكنسية في خدمة الأسرار والاهتمام بالطقوس بصفة خاصة. أما عن الرسالة الأسقفية فاذا كانت واجبات الاسقف القانونية هي التقديس والتعليم والتدبير فانني اعتقد أن الأساس هو التقديس على مثال يسوع المسيح الذي قال في صلاته الكهنوتية ( من اجلهم أقدس نفسي حتى يتقدسوا هم ايضاً في الحق ). ولمساعدة الاخرين على تقديس أنفسهم، على أن ابدأ بذاتي اولاً، لذلك أحرص على تنفيذ برنامج روحي يومي يبدا باكراً جداً ويشتمل على التسبيح وقراءة نصوص اليوم الانجيلية ( ولدينا لكل يوم من أيام السنة ثلاثة مقاطع من الرسائل وثلاثة من الأناجيل:عشية وباكر والقداس) والاحتفال بذبيحة القداس إلى جانب لحظات روحية أخرى موزعة اثناء النهار أهمها السجود أمام القربان وصلاة المسبحة. أحاول أن أعيش هذا البرنامج الروحي اليومي لتقديس ذاتي حتى أكون صادق فيما اقول وفيما أفعل.

 

* دائما ترددون ان التكوين والتنمية هي أولويات عمل نيافتكم  ..  القى لنا الضوء حول هذه المجالات ؟

 – التكوين والتنمية مجالان يكمل كل منهما الأخر ونحن في حاجة اليهما لبنيان كنيسة صحية. تعود قصة التنمية إلى بداية خدمتي في أسيوط وبتشجيع من غبطة ابينا البطريرك الانبا انطونيوس نجيب اذ كان مطراناً للمنيا انذاك وكان لغبطته خبرة كبيرة وانشطة متنوعة في هذالمجال. لقد بدأنا بداية متواضعة ثم توالت المشروعات والبرامج للنهوض بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي لابناء الكنيسة وغيرهم. أما عن شأن التكوين الديني فإنه العمل الأهم في حياة الكنيسة فمن خلال التكوين يمكنك صياغة العقول وتنمية الإيمان، ولقد وضعت نصب عينى الاهتمام بهذا الشان. بدأنا بمعهد التربية الدينية بالايبارشية وعملنا على توازيه في المناهج مع معهد السكاكيني ثم بدأنا الاهتمام بندوات التكوينية الصيفية ولتحقيق ما نصبو اليه من أهداف أرسلنا بعض العلمانيين والكهنة للدراسة في روما وهم يشكلون الآن فريق مكتب التكوين الديني بالايبارشية. اننا نفرح بما نلمسه من نتائج ايجابية وفعالة لأن التنوير رسالتنا الأولى واننا نرجو لأبنائنا العبور من الإيمان المؤروث إلى الإيمان الشخصي النابع عن المعرفة، ونتطلع كذلك إلى الوصول  للتجمعات البعيدة من الرعايا النائية التى لم تصلها رسالة التعليم بطريقة كافية.

 

*  التجديدات المعمارية علامة بارزة بشتى انحاء الايبارشية دون مشكلات مع الدولة. ماذا عن علاقة نيافتكم والسلطة ؟ وكيف ترى العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة ؟

– نعمة كبرى من الله أن نجد في كل مكان تقريباً بالايبارشية تجديد أو صيانة أو بناء وصدقني أن دافعنا في ذلك هو الاحتياج إلى أماكن مناسبة للخدمة  او كنائس صالحة للصلاة. نشكر الله ان علاقتنا طيبة بكل المسئولين ونقر كذلك بأن الطريق ليس دائماً وردياً وهناك صعوبات عديدة، لكن الحوار هو الطريق الذي نؤثره. اننا نقدر مجهودات السلطة ونتفهم الأوضاع التي قد تؤدي إلى تأخير أمر ما لكننا على ثقة أن التواصل المبني على المحبة الحقيقية يكون مردوده طيب.

 

* نيافتكم تجيد العديد من اللغات مما ساعدكم على تكوين شبكة واسعة من العلاقات الدولية. حدثنا عن ذلك ؟   

– إجادة اللغات هي بدون شك وزنة أعطاها الرب لي ولأبد أن استثمرها للخير. قد يكون لدى استعداد فطري لتعلم اللغات لكنى ايضاً اتيحت لى الفرص لأن أتعلم هذه اللغات وربما لو اتيحيت لغيري لتعلمها بشكل أفضل. المهم ان اللغات تساعدنا في عمل صداقات كثيرة مع اخوة واخوات من مختلف بلاد العالم، يشاركوننا في احتفالتنا ويزورون بلادنا المصرية ونزورهم نحن ايضاً. واخيراً فان التواصل والعلاقات تفتح ابواب المساعدات المعنوية والمادية مما يعود بالخير على الايبارشية خاصة والكنيسة عامة.

 

* نسمع كثيراً هذه الأيام مصطلح ( نهضة الطائفة ) بصفتكم مطران كبرى ايبارشيات الصعيد وأمين سر السينودس البطريركى. ما حقيقة هذا الموضوع ؟

– النهضة حلم يراود كل الناس وعلى كل جماعة أن تعبر عن رؤيتها في النهضة بطريقة خاصة. واذا أردنا القراءة التاريخية القريبة فإن المجمع الاسكندري الثاني ( 1998 – 2001 ) الذي عقد تحت رعاية غبطة ابينا الكاردينال الانبا اسطفانوس الثاني كان محاولة للتجديد والنهضة لكنه لم يكتمل لغياب الرؤية الموحدة. ولكن في الآوانة الأخيرة تولد احساس عام بأن الكنيسة الكاثوليكية في مصر فقدت جزء من بريقها الاجتماعي، لذلك يتبتى غبطة ابينا البطريرك الانبا انطونيوس نجيب رؤية ترتيب البيت من الداخل في محاولة جادة للانطلاقة نحو غد افضل. ولقد بحثنا الموضوع على مستوى هيئة البطاركة والاساقفة الكاثوليك تحت عنوان ( نحو رجاء جديد في الكنيسة الكاثوليكية ) وستطرح مناقشة هذا المشروع على مستوى الايبارشيات للوصول إلى الصياغة النهائية وحتى يشارك في الأمر كافة أبناء الكنيسة. واعتقد اننا بحاجة إلى مراجعة ذاتية أمينة فليست النهضة بأن ألقي اللوم على الأخر بل على أن أبحث عن دوري في العلاج.

 

* العلاقات المسكونية قضية هامة في حياة الكنيسة .. بصفتكم عضو اللجنة الدولية اللاهوتية للحوار المسكوني. ماذا عن أخر المستجدات في قضية المسكونية ؟

– كلفت بهذا الأمر منذ عام 2000 وحتى مطلع هذا العام، ويتولى المسئولية حالياً اخى المطران نيافة الانبا يوحنا قلته. لقد تعلمت الكثير خلال هذه الخبرة وعلينا أن نعرف ان طبيعة الحوارات اللاهوتية لأبد وأن تسير بتأني وان ما يصدر عن هذه الحوارات من بيانات للنشر غالباً ما تكون مقتضبة ولا تعبر عن كامل المضمون. لقد كان لدى اللجنة جدول كامل بكل الموضوعات الخلافية وعندما قمنا العام الماضى بعمل تلخيص لنتائج السنوات الماضية اكتشفنا ان الثمر وفير. الوحدة المسكونية ارادة الهية لكنها تتطلب المزيد من الجهود الصادقة والمكاشفة الأمينة لذلك لأبد أن يوازي الحوار اللاهوتي تنشئة مسكونية لكافة أبناء الكنائس حتى يكونوا قادرين على الحوار متضامنين في المحبة.

 

* بصفتكم رئيس اللجنة الاسقفية للعائلة والحياة .. كيف تقرأ أحوال الأسرة المصرية ؟

– تعرضت الأسرة المصرية خلال السنوات الأخيرة للكثير من الظروف الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية التى افرزت الكثير من المشكلات. هذه المتغيرات فرضت على الكنيسة عب ثقيل في مرافقة الأسر والعبور بها إلى الرجاء. لذلك نهتم كثيراً باعداد المقبلين على الزواج كذلك ندرس احوال الاسر الحديثة الزواج ونعترف اننا في حاجة إلى المتخصصين لذلك أوفدت أحد الأباء الكهنة للدراسة في روما حتى يتولى هذه المسئولية ويتابعها عن قرب. كما اننا بحاجة المزيد من الأعمال الخلاقة التى تحتاج إلى تكاتف الكهنة والراهبات والعلمانيين المكونين للتعاون في خدمة رسالة العائلة.

 

* المواطنة هي المادة الأولى في الدستور المصري الآن.. كيف ترى آلية تفعيل مبدأ المواطنة في المجتمع ؟

– المواطنة في تقديري تعني تكافؤ الفرص فأنا لا يهمني دين المسئول أو معتقد الشخص المسئول بقدر عدالته وإخلاصه للوطن ومصالح المواطنين. لا يهمني أن يكون المسئول مسيحي أم مسلم انما المهم أن يكون كفء يراعى ضميره ويخدم الجميع. المواطنة كذلك أن يشعر كل فرد بالتقدير والاحترام وان الحوار هو الاسلوب الفعال في الوصول الى السلام الاجتماعي لذلك فإن رسالة التوعية التى تقع على عاتق المسجد والكنيسة هامة جداً في غرس المعنى الحقيقي للمواطنة. واعتقد ان الخطاب الديني للكنيسة الكاثوليكية في مصر يؤكد ذلك، كما ان الكنيسة الكاثوليكية تقوم بدور رائد في تحقيق المواطنة المعاشة من خلال مؤساساتها التعليمية والصحية والتنموية التى تقدم الخدمة لجموع المصريين دون تمييز.

 

* تنتشر في المجتمع الكثير من الأمراض الاجتماعية مثل الاهمال واللامبالاة خاصة لدى الشباب .. في رأيكم ما هي أهم القيم الاجتماعية التى يحتاج اليها ابناء مصر ؟

– اتفق معك في هذا الطرح، بل دعني انقل اليك تخوفي من انسحاب الإهمال واللامبالاة إلى الروحيات، عندها سنجد انفسنا امام تهميش حقيقي للايمان بحثاً عن تحقيق الذات بعيداً عن الله. لذلك فإنني أعتقد أن أهم القيم التى يحتاج اليها مجتمعنا المصري هي يقظة الضمير والصدق مع الذات والامانة في الاداء لان تلك هي الدوافع الباطنية للعمل بحماس ونشاط لخير الفرد والمجتمع.

 

* حملت العولمة منظومة من القيم الجديدة مثل الحرية الدينية والديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية العلمية .. كرجل دين مستنير … كيف تقرأ علامات هذه الحقبة التاريخية ؟

– واضح ان العالم اصبح بحق قرية صغيرة نتيجة الثورة الهائلة في الاتصالات وتدفق المعلومات مما جعل كل شئ مكشوفاً. ان الحقوق الاساسية لابد وان تحترم واهم هذه الحقوق هى الحرية لأنها هبة إلهية منحها الله لكل إنسان. كذلك الديمقراطية الحقيقية ضرورة للصالح العام لأن المناخ الصحي يساعد على تفتح المواهب واستثمار القدرات وايضاً الحرية العلمية ضرورة للبحث ومن ثم تنشئة الاجيال على روح النقد والابتكار حتى يكونوا مؤهلين للمعايير العالمية في المنافسة.

 

* في الختام … ماذا تقول نيافتكم لقراء هذا الحوار ؟

– لقد تحدثت طويلاً  .. لكني في الختام أود أن أقدم خبرة ايمان للقارئ مفادها البحث عن ارادة الله في اللحظة الحاضرة. على كل إنسان ان يسأل نفسه هل أنا أحقق إرادة الله في هذه اللحظة الآنية ؟ هل أفعل ما يرضيه الآن ؟ اذا استطعنا في بساطة روحية ان نتتم بأمانة وصدق ارادة الله في كل لحظة عندها سيتحقق الخير للفرد والكنيسة والمجتمع والدنيا كلها.

 

   أجرى الحوار

ناجح سمعـان