إنه زمن سر القربان المقدس: بحسب الأب نيكولا بوتي

"إنه زمن سر القربان المقدس"، بحسب الأب نيكولا بوتي

في إطار مشاركته في المؤتمر القرباني العالمي في كيبيك

 روما، الاثنين 23 يونيو 2008 (ZENIT.org) – "إنه زمن سر القربان المقدس… وزمن المسيح… أعتقد أنه بإمكاننا المباشرة "بالثورة الكبيرة"، ثورة القلوب والمجتمع". هذه هي الرسالة التي أراد الأب نيكولا بوتي، مؤسس أخوية "Eucharistein"، أن ينقلها إلى المؤتمر القرباني العالمي في كيبيك الذي شارك فيه.

 لقد كشف عن انطباعاته الأولى لزينيت قبل انعقاد المؤتمر. في هذا الحديث، يشرح أيضاً كيف اكتشف المعنى العميق لسر القربان المقدس، وأهمية هذا السر لعالم اليوم.

 قال: "ما يحصل هنا أمر مذهل. إنه وقت نعمة، وقت مناسب! هناك أكثر من 10000 مشارك، واثنا عشر كردينالاً، و130 أسقفاً، ومئات الكهنة، ويسوع. كل ذلك من أجل يسوع في القربان."

 زينيت – إن الكنيسة في كندا تتوقع الكثير من هذا المؤتمر القرباني. هل تعتقدون أن بإمكانه تجديد الكنيسة؟ وماذا يمكن أن يغير فعلياً؟

 الأب نيكولا بوتي – عند وصولي إلى مطار مونتريال، سألني موظف شاب مسؤول عن تفتيش الحقائب، عن لباسي (كنت أرتدي قميصاً داكناً وأضع صليباً)، بالقول باللهجة الكندية: "ما هذا؟"، فأجبته: "هذا لباس ديني، أنا راهب وكاهن". فرد متعجباً: "ولكن، أما يزال هناك وجود لهؤلاء الأشخاص؟". ودارت بيننا مناقشة جميلة، كان فيها فضولياً لمعرفة أمر يجهله تماماً.

منذ ستة أشهر، كنت في مونتريال في دورة استمرت ثلاثة أيام مع أرباب عمل. وكان الموضوع عن الفطنة، وكنا اثنين للقيام بالمداخلات: فيلسوف، "والراهب". عند وصولي إلى الدورة، جاءني رجلٌ وسألني متحمساً: "هل أنت كاهن؟"، أجبته: "أجل، نوعاً ما". فرد بفضول واضح: "هل أنت كاهن بوذي؟". فأجبته: "كلا، أنا كاهن كاثوليكي!". وعاد ليسأل بشيء من القلق والشك: "كاثوليكي… كالبابا؟". فأجبته بحماس: "أجل". وسمعت أمامي كلمة تعجب نابعة من أعماق الخيبة. ولاحقاً جرت الدورة بشكل جيد واستطعنا أن نتباحث بصراحة في هذا الاتصال الأول… بأقل حرج ممكن! هذان المثلان يظهران النتائج الكبيرة عما هو مسمى "بالثورة الهادئة" للستينيات. لقد وقع تسونامي بطيء، ولكن في الوقت عينه تسونامي كنسي، ديني، وثقافي.

 لقد قام اليوم العالمي للشبيبة بالتحرير من هذا الفتور الذي يؤثر سلباً في المجتمع الكندي، وبخاصة في هذا القسم الفرنكوفوني الذي يحتفل هذه السنة بذكرى الأربعمئة سنة لكيبيك المسماة أولاً "مدينة مريم"! هذا هو الحدث الكنسي الأول الظاهر منذ أن تم إبعاد الكنيسة خارج الحقل العام. يشكل المؤتمر القرباني مرحلة حاسمة على طريق مسألة الإيمان. وهو كذلك من خلال وضوح الحدث، وأهمية المنظمة، وجرأة مبادرات الكردينال أويلي ومساعديه. أفكر بخاصة في التأثير الروحي، وفي تعبئة الكثير من النوايا الحسنة، والرعايا. كما أفكر في العبادات المستمرة التي تقام في أماكن مختلفة، وفي الصلاة التي تخصص ومنذ بضعة أشهر لهذا المؤتمر. فالله يستجيب لكنيسة تصلي. والله يكثر من صنائعه في قلوب تقبل النعمة.

  زينيت – أبإمكانكم إعطاءنا فكرة مسبقة عما ستتحدثون في المؤتمر؟

الأب نيكولا بوتي – لقد طلب مني الكردينال أويلي أولاً ان أقدم شهادة شخصية عن سر القربان المقدس. سوف أتحدث إذاً عن لقائي مع يسوع في القربان، وعن الطريقة المؤثرة التي دفعتني بها تجاربي في العالم لحمل يسوع إلى الكثير من الأشخاص. وأذكر الذبيحة الإلهية في الصين، التي احتفل بها في إسطبل، وراء الأبقار، خوفاً من أن تأتي الشرطة للبحث عنا… كما أنني طلبت من عدة شبان نستقبلهم في جماعتنا، شبان جاؤوا من الشوارع، من أوساط المخدرات، أو من حالة انهيار، طلبت إليهم أن يصفوا لي ببضع كلمات علاقتهم مع يسوع الحاضر في القربان المقدس، وأن يقولوا لي ماذا تقدم لهم الذبيحة الإلهية والعبادة. لذا سوف أتحدث عن هذا الموضوع لتكون الخلاصة واضحة جداً: إنه زمن سر القربان! الزمن المناسب، لأنه زمن المسيح، وفي سر القربان نجد المسيح وكل سر الخلاص. لقد قال يوحنا بولس الثاني أنه ما من خطر بالمبالغة في العبادة المخصصة لهذا السر، لأن هذه العبادة تقدم ليسوع نفسه. أعتقد أنه بإمكاننا المباشرة "بالثورة الكبيرة"، ثورة القلوب والمجتمع. لقد اعتبر بندكتس السادس عشر خلافته لكرسي بطرس في السنة القربانية رمزاً ورسالةً. لقد كانت فرصةً له لنشر العبادة القربانية، محط خدمته الرسولية البابوية. ونحن نعلم كيف أنه انشغل بها، إذ أنه هو من طلب إلى الأساقفة أن يقدموا على الأقل مكاناً واحداً في جميع الأبرشيات من أجل العبادة الدائمة للقربان المقدس. لقد كان مثالاً لهم بإقامته خمسة من أماكن العبادة هذه في روما. سر القربان هو مدرسة حرية، ومدرسة محبة. ولكنه بخاصة مصدر الحياة الفائقة للمعمد، التي من دونها يظل بشرياً، لا بل حتى "بشرياً جداً"، كما قال نيتشه!

زينيت – إن الكاثوليك، وحتى الممارسين منهم، يجدون أحياناً بعض الصعوبة في الدخول إلى سر القربان. وهم يتناولون بشكل اعتيادي ولكن من غير اقتناع. مع ذلك، فإن سر القربان أساسي في إيمان الكاثوليكي. كيف لنا أن نساعد المؤمنين على فهم المعنى الجوهري لسر القربان؟

 الأب نيكولا بوتي – إن الطوباوية الكيبيكية دينا بيلانجيه، التي طوبها يوحنا بولس الثاني سنة 1993، كتبت في يوم من الأيام في مذكراتها: "إن فهمت الأرواح الكنز الذي تمتلكه في سر القربان الإلهي، لكان من الواجب حماية بيوت القربان بأسوار منيعة، لأنها لكانت تغذت هي نفسها من خبز الملائكة، في هذيان تعطش مقدس ومضنٍ. ولكانت الكنائس فاضت بالعابدين المحبين للأسير الإلهي، في النهار كما في الليل". نحن لا ندرك ذلك! صحيح أن السر عظيم جداً، والفجوة كبيرة بين ما تدركه حواسنا – الخبز – وما يعتقده إيماننا – يسوع – مما لا يسهل الدخول إلى السر. أعتقد أن هناك ثلاثة أمور يجب نشرها. أولاً لا بد من نشر تعليم ديني يسمو بالكلمات والأمثلة. "فلنشارك في مدرسة القديسين، المترجمين العظام للتقوى القربانية الحقيقية"، كما قال يوحنا بولس الثاني في ختام رسالته العامة حول سر القربان.

ثانياً، يجب إيضاح تقديس الخبز والخمر في القداس، وبيت القربان في الكنائس. وأتأثر دوماً بالعبادة الضئيلة لتقديس الخبز والخمر خلال الاحتفال بالذبيحة الإلهية. إنه لوقت غير منجز جيداً. يمكننا الإيمان بكلمات، ولكننا بالإشارات في هذه اللحظات لا نخدع أبداً. لقد كنت في يوم من الأيام لدى أصدقاء لي. وكان للأهل طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات، كانوا قد عمدوها وبالتالي أصبح من عادتهم وواجبهم أن يرافقوها إلى القداس كل أحد. أما خالة هذه الطفلة فكانت كاثوليكية ملتزمة. حان وقت الذهاب إلى القداس فسألت الأم ابنتها التي تبلغ ثلاث سنوات: "مع من تريدين الذهاب إلى القداس، مع أمك أو مع خالتك؟". فأجابتها الطفلة من غير تردد: "مع خالتي!". فسألتها الأم: "لماذا؟". من ثم أجابتها الفتاة بتردد أقل: "لأنها هي مؤمنة". أعتقد أن هناك تفاصيل ومواقف تشكل تعليماً دينياً لوحدها. كنت في الصين، التقيت بمعلم دين عجوز اسمه زكريا ويبلغ من العمر حوالي المئة سنة، كان قد عرض حياته للخطر من أجل التبشير بيسوع، وكان يحتفظ في مكان سري في منزله، ببيت القربان في داخله القربان المقدس. ولشدة الفرح، أراني كنزه المخبأ وراء باب خفي. وما إن دخلنا إلى هذا المكان الصغير، حتى جثا على ركبتيه، وسجد على الأرض، وبدأ بتلاوة بعض الصلوات. فهمت أن يسوع كان هناك! ولم يكن هناك أي مجال للتردد!

ثالثا!، لا بد من العبادة القربانية والورع القرباني خارج القداس. إن هذا السر عظيم لدرجة أن الليتورجية وحدها لا تكفي لتمكننا من التعمق به كفاية. والعرض المتواصل لسر الوجود الفعلي ليسوع في سر القربان يمكننا من الدخول تدريجياً إلى الذهول القرباني. أفكر في شهادة مكسيم البالغ من العمر 21 عاماً: "إن سر القربان، بالنسبة إلي، هو مركز حياتي. وقد نشلني يسوع الحاضر في القربان من جحيم المخدرات. وبفضل سر القربان، تحولت حياتي، وأنا سعيد الآن بالعيش من أجل خدمة المسيح. إن سر القربان هو قوتي لأن أحب، وأتبع المسيح وأخدمه من خلال الأفراح والأحزان. والله يحبنا بشكل غير محدود، ولن يتركنا أبداً".

  زينيت – أبإمكانكم إخبارنا كيف اكتشفتم أهمية سر القربان؟

 الأب نيكولا بوتي –  منذ عشرين عاماً، كنت أتمرن لمزاولة مهنة المحاماة، وكنت ملتزماً في عدة نشاطات سياسية كنائب في برلمان إقليمي في سويسرا، وكأمين سر ضمن كتلة برلمانية وطنية. وكانت تواجهني القضايا الإجتماعية والمشاكل الشخصية، والعائلية، والإجتماعية. وكنت أهتم بخاصة، في إطار نشاطي في مكتب المحاماة، بشاب كان قد اغتصب وأحرق سبعة أطفال. وهذا الإتصال بين الواقع الأليم وإيماني جعل صرخةً تعلو داخل قلبي: "من دون محبة، لن يتمكن العالم من الإستمرار!". فقررت اختبار هذه المحبة عن قرب بتمضية  عطل عيد الميلاد في كوتولانغو، في تورين، وهي مؤسسة تستقبل الأشخاص الذين يعانون من إعاقات جسدية وعقلية خطيرة. وأذكر عندما وصلت إلى البيت: تركت البرلمان السويسري، ومضيت – جاهلاً وفقيراً – في عالم – جديد بالنسبة لي – إخواني وأخواتي المعوقين. وقد انغمست فور وصولي في واقع المكان، لأنني وبعيد وصولي، أمضيت مع راهب ساعتين في غسل 18 مريضاً كانوا متسخين من الرأس وحتى أخمص القدمين. وبعد ردات الفعل الأولى على الروائح… والألوان! استوقفتني كلمة المسيح الذي تجسد وأي تجسد! في هذه الليلة: "بما أنكم فعلتم ذلك بأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فبي فعلتم!" (متى 25). وبعد انتهائي من غسل إخوتي المعوقين، حوالي منتصف الليل، نزلت إلى الكنيسة حيث كان القربان المقدس مصموداً ليلاً نهار. وكان الأمر بالنسبة لي، صدمةً، وثقةً بوجوده الفعلي والجسدي. واكتشفت في الوقت عينه حضور يسوع، فوق على الأسرة بشخص إخوتي السقام، وهذا الحضور المشرق ليسوع على المذبح، في القربان المقدس. لقد كان يسوع حاضراً بشكل أخ وبشكل خبز. يسوع الواحد الأوحد. هذه الثقة لم تعد تفارقني منذ ذلك التاريخ، حتى ولو ما تزال – وللأسف – وأقولها منسحق القلب، متلعثمة ومغشاة بتناقضات كثيرة من جهة ممارسة المحبة. وأتعزى بالنقل عن القديس كلود لا كولومبييار الذي كان يقول: "القول بأنني لست إلا هنا بعد أكثر من 10000 مناولة!"

 زينيت – أبإمكانكم الحديث عن أخوية Eucharistein ببضع كلمات، وعن هبتها الأساسية؟

 الأب نيكولا بوتي – جماعتنا الصغيرة هي من وحي فرانسيسكاني في نمط حياتها الفقير والقريب من الطبيعة، ونحن بنفسنا نبني أو نصلح المنازل، وننمي الزراعة والحراجة. كما أننا بالتأكيد متجذرون في الحياة القربانية. فهي قلب حياتنا ودعوتنا. ولدينا بخاصة في منازلنا، العبادة اليومية من الخامسة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً التي تقام ليلتين أو ثلاث في الأسبوع. كما أننا بدأنا مع علمانيين وبإذن من الأسقف بالعبادة الدائمة في فريبورغ، في سويسرا: 24/24 وسبعة أيام في الأسبوع. إن مُلهم حياتنا القربانية هو القديس بيير جوليان إيمار، نبي عظيم في سر القربان في القرن التاسع عشر. هو الذي قال: "غالباً ما فكرت في حلول لمشكلة الامبالاة العالمية التي تستولي على الكثير من الكاثوليك بطريقة مخيفة، ولم أجد إلا حلاً واحداً: سر القربان، ومحبة يسوع في سر القربان. وفقدان الإيمان ينشأ عن فقدان المحبة". وفي مناسبة أخرى كان يقول: "الآن، يجب المباشرة بالتطبيق، بإنقاذ النفوس بسر القربان الإلهي، وبإيقاظ فرنسا وأوروبا الغارقتين في سبات من اللامبالاة، لأنهما لا تعرفان هبة الله، يسوع، عمانوئيل في سر القربان. يجب حمل مشعل المحبة إلى النفوس الفاترة، التي تظن أنها تقية وهي ليست كذلك، لأنها لم تُقم حياتها في يسوع في القربان". كما أننا نستقبل شباناً يعانون من مصاعب، لذلك نستلهم بالطوباوية تريزا دو كالكوتا في هذه العلاقة بين سر المذبح وسر الأخ. وهنا، نختبر بطريقة شبه حسية، إذا جاز القول، قوة وقدرة تجديد ونعمة يسوع في سره الكلي المحبة. أخيراً، لنا بعثات خاصة، ورعايا، ورجال سياسة ورجال أعمال، ونشاط روحي في معهد Philanthropos… ومُلهمنا في هذه الرسالة لأن نكون جميعاً لبعضنا البعض هو بالتأكيد القديس فرنسوا دو سال.

نقلته من الفرنسية إلى العربية غرة معيط