المونسينيور فؤاد طوال: أريد أن أزرع فرح الحياة

 

 

 

القدس، الثلاثاء 24 يونيو 2008 (zenit.org).

ننشر في ما يلي مقابلة أُجريت مع رئيس الاساقفة المطران فؤاد طوال قبل تنصيبه بطريركاً لاتينياً جديداً، نشرها موقع البطريركية اللاتينية.

من أنت، يا صاحب السيادة؟

أنا الإبن الخامس لعائلة تتكون من تسعة أبناء، من عائلة طوال الأردنية. أكملت تعليمي في اكليريكية بيت جالا، ثم عملت مدة خمس سنوات في البطريركية بصفة كاهن مساعد، قبل أن يتم إرسالي إلى روما لمتابعة دروسي في الحق القانوني والقانون الدولي في جامعة اللاتران الحبرية. قامت أمانة سر الدولة باختياري لخدمة خاصة وقد اعتقدت بأني سأستطيع أن أقوم بالخدمة. تقدمت من البطريرك بلتريتي سائلة اياه إذا كان مستعدا للتخلي عن كاهن شاب، وكنت المقصود-، ليلتحق بالأكاديمية الحبرية الكنسية  . أمضيت هناك سنتين في التخصص. كنت العربي الوحيد في الأكاديمية، والجميع كان ينظر إلي نظرة "خاصّة". وقد سألوني يوما: "كيف وصلت إلى هنا؟" وقد أجبتهم ممازحا: "ربما اعتقد أحدهم أنني أملك بئرا من النفط؟…"

أين قمت بممارسة هذه الوظيفة الدبلوماسية في خدمة الكرسي الرسولي؟

بدأت في العام 1967 كقائم بأعمال في أميركا الوسطى، في هندوراس. لم أكن أعرف أدنى كلمة من الإسبانية. ولكنه كان بالذات السبب الذي من أجله أرسلت إلى هناك: تعلم اللغة. أمضيت هناك ست سنوات. كانت خبرة جميلة، ولكنها صعبة بعض الأحيان. كان لدينا القصادة الرسولية في هندوراس وفي نيكاراغوا. وفي نفس الوقت، كان المونسينيور بييترو سامبي قائما بالأعمال في نيكاراغوا .

في هندوراس، وبالتوازي مع وظائفي، قمت بالخدمة في الرعية الأكثر فقرا في البلاد، ولكنها كانت جميلة حقا. أذكر قداسي الأول بالاسبانية. كان كارثة بعض الشيء، من ناحية اللغة. وفي نهاية القداس، جاءت الي امرأة تسألني " ¿Eres turco?؛ هل أنت تركي؟" "لا، لا، أنا عربي." في الواقع، في أمريكا الوسطى، كانوا يدعون جميع العرب القادمين من الشرق الأوسط " los Turcos "، لأنهم كانوا يصلون سابقا وبحوزتهم وثائق عثمانية. رافقت أيضا الجماعة العربية من أصل فلسطيني، محتفلا لهم بالعماميد، والزواجات والجنازات. على الرغم من المهمة الدبلوماسية، لم أنقطع يوما عن الحياة الراعوية. أحب التواصل مع الناس.

وبعد هندوراس؟

عدت إلى الفاتيكان، إلى أمانة سر الدولة، من العام 1982 إلى العام 1985، حيث أعطيت مهمة 19 دولة أفريقية ناطقة بالفرنسية. كانت الخدمة في أمانة سر الدولة بالنسبة لي، خبرة جميلة للكنيسة الجامعة. فإن مشاكل العالم أجمع تصب هناك. يحاول الكرسي الرسولي بعد ذلك أن يقدم أجوبة وحلول. خلال هذه السنوات الثلاث، استطعت أن أختبر حكمة الكرسي الرسولي وصبره. ما من شيء طارئ. ما من شيء. بالإمكان أن تصل الملفات وهي مختومة بختم "طارئ"، يتم دراستها بهدوء، وبعمق.

تعرفت على العديد من الأشخاص من العالم أجمع، من أفريقيا طبعا، ولكن أيضا من دول عربية. قابلت أيضا رؤساء دول أجانب. جعلني هذا الأمر أكثر انفتاحا على البعد العالمي والجامع للكنيسة.

من هناك، تم تعييني في القاهرة. رأى الفاتيكان أن القاهرة هي عاصمة قابلة للجمع بين العالم العربي، والقارة الأفريقية وأوروبا. ولكننا في العام 1985، وبسبب الزيارة التي قام بها السادات لإسرائيل (في عام 1977)، فإن معظم الدول العربية تقريبا، كانت تقاطع مصر. لم يسمح هذا الوضع السياسي للقصادة الرسولية في القاهرة أن تلعب الدور الذي ارتجاه الكرسي الرسولي في الدول العربية.

وهكذا، عدت إلى العالم العربي؟

لا، فقد تم تعييني من ثم في ألمانيا، في العام 1988. اكتشفت في هذا البلد، كنيسة قوية، حقا قوية، غنية وفخورة بنفسها، وفي نفس الوقت، كنيسة غاية في الكرم. استطعت أن أمارس اللغة الألمانية إذ شاركت في العمل في رعية صغيرة، على مقربة من السفارة. وبعد عامين ونصف، في عام 1990، تمّ الانطلاق من جديد نحو أمريكا اللاتينية، وهذه المرة صوب البيرو. في ليما، كان هناك الآلاف والآلاف من الفلسطينيين من بيت جالا، وبيت ساحور، وبيت لحم. وكنت مسرورا جدا، لأن أكون كاهنهم. أحببت فعلا القيام بالعمل الراعوي معهم، وأن أكون بجنبهم سواء أكان ذلك في الكنيسة أم في النادي الفلسطيني حيث وجدت مختلف النشاطات الرياضية والثقافية، إلخ. حافظت على صِلاتي بالعديد منهم، وعندما يأتون لزيارة أهلهم في فلسطين، يمرون ليلقوا التحية. قال لي أسقف ليما: "ماذا سنعمل مع هذه الجماعة بعد رحيلك؟" في الواقع، كنت في ذلك الوقت مستشارا للسفارة.

كنت إذا موعودا بمهمة سفير؟

نعم، كانت من الواجب أن تكون الخطوة اللاحقة. ولكن في العام 1992، وصل خبر من روما مفاده أن الأب الأقدس أقامني أسقفا على تونس. أقامني أسقفا، ولكنه سألني رأيي في نفس الوقت. هناك، لم أفهم. كنت على وشك أن أعين قاصدا. وقد تسرب اسمي كقاصد رسولي في الكويت، التي كان يجب أن تفصل عن القصادة الرسولية في العراق بعد حرب الخليج. لم أفهم لماذا، وبعد كل هذه السنوات التي قضيتها في الخدمة الدبلوماسيّة، تمت إعادتي للعمل في الخدمة الراعوية. لكنني قلت لنفسي أنه لا بد أن أقبل أن لا أفهم. فقلت نعم. لاحقا، فهمت مخطط الكرسي الرسولي: أن أجمع بين العمل الراعوي والسياسة. عمل راعوي: كانت هنالك وظيفة شاغرة في تونس منذ سنتين أو ثلاث، ولا بد أن يكون للأبرشية أسقفاً؛ سياسية: لأن الكرسي الرسولي أراد أسقفا عربيا على كرسي تتابع عليه الكثير من الأساقفة الفرنسيين  . زد على ذلك، أن مطرانية تونس، لطالما كانت جزءا من الكنيسة الفرنسية ما بعد البحار، على الرغم من أن البلد قد أصبح مستقلا في العام 1956. إذا، أراد الكرسي الرسولي أن يقيم هناك أسقفا عربيا، يتكلم اللغة نفسها وله التقليد الحضاري نفسه. حدثوني عن رسالة ستمتد إلى ثلاث أو أربع سنوات. وبقيت هناك ثلاث عشرة سنة. قمت بإحضار ثماني جماعات رهبانية، مجددا دم الأبرشية. عملنا كثيرا، مرممين الكاتدرائية، وجميع الكنائس، والأديرة والبيوت. قبل رحيلي، قامت الحكومة بإعادة كنيسة دجيربا، التي تم الاستيلاء عليها خلال حرب الاستقلال، من أجل خدمة المؤمنين.

يا صاحب السيادة، جميعنا يعلم بأن النظام السياسي التونسي ليس سهلا دائما. خلال الفترة التي كنت فيها أسقفا هناك، هل كان الجانب السياسي حاضرا، هل كان قويا؟

كان قويا. لكن يجب معرفة أساليب التعامل مع النظم العربية. ففي العالم العربي، لدينا بعض التقارب في العلاقات، وفي النهاية، صرت مقبولا. حتى أنه، وقبل نصف ساعة من موعد رحيلي من تونس، تلقيت مكالمة هاتفية قيل لي فيها: "الرئيس بن علي يود رؤيتك قبل رحيلك". اضطررت لتغيير تذكرة الطائرة كي أستطيع مقابلته.

في تونس، أدركت كم كانت الدول العربية معادية للإرهاب. فكل ستة أشهر، كان وزراء الداخلية للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، يجتمعون لتنسيق عملهم على محاربة المتعصبين.

إن هذا الانتباه الى الناحية الأمنية، سمح لتونس أن تتقدم في السياحة، وهذا ما فعلت. أحتفظ الآن بذكرى طيبة عن تونس والسلطات التونسية.

هل قابلت في تونس جماعة مسيحية فلسطينية؟

لا، لا فلسطينية ولا عربية. جميع مؤمنينا كانوا من الأجانب. بعضهم كان بأتي من الشرق الأوسط بهدف العمل. لكن لا يمكن الكلام عن جماعة مسيحية محليّة

أتى إذا عام 2005، ونبأ تعيينك أسقفا معاونا في القدس؟

نعم. لدى سماعي هذا النبأ، السؤال الوحيد الذي تبادر إلى ذهني هو : "لماذا هذا التعيين المبكر؟" في الحقيقة، فإن رسالة البطريرك صبّاح كانت يجب أن تدوم سنتين ونصف بعد هذا التاريخ. سنتان ونصف، هي فترة طويلة. لكنها كانت مفيدة جدا. كان بالإمكان التقدم في معرفة الكنيسة المحلية وأحوالها. كان بالإمكان ملاحظة نقاط القوة ونقاط الضعف، كان بالإمكان أيضا القيام بتهيئة روحيّة وراعوية، من خلال الالتقاء بالكهنة، والأساقفة، والرعايا.

كنت خارج البلاد لفترة طويلة، وقد قلت بأن مدة السنتين والنصف التي مضت على وجودك هنا، كانت مفيدة لتقييم الوضع. ما هي الأمور الجديدة التي اكتشفتها في الأبرشية من الناحيتين الدينية والسياسية؟

من الناحية الدينية، كنت شديد الفرح لاكتشاف العدد الكبير للجمعيات الرهبانية: ثلاثين للرجال وأكثر من 70 جمعية نسائية. اثنتا عشر جمعية رهبانية تأملية، هذا مدهش، إنها قوة روحية أعتمد وسأعتمد عليها بشدة. من ناحية رعوية وروحية، إنها غنى عظيم.

كنت مسرورا بأن ألاحظ بأنه أصبح لكهنة البطريركية والفرنسيسكان الذي يتولون خدمة الرعايا في الأبرشية رياضات روحية يقومون بها معا شهريا. هذا أمر جديد. كما قلت للحارس، فإنه من الجميل أن يجتمع جميع كهنة الرعايا الملتزمين في العمل الراعوي ذاته، معا هكذا. وفي كل عام، يشارك كهنة البطريركية أيضا في رياضة روحية مشتركة مع كهنة الروم الكاثوليك الملكيين والموارنة. هذه أيضا شهادة جميلة لوحدة الكنيسة الكاثوليكية، مع اختلاف الطقوس.

أما بالنسبة للوضع السياسي، فقد صدمت من جدار الفصل، الذي رأيته قيد الإنشاء. خلال سنواتي الكهنوتية الأولى، خدمت في الأردن، ولكن أيضا في رام الله. لم يكن هناك هذا التوتر. بالتأكيد، كان هناك اليهود في جهة والعرب في الجهة الأخرى، لكن لم يكن هناك هذا التوتر. لم أكن موجودا خلال الانتفاضتين. لكن منذ عودتي، استطعت رؤية النتائج. أرى أيضا الجهود التي بذلت من الطرفين. كان لدي في البطريركية زيارات من مواطني المناطق، ولكن أيضا من السلطات المحلية، ومن قادة سياسيين. ألاحظ بأن هناك العديد من الخطابات، والوعود، والوساطات، وفي الوقت نفسه، أرى أننا لا نتقدم كثيرا. يكاد يكون الوضع هو هو دائما.

بالنسبة للسياسة ما هي الاتجاهات الذي سوف تأخذها سيادتك؟

أنا أحب أكثر أن أقوم بدور الأسقف. أحب أن أبرز الناحية الرعوية والروحية لبطريركيتنا، ورعايانا وجمعياتنا الرهبانية والحجاج الذين يصلون إلينا.

بالتأكيد، لا أستطيع أن أنسى بأن كل ما يمس الإنسان هو يمس الكنيسة. السياسة تعنيني في المقياس الذي فيه تؤثر على حياة الناس، كرامتهم وأمنهم.

لكني أريد أن أتنبه إلى أمر مهم. أمامنا مجموعات مؤمنة كثيرة: مسيحيون وغير مسيحيين، يهود ومسلمون. بين المسيحيين، هناك مسيحيون أردنيون، ومسيحيون فلسطينيون (هؤلاء هم أكثر من يعانون)، ومسيحيون أوروبيون متواجدون على الساحة لمساعدتنا، للعمل، للدراسة أو للحج، وهناك أيضا مسيحيون إسرائيليون عرب أو من أصل يهودي. لا تشارك جميع هذه الجماعات في الحساسية نفسها، ومن ضمنها رؤيتهم للصراع. هنا تكمن صعوبة التكلم. لأن الأسقف هو أسقف للجميع، الجميع على الإطلاق. فإما أن نتكلم بما يخصّ الجميع، أو أن نفضل جماعة معينة – وهذا الأسهل- أو أن نلقي خطابا مختلفا لكلّ جماعة، وهذا غير ممكن. لكن إذا أردتم أن يكون الخطاب موجّهاً الى اليهود والمسلمين والمسيحيين والأردنيين والفلسطينيين والقبارصة والأوروبيين… فمن الواجب إذا التفكير بكل فاصلة.

أقيس جيدا تعقيد كلّ مداخلة، أكان ذلك بخصوص الخطابات أو العظات.

وكيف ترتئي مواجهة هذه الصعوبة؟

بما هو روحي! نستطيع القول بأن هذا هو الأسهل، ولكنه أيضا دور الكنيسة أن تشد الناس إلى العلى.

لكنك سوف تُسأل عن رسالة سياسية. فلن يكتفي الصحافيون بالروحيات!

آه، الصحفيون!… عندما كنت أسقفا على تونس، سألوني عن الإسلام. قلت لهم يوما: "أنتظر بأن يسألني أحد عن المسيح". أنتظر فعلا أن يسألني أحد عن المسيح، عن الكنيسة، عن جوهر حياتنا المسيحية، وعن حضورنا في الأرض المقدّسة. من الممكن أنني سوف أخيب أمل الصحفيين بخصوص السياسة، ولكن مرة أخرى، هي تمسنا بالقدر الذي تمس به الانسان. يبقى أن هناك بعدا آخر. وهو بالذات، أن كل ما نعيشه، بما في ذلك الصعوبات التي يولدها الصراع، يجب أن يعيدنا إلى الإنجيل. علينا أن نأخذ الإنجيل بحرفيته. يكلمنا الإنجيل عن الصليب، عن الألم، عن يسوع الذي وقع… وقام من جديد. علينا أن نفكر بأن ما كان التلميذ أعظم من معلمه، وأننا نتبعه على الطريق التي سلكها من قبلنا. لكن عندما نتقدم على الرغم من كل شيء، فإننا نجد قوة العيش وفرح العيش، فرح التبشير، وفرح اعلان الإنجيل. وذلك ليس بسبب الظروف الجيو-سياسية التي تحيط بنا، لأنها بطبيعتها متغيرة: يوم مناسب، واليوم التالي غير مناسب. لا، هذا الفرح يأتينا من الإنجيل. هذا الفرح يأتينا من ذاك الذي يقول لنا: "لا تخافوا، أنا معكم… سلامي أعطيكم، سلامي." سلامه الذي هو صفاء داخلي، الذي هو فرح داخلي، الذي هو فرح العيش، وفرح اللقاء، فرح استقبال الآخرين، كل الآخرين، كما هم، مع محدودياتهم، ومع محدودياتي. الدافع لفرحنا ليس في تحسن الوضع، الدافع لفرحنا هو اللقاء مع المسيح نفسه في الصلاة، وفي اللقاء والتضامن مع الآخرين.

إذا لم يكن الصحافيون، فإن آخرين قد يسألونك عن السياسة

أنا جاهز لأن ألتقي بالجميع، وأن أستقبل الجميع. ليس لدي أي عقدة، أذكركم بذلك، فأنا منذ ثمانية عشر سنة في الحياة الدبلوماسية. علمتني هذه السنين بعض الأمور الصغيرة… زيادة على ذلك، فقد فتحت هذه السنين ذهني وقلبي. ولا إيماني، ولا ذهني، ولا قلبي، ولا محبتي، ولا حبي هو محصور في حدود الأبرشية. يجب أن نحب الجميع. جميع مواطني البلاد التي تغطيها أبرشيتي هم مواطني. جميع سكان الأرض المقدسة هم جماعتي، بمعنى ما. أمام الله، أمام التاريخ، أشعر أنني مسؤول عن الجميع. وفي نفس الوقت، أعرف 100٪ محدودياتي. أعلم أني لن أعمل أبدا معجزة، لكني سوف أبذر، سوف أعمل مع إخوتي الأساقفة، مع الكهنة، مع الرهبان والمؤمنين العلمانيين، تاركا النتائج على الله الواسع الطيبة… كما يريد هو، ومتى يريد هو.

في الوضع الراهن، الذي هو غاية في التعقيد، قد يكون من المناسب أن نحب أكثر، وأن نصلي أكثر ونتكلم أقل، حتى وإن كان ذلك لا يسعد أصدقاءنا الصحفيين.

تكلمت عن البذر…ماذا سوف تزرع يا صاحب السيادة؟

فرح العيش! فرح العيش كمسيحيين. الأرض المقدسة هي بلد يعلمنا الصبر. قلت لك، بانه عندما كان يصل إلى أمانة سر دولة الفاتيكان، ملف مختوم بطابع "طارئ"، كنا نتأنى في الجواب. لا تعيش الكنيسة في الطوارئ، أمامها الأبدية. في الخدمات الدبلوماسية، قد يلوم الشخص نفسه أحيانا أنه تكلم كثيرا جدا أو مبكرا جدا… ولكنه لا يعاتب نفسه أبدا إذا إلتزم الصمت. إلاّ أنه من الصحيح أيضا أن الزيادة في التأني، قد تضعنا أمام خطر تعطيل الحركة، وهذا الأمر أيضا لا يروق لي. يجب التوفيق بين التأني في الكلام والجرأة على القيام به. وأن تعرف محدوديتك. أمام تعقيد الموقف، يجب الاستقبال، السماع، معرفة وجهات النظر. يجب فوق كل شيء أن يوكل كل ذلك إلى الله الطيب في الصلاة والصمت.

ماذا سوف تبذر في الحقل الرعوي؟

لدي الرغبة بأن أعزّز الاتصال بالكهنة، والرعايا، والمؤمنين، والجمعيات الرهبانية. لدي الرغبة بأن أكون حاضرا في الأبرشية. كبطريرك للقدس، فسأكون مطلوبا جدا لإلقاء محاضرات في الخارج، والقيام باحتفالات، ومختلف أنواع اللقاءات. سوف أرفض الكثير من الدعوات كي أكون هنا، كي أتم مهمتي كأسقف مقيم، كي أكون مع مؤمنينا. يجب أن يكون لدي الجرأة بأن أقول لا، أن أتقدم بالشكر من أجل الدعوات، وأن أتخلص منها بأن أطلب صلاة الجميع. من الصعب أن نقول لا. لكن الحاجات المحلية تكون في معظم الأوقات أولويات.

لدي النية أيضا بأن أكرس بعض الوقت للأردن تماما كما لفلسطين وإسرائيل. فالأردن هو وتد البطريركية اللاتينية: فهو يجمع ثلثي مؤمنينا – أكثر من نصفهم من أصول فلسطينية- ويمنح للأبرشية 80٪ من طلابه الاكليريكيين. على الرغم من ثباته، فإن هذا الجزء من الأبرشية يمر بأزمة اقتصادية على وجه الخصوص، بسبب تدفق اللاجئين العراقيين عليه. الهجرة المسيحية بدأت تلمس بشدة السكان الأردنيين هم أيضا؛ علينا أن نعمل، هنا وهناك، على إعطاء الأمل، وأسباب الرجاء والبقاء كمسيحيين في الشرق الأوسط. من ناحية أخرى، من الطبيعي أن يعطى اهتمام خاص للأعضاء الأكثر معاناة في الأبرشية: فلسطين. لكن الأبرشية البطريركية الأورشليمية هي فلسطين وإسرائيل وقبرص والأردن، وهناك حاجات في كل مكان. كلهم لهم حق في صلواتنا، في حبنا، في مشاريعنا، كما على سبيل المثال إنشاء اسكانات للأزواج الشابة. في كل الأبرشيّة، علينا أن نقي، أن نعتني، بدلا من أن نعالج.

من خلال اتصالي على مدى سنتين بالكهنة والمؤمنين، ظهرت الحاجة إلى بعض الإصلاح في النظام الإداري الخاص بالأبرشية. الكثير من الخير كان قد أتمه سلفي. لكن الدم الجديد حمل إلي أفكارا جديدة. في الكنيسة، ليس هناك استنساخ. التعدد هو غنى.

اقوال عملت على جمعها ماري أرميل بوليو

من بدوي مستقر إلى راع رحال، استطعنا أن نقرأ عنك بأنك من أصول بدوية، هل هذا صحيح يا صاحب السيادة؟

نعم ولا، كانت قبيلتي مسيحية بدوية، وكان الفضل يعود إلى مرسل ايطالي، منفريدي، كان قد رافقهم في عبورهم الصحراء منذ قرابة 120 عاما، وقد اعتنقنا الطقس اللاتيني. كنا رحل، ثم انتقلنا إلى مرحلة شبه رحل. لكننا كنا قد استقرينا منذ ولادتي، إذ أنني ولدت في بيت مع سقف.

قالت أمي، وقد رأت تعييناتي الكثيرة في الرسالة وتنقلي من قارة إلى أخرى عندما كنت في الخدمة الدبلوماسية للكرسي الرسولي، معلقة: "ولد هذا الولد بدويا، وسوف يبقى بدويا." لكنني عدت الآن، لأكون تحت خيمة البطريركية الكبيرة التي تحمينا جميعا.

حول الجمعيات الرهبانية

تتكون الجمعيات الرهبانية في أغلبيتها من الأجانب. هل تجد أنها مندمجة في الأبرشية بما فيه الكفاية؟

قلت لك مقدار الخير الذي رأيته وفكرت به بخصوص جميع هذه الجمعيات. في الحقيقة، فإني أود لو إلتزم عدد أكبر منهم في الحياة الراعوية نفسها الخاصة بالأبرشية. يجب أن نعترف بأن الكثيرين منهم في الماضي قد عملوا وزرعوا. أفكر بشكل خاص في آباء بيترام، الذين أسسوا اكليروس البطريركية قبل أن تظهر، والفضل في ذلك يعود إلى عملهم، دعوات محليّة من الأبرشية. بحد ذاته، أن يكون لدينا جمعيات رهبانية تتكون من الأجانب، لا تشكل مشكلة. القدس هي للكنيسة الجامعة. إنها جذورنا جميعا وجذورمسيحيي العالم كله. لكنني سأقوم بدعوة جمعيات أخرى من أجل الاندماج في حياة الأبرشية الراعوية.

القدس كنيسة محلية وكنيسة جامعة

هل هناك توتر بين الحقيقة المزدوجة للقدس ككنيسة محليّة وكنيسة جامعة؟

أعتقد بأنها الحقيقة نفسها. الكنيسة المحلية ليست غريبة عن الكنيسة الجامعة، والعكس صحيح. الكنيسة الجامعة تجد نفسها جيدا في الكنيسة المحلية، مع الأعضاء الذين يشكلونها، ومع الأعضاء الأجانب من الإكليروس، في حضن حراسة الأراضي المقدّسة كما وسائر الجمعيات الرهبانية، الذين يشكلون جزءا يجمع بين الكنيسة المحلية والكنيسة الجامعة. لا أرى تضادا؛ بل على العكس، هناك تكامل. إنه غنى. الكنيسة الجامعة تجد نفسها جيدا فينا، ونحن، نجد أنفسنا جيدا في الكنيسة الجامعة. وهكذا، فعندما أسافر إلى أوروبا أو أي مكان آخر، لا أشعر أنني غريب. وأرجو أن يشعر الآخرون أنفسهم، عندما يأتون لزيارتي، كما لو كانوا في بلدهم، في بيتهم، في كنيستهم.

إنها أحيانا صدمة بالنسبة للمسيحيين الغربيين أن يسمعوننا نصلي إيماننا المسيحي باللغة العربية

لحسن الحظ هناك صدمة، هذا جيد جدا. أحب هذا. أحب أن يكون هناك المزيد من الصدمات حتى تنفتح القلوب والعقليات. فإذا كانت مقابلة أسقف، بطريرك عربي وأردني صدمة، فإنني أراها صدمة جميلة. ومن الجميل أننا نستطيع التواصل مع العالم كله.

العلاقات مع حراسة الأراضي المقدّسة

هل لحضرتك رسالة إلى حراسة الأراضي المقدّسة؟

أريد أولا أن أقدم شكري للحراسة ولكل عضو فيها من أجل كل الخير الذي يعملونه. خلال هاتين السنتين، في كل مرة كانت لي الفرصة أن أنزل إلى القبر المقدّس، يرافقني الفرنسيسكان الذين "يحرسوني" ، ويحموني، كنت مسرورا أن أتعرف عليهم. لكنني بالتأكيد أود أن يكون هناك أيضا المزيد من التعاون. سأقوم من أجل هذا الهدف بمقابلة المسؤولين. لكنهم يقومون بعمل لا غنى عنه، أقدرهم جدا، أشجعهم وأشكرهم من كل قلبي. حقا، أتمنى المزيد من التعاون وحتى المزيد من الصداقة. أرى في غاية اللطف كهنتنا العرب في حراسة الأراضي المقدّسة.