تبرئة اليهود من دم المسيح

جاء إلى الموقع هذا السؤال:

هل برأ الكاثوليك اليهود من دم المسيح؟

وبما أن هذا الموضوع يندرج تحت "الموضوعات الشائكة" التي غالبا ما تعودنا أن نتراشق بها، بدون علم وبدون معرفة لأصلها ولمعناها، والدليل على ذلك أنه، في الغالب، ما من احد من الذين يطرحون الموضوع قد كلف نفسه قراءة الوثيقة المجمعية، وبل أن الأكثرية قد بنت معرفتها عما تقوله الجرائد أو عما يدعيه الآخرين… ولكل هذه الأسباب قررنا الرد بطريقة مبسطة عن هذا الموضوع عله يفتح شهية القراء الأحباء لمزيد من التعمق والمعرفة….

الرد

مقدمة حول وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح

انعقد مجمع الفاتيكان عام 1963م لبحث موضوعات عديدة، تدور حول تقوية الوحدة المسيحية. وفي الدورة الثانية منه وبناء على طلب البابا قدّم الألماني الكاردينال بيّا وثيقة تعتبر الصورة التمهيدية للوثيقة التي صدرت فيما بعد، وتبرئ اليهود من دم المسيح.

وتنادي الوثيقة التمهيدية باعتبار الشعب اليهودي جزءًا من الأمل المسيحي، وأنه لا يجوز أن ننسب إلى يهودِ عصرِنا ما ارتُكب من أعمال أيام المسيح، واحتج الكاردينال لكلامه بأن كثيرين من الشعب لم يكونوا يعرفون شيئاً عما حدث، ولم يوافق بعض قادة الشعب على فعل سائر الكهنة.

وقد تم الاعتراض على الوثيقة داخل المجمع، لما فيها من اعتبارات سياسية، وطلب المطران الهندي (كوتنهو) حذفَها، مما دفع فيما بعد إلى إضافة فصول عن الديانة الهندية والإسلامية، وكذلك عارض الوثيقةَ بعضُ كرادلة الشرق، كما عارضها الشبابُ الكاثوليك بالقدس، وأوضحوا أن ذلك ليس حقاً للمجمع ولا غيره، وطالبوا بتطبيق ما جاء في سِفر الخروج: "أنا الرب إلهك، إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء" (الخروج 20/15).

واستشهد البعض بنصوص من الإنجيل، التي تقرر أن اليهود طلبوا صلبه، ورفضوا إطلاق المسيح، وطلبوا إطلاق باراباس، وتولى رئيس الكهنة قيافا بعض الوِزر في ذلك. ثم إنهم قالوا: "دمه علينا وعلى أولادنا" (متى 27/25 ). وقد قال بطرس لثلاثة آلاف من اليهود: "يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم" (أعمال 2/36).

ولهذه الأسباب تم تشكيل لجنة لتعديل الوثيقة، وعدّلت، وفي أكتوبر 1965م صدرت وثيقة تبرئة اليهود.  ويقول الكاردينال بيّا عن هذه الوثيقة: "ليست هذه الوثيقة ثمرة يوم أو ليلة، إنها خلاصة دراسة"، وقد وقع البابا يوحنا الثالث والعشرون عليها قبل وفاته بخمسة أشهر، لتصبح وثيقة دينية معتمدة.

ماذا تقول الوثيقة:

لقد أراد الكاردينال بيا من وثيقته التمهيدية تبرئة العنصر اليهودي من صلب المسيح. ولكن الوثيقة النهائية الرسمية أقرت بدور اليهود وبرأت الأجيال اليهودية اللاحقة من تولي وزر هذه الجريمة، كما أنها حاولت حصر الجريمة في أقل عدد ممكن من الكهنة ورؤساء الشعب اليهودي، "فإن ما ارتكب أثناء آلامه، لا يمكن أن يعزى إلى جميع اليهود الذين كانوا عائشين إذ ذاك، ولا إلى يهود أيامنا".

        وتعود الوثيقة للحديث عن آلام المسيح المصلوب، فتقول: "ما حصل للمسيح من عذابه لا يمكن أن يعزى لجميع الشعب اليهودي .. فإن الكنيسة كانت ولا تزال تعتقد بأن المسيح قد مر بعذابه وقتله بحربة بسبب ذنوب جميع البشر، ونتيجة حُبٍ لا حدَّ له ".

الإعتراض على الوثيقة:

يقول البعض أن هذه الوثيقة تتعارض تعارضاً صريحاً مع النصوص الإنجيلية، التي تقر وتركد دور اليهود بقتل المسيح على الصليب، ومنها قول بولس: " اليهود الذين قتلوا الرب يسوع، وأنبياءهم، واضطهدونا نحن" ( تسالونيكي (1) 2/15). وقد ذكرت الأناجيل دورهم الواضح في هذه الجريمة، فهم الذين تآمر رؤساء كهنتهم، وهم الذين قدموا الرشوة ليهوذا، وأصروا وأصرت جموعهم على صلب المسيح رغم براءته التي ظهرت لبيلاطس؛ الذي قبل نصيحة زوجته، فتبرأ من دم هذا البار.

وبالتالي:

كيف يبرأ اليهود من دمه؛ ويوحنا يقول على لسان قيافا رئيس الكهنة: "أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تنكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب، ولا تهلك الأمة كلها.. فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه" (يوحنا 11/47 -53).

واليهود هم الذين أتوا بشهود الزور. ولما وجد بيلاطس أن لا جرم عليه، قال: "إني بريء من دم هذا البار. أبصروا أنتم، فأجاب جميع الشعب وقالوا: دمه علينا وعلى أولادنا " (متى 27/24 – 25).

ثم كيف للكنيسة أن تبرئ اليهود وذريتهم من دم المسيح، وهم قد قالوا لبيلاطس: "دمه علينا وعلى أولادنا" (متى 27/25 )، وهو ذنب أعلن أصحابه مسئوليتهم وأبناءهم عنه؟؟؟ أولم يرث البشر ذنب آدم وحواء؟؟؟

 

الرد على هذه الاعتراضات:

أولا يجب توضيح أنه لا يوجد أي تعارض بين الوثيقة ونصوص الكتاب المقدس:

1-صحيح أن الكتاب المقدس في أسفاره الأولى قد قال: "إنَّكَ أنتَ الرّبُّ البطيءُ عَنِ الغضَبِ، الكثيرُ الرَّحمةِ، الغافِرُ الذَّنبَ والإثمَ، لكنَّكَ لا تُبرِئْ بل تُعاقِبُ البنينَ على ذُنوبِ الآباءِ إلى الجيلِ الثَّالثِ والرَّابعِ" (عدد14/18)… ولكن صحيح أيضا أن ذات الكتاب المقدس قد قال:

" النفس التي تخطيء هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون " (حزقيال 18/20 – 21 ).

" لا يقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل " ( تثنية 24/16 ).

" بل كل واحد يموت بذنبه، كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه " (إرمياء 31/30 ).

" الذي عيناك مفتوحتان على كل طرق بني آدم لتعطي كل واحد حسب طرقه، وحسب ثمرة أعماله " ( إرميا 32/19 )

" لا تموت الآباء لأجل البنين، ولا البنون يموتون لأجل الآباء، بل كل واحد يموت لأجل خطيته " ( أيام (2) 25/4 ).

" فإنه لا يموت بإثم أبيه " ( حزقيال 18/17 ).

" أفتهلك البار مع الأثيم، عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة، أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم. حاشا لك، أديان كل الأرض لا يصنع عدلاً " ( تكوين 18/23 – 25 ).

وقد يبدوا تناقض للوهلة الأولى، ولكن بالطبع ليس تناقضا بل نموا في فهم البشر للوحي الإلهي، وللمسيرة التربوية التي قاد الله فيها البشر من خلال أنبيائه للنضج والنمو. الله الذي يقود أبنائه، كالراعي الصالح، شيئا فشيئا إلى كمال الشريعة، إلى "ملء الزمان"، أي إلى شخص المسيح.

2- عندما خاطب القديس بطرس ثلاثة ألاف يهودي هو لم يخاطب كل اليهود. فهل يمكن لنا اليوم أن نقول كل الالمان يجب أن يتحملوا ذنب هتلر؟ أوليس من العدل أن نعترف بأن هناك آلف من الألمان ماتوا وقتلوا لأنهم عارضوا سياسة هتلر… فقدموا حياتهم لكي لا يشتركون في المحارق اليهودية؟؟؟ هل يمكننا اليوم تسمية "كل الألمان" بحرقة اليهود؟

وهل يتحمل كل المسلمين ما قام به بن لادن؟؟؟ وهل ما قام به باسم الدين يعني أنه يقوم به بسم كل أتباع هذا الدين؟؟؟؟ وهل يمكننا اليوم تسمية "كل المسلمين" بالإرهابين؟

هنا تكمن حقيقة المشكلة بين عقلية ناضجة، متشبعة بروح الإنجيل، عقلية تدين من أخطئ دون أن تتهم الجميع ودون أن تعمم الحكم على الكل، وبين عقلية طفولية، تنتشر في الشرق، عقلية تعمم أحكامها تعميما أعمى فتصبح كلمة "كل" هي المقياس الأوحد: كل الغرب، كل الأمريكيين كل اليهود…. وغالبا ما تقع هذه العقلية الطفولية في إصدار أحكام سطحية فتدين "بالتخلف" نفسها بنفسها….

 

حقائق هامة لفهم الوثيقة:

1-  الحقيقة الأولى: عندما تتكلم الوثيقة عن اليهود فهي لا تتكلم عن دولة إسرائيل، ولا علاقة بين الوثيقة وبين القرآت السياسية التي تنسب لها. فالوثيقة تتكلم عن اليهود "كشعب الله" الذي جاء منه المخلص، شعب العهد، أولاد إبراهيم واسحق ويعقوب… نسل داود الذي جاء منه المسيح مخلص البشر… وبالتالي فلا يجب قرأة الوثيقة وكأنها تبجل وتكرم "دولة إسرائيل" فالوثيقة هي وثيقة إيمانية وليست سياسية ولا علاقة لها بأي دولة أو إتجاه سياسي…

2-  الحقيقة الثانية: الوثيقة لم تبرأ كل اليهود ولم تدن كل اليهود. فالوثيقة، مثلا، لم تبرأ قيافا رئيس الكهنة الذي قال: "أنتم لستم تعرفون شيئاً، ولا تنكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب، ولا تهلك الأمة كلها.. فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه" (يوحنا 11/47 -53)…. والوثيقة لم تبرأ من نادي بموته أو اشترك فيه أو تأمر عليه… الوثيقة تبرأ الآخرين الذين لم يشتركوا ولم يعرفوا أو يسمعه عنه: فما ذنب اليهود الذين كانوا يعيشون في اليونان ، وروما، والإسكندرية وغيرها من بلدان العالم. ما ذنب اليهود وبعد مرور الفي سنة على جريمة ارتكبت من قبل أجدادهم قبل ألفي سنة. من منا يرضى ان يتحمل مسؤولية جريمة ارتكبها أجداده قبل الفي سنة .

3-  الحقيقة الثالثة: هناك بالطبع فرق بين توريث آدم وحواء لذريتهم الخطيئة الأصلية وبين توريث اليهود لأبنائهم خطيئة صلب المسيح، فآدم وزوجته كانا "كل البشرية" في ذاك الوقت ولكن اليهود الذين اشتركوا في الصلب لم يكون كل اليهود.

4-  الحقيقة الرابعة: من برأ اليهود من دم المسيح هو ذات المسيح الذي وفي قمة ألامه لم يدع الحقد أو الرغبة في الانتقام تتغلب عليه بل برأهم وطلب لهم المغفرة: ""… وهو هنا لم يغفر لليهود الذين لم يشتركوا بل غفر لمن اشترك في التآمر والخيانة والصلب. أيعقل اليوم أن نتكلم عن "دمه علينا وعلى أولادنا" التي خرجت من أفواه الظلمة والقتلة ولا نتكلم عن "إغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون" التي خرجت من فم المصلوب ذاته؟؟؟؟

وأخيرا، لا يسعني ألا أن اطرح بعض الأسئلة: ألم يحن الوقت لأن نتعلم قراءة الكتاب المقدس قراءة غير سياسية وغير متأثرة بالأوضاع السياسية التي نحياها ونظرية المؤامرة؟ ألم يحن الوقت أن نتحرر من العقلية السطحية في قراءة الكتاب المقدس وقراءة أحداث التاريخ؟ ألم يحن الوقت لنخلع عنا الأحكام التعميمية" والقائمة على "هم اللي قالولي"؟

 

نص الوثيقة:

في عصرنا Nostra aetate

بيان حول "علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية"

 

– مقدمة عامة –

ولد هذا التصريح كنتيجة حتميّة لروح الانفتاح الشامل الذي نادى به المجمع، وامتدّ ليشمل الكنيسة برمّتها، فكان انبثاق فجر جديد في العلاقة بين الكنيسة والديانات الأخرى. في خطوة أولى، سعى المجمع إلى تناسي الماضي الذي يشوبه الكثير من الأحقاد والمواقف العدائية نحو الديانات غير المسيحية. وهذا الجو ساد خصوصاً في القرون الوسطى. لكنّ المجمع لم يتوقف عند هذا الحد، بل سجّل موقفاً تاريخيّاً شعاره الحوار والمحبة انطلاقاً من القواسم المشتركة، وعلى رأسها الشعور الديني الذي يشد الإنسان إلى خالقه وربّه، ورابط الأخوة الشاملة، الذي يجمع شمل أعضاء الأسرة البشرية الواحدة. فالكنيسة الكاثوليكية، التي تبشر بالمسيح وسيطاً وحيداً بين الله والإنسان، "لا تنبذ شيئاً ممّا هو في هذه الديانات حق ومقدس"، بل ترى فيه "قبساً من شعاع الحقيقة التي تنير جميع الناس" (الرقم 2)، وهي تعيد النظر في علاقتها بسائر الأديان على ضوء ازدياد علاقات الشعوب بعضها ببعض في إطار توثيق عرى اتحاد الجنس البشري.

كان الهدف من المشروع الأول لهذا التصريح "تبرئة اليهود من قتل المسيح" كتعبير صادق عن شجب الكنيسة للهجمة العدوانية ضد "الساميين" ورفضها لها. وقد تفشّت هذه الهجمة خلال الحرب العالمية الثانية وخلّفت الكثير من الجرائم المشنة التي يقبح حتى ذكرها. لكن اعتراض الأساقفة العرب على هذا المشروع لِما قد ينجم عنه من انعكاسات سياسية على الصراع العربي – الاسرائيلي، أدى إلى إبعاده عن مشروع القرار "في الحركة المسكونية"، وإلى إعادة النظر فيه. غير أنّ الكردينال بيا أصر على التمسك بالمشروع، فسانده عدد كبير من الآباء، على أن يتسع النص ليشمل ديانات أخرى غير اليهودية، وأن لا يأتي على ذكر "قتل المسيح وتبرئة اليهود". وهكذا تمحور النص الأخير حول الدعوة إلى الحوار بين الأديان، وإلى إقصاء العنصرية البغيضة في سبيل تضامن الجنس البشري. وقد أقر الآباء هذا التصريح إقراراًَ نهائياً في 28 تشرين الأول 1965.

الجزء الخاص باليهود

" 4-  إن هذا المجمع المقدس، إذ يتقصى سر الكنيسة يذكر الرباط الذي يربط روحياً شعب العهد الجديد بذرية إبراهيم. وتقر كنيسة المسيح بأن بواكير إيمانها وإختبارها توجد لدى الآباء ولدى موسى والأنبياء وفقاً لسر الله الخلاصي. وإنها تعترف بان كل المؤمنين بالمسيح، أبناء إبراهيم حسب الإيمان، لا يستثنون من دعوة ذلك الشيخ، وإن خلاص الكنيسة رُمز عنه سرياً ومسبقاً بخروج الشعب المختار من أرض العبودية. لهذا السبب لا تستطيع الكنيسة أن تنسى أنها قبلت وحي العهد القديم بواسطة ذلك الشعب الذي تنازل الله بحنانه الذي لا يوصف أن يقطع معه العهد القديم؛ ولا تنسى أنها تتغذى من أصل الزيتون الطيب الذي طعمت فيه فروع زيتون الأمم. ولذا تؤمن الكنيسة بأن المسيح، سلامنا، صالح بصليبه اليهود والأمم وجعل الأثنين واحداًُ في ذاته. ولا تبرح أبداً من أمام ناظري الكنيسة كلمات بولس الرسول في بني قومه "الذين لهم التبني والمجد والعهود والناموس والعبادة والمواعيد ولهم أيضاً الآباء ومنهم المسيح بحسب الجسد" (روما 9 / 4-5) ابن مريم العذراء. وإنها تذكر أيضاً بأن الرسل الذين هم عواميد الكنيسة وأساساتها، ولدوا من الشعب اليهودي وكذلك كثير من أولئك التلاميذ الأولين الذين بشروا العالم بإنجيل المسيح. ويشهد الكتاب المقدس بأن أوراشليم جهلت زمان افتقادها  وإن اليهود بمعظمهم لم يقبلوا الإنجيل، لا بل كثيرون هم الذين قاوموا إنتشاره. غير أن اليهود، كما يقول الرسول، لا يزالون بسبب الآباء  أعزاء لدى الله، لأن مواهب الله ودعوته هي بلا ندامة. الله وحده، والذي فيه تدعو الرب جميع الشعوب بصوت واحد "ويخدمون تحت نير واحد" (صفنيا 3 / 9)  وبما أن للمسيحيين ولليهود تراثاً روحياً مشتركاً وسامياً، يريد هذا المجمع المقدس أن يوصي بالمعرفة والإعتبار المتبادلين وأن يعززهما بين الاثنين؛ ويحصل ذلك خصوصاً بالدروس الكتابية واللاهوتية وبالحوار الأخوي. وأن تكن سلطات اليهود وأتباعها هي التي حرضت على قتل المسيح، لا يمكن مع ذلك أن يُعزى ما إقترف أثناء آلامه، الى كل اليهود الذين كانوا يعيشون آنذاك دونما تمييز ولا الى يهود اليوم. وإن تكن الكنيسة شعب الله الجديد، يجب مع ذلك ألا ينظر الى اليهود كمن رذلهم الله ولعنهم، كما لو كان ذلك ناتجاً من الكتب المقدسة. فليحرص الجميع إذاً في التعليم المسيحي وفي الوعظ بكلام الله على ألا يعلموا شيئاً لا يتلاءم مع الحقيقة الإنجيلية ومع روح المسيح. علاوة على ذلك، أن الكنيسة التي تشجب الإضطهادات كلها ضد الناس أياً كانوا، تتاسف للبغضاء وللاضطهادات ولكل مظاهر مقاومة السامية التي استهدفت اليهود في اي زمن كان واياً كان مقترفوها. والكنيسة لا تدفعها في ذلك الدوافع السياسية بل محبة الانجيل الدينية متذكرة التراث المشترك مع اليهود. اضف الى ذلك ان المسيح بمحبته الفائقة قدم ذاته طوعاُ الى الآلام والموت بسبب خطايا جميع الناس لكي يحصلوا جميعهم على الخلاص، هذا ما تمسكت به الكنيسة ولا تزال. ويعود للكنيسة الكارزة أن تبشر بصليب المسيح علامة لحب الله الشامل وينبوعاً لكل نعم".

وخلاصة القول:

إن الفاتيكان لم يكن هو من برأ اليهود من دم المسيح بل كان المسيح ذاته هو من برأهم: "اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون"… وبالتالي فالكنيسة الكاثوليكية لم تقم سوى بإقرار هذا إقرارا مجمعيا ورسميا.

 

الأب د. يوأنس لحظي جيد