كلمة البابا في عشية الصلاة مع الشبيبة في ميدان راندويك في سيدني

سيدني، السبت 19 يوليو 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر لدى لقائه بالشبيبة لعشية الصلاة في ميدان راندويك في سيدني.

* * *

أيها الشباب الأعزاء،

مرة أخرى هذا المساء سمعنا وعد المسيح العظيم – "ستنالون قوة عندما يحل الروح القدس عليكم". وسمعنا تحريضه – "ستكونون لي شهودًا حتى أقاصي الأرض" – (رسل 1، 8). هذه هي الكلمات الأخيرة التي قالها يسوع قبيل صعوده إلى السماء. يمكننا فقط أن نتخيل الإحساس الذي شعر به الرسل لدى سماعهم هذه الكلمات. ولكننا نعرف حبهم العميق ليسوع، وثقتهم بكلمته، التي دفعتهم إلى الاجتماع والانتظار؛ لا انتظارًا لا هدف له، بل سوية، في الصلاة، مع النساء ومع مريم، في العلية (راجع رسل 1، 14).

ونحن نقوم بالأمر عينه هذا المساء. نجتمع للصلاة حول صليبنا الذي سافر كثيرًا، وحول أيقونة مريم، وعند أقدام برج ساثرن كروس الرائع. اقتدوا بمثال شفعائكم! اقبلوا في قلوبكم وفي أذهانكم مواهب الروح القدس السبع! اعترفوا وآمنوا بقوة الروح القدس في حياتكم!

تحدثنا أول أمس عن الوحدة والتناغم في خليقة الله وموقعنا فيها. تذكرنا كيف أننا نحن الذين خلقنا على صورة الله ومثاله، نولد من جديد عبر هبة المعمودية العظمى؛ لقد صرنا أبناء الله بالتبني، صرنا خلقًا جديدًا. وكأبناء لنور المسيح – الذي ترمز إليه الشموع التي تحملونها الآن – نحمل في العالم شهادة للإشعاع الذي لا تستطيع الظلمات أن تغلبه (راجع يو 1، 5).

نركز الليلة انتباهنا على "كيفية" صيرورتنا شهودًا. يجب أن نفهم أقنوم الروح القدس وحضوره المحيي في حياتنا. وهذا ليس بالأمر السهل للفهم. بالواقع إن مختلف الصور الموجودة في الكتاب المقدس والتي تشير إلى الروح القدس – الريح، النار، النَفَس – تشير إلى الصعوبة التي نلقاها في التعبير عن فهمنا له. ولكننا نعرف أن الروح القدس – رغم أنه صامت وغير مرئي – هو الذي يوجه شهادتنا ليسوع المسيح ويمنحها معالمها.

أنتم تعرفون جيدًا أن شهادتنا المسيحية تُقدّم إلى عالم هو ضعيف من نواح مختلفة. تضعف وحدة خليقة الله عبر الجراح التي تنخر عميقًا عندما تتحطم العلاقات الاجتماعية، أو عندما ينسحق الروح البشري بسبب الاستغلال والانتهاك. بالواقع، إن مجتمع اليوم مشرذم بسبب طريقة تفكير هي قصيرة النظر بالعمق، حيث النسبية تعجز عن الرؤية الشاملة. لقد تجاهل مجتمعنا المبادئ التي تمكننا من العيش والنمو في الوحدة، والنظام والتناغم.

ما هو جوابنا، كشهود مسيحيين، أمام هذا العالم المنقسم والمشرذم؟ كيف يمكننا أن نقدم رجاء السلام، والشفاء، والتناغم لـ "مراحل" الصراع، والألم، والتوتر هذه، التي قررتم أن تسيروا فيها مع صليب يوم الشبيبة العالمي؟

لا يمكن تحقيق الوحدة والمصالحة عبر جهودنا وحدها. لقد خلقنا الله أحدنا للآخر (راجع تك 2، 24) وفقط في الله وكنيسته يمكننا أن نجد الوحدة التي نتوق إليها. ولكن، بوجه النقص والخيبة – الفردية والمؤسساتية على حد سواء – نشعر بتجربة أن نبني جماعة "كاملة" بشكل اصطناعي. هذه التجربة ليست جديدة. يتضمن تاريخ الكنيسة الكثير من الأمثلة حيث سعى الأفراد لتجاوز وتخطي الضعف والفشل البشريين من أجل خلق وحدة كاملة وسعادة روحية.

في الواقع، إن هذه المحاولات لبناء الوحدة إنما تدمرها من الأساس! ففصل الروح القدس عن المسيح الحاضر في المؤسسة الكنسية هو مراوغة على وحدة الجماعة المسيحية، التي هي هبة من الروح القدس! وبالتالي هو خيانة لطبيعة الكنيسة كالهيكل الحي للروح القدس (راجع 1 كور 3، 16). فالروح القدس هو الذي يقود الكنيسة في السبيل إلى الحق بكليته، ويوحدها في الشركة وفي عمل الخدمة (راجع نور الأمم 4).

للأسف إن تجربة "قم بذلك بنفسك" ما زالت قائمة اليوم. فكثيرون اليوم يرسمون جماعتهم المحلية بشكل منفصل عن المؤسسة الكنسية، ويعتبرون الأولى جماعات لينة ومنفتحة على الروح، بينما ينظرون إلى الأخيرة كقاسية وخالية من الروح.

إن الوحدة هي جوهر الكنيسة ( راجع تعليم الكنيسة الكاثوليكية، 813)؛ وهي هبة يجب أن نتعرف عليها وأن نُجلّها. لنُصلّ هذا المساء من أجل القرار لحماية الوحدة: أسهموا في هذه الوحدة! قاوموا كل التجارب التي تدفعكم للرحيل! إن ما نستطيع تقديمه حقًا للعالم هو تفهم إيماننا، وسعة نظره – إيمانًا متينًا ومنفتحًا، ثابتًا وديناميكيًا، حقًا وفي الوقت عينه في نمو مستمر في الفهم.

أيها الشباب الأعزاء،

أليس بفضل إيمانكم أن أصدقاءكم الذين يعانون المصاعب أو يبحثون عن معنى في حياتهم يتقربون منكم؟ انتبهوا! أصغوا! هل تستطيعون أن تصغوا لصوت البشرية المتناغم، في تنافر وانقسام عالمنا؟ في طفل دارفور المهجور، وفي المراهق المضطرب، في الوالد القلق في أية ضاحية، أو ربما الآن في أعماق قلبنا، يصدر الصراخ البشري عينه، صراخًا يسعى إلى أن يتم الاعتراف به، يسعى إلى الانتماء، وإلى الوحدة.

من الذي يشبع هذا التوق البشري إلى الوحدة، إلى الولوج في الشركة، إلى النمو، وإلى التوصل إلى الحقيقة؟

الروح القدس! هذا هو دور الروح القدس: أن يقود عمل يسوع المسيح إلى الكمال. بامتلائكم من مواهب الروح القدس، ستنالون قوة تمكنكم من تجاوز الجزئي، والسعادة الفارغة، والأمور العابرة، لكي تقدموا متانة وضمانة الشهادة المسيحية!

أيها الأصدقاء، عندما نتلو قانون الإيمان نقول: "نؤمن بالروح القدس، الرب المحيي". "الروح الخالق" هو قوة الله التي تهب الحياة لكل الخليقة، وهو منهل الحياة الجديدة والفياضة في المسيح. الروح يعضد الكنيسة في الوحدة مع الرب وفي الأمانة للتقليد الرسولي. لقد أوحى الكتاب المقدس وهو يقود شعب الله إلى ملء الحقيقة (راجع يو 16، 13).

بهذا الشكل، الروح هو "واهب الحياة"، ويقودنا إلى أعماق قلب الله. ولذا، بقدر ما نسمح للروح أن يهدينا، بقدر ذلك سيكون تماثلنا إلى المسيح كاملاً، وبقدر ذلك سيكون عميقًا غوصنا في حياة الله الثالوث.

هذه الشركة في طبيعة الله (راجع 2 بط 1، 4) تتم في تفاصيل لحظات حياتنا اليومية حيث هو موجود دومًا (راجع با 3، 38). ولكن هناك أوقات نشعر فيها بتجربة أن نسعى إلى تحقيق ذواتنا بعيدًا عن الله. لقد سأل يسوع عينه الاثني عشر: "ألا تريدون أنتم أيضًا أن ترحلوا؟" هذا الابتعاد يقدم وهمًا بالحرية. ولكن إلى أين يقود؟ وإلى من نذهب؟ ففي قلبنا نعرف أن الرب "عنده كلمات الحياة الأبدية" (يو 6، 67 – 68). الابتعاد عنه ليس إلا محاولة فاشلة للهرب من ذواتنا (راجع، القديس أغسطينوس، الاعترافات، 7، 7). الله معنا في واقع الحياة، لا في الخيال! جل ما نبحث عنه هو العناق، لا الهرب! ولهذا فالروح القدس بحنان ولكن بحزم أيضًا، يجذبنا من جديد إلى ما هو حقيقي، إلى ما يدوم، إلى ما هو حق. الروح القدس يقودنا إلى الشركة مع الثالوث الأقدس!

لقد كان الروح القدس، الأقنوم المُهمَّش من الثالوث الأقدس بشكل ما. ويبقى فهم الروح القدس بشكل واضح أمرًا يتجاوز قدراتنا. ولكن، عندما كنت فتىً صغيرًا، علمني أهلي، كما علمكم أهلكم، أن أقوم برسم إشارة الصليب. ولذا، توصلت قريبًا أن أعي أن هناك إله واحد في ثلاثة أقانيم، وأن الثالوث الأقدس هو محور إيماننا وحياتنا المسيحية. وبينما بدأت أفهم بعض الشيء الله الآب والابن – وقد أسهمت الأسماء في ذلك الفهم بشكل كبير – بقي فهمي للروح القدس ناقصًا. ولذا، ككاهن شاب يعلم اللاهوت، قررت أن أدرس الشهادة الرائعة للروح القدس في تاريخ الكنيسة. وفي هذه الرحلة، وجدتني أقرأ، بين قراءاتي، القديس أغسطينوس.

لقد نما فهم أغسطينوس للروح القدس بشكل تدريجي؛ كان نوعًا من صراع. فكشاب، كان من أتباع المانيين – وهي إحدى تلك المحاولات التي تحدث عنها سابقًا، في خلق طوباوية روحية تفصل بشكل جذري بين أمور الروح وأمور الجسد. ولذا كان في أول الأمر يشكك بالتعليم المسيحي أن الله صار إنسانًا. ولكن خبرته لحب الله الحاضر في الكنيسة قادته إلى البحث عن مصدر هذا الحب في حياة الله الثالوث. هذا الأمر قاده إلى حدس مثلث الأبعاد للروح القدس كرباط الوحدة في الثالوث المبارك: الوحدة كشركة، الوحدة كمحبة أبدية، والوحدة كهبة ونعمة. هذه المفاهيم الثلاثة ليست نظرية وحسب. فهي تستطيع أن تشرح كيف يفعل الروح القدس. في عالم يتألم فيه الأفراد والجماعات من غياب الوحدة والتناغم، تساعدنا هذه المفاهيم لكي نذعن إلى الروح ولكي نوسع ونوضح الهدف من شهادتنا.

ولذا، بمساعدة أغسطينوس، سنوضح شيئًا من فعل الروح القدس. لاحظ أغسطينوس أن الكلمتين "روح" و "قدس" تشيران إلى ما هو إلهي في الله؛ بكلمات أخرى، إلى ما يتشارك به الآب والابن – شركتهما. وإذ كان الطابع الذي يميز الروح القدس هو ما "يتقاسمه" الآب والابن، استخلص أغسطينوس أن صفة الروح الخاصة هي "الوحدة". إنها وحدة الشركة المعاشة: شركة الأقانيم في علاقة هبة مستمرة، الآب والابن اللذان يهبان أحدهما للآخر.

نبدأ بحدس كيف أن فهم الروح القدس كوحدة وشركة ينوّر بصيرتنا. لا يمكن للوحدة الحقيقية أن ترتكز على علاقات تنفي الكرامة المماثلة للآخرين. والوحدة ليست مجرد جمع الجماعات عبر ما نسعى إلى "تعريفه" نحن. بالواقع، فقط عبر حياة الشركة يمكننا أن نحافظ على الوحدة وأن نحقق الهوية البشرية: نكتشف حاجتنا المشتركة إلى الله، ونتجاوب مع حضور الروح القدس الموحد، ونهبّ بعضنا لبعض في الخدمة.

أما حدس أغسطينوس الثاني – الروح هو الحب الأبدي – فيأتي من دراسته لرسالة القديس يوحنا الأولى. يقول لنا يوحنا أن "الله محبة" (1 يو 4، 16). ويعتبر أغسطينوس أنه بينما تشير هذه الكلمات إلى  الثالوث الأقدس ككل، فهي تعبّر عن خاصية محددة للروح القدس. في تأمله بطبيعة الحب الأبدية – "من أقام في الحب، أقام في الله وأقام الله فيه" (المرجع نفسه) – يتساءل أغسطينوس: هل هو الحب أو الروح القدس من يضمن هذه الإقامة؟ وهذه هي الخلاصة التي يتوصل إليها: "الروح يجعلنا نقيم في الله والله فينا؛ ولكنه الحب هو الذي يقوم بهذا التأثير. وبالتالي الروح القدس هو الله كمحبة!" (في الثالوث 15. 17. 31).

إنه تفسير بديع: يشارك الله نفسه كحب في الروح القدس. ما هو الفهم الذي يمكننا إدراكه من هذا الحدس؟ الحب هو علامة حضور الروح القدس! الأفكار والأصوات التي تفتقر إلى الحب – حتى ولو بدت معقدة وذكية – لا يمكن أن تكون "من الروح". وأكثر من ذلك، للحب خاصية محددة: بعيدًا عن التساهل والتقلّب، للحب هدف وغاية يود تحقيقها: الاستمرارية والبقاء. فالحب بطبيعته دائم.

من جديد، أيها الأصدقاء، نلمس ما يستطيع أن يمنحه الروح القدس لعالمنا: حب يطرد الحيرة بعيدًا؛ حب ينتصر على خوف الخيانة؛ حب يحمل الأبدية في داخله؛ الحب الحق الذي يجذبنا إلى وحدة تدوم!

الحدس الثالث – الروح القدس كهبة – حازها أغسطينوس من التأمل بنص الإنجيل الذي نعرفه ونحبه جميعنا: حوار يسوع مع المرأة السامرية على البئر. يكشف يسوع نفسه هنا كواهب الماء الحي (راجع يو 4، 10) – النبع الباطني (راجع يو 4، 14)، الذي يشبع عطشنا الأعمق ويقودنا إلى الآب. من هذه الملاحظة يستخلص أغسطينوس أن الله الذي يشارك نفسه معنا كهدية هو الروح القدس (راجع في الثالوث، 15، 18، 32).

أيها الأصدقاء، مرة أخرى نلقي نظرة إلى الثالوث الأقدس الفاعل: الروح القدس هو الله الذي يهب ذاته أبديًا؛ كنبع لا ينضب، يفيض واهبًا نفسه بالذات. بالنظر إلى هذه الهبة التي لا تنتهي، يمكننا أن نلحظ محدودية كل ما يزول، وجنون الفكر الاستهلاكي. نبدأ بفهم لماذا البحث عما هو جديد يبقينا غير مكتفين ومحتاجين. ألسنا نبحث يا ترى عن هبة أبدية؟ عن النبع الذي لن يجف أيضًا؟ مع المرأة السامرية، فلنهتف: أعطني من هذا الماء حتى لا أعطش أبدًا! (راجع يو 4، 15).

أيها الأصدقاء الشباب،

لقد رأينا أن الروح القدس هو الذي يحقق الشركة الرائعة بين المؤمنين بالمسيح. بالأمانة لطبيعته كواهب وكهبة على حد سواء، إنه يعمل الآن من خلالكم أيضًا. وإذ استلهم مفاهيم أغسطينوس أقول لكم: ليكن الحب الموحد مقياسكم؛ ليكن الحب الأبدي تحديكم؛ ليكن الحب الذي يهب ذاته رسالتكم!

غدًا، سينال المرشحون لنوال سر التثبيت هبة الروح هذه بشكل احتفالي. سأصلي هكذا: "هبهم روح الحكمة والفهم، روح القرار الصائب والشجاعة، روح العلم والتقوى… واملأهم بروح الدهشة والمهابة". مواهب الروح هذه – وهي، بحسب ما يذكرنا القديس فرنسوا دي سال، طريقة للاشتراك في حب الله الواحد – ليس جائزة أو مكافأة. بل هي تُمنح مجانًا (راجع 1 كور 12، 11). وهي تتطلب من متقبلها فقط أن يتجاوب معها. أن أقبل!

نلمس هنا شيئًا من عمق سر المسيحية. فما يؤلف إيماننا ليس في المقام الأول ما نفعل، بل ما ننال! فالكثير من غير مسيحيين يستطيعون أن يقوموا بخير أكبر مما نقوم به نحن. أيها الأصدقاء، هل تقبلون الدخول في حياة الله الثالوثية؟ هل تقبلون أن يجتذبكم إلى شركة الحب معه؟

تمنح هبة الروح القدس العاملة فينا اتجاهًا وتعبيرًا لشهادتكم. باتجاهها نحو الوحدة، تربطنا مواهب الروح القدس بشكل أكثر حميمية بجسد المسيح بكليته (راجع نور الأمم، 11)، وتهيئنا لكي نبني الكنيسة بغية خدمة العالم (راجع أف 4، 13). تدعونا هذه المواهب إلى مشاركة فاعلة وفرحة في حياة الكنيسة: في الرعايا وفي الحركات الكنسية، في صفوف التعليم الديني، في العمل الرعوي الجامعي وفي سواها من المؤسسات الكاثوليكية. نعم، يجب أن تنمو الكنيسة في الوحدة، يجب أن تتقوى بالقداسة، يجب أن يتجدد شبابها، يجب أن تتجدد باستمرار (راجع نور الأمم، 4). ولكن من يقرر مقياس هذا النمو؟ الروح القدس! توجهوا إليه، أيها الأصدقاء الشباب الأعزاء، وستجدوا المعنى الصحيح للتجدد.

هذا المساء، إذ نجتمع تحت جمال سماء الليل، يمتلئ قلبنا وفكرنا بالعرفان نحو الله لأجل هبة الإيمان الثالوثي العظيمة. نذكر والدينا وأجدادنا الذي ساروا معنا في طفولتنا، بينما كنا نقوم بالخطوات الأولى في مسيرة حج إيماننا.

والآن، بعد سنين كثيرة، لقد احتشدتم كشباب حول خليفة بطرس. يملأني فرح كبير كوني معكم هنا. لنستدع الروح القدس: فهو فنان عمل الله (راجع تعليم الكنيسة الكاثوليكية، 741). اسمحوا لمواهبه أن تصقلكم! وكما تقوم الكنيسة بالرحلة عينها التي تقون بها البشرية، كذلك أنتم أيضًا مدعوون إلى عيش مواهب الروح في أفراح وأتراح الحياة اليومية.

دعوا إيمانكم ينضج عبر درسكم، وعملكم، والرياضة، والموسيقى والفن. ساندوه بالصلاة وغذوه بالأسرار، ليكون بهذا الشكل إلهامًا وعونًا لمن هم حولكم.

في الختام، الحياة لا تتعلق بالتجميع. وهي أكثر من النجاح. أن نكون أحياء حقًا يعني أن نتحول من الداخل، منفتحين على قوة محبة الله. عبر قبول قوة الروح القدس، يمكنكم أن تحوّلوا عائلاتكم، جماعاتكم، وأوطانكم. أطلقوا مواهبكم! اجعلوا من الحكمة، والشجاعة، والمهابة، والدهشة علامات العظمة!

* * *

نقله من الإنكليزية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.

 

كيف يمكننا أن نعرف أن الروح حاضر في حياتنا؟

بندكتس السادس عشر يتحدث إلى الشبيبة عن الخبرة العملية للروح القدس

 بقلم روبير شعيب

 سيدني، السبت 19 يوليو 2008 (Zenit.org). – "الحب هو علامة حضور الروح القدس! الأفكار والأصوات التي تفتقر إلى الحب – حتى ولو بدت معقدة وذكية – لا يمكن أن تكون من الروح" وأيضًا، "للحب خاصية محددة: بعيدًا عن التساهل والتقلّب، للحب هدف وغاية يود تحقيقها: الاستمرارية والبقاء. فالحب بطبيعته دائم، أبدي".

 هذا ما قاله قداسة البابا بندكتس السادس عشر لدى لقائه بالشبيبة لعشية الصلاة في ميدان راندويك في سيدني.

ركز البابا التأمل في السهرة مع الشبيبة على على "كيفية" صيرورة المسيحي الشاب شاهدًا، وللتوصل إلى فهم هذه الكيفية، سلط البابا الضوء على فهم هوية وعمل أقنوم الروح القدس وحضوره المحيي في حياة الثالوث والكنيسة والمسيحي.

 روح الوحدة

 وانطلق البابا موضحًا أن "الروح القدس – رغم أنه صامت وغير مرئي – هو الذي يوجه شهادتنا ليسوع المسيح ويمنحها معالمها"، هو "فنان عمل الله". ومجتمع اليوم إنما هو "مشرذم بسبب طريقة تفكير هي قصيرة النظر بالعمق، حيث النسبية تعجز عن الرؤية الشاملة".

 وتساءل الأب الأقدس: "ما هو جوابنا، كشهود مسيحيين، أمام هذا العالم المنقسم والمشرذم؟" وأيضًا: "من الذي يشبع هذا التوق البشري إلى الوحدة، إلى الولوج في الشركة، إلى النمو، وإلى التوصل إلى الحقيقة؟"

 وأجاب: "الروح القدس! هذا هو دور الروح القدس: أن يقود عمل يسوع المسيح إلى الكمال".

 وشرح: "الروح هو "واهب الحياة"، ويقودنا إلى أعماق قلب الله. ولذا، بقدر ما نسمح للروح أن يهدينا، بقدر ذلك سيكون تماثلنا إلى المسيح كاملاً، وبقدر ذلك سيكون عميقًا غوصنا في حياة الله الثالوث".

 روح الشركة

 وانطلق البابا من تعليم القديس أغسطينوس بشأن الروح القدس الذي قدم حدسًا مثلث الأبعاد للروح القدس "كرباط الوحدة في الثالوث المبارك: الوحدة كشركة، الوحدة كمحبة أبدية، والوحدة كهبة ونعمة".

 ففي الحدس الأول لاحظ أغسطينوس أن الكلمتين "روح" و "قدس" تشيران إلى ما هو إلهي في الله؛ بكلمات أخرى، إلى ما يتشارك به الآب والابن – شركتهما. "وإذ كان الطابع الذي يميز الروح القدس هو ما "يتقاسمه" الآب والابن، استخلص أغسطينوس أن صفة الروح الخاصة هي "الوحدة". إنها وحدة الشركة المعاشة: شركة الأقانيم في علاقة هبة مستمرة، الآب والابن اللذان يهبان أحدهما للآخر".

 روح المحبة

 ثم تحدث عن الروح، كروح الحب الأبدي، مستشهدًا بتعليم أغسطينوس في كتابه "في الثالوث": "الروح يجعلنا نقيم في الله والله فينا؛ ولكنه الحب هو الذي يقوم بهذا التأثير. وبالتالي الروح القدس هو الله كمحبة!"

 وشدد البابا على أن "الحب هو علامة حضور الروح القدس!"

 وأضاف: "الأفكار والأصوات التي تفتقر إلى الحب – حتى ولو بدت معقدة وذكية – لا يمكن أن تكون "من الروح". وأكثر من ذلك، للحب خاصية محددة: بعيدًا عن التساهل والتقلّب، للحب هدف وغاية يود تحقيقها: الاستمرارية والبقاء. فالحب بطبيعته دائم".

الروح كهبة ونعمة

 ثم توقف على الحدس الثالث للقديس، أي الروح القدس كهبة، فالروح هو "النبع الباطني" (راجع يو 4، 14)، الذي يشبع عطشنا الأعمق ويقودنا إلى الآب.

 من هذه الملاحظة يستخلص أغسطينوس أن "الله الذي يشارك نفسه معنا كهدية هو الروح القدس".

 وتابع الأب الأقدس معلقًا: "الروح القدس هو الله الذي يهب ذاته أبديًا؛ كنبع لا ينضب، يفيض واهبًا نفسه بالذات. بالنظر إلى هذه الهبة التي لا تنتهي، يمكننا أن نلحظ محدودية كل ما يزول، وجنون الفكر الاستهلاكي".

 "نبدأ بفهم لماذا البحث عما هو جديد يبقينا غير مكتفين ومحتاجين. ألسنا نبحث يا ترى عن هبة أبدية؟ عن النبع الذي لن يجف أيضًا؟مع المرأة السامرية، فلنهتف: أعطني من هذا الماء حتى لا أعطش أبدًا!"

 

بندكتس السادس عشر: "فقط في الله وكنيسته يمكننا أن نجد الوحدة التي نتوق إليها"

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، 2008 (Zenit.org).

 تطرق الأب الأقدس بندكتس السادس عشر إلى موضوع وحدة الكنيسة في إطار خطابه لدى لقائه بالشبيبة لعشية الصلاة في ميدان راندويك في سيدني.

وقال الأب الأقدس: "لا يمكن تحقيق الوحدة والمصالحة عبر جهودنا وحدها. لقد خلقنا الله أحدنا للآخر (راجع تك 2، 24) وفقط في الله وكنيسته يمكننا أن نجد الوحدة التي نتوق إليها".

وأشار أنه بوجه النقص والخيبة – الفردية والمؤسساتية على حد سواء – "نشعر بتجربة أن نبني جماعة "كاملة" بشكل اصطناعي".

ولفت إلى أن هذه التجربة ليست جديدة. فتاريخ الكنيسة يحوي الكثير من الأمثلة حيث "سعى الأفراد لتجاوز وتخطي الضعف والفشل البشريين من أجل خلق وحدة كاملة وطوباوية روحية".

وأوضح بندكتس السادس عشر أن "هذه المحاولات لبناء الوحدة إنما تدمرها من الأساس!"

وشرح قائلاً: "إن فصل الروح القدس عن المسيح الحاضر في المؤسسة الكنسية هو مراوغة على وحدة الجماعة المسيحية، التي هي هبة من الروح القدس! وبالتالي هو خيانة لطبيعة الكنيسة كالهيكل الحي للروح القدس (راجع 1 كور 3، 16). فالروح القدس هو الذي يقود الكنيسة في السبيل إلى الحق بكليته، ويوحدها في الشركة وفي عمل الخدمة (راجع نور الأمم 4)".

وعبّر البابا عن أسفه لأن تجربة "قم بذلك بنفسك" ما زالت قائمة اليوم. "فكثيرون اليوم يرسمون جماعتهم المحلية بشكل منفصل عن المؤسسة الكنسية، ويعتبرون الأولى جماعات لينة ومنفتحة على الروح، بينما ينظرون إلى الأخيرة كقاسية وخالية من الروح".

وسلط الضوء لعلى أن "الوحدة هي جوهر الكنيسة" ، وأنها "هبة يجب أن نتعرف عليها وأن نُجلّها".

ودعا الشباب إلى الصلاة "من أجل القرار لحماية الوحدة"، وحضهم قائلاً: "أسهموا في هذه الوحدة! قاوموا كل التجارب التي تدفعكم للرحيل! إن ما نستطيع تقديمه حقًا للعالم هو تفهم إيماننا، وسعة نظره – إيمانًا متينًا ومنفتحًا، ثابتًا وديناميكيًا، حقًا وفي الوقت عينه في نمو مستمر في الفهم".