تاريخ ومفهوم الخطيئة الأصلية

أولاً: الخلفية التاريخية لكلمة الخطيئة الأصلية

1-       تاريخية الخطيئة الأصلية في الكتاب المقدس:

         إن كلمة خطئيه هي الخطيئة الأولى التي يتكلم عنها سفر التكوين في الفصل الثالث لا نجد ذكر صريح لكلمة الخطيئة الأصلية في الكتاب المقدس و انطلاقا من دراستنا للكتاب المقدس نجد أن كلمة خطئيه فقط هي التي تذكر في سفر التكوين الفصل الثالث وهذه الرواية تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد وتتكلم عن الخطيئة الأولى وعن الإطار التي تدور فيه حوادث الخطيئة. ومن هنا نستطيع أن نقول لا يوجد هناك أي ذكر صريح لكلمة الخطيئة الأصلية في الكتاب المقدس من الناحية التاريخية ولكن كل ما نجده في الكتاب المقدس هو كلمة خطئيه فقط.

 

2-       تاريخية الخطيئة عند القديس أغسطينوس:

هناك تفسير للشر بدأ في المسيحية في القرن الخامس الميلادي مع القديس أغسطينوس وساد

الفكر المسيحي الغربي طوال قرون عديدة وتأثرت به عقليتنا الشرقية في حين كان في البداية غريباً عن تفكير آباء الكنيسة الشرقية القدامى وانطلاقا من هذه المقدمة نصل إلى تاريخية كلمة الخطيئة الأصلية عند القديس أغسطينوس إن أدم هو الأصل الذي كان الجنس البشري بجملته حاضراً فيه عندما ارتكب خطيئته فخطيئته هي الأصل و السبب لجميع الخطايا التي أرتكبها البشر على مدى التاريخ البشري وانطلاقا من هذا نجد أن أول مًَن استخدم ( كلمة الخطيئة الأصلية ) هو القديس أغسطينوس في القرن الخامس الميلادي وهذا من الناحية التاريخية ولكن سنتعرض فيما بعد للرأي القديس أغسطينوس في هذا الفصل تحت بند الخطيئة الأصلية ومفهومها لدى بعض أباء الكنيسة الغربية.

ثانياً: ماهية الخطيئة الأصلية ونتائجها:

      قبل ما أن نتعرض لمفهوم الخطيئة الأصلية عند آباء الكنيسة الشرقية كانت أم الغربية لأبُد أن نعرف ما هي الخطيئة؟ وماذا تعني كلمة أصلية من الناحية اللغوية؟

1- ماهية الخطيئة؟

§   المعنى الغوي لكلمة الخطيئة: هذا المعنى يشير إلى الانحراف، الابتعاد، الحياد عن القصد الأساسي ومَّن أخطا الطريق يعني أنه أحاد عن الهدف وانحرف، والرامي الذي يخطي الهدف يعني أن لم يصبه، فالخطيئة إذن تعني الابتعاد والانحراف عن المشروع والهدف

§        كلمة خطيئة في الأديان الثلاثة:اليهودية و المسيحية والإسلام { هي عبارة عن فعل غير أخلاقي وتعني التمرد و العصيان لأمر الإله}.

2- مفهوم الخطيئة في الفكر المسيحي الحديث:

     عبارة عن قرار جذري حر ووجودي يروح ضد إرادة الله ورفض الخليقة إرادة الخالق نظراً لما تريده هذه الإرادة من هيكليات أساسية للخلق وللعهد و رفض الإرادة الإلهية التي هي إرادة عطا[1]

و الخطيئة هي تناقض أيضاً لطبيعة الإنسان ومن هنا نستطيع أن نقول أن الخطيئة هي اضطراب في علاقة الإنسان بخالقه ناتج عن إرادة حرة ومن هنا يبتعد وينحرف الإنسان عن الله ويحكم على ذاته بالشقاء.[2]

3- معنى كلمة أصلية:

     كلمة "أصلية" لغوياً تشير إلى الأصول، الجذور، الأساس، ومن هنا نرى أن كلمة أصلية تعطي للزمن مفهوماً متطوراً أي أن الزمن له بداية وافتتاح.   لذلك فالخطيئة عنصر يجب إدراكه داخل الزمن البشري وهو مسافة للتغيير و التبدل و الاهتداء وهذا التبدل هو التوبة.

     

4- المعنى النهائي للخطيئة الأصلية:

     هي عبارة عن الاكتفاء الذاتي وأن يكون الإنسان هو الأول والأخير و المرجع الوحيد لنفسه فهذا ما يُعرف بالخطيئة الأصلية أي رغبة الإنسان في أن يكون إلهاً مستقلاً [3] إن موقف تأليه الذات جعل الإنسان يعبر عن رفضه لله وهنا تجاوز الإنسان الوصية الأولى" أنا هو الرب إلهك لم يكن لك إلهً غيري"[4] وجوهر الخطيئة الأصلية تقوم في غياب النعمة أو غياب لترفيع الفائق الطبيعة الذي كان الله منذ البدء قد قرره الإنسان عن الله وهذا الحرمان يفصل حقاً الإنسان عن الله.[5]

 

ثالثاً: نتائج الخطيئة الأصلية.

      إن الخطيئة هي تعالي الإنسان على الله ساعياً لبلوغ غايته بعيداً عن الله. فيرفض الإنسان الاعتراف بالله و ينكر مصدر وجوده بالتالي فقد الإنسان علاقته بالله وبالنظام الذي يقوده إلى غايته الأخيرة ومن هنا نرى أن الخطيئة جلبت الكثير من الأتعاب على الإنسان. ولذلك لأبُد وأن نتعرض إلى نتائج الخطيئة الأصلية حتى نتعرف إلى ما مدى تعب الإنسان عندما يترك خالقه ويريد أن يكتفي بذاته.

§        تقلل من شأن الإنسان و تعوق بلوغه إلى الكمال.

§        تجعل الإنسان يشعر بثورات الجسد.

§        تشوه وجه الخليقة.

§        تفقد نظام الأمور وتجعل الإنسان يشعر بدوافع جدية نحوها.

§        فقدان الحياة مع الله.

ولا نستطيع أن نكتفي فقط بذكر عناوين للنتائج التي تسببها لخطيئة الأصلية في حياة الإنسان و لكن لأبُد أن نتناول كل نقطة على حد ونعطي نبذة بسيطة حتى يكون بحثنا كامل ومتكامل.

1-       تقلل من شأن الإنسان وتعوق بلوغه للكمال:

الإنسان كائن منقسم على ذاته و تبدو حياته أشبه بالصراع بين الخير والشر و النور و الظلمة وهنا يكتشف الإنسان أنه يعجز وحده في التغلب على هجمات العدو وأصبح الإنسان مثقل بالسلاسل فهو في احتياج إلى المخلص الذي يُعيد له حريته و كرامته ملقياً رئيس هذا العالم للخارج " اليوم دينونة هذا العالم و اليوم يُطرد سيد هذا العالم "[6]

2-       تجعل الإنسان يشعر بثورات الجسد:

إن الله أعطى الإنسان مميزات تفوق كل الخليقة حتى يستطيع أن يمجد الله من خلاله فهو الكائن الوحيد المكون من جسد، نفس، روح، ولكن مع الخطيئة بدأ الإنسان يحتقر حياته الجسدية و يشعر في داخله بثورات هذا الجسد. فكرامة الإنسان نفسه التي تحتم عليه أن يمجد الله في جسده دون أن يُترك لنزوات قلبه الجامحة. وليس هذا فقط ولكن بدأ يخجل من العري الذي هو أولاً و أخيراً تعبيراً واقعياً عن سيطرة الشهوة على الإنسان فالنتيجة الأولى التي تقود إليها الخطيئة الأصلية هي أن تجعل الإنسان خجلاً من نفسه عاجزاً إزاء شهواته محتالاً شريراً إزاء الآخرين.

3-       تشوه وجه الخليقة:

إننا نجهل الزمن الذي تنتهي فيه الأرض البشرية ولا نعرف شيئاً عن كيفية تحول الكون ولكن وجه هذا لعالم الذي شوهته الخطيئة مقضي حتماً. ولكننا نعلم أن الله يُعد لنا سكناً جديداً و أرضاً ثانيةً يسود فيها العدل و السلام و بهذا ستتم هزيمة الموت وقيامة أبناء الله في المسيح يسوع.

4-       تُفسد الأمور وتجعل الإنسان يشعر بدوافع جدية نحوها:

 

حيثما تُفسد الخطيئة نظام الأمور فإن الإنسان الميال دائماً إلى الشر منذ ولادته ويشعر من جديد بدوافع نحو الخطيئة وما لم يعتمد على جهداً مضني و ما لم يلتمس معونة النعمة فعبثاً يستطيع قهرها.

 

 

تحت إشراف الأب الدكتور / ميلاد صدقي

عمل الطالب : ماجد نجاح ذكري

 

 

المعادي في 15 مارس 2001

 




1 عطية الله هي فعل حر مطلقاً و الذي ليس الله بمدين به لإي كائن مخلوق وإن كان بدون خطئية بهذه العطية عينها نستطيع أن نفهم ما معنى أن الله محبة ( 1يو4/8 )

 2 معجم اللاهوت الكاثوليكي، كارل راهنر/ هربرت فورغريملر، نقله الى العربية عبده خليفة " المطران"، دار المشرق، بيروت- لبنان، 1985

 تكوين 3/5[3]

 خروج 20/1[4]

5 معجم اللاهوت الكاثوليكي كارل راهنر/ هربرت فورغريملر، نقله الى العربية عبده خليفة" المطران" دار المشرق،بيروت، لبنان، 1985 .  

 يوحنا 12/31[6]