هذه كنيستي الجزء الأول: الكنيسة المارونية

الكنائس الشرقية-1

 

إعداد الأب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

التاريخ والنشأة

يُشكل الموارنة الجماعة المنحدرة من أصل كنعاني وأصل آرامي .

دخلوا المسيحية منذ الاُجيال الأولى عن طريق الرسل الذين بَشروا بالمسيح مروراَ بصور وصيدا وجبيل وطرابلس.

ينتسب الموارنة إلى الراهب مارون الذي عاش فوق جبل قورش من جبال سوريا محولاً هيكل الأصنامِ إلى مكانٍ لعبادة الله .

 عُرفَ الموارنة كجماعة كنسيةٍ التفت حول دير مار مارون على ضفاف نهر العاصي الذي شيدته جماعة الرهبان بعد أن تنيح مار مارون وأصبح هذا الدير رأساً لكل أديرةِ وإقليم سوريا الثانية، وقد تعاظم شأنهُ في العام 452م بعد انعقاد مجمع خلقدونية. هكذا نشأت وانتظمت المارونية غداة المجمع المذكور كي تدافع عن العقيدة الايمانية التي تعلمها الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية معاً.

بالرغم من كثرة الاضطهادات التي عانى منها الموارنة من المونوفيزيين لم يحيدوا أبداً عن معتقدهم وايمانهم بل صاروا أكثر قوةً وتمسكا، كما وأنهم تعلقوا بالأراضي اللبنانية، بوطن آبائهم وأجدادهم.

 سار عددٌ كبيرٌ من المسيحيين على نهج مار مارون في دربِ القداسة حاملينَ بشارةِ الإنجيل مستعدينَ دائماً للقاءِ الربِ بالصومِ والصلاةِ .

اهتم الموارنةُ في المناطق الشمالية من لبنان ببناءِ الكنائسِ والأديار وتنظيمِ وضعِهم الديني والإجتماعي، ومن أولى الكنائس التي بُنيت، كنيسة مار ماما في إهدن، يعود تاريُخها إلى سنة749مَ.

تَبع الموارنة في بادئ الأمر البطريرك الملكي ولكن العلاقات لم تكن حسنةً بسبب اللغة اليونانية ولجوء بعض البطاركة الملكيين إلى القسطنطينية.

وازدادت الظروفُ المعاكسة فبدأَ الموارنةُ يختارون مِن أديرتهم أحد الرهبان ليكون بطريكاً على كرسي أنطاكيةُ.

 يُعلمنا التقليد التاريخي بأن يوحنا مارون هو أول بطريرك على كرسي أنطاكية للكنيسة المارونية وقد دفن في دير مار مارون في كفرحي.

تجاوزت سلطة الموارنة لبنان إلى المشرق، خصوصاً بعد أن تأسست الإمارة الصليبية التي امتدت من فتوح كسروان إلى اللاذقية.

 كانت البطريركية المارونية المرجع الأول والأخير لأبناء الطائفة حتى مطلع القرن العشرين اذ تقلصت سلطة البطريرك الزمنية سنة 1943م، يوم اتفق أن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية من الطائفة المارونية، لكن هذا لا يمنع أبداً الموارنة من الرجوع إلى البطريرك أو الأسقف المكاني في كافة أمورهم الزمنية.

 

الكنيسة المارونية في علاقتها مع روما:

منذ أن نشأت الكنيسة المارونية وهي حريصةٌ حرصاً شديداً على التوجه السليم في علاقتها مع الكرسي الرسولي واشتهر أبناؤها بقولهم: "إيماني إيمان بطرس"، نذكر في هذا الاطار حدثاً بارزاً هو زيارة البطريرك الماروني ارميا العمشيتي للأعتاب الرسولية وحضوره المجمع اللاتراني الرابع في العام 1215م، كما ننوه بالقول أن البطريرك ارميا من دملصا توفي ودفن في روما عام 1297م.

والعلاقة مع الكرسي الرسولي هي موضع عز وافتخار جعلت الموارنة يدخلون إلى طقسهم الشرقي الأنطاكي عناصر من الطقس اللاتيني مُظهرين بذلك وحدة المعتقد بينهم وبين الكنيسة اللاتينية مع الحفاظ على روح وعناصر الطقس الانطاكي الأصلية.

الكنيسة المارونية ومساهمتها في استقرار بعض الطوائف الشرقية:

ساهمت الكنيسة المارونية في استقرار بعض الكنائس الشرقية الكاثوليكية فعلى سبيل المثال منح الشيخ أبي نادر الخازن مزرعة بزمار للأرمن لتصير فيما بعد دير سيدة بزمار للأرمن الكاثوليك. وكان البطريرك الأرمني سابقاً يحل ضيفاً في المقر البطريرك الماروني.

 كذلك الأمر مع الروم الكاثوليك وقد منح الشيخ سعد الخوري الطائفة المذكورة تلة عين تراز حيث أنشأت مقرها البطريركي ومدرستها الإكليريكية.

برز دور الكنيسة المارونية في تثبيت الكنيسة السريانية حيث انضم عدد من المؤمنين إلى الكنيسة الكاثوليكية في خلال القرن السابع وبقوا دون بطريرك حتى عام 1783م، فيه أعلن ميخائيل جروة بطريركاً على الكنيسة السريانية في ماردين – تركيا. عانى هذا البطريرك الكثير من الاضطهادات فانتقل بمساعدة البطريرك الماروني وأعيان الطائفة إلى بلدة درعون وقد قدمت لهم المساعدة لاقتناء دير سيدة النجاة الشرفة الذي صار مقراً للبطريركية السريانية الكاثوليكية.

 

البطريركية المارونية :

إن القديس بطرس، وكما هو معروف، قد أسس كرسي أنطاكية قبل أن ينتقل إلى روما وكانت كنيسة أنطاكية تضم لبنان، سوريا، فلسطين قبرص. البطريركية المارونية وليدة مسيرة رهبانية طويلة بدأت مع مار مارون قبل المجمع الخلقيدوني إلى أن تشكلت كدير على اسم مار مارون وتوسعت وازداد عدد أديارها وتحلقت حولها جماعات من المؤمنيين الملتزمين بالمجمع الخلقيدوني في مناطق من البطريركية الأنطاكية.

أدى الأمر بهذه الجماعة لاختيار إدارة ذاتية، خاصة بعد انقطاع كل اتصال مع بيزنطية وشغور الكرسي الأنطاكي غداة الفتح العربي.

في الفترة الواقعة مابين العامين 636-742م قامت البطريركية المارونية لسد فراغٍ وحفظ الرعية من التشتت والذوبان. وصار حق على كل بطريرك ماروني أن يحمل اسم مار بطرس .

واستقر البطاركة الموارنة حتى عام 939م في دير مار مارون على ضفاف العاصي ومنهُ إلى لبنان في كفرحي، يانوح ميفوق، قنوبين، بكركي وغيرها من المناطق.

 

على الكرسي الانطاكي جلس إلى الآن ستةٌ وسبعون بطريركاً نذكر منهم :

 البطريرك إرميا العمشيتي (1199-1330)

انتخب في دير سيدة إيليج في ميفوق انتقل منه إلى دير سيدة يانوح ثم سافر إلى روما ليشارك في أعمال المجمع اللاتراني الرابع عام 1215م

البطريرك جبرائيل حجولا (1357-1367م)

عاش في دير سيدة إيليج ومات شهيداً عندما حدث الاضطهاد على الموارنة فأحرقه المماليك بالنار في جوار مدينة طرابلس.

البطريرك يوحنا الجاجي( 1404-1445م)

نقل المقر البطريركي من ميفوق إلى وادي قنوبين وكان أول بطريرك يسكن في وادي قاديشا.

يوحنا بن مخلوف من اهدن (1608-1633)

أسس أول معهد اكليريكي في دير سيدة حوقا الواقع في منحدر وادي قزحيا وكان البطريرك مرجعا بارزاً لامور الامير فخر الدين المعني الكبير.

البطريرك استفان الدويهيً( 1670-1704م)

من بلدة اهدن وتلميذ المدرسة المارونية في روما. ركز البطريرك المذكور على اهمية الاصلاح الطقسي والكنسي والرهباني، له مؤلفات عديدة منها: تاريخ الأزمنة، منارة الأقداس، سلسلة البطاركة الانطاكيين الموارنة. وفي أيامه تأسست الرهبنة اللبنانية المارونية رقد في الرب ودفن في دير سيدة قنوبين عام 1704م والجدير بالذكر أن دراسة دعوى تطويب البطريرك مستمرة.

البطريرك جبرائيل البلوزاوي (1704-1705)

ساس الطائفة المارونية مدة خمسة عشر شهراً فقط وأسس رهبانية مار اشعيا الانطونية .

البطريرك الياس الحويك (1899-1937م)

تلميذ المدرسة المارونية في روما عمل على اكمال الكرسي البطريركي في الديمان وجعله مقراً صيفياً كما أسس جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، ثم رأس الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح في فرنسا في العام1919م للمطالبة باستقلال لبنان. وفي هذا التاريخ عينه ولد لبنان الكبير.

البطريرك بولس المعوشي (1955-1975)

كان أول بطريرك ماروني ينال لقب كاردينال حضر جلسات المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني وصار ثالث بطريرك ماروني يشارك في اعمال مجامع مسكونية بعد البطريركين ارميا العمشيتي وارميا من دملصا.

البطريرك بطرس خريش، البطريرك نصراللة صفير.

 

الـرهـبـانـيـات :

الرهبنة والرهبان غنى للكنيسة على كافة المستويات، يغذون شعبها روحياً ومعنوياً بصلوات قديسيها وطوباوييها وشهدائها.

في العام 1693م قدمَ ثلاثة شبان موارنة من حلب إلى جبل لبنان إلى البطريرك الماروني استفان الدويهي هم: عبدالله قراعلي، يوسف البتن، جبرائيل حوا ثم انضم اليهم جبرائيل فرحات. هؤلاء لبسوا الاسكيم وكان ذلك يتضمن وقتئذٍ النذور الرهبانية أي الطاعة والعفة والفقر.

بدأت معهم الحياة الرهبانية المنظمة في دير مرت مورا أول مقر للرئاسة العامة لأول رهبانية تسير بموجب قوانين على النمط الغربي وازداد عدد الرهبان فتوسعت الأديار.

 في الكنيسة المارونية، اليوم كما بالامس تكثر الرهبانيات الرجالية والنسائية. من لبنان انطلقوا إلى العالم فأسسوا الأديار في بلاد الانتشار مبشرين الغرب بروح الشرق ونفحة القداسة في العام 1770م انقسمت الرهبانية إلى رهبنة لبنانية مارونية ورهبنة حلبية مارونية صار اسمها فيما بعد الرهبنة المريمية المارونية.

 

الرهبنة اللبنانية المارونية :

تتركز روحانية الرهبنة اللبنانية المارونية على حياة الصلاة والتأمل والحفاظ على التراث السرياني الانطاكي الماروني واللغة السريانية خصوصاً في الصلوات ولكنها الى جانب الصلاة انطلقت إلى العمل بشكلٍ فاعلٍ في مجالاتٍ عديدة: طبية، تربوية، اجتماعية.

عرفت الرهبنة اللبنانية المارونية نجاحاً بارهراً وذلك لامانتها للهدف الذي رسمته. وبعد أن ثبت الكرسي الرسولي قوانينها اتسع نشاطها وصارت غنيةً بالأشخاص والأديار. لها اديارٌ في لبنان وخارجه يراوح عددها 51 ديراً، منها دير مار أنطونيوس في غزير، مقر الرئاسة العامة حالياً، دير سيدة طاميش للاخوة الدارسين، دير مار قبريانوس ويوستينيانوس في كفيفان، للمبتدئين. يراوح عدد الرهبان الكهنة 257 راهباً.

 

الرهبنة المريمية المارونية:

ظهرت في عام 1770م تحت اسم الرهبنة الحلبية نظراً لكثرة الرهبان من أصلٍ حلبي.. فيما بعد اتخذت اسم الرهبنة اللبنانية المريمية مكرسةً ذاتها لمريم العذراء اهتمت هذه الرهبانية بتأسيس الأديار والمدارس المجانية وإقامة الارساليات والجمعيات الخيرية، فأنشأت الأديار مثل دير مار اليشاع في وداي قاديشا، دير سيدة اللويزة مقر الرئاسة العامة، دير القديسة تريزيا مقر الاخوة الدارسين، دير القديسين الشهدين سركيس وباخوس مقر الاخوة الطلبة.

أعطت الرهبنة المريمية للطائفة المارونية بطريركاً مع عددٍ كبيرٍ من الأساقفة كما أعطت علماء أبرزهم الأب يعقوب أروتين الذي ترجم كتاب التعليم المسيحي وكتاب اللاهوت النظري.

 اشتهر من الآباء المريميين بقداسة السيرة الأب جناديوس سعادة بتأملاته والأب جناديوس موراني.

تعد الرهبنة المريمية مبشرة برسالة روحية واجتماعية لخدمة الكنيسة المارونية ولبنان الرهبنة الأنطونية المارونية:

تأسست هذه الرهبنة على اختبار نسكي عاشه الرهبان بعمق. وهي تستقي روحانيتها من الكتاب المقدس والتراث الأنطاكي. من أبرز مؤسسيها البطريرك جبرائيل البلوزاوي المشهود له بعلمه وخبرته الروحية. أرسل هذا البطريرك راهبين من ديره هما الأبوان رزق الله السبعلي وبطرس البزعوني، إلى تلة في برمانا لينشئا ديرا على اسم القديس أشعيا. تبنى الرهبان في هذا الدير قوانين القديس أغسطينوس ولم يستمروا طويلا عليها لأنها لم تناسب عقليتهم الشرقية، لذا سرعان ما عادوا الى قوانين الرهبانية المارونية المبنية على قوانين القديس أنطونيوس الكبير، أثبتها البابا اكليمنضوس الثاني عشر في العام 1740.

حرصت الرهبنة الأنطونية على نشر الكلمة وتأسيس المكتبات كما حرصت على تمجيد الله بحياة الصلاة والتقوى والعمل الرسولي، بالإضافة إلى الدور البارز للأنطونيين في النهضة الموسيقية والعمل المسكوني والعلاقات مع الدروز.

 

جمعية المرسلين اللبنانيين المارونية:

تأسست في مطلع القرن التاسع عشر بمساعدة البطريرك يوسف حبيش ولكنها لم تستمر طويلاً إلى أنه في سنة 1865م اشترى الخوري يوحنا الحبيب دير الكريم في غوسطا، الذي اُعتبر مهد الرسالة. جمع الأب المؤسس في شخصه بين العلم والقداسة والقانون لذا بدأ يشرع قوانين ورسوماً ووضع كل شئ تحت تصرف السيدة العذراء لتكون جمعية ذات رسالة تبشيرية. هكذا صارت الجمعية على نهج الرسالة والحياة الروحية ومن لبنان انطلقت إلى كثيرٍ من البلدان بالرغم من كونها حديثة العهد .

 مراكز الجمعية في لبنان:

دير الكريم مهد الرسالة ومقر الابتداء، دير مار يوحنا الحبيب في جونية، مدرسة قدموس في الجنوب، ميتم ومدرسة اكليريكية، كل هذه المراكز لخدمة الكنيسة والوطن في إعطاء رجالٍ لديهم الخبرة في مجالات الحياة المختلفة، يكتبون وينشرون الرسائل الدينية بواسطة الإعلام بوسائل عديدة منها مجلة المنارة وإذاعة صوت المحبة .

 

 الرهبانيات النسائية :

 الراهبات اللبنانيات المارونيات :

 أقر القاصد الرسولي يوسف شمعون السمعاني بالاتفاق من المطران عبدالله قراعلي والأب توما اللبودي انشاء ديرٍ خاص بالراهبات في جعيتا باسم دير مار الياس النبي في العام 1736…

تعددت الأديار: في بسكنتا دير مار ساسين ودير مار يوسف في جربتا حيث يوجد جثمان الطوباوية رفقا ودير مار مارون في بيت شباب مقر الرئاسة العامة حاليا.ً

روحانية الراهبات اللبنانيات المارونيات تتركز على الحفاظ على التراث السرياني الماروني الانطاكي واللغة السريانية والأعمال اليدوية.

أعطت الرهبنة للكنيسة وللبنان الطوباوية رفقا التي تميزت بالصبر وباحتمال الآلام الشديدة وبالوداعة. كما أن الروزنامات الخاصة بالراهبات مليئة بسرد قصصٍ عن راهباتٍ عشنَ برائحة القداسة. وقد تؤدي سيرة حياتهن إلى فتح دعاوى تطويب أخرى.

 

جمعية الراهبات الأنطونيات المارونيات :

تأسست عام 1700م في دير مار أنطونيوس البدواني في بعبدا، وانتقلت إلى أديارٍ مختلفة إلى أن استقرت في دير مار الياس في غزير. تحددت هوية جمعية الراهبات الأنطونيات بعد أن عُقدت مجامع خاصة وتبلورت روحانيتها في عمل الرسالة باستكشاف حاجات الشعب والقيام بالخدمات الانسانية في المستشفيات ومأوى العجزة بدون تفريقٍ بين شخصٍ وآخر مع عدم التخلي عن الحياة التأملية بالصلاة والزهد.

اتخذت جمعية الراهبات الأنطونيات شعاراً لها منبعه الكتاب المقدس هو: كُل للكل ليربحن الكل في المسيح .

 

 جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات :

أسسها البطريرك الياس الحويك سنة 1895م بالتعاون مع الأم روزالي نصر . تعتبر منطقة عبرين مهد الرسالة للراهبات لذا يلقبن براهبات عبرين .هذه الجمعية هى ذات حقٍ بطريركي ونذورٍ بسيطة ، اتخذت لقب العائلة المقدسة تيمناً بعائلة الناصرة .

تتجسد دسالتهن ومحبتهن من خلال تعليم النشئ وتثقيفه وتربية الفتاة على أسس الفضيلة كما يعتنين بمستشفيات ودور للعجزة . روح الجمعية روح الفقر والعفة والطاعة وروح المحبةراهبات القديسة تريزيا الطفل يسوع المارونيات :

أسسها الاسقف انطوان عقل بهدف خدمة المرضى والمتألمين نتيجة الحرب العالمية. تكمن غايتها في تقديس نفوس المشتركات للوصول إلى الكمال المسيحي بممارسة الفضيلة والفقر والطاعة لله والايمان به ومعايشة روح الانجيل ثم الغيرة على خلاص النفوس. تنتشر أديار راهبات القديسة تريزيا في كلٍ من بيروت وكسروان ويقارب عددهن المئة وثلاثين.

 

راهبات دير سيدة البشارة:

تتبع راهبات دير سيدة البشارة القانون الذي وضعه القديس فرنسيس السالسي لراهبات الزيارة المحصنات، وقد أولى الاب فيليب الخازن عنايةً خاصة بهن مجدداً قونينهن، وقد أرسل عدداً منهن إلى دير الزيارة في فرنسا. يعشن حياتهن داخل الحصن بالصلاة والاعمال بهدف تقديس الذات وكسب العيش ويبلغ عددهن سبع عشرة راهبة.

راهبات دير مار يوحنا حراش:

أسس البطريرك يوسف العاقوري جمعية راهبات مار يوحنا حراش سنة 1643م ويعتبر دير مار يوحنا الدير الوحيد للرهبنة ومركزا للرئاسة العامة. في منتصف القرن العشرين تحولت حياة الراهبات من الاستحباس الصارم إلى الحياة العملية الرسولية بعد تلقي عدد منهن كافة العلوم الجامعية. أسست راهبات مدرسة مار يوحنا المعمدان ومركز التعليم المسيحي، تتركز روحانيتهن على الصلاة والتأمل ويقوم احد الكهنة من الآباء المريميين بخدمتهن روحياً.

 

 جمعية راهبات القربان المقدس المرسلات:

 أسسها الأب آميل حعارة على اثر أغلاق مدرسة عين ورقة وخوفهِ الشديد على كرامة الفتاة اللبنانية. تم تأسيس الجمعية سنة 1956م كذلك أنشاء الاب جعارة مؤسسة فتاة لبنان الاجتماعية في عين ورقة الغاية منها مساعدة الفتاة اللبنانية على متابعة دروسها وتدريبها على بعض الاعمال المنزلية خصوصاً فتاة الريف.

في ايلول عام 1966م منح النائب البطريركي ثوب الابتداء لبعض الفتيات المتقدمات للحياة الرهبانية وصل عددهن حالياً إلى خمس واربعين راهبة.

 غاية جمعية راهبات القربان المقدس: العبادة الدائمة لسر القربان الاقدس والتعاون مع كهنة الرعايا في اعمالهم الرسولية والنشاطات المختلفة والمتنوعة كما يقمن بمساعدة الفقراء والمتروكين والمتألمين.

 مقر الرئاسة العامة لراهبات القربان الاقدي في بيت حباق حيث هناك مدرسة مجانيةٌ يراوح عدد الطلاب فيه الالف.

 

راهبات سيدة الحقلة:

ديرٌ صغيرٌ، تسكنه راهباتٌ عددهن قليل، يعشنَ نمط الحياة الديرية ذات الطابع النسكي رسالتهن تقريب الناس صوب من أحبهم، يسوع المسيح.

تتلو راهبات سيدة الحقلة الصلوات الليتورجية أي صلاة الصبح والظهيرة وصلاة المساء ويوزعن نشاطهن الديري بين التأمل والقراءة الروحية والسجود أمام القربان طوال ساعات النهار وحتى وقتٍ متأخر من الليل.

 

دور الموارنة في الحياة الثقافية :

الى جانب ما قدمه الموارنة على الساحة الوطنية وفي مجال الاتحاد مع روما، برز لهم دور آخر في الحياة الثقافية. لعب الموارنة دورا أساسيا في النهضة الثقافية التي عرفها الشرق الأوسط من خلال سعيهم لاعطاء الشرق وجها حضاريا يوم كان الجهل مسيطرا.

من الناحية الثقافية شهد القرن السادس عشر حدثا تاريخيا بارزا، هو تأسيس المدرسة المارونية في روما سنة 1858م وقد وعت روما لأهمية الموارنة ودعوتهم ليكونوا صلة وصل بين الشرق والغرب، كونهم الطائفة الأكثر عددا والأكبر أهمية في الشرق. ولم ينكر أحد أن المدرسة المارونية في روما قد أعطت الكثير من البطاركة والأساقفة ورجال العلم تميزوا بثقافتهم الواسعة وفضيلتهم الراسخة. كما أنهم ساهموا في تعريف الغرب على كنوز الشرق ومن هنا لعبت المدرسة دورها المشهود له في انفتاح الغرب على مكنونات الشرق وهذا الأخير على الحضارة الغربية.

 من أبرز الشخصيات المتخرجين من مدرسة روما المارونية نذكر: القس جبرائيل الصهيوني الاهدني الذي حاز على لقب ملفان في اللاهوت وعين أستاذا للغة السريانية والعربية في مدرسة الحكمة في روما. حملت شهرته ملك فرنسا لويس الثالث عشر سنة 1614م على دعوته لتعليم اللغات الشرقية في بلاده.

ابراهيم الحقلاني: تلقى علومه اللاهوتية والفلسفية في مدرسة روما المارونية وتفوق في العلم والفضيلة.

المونسنيور يوسف السمعاني: أرسل إلى روما وهو ابن ثماني سنوات، برع في العلوم الانسانية واللاهوتية، عينه البابا اكليمنضوس الثاني عشر مترجما للكتب العربية والسريانية والكلدانية وحافظا للمكتبة الفاتيكانية. عين مستشارا في مجمع نشر الايمان وبطلب من البطريرك الماروني آنذاك أرسله البابا قاصدا رسوليا للكنيسة المارونية وترأس المجمع اللبناني سنة 1736م وقد جرت جلساته في دير سيدة اللويزة في بلدة ذوق مصبح.

لم يتوقف عطاء المدرسة المارونية في روما عند هذا الحد بل أعطت الكثير والكثير من الملافنة والعلماء والرواد مثل جرمانوس فرحات الذي قيل عنه بحق أنه رائد النهضة العربية في الشرق نظرا لما خلفه من معاجم ومؤلفات، أبرزها "باب الأعراب عن لغة الأعراب" وكتاب "بحث المطالب وحق الطالب".

المدرسة المارونية هي فخر للموارنة وللبنان لأنها أعطت العالم أمثلة يحتذى بها من العلم والثقافة، حتى قال المستشرق الايطالي كبريال: "الموارنة هم تراجمة البشرية. هضموا الحضارة الاغريقو-رومانية من جهة والحضارة السريانو-عربية من جهة، فكانوا بحق سفراء البلدان الغربية في الشرق ومعلمي اللغات الشرقية في الغرب".

إن مسيرة النهضة الثقافية والتنمية الفكرية التي بدأها الموارنة في القرن السادس عشر بتأسيس مدرسة مارونية في روما لم تتوقف، بل تابعوا في تاسيس المدارس التي نالت مكانة رفيعة وعالية مثل :

مدرسة حوقا:

أنشاها البطريرك يوحنا مخلوف في حوقا شمالى لبنان سنة 1624م، وكانت أولى المدارس الابتدائية، منها يُرسل المتفوقون إلى مدرسة روما.

 

مدرسة مار يوسف:

أسسها الأب بطرس مبارك في عينطورة وسلمها للآباء اليسوعيين سنة 1734م، أعادها البطريرك يوسف استفان إلى الطائفة المارونية عام 1773م واخيراً استلمت ادارتها الرهبنة اللعازرية بموجب براءة رسولية صادرة من البابا بيوس السادس في 22 تشرين الثاني سنة 1783م.

 

مدرسة عين ورقة :

 مدرسة عريقة جداً دعاها المؤرخون "أم المدارس في لبنان". بنى القس خيرالله استفان دير عين ورقة سنة 1690م وعندما رُقي إلى الدرجة الأسقفية باسم جرجس استفان أقام في الدير الذي تحول في سنة 1789م إلى مدرسة اكليريكية للطائفة المارونية بدعوة من البطريرك يوسف استفان الذي أرادها أن تكون بديلة للمدرسة المارونية في روما. أعطت مدرسة عين ورقة الكثير من البطاركة والأساقفة والرهبان والكهنة والعلمانيين الذين اشتهروا في العلم والفن والبلاغة. وقد قيل عند افتتاحها "مع فتح مدرسة عين ورقة فتحت الطائفة المارونية تاريخ التربية في لبنان" .

 

جامعة الروح القدس الكسليك :

تأسست سنة 1949م برعاية الرهبنة اللبنانية المارونية وقد تم الاعتراف بها كمؤسسة تعليمية سنة 1916م. تعتبر أول جامعة كاثوليكية ذات طقس شرقي، يقوم نظامها على منهجية السنة الدارسية وتعتمد اللغة الفرنسية.

تضم جامعة الروح القدس كليات عديدة، من أبرزها كلية اللاهوت الحبرية، معهد الليتورجيا، معهد الأيقونات ثم كلية العلوم الانسانية.

 

جامعة سيدة اللويزة:

تأسست عام 1987م وهي تابعة للرهبنة المريمية المارونية. تضم عدة كليات من بينها كلية العلوم الانسانية، كلية ادارة الأعمال والعلوم الاقتصادية.

 تعتمد اللغة الانجليزية مع بعض المواد التي تُعطى باللغة العربية وتتبع نظام الأرصدة.

 

معهد الحكمة العالي:

 أسسه المطران يوسف الدبس لدرسة الحقوق سنة 1875م، وأغلق عام 1915م، أعاد فتحهُ المطران اغناطيوس زيادة عام 1961م يضم المعهد الفروع التالية: فرع الحق المدني، فرع الحق القانوني، واختصاصات متنوعة في مجال القانون.

 

للكنيسة المارونية العديد من المدارس التي تعتبر الخطوة الأولى في الطريق نحو الجامعة مثل مدرسة الحكمة، مدرسة الرسل، معهد سيدة اللويزة، المعهد الأنطوني، ثم معهد التثقيف الديني.

 

من المؤسسات التابعة أيضاً للكنيسة المارونية:

 مؤسسة كاريتاس، مؤسسة بيت الفتاة اللبنانية، مركز الدعوات في انطلياس مستشفى القديس جاورجيوس في عجلتون ومستشفى سيدة المعونات في جبيل.

الزي الكهنوتي، الالحان الكنسية، الكتب الطقسية :

يشبه الزي الكهنوتي داخل الكنيسة المارونية الزي الكهنوتي المستخدم في سائر الكنائس الاخرى مع وجود الباليوم علامة الشركة مع كنيسة روما في وحدة الايمان والعقيدة، ويصنع الباليوم من الصوف الخالص.

تتبع الكنيسة المارونية طقس الكنيسة السريانية الانطاكية ولكن مع مرور الوقت، انفتحت الكنيسة المارونية على كنيسة روما مع وصول الحملات الصليبية إلى الشرق، وكان هناك إعتراف ضمنيٌ من روما روما بالكنيسة المارونية التي صارت كنيسة مستقلة لها طقسها وصلواتها وعباداتها.

كانت مرحلة الانفتاح مع اللاتين ناجحةً ومزدهرة في وقتها ولكن البعد التاريخي يجعلنا نقول أن التفاعل على المدى البعيدة يُنسي الكنيسة جزءاً من هويتها، وقد أحث المجمع الفاتيكاني الثاني الكنائس الشرقية على العودة إلى جذورها وأصلتها وتراثها الشرقي.

 تجاوبت الكنيسة المارونية مع نداء المجمع فأسست معهد الليتورجيا الهدف منه تطوير العمل الليتورجي بالعودة إلى الجذور. شهد مجمع اساقفة الكنيسة المارونية عملية تطوير ليتورجي وقفزةً نوعيةً نحو ليتورجيا معاصرة، خلال الثلاثين سنة الأخيرة.

تستعمل الكنيسة المارونية في ليتورجيتها اللغة العربية والسريانية بالاضافة إلى لغات اجنبية اخرى من بينها الانجليزية والفرنسية والاسبانية بدون فقدان جوهر الليتورجيا الاصيل.

وعن الرسامات الكهنوتية يُمنح المرتسم نعمة الكهنوت بعد أن يتقدم الاسقف مترئس الذبيحة من التناول يأتي المرتسم واضعاً ذاتهُ بين يدي الاسقف لاتمام رتبة وضع الايدي المباركة ويرشم بالميرون رمز السلطان المُعطى له من الروح ثم يسلم الاسقف القرابين للكاهن الجديد ليناول الشعب.

عمدت الكنيسة المارونية أن تأخذ بعض الاواني المقدسة من الوثنية لتكرسها وتعطيها معناها المسيحاني مثلاً:

 الكأس والصينية ويحملان دم المسيح وجسده.

تحمل الايقونات داخل الكنيسة المارونية كثافةً لاهوتية وغنى روحياً كبيراً كما تحمل البساطة ونجد ذلك في ايقونة سيدة ايليج وغيرها كمنمنمات إنجيل رابولا وهذه الاخيرة تعتبر اسلوباً تعليمياً سمعبصرياً عرفه الموارنة منذ القديم.

الكتب الطقسية المستعملة في الكنيسة المارونية عديدة أولها الكتاب المقدس، كتاب خدمة القداس، الاشحيم أو كتاب الصلوات وغيرها.

 أما الألحان المعتمدة فتناسب الزمن الطقسي وهي نابعة من الروحانية المارونية واللحن السرياني المنتشر في كل الشرق.

 على مر العصور اخذت الكنيسة المارونية اشكالاً عديدة. بنيت كبيرةً على الطراز السرياني الشرقي ولكن نتيجةً للظروف الصعبة التي عانت منها تقلص البناء

وأنحصرت الكنيسة وحفرت بين الصخور مثل كنيسة مار اليشاع ومار انطونيوس – قزحيا.

 في وقتنا الحاضر اتخذت الكنيسة المارونية حلةً جديداً بامتزاج الطراز الشرقي بالغربي بدون فقدان الاصالة السريانية الشرقية.

 

نساك وقديسون :

 الكنيسة المارونية في اصلها كنيسة نسكية بدأت مع مار مارون الناسك وتلاميذه، نذكر منهم ابراهيم القورشي الذي كرس حياته لتبشير الوثنيين بكلمة الله ولشدة تأثيره على سكان نواحي جبل لبنان اعتنق هؤلاء المسيحية متخلين عن الوثنية ورموزها. عاشت الكنيسة المارونية النسك في وادي قنوبين وتنورين وعرف عن الشعب الماروني أنه شعب رهباني.

بعد التنظيم الرهباني في نهاية القرن السابع عشر تباطأت المسيرة لكنها لم تتوقف بل أعطت نساكاً قديسين مثل: خالى القديس شربل مخلوف ألذي أعلنت الكنيسة قداسته عام 1976م والاب اليشاع شقيق الطوباوي نعمة الله الحرديني والاب يعقوب بومارون الذي توفى في محبسة دير طاميش والاب انطونيوس طربيه في محبسة مار اليشاع والاب انطونيوس شينا في محبسة مار بولا واخيراً الحبيس يوحنا خوند ايضاً في محبسة دير سيدة طاميش.

 اعطت الكنيسة المارونية للبنان وللانسان في كل زمانٍ ومكان قديسين رفعوا على المذابح منهم شربل مخلوف، نعمةالله كساب الحرديني، رفقة الشبق الريس. كما أنه هناك دعوى تطويب عديدة: للأخ استفان نعمة، الاب اغناطيوس الصغبيني، الاب يوسف الجبيلي، البطريرك دانيال الحدشيتي البطريرك استفان الدويهي، الاباتي اغناطيوس داغر.

 

تفعيل مسكوني:

 منذ القديم تميزت الكنيسة المارونية بعلاقات وثيقة بروما على اعتبار أنها مرجع روحي لكل الكاثوليك. وكان هناك رسائل وهدايا متبادلة بينهما مختومة من قبلِ بطريركية انطاكية وسائر المشرق المارونية بالختم البطريركي الخاص المكتوب عليه "مجد لبنان أُعطى له" .

يقيم البطريرك الماروني مندوبين يمثلونه في "مجمع كنائس الشرق الاوسط" لإقامة علاقات مسكونية مع الطوائف المسيحية وهناك لجنةٌ مؤلفةٌ متخصصةٌ في هذا المجال يرأسها أحد المطارنة الموارنة.

 على صعيد العلاقات مع الطوائف المسيحية اجتمع في دير الشرفة بطاركة ولجاناً مشتركة من كاثوليك وارثوذكس واتفقوا جميعاً على اقامة نوعٍ من الشراكة الكنسية في بعض الاسرار مثل الزواج.

 أما على سبيل العلاقة مع الكنائس الكاثوليكية فللكنيسة المارونية علاقة مودة ومحبة ووحدة في الايمان ويترأس البطريرك الماروني مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان.

 

 الخاتمة:

عمل الكنيسة المارونية كثيرٌ وواسع حيث يقوم الموارنة بدوراً بارزاً على كافة الأصعدة الفكرية، الثقافية، السياسية، الدينية والروحية ساهموا بشكل فعالٍ في ارساء قواعد الوطن اللبناني. عانى الموارنة خلال تاريخهم الطويل الكثير لكن هذا لم يثنى من عزمهم على مواصلة مسيرتهم ليكونو صلة الوصل بين الشرق والغرب وليكونوا واحداً ويجعلوا من لبنان أمةً واحد، واحدةٌ بمسيحييها ومسلميها وكافة الطوائف الموجودة على اراضيها.

أعطى الموارنة شهادة حية عن المسيح الاله الحق والانسان الحق بتجسدة والامه وموته وقيامته.

 

 

 

لمزيد من التعمق:

المجمع البطريركيّ الماروني: http://www.maronitesynod.com

الكنيسة المارونية: http://ar.wikipedia.org/wiki/مارونية