أين أصبحت قضية اللبنانيين اللاجئين في اسرائيل؟

مقابلة مع الأسقف صياح، مطران الأردن والأراضي المقدّسة للموارنة

انطلياس/ لبنان، الثلاثاء 19 أغسطس 2008 (ZENIT.org).

أعلن المطران بولس صيّاح، مطران الأردن والأراضي المقدّسة للموارنة – في مقابلة مع موقع الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة- لبنان (اوسيب لبنان) www.ucipliban.org- عن اتّكاله على الرئيس ميشال سليمان وعلى ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله للتوصّل إلى حلّ لقضية اللبنانيين اللاجئين إلى اسرائيل.

وشرح المطران صيّاح معاناة هؤلاء اللبنانيين، فتطرّق لأوضاعهم المعيشية والقانونية الصعبة، ذاكراً عمل الكنيسة مع هؤلاء للتخفيف من الأعباء.

كم أوضح مدى صعوبة هذه القضيّة مشيراً إلى العراقيل التي تعترض العمل على إعادة هؤلاء اللبنانيين إلى وطنهم لبنان.

ننشر في ما يلي نص المقابلة:

 

كم يبلغ عدد اللبنانيين الموجودين حالياً في الأراضي المقدّسة وأين تكمن مناطق انتشارهم؟
– كان عدد اللبنانيين الساكنين في اسرائيل في السابق 7500 لبناني، غادر القسم الأكبر منهم عائداً إلى لبنان والنسبة الأكبر منهم صدرت أحكام بحقّها، بالإضافة إلى عدد ضئيل سافر إلى الخارج عند أقربائه ومنهم من لم يستطع التأقلم فعاد إلى إسرائيل. وقد أصبح عددهم حالياً في إسرائيل 2700 لبناني مع أخذ الولادات بعين الإعتبار: منهم 70 إلى 75% مسيحيون والباقون مسلمون ودروز.
هم يسكنون المناطق اليهودية أكثر من العربية. يتوزّعون على الجليل كلّه: قسم في حيفا وقسم في الناصرة.، مركز في منطقة نهريّا في عكا وفي منطقة طبريا (الجليل الأوسط). بالإضافة إلى مناطق من الجليل الأعلى: كريات شمونا وصفد.

ما هو وضع هؤلاء اللبنانيين في الأراضي المقدّسة، من الناحية الإجتماعية والمعيشية؟
– من الناحية الإجتماعية، هم ليسوا مهمّشين بالمعنى الحقيقي للكلمة أي ليسوا ممنوعين من الإختلاط بالمواطنين الإسرائيليين.، ولكنهم يريدون العودة إلى لبنان ولا يهمّهم أن يتعمّقوا في العلاقات معهم.. ويعود السبب الرئيسي في عدم انسجامهم إلى طبيعة الحياة الإجتماعية المختلفة بالإضافة إلى عدم إتقانهم اللغة العبرية. أمّا في ما خصّ علاقتهم مع العرب، فهؤلاء اللبنانيون هم منبوذون من قبلهم لأن العرب يعتبرونهم عملاء تعاونوا مع إسرائيل.

أمّا من الناحية العملية والمادية، ذهب هؤلاء إلى الأراضي المقدّسة لا يملكون سوى الخبرة العسكرية دون أي مستوى علمي يخوّلهم العمل في أي مجال. وهم طبعاً لا يستطيعون استخدام مهاراتهم العسكرية، فإسرائيل ترفض إدخالهم في جيشها، وهم في الأصل لا يرغبون في البقاء. لذلك اضطرّوا إلى العمل بما يتوفّر لهم، في المعامل والحراثة… حسب الإمكانيات الموجودة لتأمين لقمة العيش لهم ولعائلاتهم.

ولكن لا ننكر أنه لدى اسرائيل فكرة واسعة ونظرة ذكية عن كيفية تحويل وضع هؤلاء "القادمين الجدد" بما يتناسب ومصلحة الدولة الإسرائيلية والمجتمع. فقد أمّنت هذه الدولة بيوتاً لهم وأعطت البعض الآخر الأجارات وهي توفّر لهم الطبابة والتعليم مجاناً.

كيف تُدفع لهم الأجور، رواتب بطالة أم بصفتهم مقاتلين سابقين؟
– تدفع لهم الدولة الإسرائيلية رواتب التقاعد كمقاتلين سابقين في الجيش، إضافةً إلى أجورهم ورواتبهم كعمّال في أي قطاع يعملون فيه.
هنا تجدر الإشارة إلى أنّ اللبنانيين لا يمكنهم العمل في مجالات الدولة ولكن باستطاعتهم العمل في شركات خاصة أو حتى تأسيس مصالح خاصة وإدارتها. إن اسرائيل تشجّعهم على الدخول في مشاريع عمل وتجارة، إذ تعي الدولة أهمية عمل الفرد لإبعاده عن البطالة وعمّا يترتّب عليها من عبءٍ على الدولة ومن مشاكل وجرائم تؤثر على الفرد.

أين يبرز اهتمام الدولة بهؤلاء المقيمين اللبنانيين؟
– تبدي اسرائيل اهتماماً خاصاً وبالغاً بالمعاقين من ناحية تسهيل طرق عيشهم، فتؤمّن لهم وسائل التنقّل والإهتمام الكامل، كما تدفع لهم رواتب شهريّة تكفيهم وعائلاتهم.
ويجب ألاّ ننسى مدى اهتمامها أيضاً بالناحية العلمية، فأي معاق أو إنسان طبيعي يرغب في الدراسة يكون ذلك مفتوحاً أمامه فيتابع دراسته مجاناً وتدفع له الدولة تنقّلاته ومصاريفه.
كل ذلك يُدار بشكلٍ عقلاني، ففي النهاية تعي الدولة الإسرائيلية جيداً أنّ الفرد المُنتج ينفع البلد فيعتبرونه إلى حدٍّ ما ومن ناحية معينة كاليهودي الذي يساهم في تطوير بلده.
إذاً وكخلاصة، فإنّ الناحية الإجتماعية الحياتية هي علاقات قائمة على المصالح فقط وهذا ما أدركه اللبنانيون وما جعلهم يحدّدون علاقاتهم الإجتماعية اليومية.

انتقالاً إلى دور الكنيسة، ما هي طبيعة عملكم مع هؤلاء اللبنانيين؟
– يساعدنا في عملنا في الأراضي المقدّسة الكهنة الكريميّون، ومعاً نعمل دون تمييز بين مسلمٍ أو مسيحي مع هؤلاء اللبنايين.
تكمن طبيعة عملنا الأساسية في الناحية الروحية أولاً.، وبما أنّ الدولة هي مسؤولة عن حياة الناس وتتولّى أمورهم التربوية والصحيّة وغيرها، نعمل نحن على إبقاء العلاقات والتواصل بين هؤلاء اللبنانيين كوحدةٍ واحدة متكاملة تحمي وجودهم. وهمّنا الأساسي هو حتماً إعادتهم إلى وطنهم لبنان.، لذلك نعمل أيضاً على خلق صلة وصل بين لبنان واللبنانيين الساكنين في الأراضي المقدّسة. وذلك بهدف فتح المجال أمام من يريد العودة، أن يرجع إلى وطنه بكرامة ومحفوظ الحق.
وهنا أشير إلى بعض حالات الزواج.، فالحياة تتابع والوقت لا ينتظر وكل فرد يفكّر في الإستقرار وبناء عائلة. لذا يحدث أن يتزوّج لبنانيون من أشخاص اسرائيليين يهود، وفي هذه الحالة تصبح عودته إلى لبنان شبه مستحيلة، على الأقل حتى تستقرّ العلاقات بين البلدين ويصبح هناك سلام. وهذا الواقع هو من بين صعوبات كثيرة نواجهها في عملنا مع هؤلاء وسعينا لإعادة المواطنين إلى لبنان.

لقد أشرتم إلى صعوبات تعترضكم، هل من بينها تسجيل الولادات والوفيات والزيجات في الدولة اللبنانية.. أي ملف الأحوال الشخصيّة؟
– إنّ ملفّ اللبنانيين المقيمين في اسرائيل تتخلّله مشاكل جمّة خاصةً في الأمور القانونية والمعاملات وقضايا الأحوال الشخصية، كل ذلك يشكّل مسائل معقّدة. فالزيجات التي تتم في الأراضي المقدّسة لا تسجّل في لبنان وبالتالي لا تسجّل الولادات أيضاً.
أمّا بالنسبة للوفيات، فنحن ككنيسة نسجّل وثيقة الوفاة ونحضرها إلى لبنان، ولكن الدولة اللبنانية لا تقبل أي مستند رسمي من أي دولة عدوّة.

ما مدى تجاوب اللبنانيين مع مساعيكم في هذا الإطار لتسهيل أمورهم وحلّ مشاكلهم والعمل على عودتهم؟
– يمكنني أن أؤكّد على إرادتهم بالعودة إلى وطنهم في أسرع وقتٍ ممكن ولكن ليس بأي ثمن. من هنا هم يقدّرون مساعي الكنيسة والجهات المعنيّة لحلّ هذا الموضوع.، وحتى ذلك الوقت تبقى جهودنا موجّهة لناحية تسهيل حياتهم ومعيشتهم والحفاظ عليهم.
إشارةً إلى أنّه كلّما طال الوقت، كلّما أصبحت شروط عودتهم أصعب من الناحية التربوية والعلمية والقانونية والأوضاع الخاصة.

سؤال يخالج أذهان الجميع، لماذا لم يصدر بعد أي قانون عفو يشمل هؤلاء اللبنانيين ويعالج قضيّتهم؟
– في الواقع، يجب أن يوجّه هذا السؤال إلى الدولة اللبنانية…

وأين يكمن دوركم في هذا الموضوع؟
– نحن نتابع هذه المسألة بجديّة، خاصةً بعد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. فقد تطرّق الرئيس في خطاب القسم إلى بندٍ كامل في هذا الشأن وبالتالي جرى الاتصال بيني وبينه.
وفي زيارتي له، شرحت الوضع كاملاً وقد أبدى كلّ استعداد للتعاون.، ومع تشكيل الحكومة أصبح بالإمكان متابعة العمل على هذه القضيّة قانونياً.

\\

منذ متى بدأ العمل على الموضوع، وما هي الخطوات التي تتبعونها في هذا الإطار؟
– أنا شخصياً أتابع هذا العمل مع لجنة في الأراضي المقدّسة دون إمكانيّة التنسيق رسمياً مع لجنة في لبنان نظراً لانعدام الاتصال الرسمي بين البلدين. ولكن عندما عاد القسم الأول من هؤلاء اللبنانيين عملنا على تسهيل عودتهم بالتعاون مع الجيش والمخابرات.وهنا أشير إلى أنّ التيار الوطني الحرّ كان الطرف الأكثر اهتماماً بهذا الموضوع وقد جرى اتصال بيني وبينهم للتنسيق والتوصل إلى نتيجة. فبعد أن وقّع التيار ورقة التفاهم مع حزب الله زالت العراقيل وأصبح التيار الوطني الحرّ هو الوسيط المسيحي مع حزب الله، من هنا العمل والتعاون لحلّ هذا الموضوع، خاصةً وأنّ وثيقة التفاهم تشمل بنداً يتناول هذا الموضوع.شعرنا أنّ هناك جديّة للتوصل إلى حل في هذا الخصوص، فالعماد عون تطرّق إلى ذكر هذا الموضوع في عدّة مناسبات، والرئيس سليمان أيضاً، وبوجود الحكومة الآن نأمل بمتابعة هذا الموضوع والعمل على ايجاد حلّ يشمل هؤلاء اللبنانيين كلٌّ حسب وضعه، وتأليف لجنة تدرس كل النواحي القانونية من أوراق ومعاملات وأوضاع إجتماعية ودراسية ومهنية وغيرها للتوصل إلى معالجتها بعدل. فالمشاكل والعراقيل في هذا الإطار تفوق التصوّرات.

وهناك الكثير من الأمور العالقة في لبنان بسبب وجود أحد أفراد الأسرة في اسرائيل، من تقسيم الإرث إلى المعاملات المالية في البنوك وغيرها…

إنها مآسٍ حقيقية لا يمكن تجاهلها!!

رسالة إلى الشباب اللبناني المسيحي لتثبيته في وطنه وأرضه؟
– لقد تنقّلت وسافرت كثيراً ومع خبرتي في الأراضي المقدّسة أستطيع أن أؤكّد للجميع وخاصةً الشباب اللبناني أنّه لا يوجد بلد مثل لبنان، بانفتاحه وقدرات مواطنيه ومناخه الإجتماعي والإنساني.. كل هذا لا يمكننا أن نجده في أيّ بلدٍ خارجي.
في لبناننا نوعية حياة وانفتاح على كافة الحضارات، كما ألفت النظر إلى النظام التربوي المميّز الذي يخضع له اللبنانيّون. إذ يتّضح لنا من خلال خبرتنا في الأراضي المقدّسة أن المتفوقين في كافة الإمتحانات هم دائماً لبنانيون.
أمّا الميزة الأبرز لدى اللبناني وفي لبنان هي بقاء شيء من جوّ العائلة مع طريقة تعامل سلسة تجذب الأجانب.
كل هذا يميّز لبنان، وأبناء هذا الوطن لا يرغبون حتماً بمغادرته، ولكنّهم يسافرون بحثاً عن فرص عملٍ تأهّلهم لبناء مستقبل آمن ومضمون. من هنا ليس علينا فقط أن نطلق الشعارات بدعوة الشباب اللبناني لعدم مغادرة لبنان، بل علينا التصرّف عملياً وإقامة مشاريع مثل Labora الذي تقومون به في الإتحاد تؤمّنون من خلالها فرص عمل للشباب عندها ندعوهم إلى البقاء والتمسّك بأرضهم ووطنهم.
وهنا أشير إلى أنّ الكنيسة من خلال مؤسساتها المتعدّدة، قامت بالكثير من العمل الفعّال في هذا الإطار.
أمّا بالنسبة إلى المسيحيين في لبنان، فأدعوهم لأن يكون وجودهم ليس فقط عددياً بل وجوداً فاعلاً من خلال الشهادة للمسيح حيثما تواجدنا وأينما عملنا.
باختصار أدعو المسيحيين إلى العمل برسالة المسيح في مجتمعهم وليتمسّكوا بوطنيّتهم فهذه نعمة يفتقدها اللبنانيون اللاجؤون في الأراضي المقدّسة، وينتظرون العودة إلى وطنهم وأهلهم بكل صبرٍ وحماس.