لا يمكن إنشاء عائلة دون استعداد، لأن الحب لا يمكن ارتجاله

البابا يقدم 3 قيم أساسية للشبيبة: العائلة، التنشئة والإيمان

بقلم روبير شعيب

كالياري، الاثنين 8 سبتمبر 2008 (Zenit.org).

 "خيرٌ أن ينقص الخبز من أن تنقص العدالة"، "بالواقع يستطيع الإنسان أن يتحمل عضات الجوع، ولكنه لا يستطيع العيش حيث تنتفي العدالة والحقيقة. الخبز المادي لا يكفي للعيش الإنساني الكامل؛ هناك حاجة لخبز آخر" وهذا الخبز هو "الإيمان الصادق والعميق الذي يضحي جوهر حياتكم كشباب".

هذا ما قاله البابا بندكتس السادس عشر في ختام زيارته القصيرة والمكثفة لجزيرة سردينيا الإيطالية لدى لقائه بالشبيبة في ساحة ينّي مساء الأحد 7 سبتمبر 2008.

تحدث الأب الأقدس في معرض اللقاء عن قيم ثلاث هي بمثابة بوصلة وركيزة متينة يستطيع الشباب أن يبنوا عليها حياتهم.

 

قيمة العائلة

القيمة الأولى هي "العائلة"، التي يجب الحفاظ عليها كـ "إرث قديم ومقدس". ولفت الأب الأقدس إلى أن الجميع يعرفون قيمة العائلة، إلا أن إنشاء عائلة جديدة ليس أمرًا بديهيًا، يجب على الإنسان أن يتحضر لإنشاء العائلة. "ففي الماضي كانت التقاليد الاجتماعية تساعد الإنسان على إنشاء العائلة وعلى الحفاظ عليها"، أما الآن فالحالة مختلفة، فقد "تدنت قدرة الزوجين على حماية النواة العائلية".

ولذا دعا الأب الأقدس الشباب على اعتناق قيمة العائلة من جديد ودعاهم إلى محبة العائلة "لا لأجل التقليد فقط، بل بفضل خيار ناضج وواعٍ".

وشدد قائلاً: "‘استعدوا‘، لأن الحب الحقيقي لا يمكن ارتجاله". فإلى جانب العاطفة، الحب الحقيقي يتألف من "مسؤولية، وثبات وحس بالواجب".

وهذه الأمور يتعلمها المرء عبر عيش القيم المسيحية التالية: "الثقة، الطهارة، الاتكال على العناية الإلهية، والصلاة".

وشجع البابا الشبيبة في مسيرتهم لأنهم يتمتعون بسند الجماعة الكنسية، التي تجد فيها العائلة كرامتها السميا، فالمجمع الفاتيكاني الثاني يسميها "الكنيسة الصغيرة"، لأن الزواج هو سر، أي علامة مقدسة وفاعلة لحب الله الذي نناله عبر المسيح بواسطة الكنيسة.

 

قيمة التنشئة الفكرية والخلقية

 

ثم توقف البابا على القيمة الثانية المرتبطة بالأولى وهي التنشئة الفكرية والخلقية "الضرورية للتخطيط ولبناء المستقبل الفردي ومستقبل المجمتع".

وحذر البابا أن من يقدم تنزيلات للشبيبة في هذا المجال، هو لا يحبهم حقًا. "أنّى لكم أن تخططوا بشكل جدي لغدكم، إذا ما تجاهلتم الرغبة الطبيعية بالمعرفة والمواجهة الموجودة فيكم؟".

ولفت الأب الأقدس أن "محنة المجتمع تبدأ عندما لا يعود يعرف كيف ينقل إرث القيم الثقافية للأجيال الصاعدة". وأشار البابا إلى أن هناك "حالة طوارئ تربوية" تتعدى المدرسة. والخروج من الأزمة يحتاج إلى شبيبة منفتحة وحرة داخليًا.

وحض البابا الشبيبة بالقول: "كونوا أحرار حقًا، أي متيمين بالحقيقة. فقد قال الرب يسوع: ‘الحقيقة ستحرركم‘ (يو 8، 32). أما العدمية المعاصرة فهي تحض على العكس: أي أن "الحرية هي التي تجعلكم حقيقيين"، بل هناك من يقول أن ما من حقيقة، فيفرغ مفاهيم الخير والشر من فحواها.

قيمة الإيمان

ثم تابع البابا كلامه مستشهدًا بمثل شعبي سرديني يقول: "خيرٌ أن ينقص الخبز من أن تنقص العدالة"، وقال: "بالواقع يستطيع الإنسان أن يتحمل عضات الجوع، ولكنه لا يستطيع العيش حيث تنتفي العدالة والحقيقة. الخبز المادي لا يكفي للعيش الإنساني الكامل؛ هناك حاجة لخبز آخر" وهذا الخبز هو "الإيمان الصادق والعميق الذي يضحي جوهر حياتكم كشباب"، وهو القيمة الثالثة التي قدمها البابا إلى الشبيبة.

وأضاف أنه عندما يفقد المرء "معنى حضور الله"، تفقد الأمور أبعادها، وتبقى الأمور "مسحوقة" في البعد المادي.

في هذا الإطار قدم البابا يسوع "المعلم الذي تقاسم بشريتنا بكليتها وهو معاصر لإنسان كل العصور".

ملاقاة يسوع في كصديق في الإنجيل والأسرار تمكن الشباب من أن يتعلموا "بطريقة جديدة ما لا يستطيع المجتمع أن يعلمه الآن، أي الحس الديني".

وأضاف: "أيها الشباب الأعزاء، مثل القديس أغسطينوس، كل منكم يشعر بالنداء الرمزي الذي توجهه كل الخلائق نحو العلاء؛ كل خليقة جميلة تشير إلى جمال الخالق، المركَّز في محيّا يسوع المسيح". وعندما تختبر النفس جمال المسيح تهتف مع أغسطينوس: "أحببتك متأخرًا، أيها الجمال القديم الجديد، أحببتك متأخرًا" (اعترافات، 10، 27. 38).

وتمنى البابا للشبيبة أن يختبروا الله "كمعنى وركيزة كل الخلائق، ونور الحق وشعلة المحبة، ورباط الوحدة".

ودعا بندكتس السادس عشر الشبيبة إلى عدم النظر إلى الكنيسة "كمؤسسة خارجة عنهم، بل كعائلتهم الروحية"، فهذا هو الإيمان الذي يتلقى الشباب الدعوة لعيشه في هذه الأيام.