شهر الصوم والتعليقات الطائفية

بات من العسير أن تمر فتاة غير محجبة في الشارع أو تقصد ركوب إحدى وسائل المواصلات العامة في شهر رمضان الكريم دون أن يعترض طريقها نظرات غاضبة يملؤها الاستياء تتفحص تفاصيل ملابسها وخصلات شعرها المسدلة على ظهرها وتحاصر تحركاتها وتصفها بالعهر والإباحية، إلى جانب التعليقات التي تنطلق يميناً ويساراً لتدين السافرات والمتبرجات في شهر الصيام "على حسب قولهم"، وكأن المشهد تحول إلى حملة توبيخ جماعية يشارك فيها الرجال والنساء ضد المختلفات عن السائد في شهر رمضان،
والأمر ليس قاصراً على المسيحيات فحسب بل على المسلمات اللواتي اخترن عدم ارتداء الحجاب أيضاً، فلقد تعودت معظم الفتيات المسيحيات على سماع بعض الكلمات التي تعتبر معاكسات مغلفة بالاستنكار أو الانتقادات طوال شهر رمضان، ولكن ربما كان الأمر مختلف مع المسلمات غير المحجبات.

 


ففي إحدى أيام الشهر الكريم استرعى انتباهي علامات الغضب والانفعال التي كست ملامح وجه زميلتي في العمل والتي كانت ضمن النساء المسلمات غير المحجبات، فأسرعت بسؤالها عن سبب غضبها لتقول لي منذ أن خرجت من منزلي والنظرات تحاصرني وكأنها تعاتبني على عدم ارتداء الحجاب في شهر رمضان، وما أن ركبت إحدى عربات مترو الأنفاق حتى التف حولها ثلاث فتيات منتقبات لتلقي على مسامعها بعض الآيات التي تحث على الاحتشام وفضائل ارتداء الحجاب والنقاب لدرء الفتنة وتعزيز الأخلاق الحميدة في المجتمع، ثم انتقلت الفتيات سريعا من مرحلة الوعظ لمرحلة أخرى أكثر عمقاً وتدخلاً في حياة زميلتي، متسائلات عن أسباب تبرجها وتشبهها بالمسيحيات بالرغم من اعتناقها الإسلام، وما الأسباب المانعة لذهابها إلى حلقات الدرس الديني المخصصة للنساء بعد الإفطار وغيرها.  


اندهشت بالفعل من غضب واستياء زميلتي وهي تتساءل موجهة حديثها إليَّ قائلة.. هل ارتفعت ضريبة الحرية الشخصية في المجتمع إلى هذا الحد؟
لم أجد كلمات أرد بها فلقد جاء السؤال متأخر كثيراً، فاكتفيت بالنظر إليها بعمق ورسم ابتسامة توضح لها أن نتيجة السؤال ليست جديدة أو غريبة على مجتمعنا.

منقول