في أساليب التعليم المسيحي

 

مقدمة

 

التعليم المسيحي في جوهره هو تربية في الإيمان. إنه فعل إيمان ويقود إلى الإيمان. وهو يدور حول ثلاثة محاور: المحتوى وهو شخص يسوع المسيح ــ المخاطب وهو التلميذ ــ الأسلوب وهو الطرائق والوسائل الداعمة لها.

قبل الولوج في صلب الموضوع وهو هنا الأسلوب، أحب أن أقف معكم وقفة قصيرة عند طبيعة التعليم المسيحي.
التعليم المسيحي هو عملية تلمذه، هو كرازة. وكلمة كرازة في اليونانية تعني أمرين:

أ‌- رنّ، دوّى، أحدث صدىً.

ب‌- علّم شفهياً.

إن هذا الأصل للكلمة يلفت انتباهنا إلى عنصرين هامين في التعليم المسيحي:

الأول: تكون هناك كرازة حقيقية، تعليم مسيحي حقيقي، عندما تجد كلمة الله التي يعلنها المعلم صدىً في قلب التلميذ. فالكرازة هي فعل وردّ فعل. الفعل هو نقل البُشرى، التي هي يسوع المسيح باعتباره رسالة الله إلينا، ورّد الفعل هو جواب التلميذ ،المخاطب على هذه البشرى.(راجع أع:2/14-21) عظة بطرس الأولى .

بعد نزول الروح القدس على الرسل. وقف بطرس ورفع صوته قال: (( أيها اليهود (…) إنّ يسوع الناصري، ذاك الرجل الذي (…) أقامه الله (…) فليعلم يقيناً آل إسرائيل أجمع أن الله قد جعل يسوع هذا الذي صلبتموه سيداً ومسيحاً(…) (هذا هو الفعل). فلمّا سمعوا ذلك الكلام، أحسّوا أن قلوبهم تتفطّر، فقالوا لبطرس والرسل: ماذا يجب أن نعمل أيها الإخوة؟(هذا هو رد الفعل).

والثاني: (علّم شفهياً)، وهذا يعني أن الكرازة تنتقل من شخص إلى شخص، من قلب المعلم إلى قلب التلميذ،وعليه فرأس المال في العملية التربوية هو شخص المعلم، لا الكتاب ولا الطرائق التربوية.

أساليب التعليم المسيحي

لنعد الآن إلى صلب الموضوع. أعني بالأساليب، كما أشرت في المقدمة،أمرين:الطرائق(المنهجيات)، والوسائل:

الطرائق -المنهجيات:

أ‌- يقول أحد الباحثين التربويين مؤكداً على أهمية الطريقة: "خير لك ألا تبحث عن الحقيقة من أن تبحث عنها بلا طريقة".

التعليم المسيحي كما أسلفت، هو تربية في الإيمان، بل تربية الإيمان بعلمية ومنهجية.

ومنهجية التعليم المسيحي أيّاً كان شكلها، هي طريقة تبليغ المخاطب رسالة الله التي هي يسوع المسيح. وفي اعتقادي، أن معيار صحة ودقة طريقة أو منهجية ما هو قدرتها على تبليغ هذه الرسالة،قدرتها على إحداث صدى لهذه الرسالة في كيان السامع(المخاطب) بحيث تتحول البشارة إلى بشرى. هذه المنهجية هي المنهجية الناشطة التي تنطلق من فلسفة تقول: ((إنّ المخاطب هو محور العملية التربوية، وإن محور هذا المحور هو شخص يسوع المسيح، ومحور هذا المحور الأخير هو السر الفصحي. وأعني به آلام وموت وقيامة يسوع المسيح.

إن المنهجية الناشطة، كما يدل عليها اسمها، هي التي تجعل من التلميذ نشِطاً، فاعلاً،إيجابياً، هي التي تُشغِّل حواسه وفكره. وتستثير قدراته وتوظّف طاقاته في لقاء التلمذة.

تقول الخبرة الإنسانية ،إن الإنسان يحفظ:

10-20% مما يسمع.

30-40 % مما يرى ويسمع.

50 % مما يسمع ويرى، ويحاور فيه.

60-70 %مما يختبر ويعمل.

90-100 % مما يجده بصعوبة، أي مما استدعى عنده يقظة ضمير وتوعية. أي مما يعمل ويكتشف بنفسه.

 ويعلّم كونفو شيوس : قُلْ وسوف أنسى، أرِني ولعلّي أتذكّر، شاركني وسوف أتذكر.

فيما يلي جدولان، الأول يقارن بين التعلّم النشِط الذي يؤكد على المنهجية الناشطة، والتعلّم التقليدي الذي تأخذ به المنهجية التقليدية، وذلك من حيث المميزات، ودور المعلم، ودور التلميذ.

والثاني يقارن بين أسلوبين في التعليم: أسلوب التلقين، وأسلوب طرح المشكلات، يبرز دور المعلم في كليهما.

الجدول الأول

 

التعلّم التقليدي

التعلّم النشط

مميزات

*التعلّم من خلال القراءة والكتابة فقط

 وليس من خلال المشاهدة والعمل أيضاً.

*يتعلم الأطفال غالباً من خلال مهام محددة والنتائج ليست واضحة وملحوظة.

*يجب أن ينتظر الأطفال مدة طويلة كي يروا نتيجة درسهم وقد ينسون الهدف من وراء ما يدرسون.

*يرتبط التعلّم غالباً بمواضيع قليلة. وفي كثير من الأحيان ينعدم الربط في ما بين هذه المواضيع.

*لا يراعي التعلّم الخصوصيات الثقافية للمجتمعات التي يعيش فيها الأطفال.

*يعزز اتكالية الأطفال على الكبار.

*يعزز هذا التعلّم التنافس السلبي على المواقع، وقلة الاكتراث.

*يتعلم الأطفال من خلال الممارسة والتجربة.
*
يتم التعلم في الحال، ويرى الأطفال نتائج عملهم.
*
يتعلم الأطفال مع الآخرين ويتعاونون معاً.
*
يُكسِب هذا التعلم الأطفال العديد من المهارات،
 كما يؤكد تطوير مواقف ايجابية لدى الأطفال تجاه مجتمعهم.
*
يرتكز التعلم النشط على المشاركة وحرية التعبير عن الرأي والمتعة والإبداع واحترام قدرات الطفل ومراعاتها عند التعامل معه.
*
يعزز روح المسؤولية والمبادرة لدى الأطفال.
*
يعزز التنافس الايجابي والتعاون على مواجهة الأسئلة والحاجات والتحديات.

دور المعلم

مسيطر، قائد، قامع، يطلب ثقة عمياء وانصياعاً.

ميسّر، مسهّل، محفِّز، داعم، مصدر للاستثارة، موضع ثقة، واعٍ ومحب.

دور التلميذ

منفّذ، متلقٍ، متواكل، غائب، غير مبدع بسبب عدم إتاحة الفرصة لذلك.

مشارك، صاحب قرار، مبادر، منفّذ ما يقرر، واثق، مستقل نسبياً، مسؤول ومبدع.

الجدول الثاني

 

أسلوب طرح المشكلات

أسلوب التلقين

*يؤمن المنشّط إطاراً يساعد المشاركين على التفكير والإبداع والفعل، ليتمكنوا من دراسة مشكلة مشتركة وإيجاد الحلول المناسبة لها.
*
يطرح المنشّط أسئلة مفتوحة مثل: لماذا؟ كيف؟ من؟
*
يقوم المشاركون بنشاط، يصغون، يحللون، يقترحون،
يقررون ويخططون.

*المعلم يملك كافة المعلومات الضرورية.
*
المعلم ينظر إلى الطلاب على أنهم أوعية فارغة ، تنتظر من يملؤها بالمعرفة.
*
المعلم يتكلم.
*
يخزّن الطلاب المعلومات من دون تفاعل أو مشاركة.

 

الوسائل الحديثة

إذا كنا اليوم، نبحث عن أساليب للتعليم المسيحي حديثة ، منهجياتٍ كانت أم وسائل، فلأن الأساليب القديمة التقليدية ما عادت تحدث صدىً في كيان تلميذ اليوم، ما عادت تحرك فكره ولا تُفطِّر قلبه كما يجب. ما عادت تُحدِث تحولاً في حياته، لماذا؟ لأنها ما عادت تخاطبه، ما عادت تتواصل معه. لقد أضحت لغتها لغة مفوّته. لغتها ليست لغة العصر. وبالتالي ليست لغة التلميذ. ليست لغة اليوم.

ينصح البابا الراحل يوحنا بولس الثاني معلمي التعليم المسيحي أن يتكلّموا لغة اليوم. إن لغة اليوم هي اللغة السمعبصرية .

ويقول دليل التعليم المسيحي العام للكنيسة الكاثوليكية:

(( … إن وسائل الاتصال الالكترونية ذات أهمية كبرى بحيث أصبحت للكثيرين من الناس وسيلة أساسية للإعلام، وأصبح استعمالها أساسياً للكرازة بالإنجيل وللتعليم المسيحي)). ثم يضيف: (( يجب على القيّمين على التعليم المسيحي أن يكونوا واعين لضرورة دمج الرسالة الإنجيلية والكنسية في هذه الثقافة الجديدة التي أوجدتها وسائل الاتصال الحديثة.

إنّ قناعاتٍ كهذه تحثنا على أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي: هل نُنشِّئ معلمينا على التربوية السمعبصرية، وما نوع تنشئتنا في المجال السمعبصري؟

نواجه اليوم صعوبات ومشاكل في التعليم المسيحي الذي تقوم به مدارسنا ومراكزنا الرعوية، منها أن تلميذ اليوم وخاصة المراهق والشاب، لم يعد يهتم للتعليم المسيحي الذي نعطيه! هل يعني هذا انه قد فقد إيمانه؟ طبعاً لا، ولكنه يعني أننا، نحن المعلمين، لم نعد نتواصل معه على الموجة نفسها، لم نعد نكلّمَه بلغته كما كان يفعل السيد المسيح في زمانه مع تلاميذه والجموع التي تتبعه. وأيضاً لماذا؟ لان التعليم المسيحي مازال بالنسبة إلينا مقتصراً على التعليم! إلا أن التعليم المسيحي اليوم، في عصر اللغة السمعبصرية هو قبل كل شئ، (توعية). إنه توعية روحية، توعية للحياة الباطنية. توعية للكيان الإنساني، إنه، بتعبير آخر، توعية(الأنا) الكامنة في العمق. هذه التوعية تتم عن طريق عيش خبرات جماعة تتواصل فيما بينها عن طريق وسائل الاتصال واللغة السمعبصرية.

لقد شدّد البابا الراحل يوحنا بولس الثاني قائلاً: (إن معلم التعليم المسيحي هو أكثر من معلّم، إنه شاهد لإيمان الكنيسة). والشاهد هو القادر على توعية الكيان الإنساني العميق، إنّ من يأخذ على عاتقه هذه التوعية، ويتقن اللغة السمعبصرية هو اليوم معلم التعليم المسيحي الحق.

في بداية الألف الثالث، لم يعد يحقّ لنا أن نتجاهل لغة وسائل الاتصال في التعليم المسيحي. إن التنشئة على هذه اللغة وعلى التواصل بواسطة الصوت والصورة هي تنشئة تساعد على انثقاف الإنجيل في ثقافة الشعوب، وعلى أن نكرز كرازة جديدة بالإنجيل وهذا ما تؤمنه التقنية الحديثة التي غيرّت نظرتنا وثقافتنا، وهكذا أصبحت الكرازة بالإنجيل كرازة جديدة، وأصبحت لغتنا لغة سمعبصرية، لغة تواصلية تساعد المسيحي على استيعاب كلمة الله والتعمق فيها بالمشاركة في النشاطات الاختبارية التي تقدّمها فيصبح شاهداً لإيمان الكنيسة في المجتمع وفي كنيسة القرن الواحد والعشرين.


نستنتج مما تقدم: أنه أصبح ضرورياً، بل حاجة ملحّة استخدام المنهجيات الناشطة والوسائل السمعبصرية في مجال التعليم المسيحي، وأصبح أكثر من الضروري اعتبار التعليم المسيحي أولوية في مهام الكنيسة لأن مستقبل الكنيسة، ومستقبل وجودنا في هذا الشرق العزيز على قلوبنا يتوقفان عليه….

إن ما يحتاجه معلم التعليم المسيحي من مستوى إتقان للمنهجيات الناشطة والوسائل السمعبصرية، هو المستوى الذي يمكّنه من تطويع كل هذه الوسائل واستخدامها في التعليم المسيحي والتربية المسيحية بيُسرٍ وسهولة ودون أن تطغى على مضمون الرسالة أو تصبح هدفاً في حد ذاتها، إذ عليها أن تبقى في حدود كونها وسيلة وليست غاية. فالوسيلة نعم الخادم وبئس المعلم كما قال أحدهم. إن ما يحتاجه معلم التعليم المسيحي هو أن يقدم (ببساطة القلب) رسالة البشرى والكلمة مستخدماً ما يتوفر لديه من الوسائل وما يتقنه من منهجيات. إن الشرط الأساسي هو ألا نحترف استخدام المنهجيات الناشطة والوسائل السمعبصرية وننسى أننا في لقاء مع شخص المسيح الحي، وأن كل الوسائل والمنهجيات عليها أن تساعدنا لنصل إلى المسيح الذي يخاطب قلوبنا وعقولنا وكياننا كله. لنصبح ملكاً له وأبناءه بحق.

تحديات

ثمة تحديات تواجهنا في الأخذ بالمنهجيات الناشطة واللغة السمعبصرية في التعليم المسيحي والتربية المسيحية نوجزها فيما يلي:

غياب المعلمين والمدرسين المؤهلين إيمانياً وتربوياً.

طغيان المناهج والكتب التقليدية التي لاتميّز بما فيه الكفاية بين التربية الأخلاقية، والتربية في الإيمان فتتعامل مع محتوى التعليم المسيحي (يسوع المسيح) كما مع أية مادة تعليمية أخرى. وتركز على الكم على حساب النوع.

غياب التنشئة على اللغة السمعبصرية أو عدم التنشئة الصحيحة عليها لان كثيرين يجهلون أن هذه اللغة هي لغة وحضارة قائمة بذاتها.

عدم توفر الأدوات والأجهزة والمواد والأمكنة اللازمة لاعتماد اللغة السمعبصرية أسلوباً في التعليم بسبب كلفتها العالية.

عدم اعتبار التعليم المسيحي حتى الآن، أولوية في مهام الكنيسة السلطة اللّهم إلا نظرياً !

 

المراجع

دليل التعليم المسيحي العام: منشورات المركز الكاثوليكي للتعليم المسيحي في لبنان.

إرشاد رسولي في واجب تلقين التعليم المسيحي في عصرنا: منشورات المجمع المقدس للكنائس الشرقية- الفاتيكان.

مجلة البشرى: إصدار المركز الكاثوليكي للتعليم المسيحي- لبنان الأعداد (11،12،16، 17، 20، 21) .

ورشة الموارد العربية، بيروت – قبرص 2000 .

هذه المقالة منشورة في نشرة طائفة الأرمن الكاثوليك بحلب للعام 2003