الطفل … وتعلّم القراءة

  إن معالجة مسألة القراءة والمهارات المتصلة بها، ليست ذات طابع تعليمي فقط، بل هي دراسة شاملة في إطار تكاملي يجمع ما بين التربية والثقافة.

لقد نظر المربون القدماء إلى تعليم القراءة على أنه تدريب آلي يقوم المعلمون به بعناية وفق أساليب مختلفة، حيث كان ذلك التعليم مرتكزاً على معرفة نوع الكلمات وتحديدها بشكل صحيح، أي أن القراءة هي فعل إدراك العلاقات للّغة المكتوبة.

كانت مناهج القراءة ذات صبغة هجائية، حيث كان الطفل يتعلم الحروف الهجائية أولاً ثم ينتقل إلى الكلمات فالجمل ثم المقاطع، ولم تتطور منهجية تعلم القراءة إلا عند ظهور المطبعة ولا سيما في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

في القرن السابع عشر ظهرت صعوبات فرضها تحليل القراءة إ لى سلسلة من الأفعال المتتالية، تبدأ من العناصر البسيطة المتمثلة بالحروف، إلى الكلمات الأكثر تعقيداً، وترافق ذلك باهتمام واسع، وكبير بعملية القراءة، وبرزت الدعوة إلى أنَّ ما يحفز الطفل على القراءة هو ما يفهمه ويتكلم به، كما ظهر اهتمام ذو طابع نفسي، يعتبر أنَّ مصاعب التلاميذ في القراءة تعود إلى المواد المستخدمة، وأخذ هذا الاهتمام يزداد ويتسع حتى القرن العشرين حيث اقترح" لوك" إدخال الألعاب في تعلم القراءة، أما "فالونش" فقد رأى أن يقرن كل صوت بصورة مناسبة له، وأضافت المربية "مونتسوري" ضرورة إشراك عدة حواس في تعلم القراءة.

فالطفل يتعلم القراءة بحسب الأشياء التي يراها، ويعرفها ويفهمها، علاوة على المتعة التي يحصل عليها من جراء ذلك. للقراءة تأثير كبير على مستويات الحياة الإنسانية المختلفة… أليست القراءة من الأمور التي تدل على الفرق بين الإنسان البدائي والإنسان المتحضر ؟

إن القراءة سلوك تربوي أساسي، وهي الركن القوي والضروري للبيئة المدرسية، فعليها يعتمد الطفل في تعلم بقية المواد والمقررات الدراسية، ومهارة القراءة تعني تسهيل وصول الطفل إلى المتعة الجمالية للغة المكتوبة،وإلى المعرفة الكامنة في مضموناتها… فالكتاب خير جليس، وأمتع أنيس، لأنه يتيح الاتصال والتواصل مع المفكرين والعلماء والأدباء والفلاسفة… ولهذا وجب أن يكون التكوين القرائي الأول الشغل الشاغل للأهل، والمربين، والمؤسسات المدرسية في مراحلها المختلفة.

القراءة الذكية والناقدة تعني أن يفهم القارئ المضمون الفكري في النص المقروء بكل تفاصيله، ويعدل سلوكه الشخصي تبعاً لهذا المضمون… وهذا يتطلب من القارئ أن يتفاعل مع ما يقرأ كشريك للكاتب، ويظهر قدرته على الحكم، وإبداء موافقته أو عدمها تجاه ما يطرحه الكاتب، ويميز بين الخطأ، والصواب وبين الممكن، وغير الممكن، وبذلك تبلغ القراءة غايتها، وتحقق أهدافها المتوخاة.

بعد هذا المدخل البسيط لا بد من طرح جملة من الأسئلة:

ما القراءة وما طبيعتها؟ ما الأهداف المتوخاة منها، وما العوامل التي تسهم في تعلمها؟

القراءة عملية عقلية/ حسية معقدة يتعرف القارئ بوساطتها على المعاني والدلالات، والرموز التي تنطوي عليها المادة المكتوبة، أو المنطوقة مستعيناً بما تكوَّن لديه من خبرات سابقة.

وقد عرَّف"جودمان" القراءة بأنها عملية نفسية لغوية يقوم القارئ بوساطتها بإعادة بناء معنى عبَّر عنه الكاتب في صورة رموز مكتوبة، وبذلك تكون عملية استخلاص معنى رمز مكتوب، وبمعنى آخر هي أداة اتصال فكري بين القارئ وكاتب النص من خلال الرمز المكتوب الذي يعبر عن مضمون النص وغرضه.

تعد القراءة من المهارات الضرورية، واللازمة للفرد كي ينجح في حياته الخاصة والعامة، وتنبع هذه الأهمية من كونها وسيلة أساسية للتفاهم، والتواصل بين أبناء الجنس البشري، وهي سبيل لا غنى عنه في توسيع الآفاق العلمية، والاستزادة من الخبرات الإنسانية.

يقول الشاعر الفرنسي فولتير:" إن الذين سيقودون الجنس البشري، هم الذين يعرفون كيف يقرؤون، وكيف يكتبون" وهذا تأكيد واضح على أهمية القراءة والعناية بها منذ المراحل الأولى من عمر الطفل، فالقراءة المقصودة هنا هي تلك القراءة الواعية، الذكية، الناقدة التي تنفذ إلى ما وراء الظواهر المكتوبة، وتكشف عن العلاقات بينها، والسيطرة عليها.

للقراءة أهداف ذاتية، واجتماعية، ومعرفية يحققها الطفل من خلال العوامل الحسية(الحواسية)، والنفسية، والعوامل الخاصة بالقدرات.

الطفل ومنذ بداية نموه تبدأ حاجته إلى استطلاع العالم الذي فيه، والبحث في الأشياء المحيطة به، لذلك تراه كثير الأسئلة، يطرحها ليحصل على إجابات تفي بحاجته. والقصص الهادفة هي التي تجيبه عن أسئلته تلك، وتشبع هذه الحاجة عنده، والأسرة الواعية هي التي تعرف كيف تجعل الطفل قارئاً منذ نعومة أظفاره، والأهل هم القدوة الحسنة في هذا المجال، فما أجمل الأب الذي يناقش أفراد أسرته بكتاب قرأه! وما أحلى الأهل الذين يصطحبون أولادهم إلى مكتبات الأطفال، أو قسم الأطفال في المكتبات العامة! مما يخلق صداقة صادقة بين الطفل والمكتبة ترافقه طيلة حياته.

على الأسرة أن تشجع أطفالها في كل مبادرة للقراءة، وتخلق لهم الجو الملائم لذلك، بل عليها أن تدفعهم إليها دفعاً دون إكراه أو إرغام، كما يقع عليها مسؤولية زيارة المدرسة من حين لآخر، بغية التعرف على عادات أطفالهم المتعلقة بالقراءة، وكيفية ميولهم نحوها، والمشكلات التي يحسون بها إزاءها، ويترتب على الأسرة أيضاً الإصغاء الجيد للطفل وهو يقوم بقراءة قصة ما، وبذلك يحقق متعة لا تعادلها متعة.

تستطيع الأسرة اجتذاب الطفل للقراءة، أو تنفيره منها من خلال السلوك الذي تسلكه نحوه، والأسلوب الذي تعامله به، فالميل إلى القراءة لا ينمى بإجبار الطفل عليها، أو إكراهه على ممارستها، ويجب ألاَّ ترتبط القراءة بنوع من العقوبة أو التهديد فهذا يخلق لدى الطفل إحساساً بالعداء نحوها، وشعوراً بأنها كالدواء لا يشربه الطفل إلاَّ إذا كوفئ بشيء ما من والديه.

وخلاصة القول:

إنَّ قراءة الأطفال تبني شخصياتهم، وتعمل على تنميتهم نمواً متوازناً، وتضع اللبنة الأولى في سلم حياتهم.

الهوامش:

1 – هشام الحسن، طرق تعليم القراءة والكتابة للأطفال، دار الثقافة، الأردن 1990

2 – جوكو فسكايا، أحاديث عن تربية الأطفال، دار التقدم، موسكو 1977

3 – الدكتوران (فاضل حنا – عيسى شماس)، الطفل وتعلم القراءة، دار(مشرق- مغرب)، دمشق

عن جمعية التعليم المسيحي بحلب