ميراث لوقا – مدخل إلى لوقا وكتاباته

 

 

النظرة العامّة للوقا

 

يأخذنا لوقا في رحلةٍ من أورشليم إلى روما، من إعلان ولادة مسيح اليهود الّتي طال انتظارها في الهيكل، قلب أورشليم، إلى إعلان الإنجيل للأمم الوثنيّة في روما محور العالم.

 

ولا يضع لوقا انتشار المسيحيّة الجغرافيّ وحسب، بل تحوّلها من بدعةٍ مسيحانيّة داخل الديانة اليهوديّة إلى إيمانٍ عالميّ يشمل شعوب جميع الأعراق والأمم.

 

من اليهوديّة إلى الوثنيّين

 

يبدأ إنجيل لوقا مع استقبال سمعان الشيخ للطفل يسوع.

 

إنّ انتشار الرسالة المسيحيّة لتشمل الوثنيّين لم يتمّ بدون نزاعٍ داخليّ.

 

إذا قرأنا بين سطور غالبيّة كتابات العهد الجديد نجد هذا الصراع واضحاً بيّناً من أجل الانتقال إلى ما وراء حدود اليهوديّة في إطار محيطٍ رحبٍ متعدّد الثقافات للعالم اليونانيّ الرومانيّ.

 

منظور لوقا

 

وصف جميع الإنجيليّين كيف أنّ يسوع لم يحصر عمله ضمن إطار الشعب اليهوديّ، وكيف أنّه تحدّى الأبعاد الطقسيّة للشريعة اليهوديّة الّتي تنبذ الوثنيّين من حياة إسرائيل الاجتماعيّة والدينيّة. ونرى هذا في لقاء يسوع مع المرأة السوريّة الفينيقيّة (مر 7/24-30) وقائد المائة الرومانيّ (متّى 8/5-13؛ لو 7/1-10) والمرأة السامريّة عند البئر (يو 4/1-42).

 

لقد استبق يسوع رسالة الكنيسة في أن تؤدّي الشهادة بعيداً عن إطار إسرائيل، «وحتّى أقاصي الأرض» (أع 1/8).

 

وقد حمل لوقا منظوره الشخصيّ إلى مصادره باعتباره من أصلٍ وثنيّ.

 

إنجيل لوقا هو أساساً بشرى للعالم الوثنيّ ولجميع الغرباء: المنبوذين بسبب الفقر أو المرض أو الجنس أو أسلوب الحياة من المشاركة الكاملة في حياة شعب الله المختار.

 

شخصيّة لوقا

 

سافر لوقا مع بولس في بعض رحلاته التبشيريّة: «أبحرنا … مكثنا …» (أع 16/11 الخ).

 

في الرسالة إلى أهل كولوسّي يُدعى لوقا "الطبيب الحبيب".

 

لقول «ثقب الإبرة» يستعمل اسم إبرة الجرّاح لا إبرة ربّة المنزل كما في الأناجيل الأخرى.

 

تبيّن طريقة الكتابة أنّ لوقا مثقّف وهو يتعامل مع مهمّته بطريقة الباحث (لو 1/3).

 

ويبيّن، خصوصاً في أعمال الرسل، المجتمع الرومانيّ وشريعته ونظامه وعدالته وثقافته.

 

كان لوقا ضليعاً أيضاً في النسخة اليونانيّة للكتب المقدّسة اليهوديّة.

 

يوجّه لوقا كتاب أعمال الرسل إلى المدعو «ثاوفيلُس» وهو وجيه رومانيّ، ويظهر أنّ لوقا يخاطب مستمعين وثنيّين. وهو لا ينتظر أن يعرف مستمعوه الممارسات اليهوديّة. فالكلمات العبريّة معطاة بمكافئها اليونانيّ.

 

وخلافاً لمتّى، لا يستعمل لوقا النصوص المقدّسة العبريّة كمصدرٍ لشواهده في إظهار أنّ يسوع هو المسيح.

 

أهميّة كتابات لوقا لكنيسة اليوم

 

  توتّر مع المجتمع

 

كان المسيحيّون أقلّيّة تعيش في ضيقٍ ومضطهدة حتّى السلام القسطنطينيّ في السنة 313.

 

كانت الحكومة الإمبراطوريّة مستنيرة بعض الشيء في مواقفها تجاه التنوّع الدينيّ. ومع ذلك، كانت المسيحيّة مصنّفة على أنّها ديانة غير شرعيّة.

 

كان الإمبراطور هو الّذي يحكم الإمبراطوريّة الرومانيّة، وكان يُنظَرُ إليه على أنّه إله ويُسمّى الرب. وأعلن المسيحيّون أنّ يسوع هو وحده الرب، وبالتالي، كان يُنظَرُ إليهم على أنّهم مخرّبون.

 

التوتّر داخل الكنيسة الأولى

 

حين انتشرت الكنيسة، ظهرت القضايا الساخنة: "إلى أيّ مدى ينبغي تطبيق شريعة موسى وقانون اللاويّين المقدّس في العالم المتنوّع الثقافات؟"

 

وازداد التوتّر بين الّذين يفسّرون شريعة العهد القديم بحرفيّة والّذين كانوا مستعدّين لتفسير النصوص مجازيّاً أو رمزيّاً.

 

واختلف أسلوب إعلان البشارة بحسب المكان والزمان والثقافة. وكان هناك توتّر بين هذه التعابير الثقافيّة المختلفة.

 

ركّز لوقا على دور الروح القدس الّذي يقود الكنيسة، فهو يدفعها مع قضايا الخلافات العميقة هذه ويقذفها إلى عالم الإمبراطوريّة الرومانيّة المتعدّد الثقافات.

 

خُلُقيَّة مميّزة لأيّامنا

 

يعطينا أعمال رسل لوقا نظرة جذّابة في شأن طريقة تفكير الجيل الأوّل والثاني للمسيحيّين في العمل، وأسلوب الحياة المسيحيّ في مجتمعٍ يحمل قيماً خُلُقيَّة ودينيّة مختلفة.

 

كانت القضايا السياسيّة والاجتماعيّة – كما وردت عن الإمبراطوريّة الرومانيّة: التمييز العنصريّ تجاه النساء، الفقراء والمحرومين – ذات أهميّة واضحة بالنسبة إلى لوقا.

 

كان هناك توتّر بين قبول البنى الاجتماعيّة لذلك الزمان والبحث عن تقديم قيمٍ مسيحيّة مميّزة يجب الالتزام بها فوق هذه المؤسّسات. ومثالاً على ذلك «قانون الأخلاق البيتيّة المسيحيّة» (أف 5/21-6/9).

 

لوقا وكنيسة اليوم

 

يعيش مسيحيّو القرن الحادي والعشرين في مجتمعٍ متعدّد المعتقدات حيث لا ينبغي على المسيحيّة أن تتأرجح. وهذا يشبه وضع الكنيسة قبل السلام القسطنطينيّ في السنة 313.

 

ويطمئننا لوقا بأنّ «الله يتمّم مشيئته» للعالم كلّه وأنّ مخطّطه لن يخفق.

 

إنّ لاهوت لوقا عمليّ بشكلٍ واضح. وكما كان يجيب على مسائل جماعته، علينا أن نسعى كي نفهم المهام الّتي تواجه الكنيسة اليوم في عصر "ما بعد المسيحيّة".

 

 

عن موقع جمعية التعليم المسيحي بحلب