ميراث لوقا- مخطّط الله لعالمنا المتنوِّع

 

 

مقدّمة لوقا (لو 1/1-4)

 

يفتتح إنجيل لوقا كلامه بجملةٍ فريدة ومدوّية، مكتوبة بأسلوب الخطابة التقليديّ، وغايتها المصادقة على كاتبها. ففي مقدّمته، وهي فريدة في إنجيل لوقا، يهدي عمله رسميّاً إلى «صاحب العزّة» ثاوفيلُس، وهو مواطن رومانيّ نبيل، وربّما كان مسؤولاً عن نشر الكتاب.

 

المشيئة الإلهيّة: الخلاص الشامل

 

يفتتح أعمال الرسل كلامه بإهداءٍ مشابه إلى ثاوفيلُس (أع 1/1-2). وتأريخ لوقا هو أكثر من سردٍ لتسلسل أحداث. فهي مصاغة بعناية ولها عقدة موحّدة. ومفهوم لوقا للمشيئة الإلهيّة هي جوهر جميع الأحداث الّتي يرويها، وهي تشكّل وحدة أعمال الرسل.

 

كانت الكنيسة والمجمع مؤسّستان منفصلتان في زمن كتابة لوقا، وهو في أواخر القرن الأوّل، ولكنّ مؤسِّسَ المسيحيّة يهوديّ.

 

كيف كان ارتباط اليهوديّة بالمسيحيّة؟ بالنسبة إلى لوقا، أقام العلاقة موضوع «الوعد» و«إتمامه».

 

غاية لوقا: الدفاع عن مسيحيّةٍ لأجل العالم الواسع

 

المسيحيّة هي الإتمام الصحيح لأشواق العهد القديم ولعالم الدين هو موضوع ملائم لتلبية الاحتياجات الروحيّة لعالم الإمبراطوريّة. كان هذا الموضوع مركزيّاً في دفاع لوقا عن المسيحيّة للعالم الرومانيّ.

 

إنّ إحدى غايات عمل لوقا كانت تقديم دفاعٍ سياسيّ عن المسيحيّة في العالم الرومانيّ، وتصحيح الانطباعات الخاطئة والإشاعات المفترية عن المسيحيّة.

 

في أعمال الرسل، كان المسيحيّون يوضحون هويّتهم على الدوام ويستطيعون طلب دعم روما. وقد دحض لوقا كلّ اللوم في شأن أيّة بلبلةٍ مدنيّة ربطها اليهود بيسوع وبالرسالة المسيحيّة. وفي الآن نفسه، أعطى القارئ انطباعاً بأنّ المسيحيّة هي الخلف الصحيح لإسرائيل.

 

لوقا المؤرِّخ

 

يريد لوقا أن نأخذه على محمل الجدّ كمؤرِّخ. فمقدّمته تستعمل نفس الأسلوب الّذي يستعمله كبار المؤرّخين اليونان كهيرودوتُس وديونيسيوس.

 

ويستعمل لوقا أيضاً الاستمراريّة والاعتماد بثقةٍ كاملة على شهادة مَن عرفوا يسوع لتبرير الرسالة المسيحيّة. ويعلن لوقا أنّ عمله جدير بالثقة لأنّه يعتمد على معلوماتٍ من شهود عيان، وقد تحقّق من الأحداث عن كثب وقام بأبحاثه وكتاباته بدقّة.

 

يسوع والوثنيّين

 

حين دوّن لوقا سلالة يسوع، رجع إلى آدم مؤسّس الجنس البشريّ لا إلى إبراهيم، أبا الشعب اليهوديّ. وأراد لوقا أن يبيّن أنّ قضيّة يوحنّا المعمدان – التوبة والغفران – تتخطّى الديانة اليهوديّة لتشمل كلّ الإنسانيّة. ويشير لوقا إلى أنّ يسوع تكلّم لصالح الوثنيّين الّذين يعتبرهم اليهود المتشدّدون أنجاساً.

 

إذا قارنّا ما أشار لوقا إليه في شأن وعد يسوع بأنّه: «سَيَجيءُ النّـاسُ مِنَ المَشرِقِ والمَغرِبِ، ومِن الشَّمالِ والجُنوبِ، ويَجلِسونَ إلى المائِدَةِ في مَلكوتِ اللهِ.» (لو 13/19) مع (متّى 8/11) نرى أنّ لوقا توسّعيّ أكثر. فقد حان وقت استقبال الوثنيّين.

 

يسوع يسمح بالرسالة الوثنيّة (لو 10/1-20)

 

في إنجيل متّى، يقول يسوع لتلاميذه الاثني عشر أن يحدّدوا رسالتهم بشعبهم (متّى 10/5)، بينما يشير لوقا إلى تعيين الوظيفة الرسوليّة للتلاميذ الـ 70 (72).

 

ويعطيهم يسوع نفس التعليمات الّتي أعطاها للاثني عشر، كما أنّ لوقا يزيد من الأخطار الّتي سيواجهها الـ 70 (72). فلماذا روى الحكاية نفسها مرّتين؟ لابدّ من وجود سبب هام لأنّ لوقا يهمل عادةً التكرار.

 

في سفر التكوين، هناك تعداد للأمم: 70 في النصّ العبريّ و72 في النصّ اليونانيّ. وحين اختار موسى شيوخاً ليساعدوه، اختار واحداً لكلّ أمّة في العالم. فمن الواضح أنّ لوقا أراد تبرير رسالة الكنيسة إلى الوثنيّين من خلال إظهار أنّ يسوع فوّض رسالةً للأمم غير اليهوديّة كما فوّض رسالة لإسرائيل (مرموز إليها برسالة الاثني عشر لأسباط إسرائيل الاثني عشر).

 

لاحظ مرحلتي الرسالة، الأولى لليهود والثانية للوثنيّين! ونجد هذا أيضاً في معالجة لوقا لمثل الوليمة (لو 14/15-24) حيث يمثّل الّذين على الطرقات والأسيجة خارج المدينة الوثنيّين. إنّهم مدعوّون إلى الوليمة بعد رفض رؤساء اليهود للدعوة.

 

لاحظ أيضاً رسالة المرسلين الفريدة عند لوقا: «السلام على هذا البيت!» إنّه أكثر من تحيّة تقليديّة: «شالوم». فلوقا يرى الإنجيل «بشرى سلام» (لو 2/14؛ 7/50). ورفاهية الإنسانيّة الحقيقيّة (شالوم في العبريّة يشمل كلّ رفاهيّتنا) تكمن في اتّباع ملكوت الله.

 

لوقا وكنيسة اليوم

 

إنّ اهتمام لوقا بالإطار السياسيّ لرسالة يسوع والعلاقة بين الكنيسة والمجتمع يناسبنا بوجهٍ خاص.

 

كان لوقا يكتب في زمن اضطراب بعد ثورة اليهود الكارثيّة 68-70 للميلاد، الّذي نتج عنه عنف ضدّ الأمّة اليهوديّة وانفصال للروابط بين الكنيسة واليهوديّة. وآمن لوقا بأنّه إذا كان على الكنيسة أن تبقى على قيد الحياة، عليها أن تقيم السلام مع العالم وأن تتعايش مع المجتمع.

 

في عالمنا غير المستقر والعنيف سياسيّاً واجتماعيّاً، فإنّ إنجيل السلام هو تقدمة لا تقدَّر بثمن. وكما اكتشفنا اليوم، ينبغي أن يتأسّس السلام على العدالة واحترام الآخرين وحقوقهم وأن يتفادى على الدوام الميل إلى الهيمنة وفرض المصالح الشخصيّة.

 

عن موقع جمعية التعليم المسيحي بحلب