كارثة المسيحيين في العراق: لماذا هذا الصمت الإسلامي؟

جندي عراقي يحرس كنيسة في الموصل

جريدة النهار اللبنانية

 في الذكرى السنوية الاولى لوفاة الشاعر العراقي سركون بولص يتم الاعتداء على المسيحيين، ابناء ملته هو العلماني الهوى، في الموصل. ولن يكون نافعا للمهجرين ان نزيد الى سيل الاستنكارات استنكارا جديدا لن ينزل عن كاهلهم اي ثقل. ثمة مأساة حقيقية يعاني منها الموصليون المسيحيون. وثمة من يكتفي بالتذكير ان الاسلام بريء مما يجري هناك مطمئنا الى القول بأن من يقوم بالتهجير لا يمت بصلة الى الاسلام الحقيقي. ليس القتل والتهجير الا مناسبة لتكرار القول بسماحة الاسلام والتأكيد على العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين على مر التاريخ.

 بدأنا بذكر الشاعر سركون بولص الشاعر المنفي عن بلاده بسبب معارضته للنظام السابق، الشاعر الذي كتب احزان العراقي وآماله، لنقول ان هذا العراق المتنوع والمتعدد بدأ بالاضمحلال. سليل النصارى من الشعراء والفلاسفة والمترجمين والناقلين والاطباء وعلماء الفلك، سليل اسحق السرياني الناسك العظيم وطيموثاوس الجاثليق بطريرك بغداد الذي اجرى حوارا راقيا مع الخليفة العباسي المهدي، سليل الحيرة ونينوى وكل حواضر النصرانية في بلاد ما بين النهرين يتم تهجير بني قومه اليوم ليلحقوا به ويموتوا مثله في ديار الاغتراب لا حيث اماكن ذكرياتهم الحميمة.

 ما يثير فينا الحسرة هو غياب اي رد فعل اسلامي ناجع يساهم في ايقاف هذه الكارثة الانسانية. والسؤال الاساسي هو: هل ما زال الحضور المسيحي في المشرق العربي ضرورة لدى المسلمين؟ ام ان هجرة المسيحيين باتت لا تعنيهم، فوجودهم وهجرتهم سيان؟ فنحن لم نر على امتداد العالم العربي والاسلامي اي مظاهر تطالب بالعمل الجدي لحماية المسيحيين وابناء الاقليات الاخرى من ثوران من يدعون القتل باسم الاكثرية. واذا كان الاسلام براء من قتل مسيحيي العراق، وهو بلا شك فلماذا لم تقم في طول العالم الاسلامي، وعرضه ولو مظاهرة واحدة باسم الاسلام دفاعا عن نصارى الشرق؟ هل تذكرون شوارع اوروبا عام 2003، ولا سيما العواصم الكبرى باريس ولندن ومدريد وروما، كم امتلأت من ملايين المتظاهرين ضد العدوان الاميركي على العراق؟ لماذا لم يخرج احد عندنا على غرار الاوروبيين للمجاهرة برفضه لما يجري تحت ناظريه من جرائم؟ الا يعني ذلك ان المنتمين الى الثقافة الانسانوية بانوا يتقدمون على المنتمين الى الثقافة الدينية في مسائل حقوق المواطن وواجباته تجاه اخيه الانسان وفي مسائل العدل والسلام؟

 لماذا يذهب العرب والمسلمون المعاصرون، ما عدا قلة عزيزة منهم، وبشكل دائم الى التطرف في اقوالهم وافعالهم؟ فالعراق الحديث شهد في ظل النظام "القومي العربي" السابق رفضا للاقليات غير العربية، فحاول طمس الهوية الكردية والهوية التركمانية وكل هوية عرقية صغيرة لصالح احادية الانتماء القومي العربي. ثم شهدنا التقاتل المذهبي بين المسلمين سنة وشيعة، واليوم اتى دور المسيحيين في دفع الاثمان الباهظة للاحتلال. لماذا نشهد اليوم انعداما تاما لثقافة التنوع الديني بعد تاريخ عريق عمره من عمر الاسلام مارس فيها المسلمون، ما عدا بعض الحقب المعينة، سياسة قبول الاخر في المجتمع الاسلامي؟ ولنا في كتاب رشيد الخيون "الاديان والمذاهب بالعراق" (منشورات الجمل، 2003) مرجعا ممتازا للحديث عن تاريخ هذا التنوع الديني الذي لا مثيل له في اي بلد آخر.

 لا احد يهتم لمصير مسيحيي العراق بقدر ما يهتمون هم به. فعموم المسلمين باتوا لا يعملون شيئا من اجل غزة والقدس غير مشاهدة التلفزيون، ولا يعملون شيئا من اجل مسلمي العراق، فكيف نطالبهم بالتظاهر من اجل نصاراه؟ اما عندنا في لبنان، بلد فولكلور التعايش والحوار بين الاديان، فكل مأساة تصبح ملهاة في ساحة الجدال السياسوي الضيق. فترى مرتكب المجازر الطائفية، المسلم والمسيحي لا فرق، يبكي على مصير المسيحيين في العراق، او يتنطح لادعاء الذود عنهم، وهو لا يهتم لعودة جاره من الطائفة الاخرى الى بيته الاصلي. اعان الله اهل العراق.