التعليم المسيحي للبالغين

 مدير معهد التربية الدينية – أسيوط

 

1 ـإن  التعليم المسيحي للبالغين يشكل هما كبيرا من هموم رعاة الكنيسة، الذي يمسى أكثر فأكثر إلحاحا ذلك لأنه المحور الحامل الذي يدور حوله تعليم العقد الأول والثالث الذين يستوحيان من التعليم المسيحي ومن قادته حكمة وفطنة معينة لأنه يتناول كل الموضوعات. ويعتبر تعليم البالغين صفة مميزة للتعليم المسيحي و إليه تتجه نوعا ما سائر الصيغ .

أنى سأعالج هذا الموضوع في ثلاث نقاط :

تحديد الألفاظ ،

                  أهداف التعليم المسيحي للبالغين ،

صيغه ووسائله .

أولاً : تحديد الألفاظ

2 ـ التعليم المسيحي هو مدرسة الإيمان التي تقدم تنشئة مسيحية ذات طابع شمولي بمعنى أنها تعطى تعليماً وتعمل على إحياء توبة حقيقة وتدرب على الحياة المسيحية كلها .

أ ـ من حيث هو نقل للإيمان : يقتضى التعليم المسيحي في مضمونه استلهام ثلاثة مصادر : الكتاب المقدس، والسلطة التعليمية في الكنيسة لا يستطيع التوقف عند الوحي بل ينبغي أن يرافقه التقليد وحياة ألفى سنة مسيحية لذلك يمكنه أن يقدم عرضا أكثر توازناً لكل الحقيقة حول سر المسيح والله والإنسان والخطيئة والنعمة والنهايات الأخيرة وعرضا أكثر ملائمة لتاريخ الكنيسة وتعليمها الاجتماعي وأخيرا تنشئة خلقية أمين. في هذا العمل الكبير ينبغي اهتمام خاص من جهة بمقتضيات التربية على الإيمان لئلا نقع في ثنائية المضمون والمنهج ومن جهة ثانية اهتمام بالمحيط الثقافي الذي يعيش فيه الأشخاص الذين يتوجه إليهم التعليم.

ب ـ من حيث هو دعوة إلى التوبة. يرتبط التعليم المسيحي حتما بكل العمل الليتورجى والاسرارى في اتجاهين الأول : ربط المناهج التعليمية باحتفالات السنة المقدسة والرموز والطقوس، الثاني، ضم التعليم المسيحي إلى الاحتفال بالأسرار وبخاصة سرى المصالحة والافخارستيا فالتعليم المسيحي الذي لا يؤدى إلى ممارسة الأسرار يفقد معناه .

ج ـ من حيث هو تدريب على الحياة المسيحية كلها، يقدم التعليم المسيحي للمؤمنين العلمانيين تنشئة على شهادة الحياة، وعلى الالتزام في الشؤون الزمنية وعلى التعاون المسكونى والحوار بين الأديان، وينتظر منه أن يعطى تنشئة على العمل الرسولى والإرسالى .

3 ـ يقسم البالغون الذين يوجه إليهم التعليم المسيحي إلى أربع فئات، حسب دليل التعليم المسيحي العام :

أ ـ البالغين المؤمنين الذين يعيشون بتلاحم اختيارهم الايمانى ويرغبون بإخلاص أن يتعمقوا فيه .

ب ـ البالغين الذين وإن قبلوا سر العماد لم يتلقنوا التعليم المسيحي كما ينبغي أو لم يكملوا مرحلة تنشئتهم المسيحية أو أنهم ابتعدوا عن الإيمان .

ج ـ البالغين غير المعمدين الذين يوافقهم اسم الموعوظين الحق والخاص .

د ـ البالغين الوافدين من الديانات المسيحية التي ليست في شركة كاملة مع الكنيسة الكاثوليكية.

يبرز الإرشاد الرسولى "واجب تلقين التعليم المسيحي" أهمية تعليم البالغين الأساسية فإنهم يتحملون مسؤوليات كبيرة مختلفة في المجتمع المدني ؛ لذا ينبغي أن يستنير إيمانهم ويقوى ويتجدد دونما انقطاع لكي يطبع النظام الزمني الذي يراعون، فالعالم في معظمه يقع تحت سيطرة البالغين .

في الإرشاد الرسولى الكنيسة في آسيا واستناداً إلى الدستور العقائدي " نور الأمم " الذي يدعو العلمانيين إلى نشر إنجيل يسوع المسيح، يؤكد البابا يوحنا بولس الثاني أن كل العلمانيين مرسلون بنعمة المعمودية والتثبيت والدعوة التي ينالونها. وحقل عملهم الإرسالى هو العالم الفسيح والمتنوع : عالم السياسية والاقتصاد والصناعة والتربية والإعلام والتكنولوجيا والفنون والرياضة .

ثانيا : أهداف تعليم البالغين

4 ـ بعد تحديد التعليم المسيحي والأشخاص الموجه إليهم أي البالغين، لابد من أبراز أهدافه، إن دليل التعليم المسيحي العام بعددها كما يلي :

أ ـ التشجيع على تربية الحياة ونضوجها في روح المسيح القائم من الموت بأساليب مؤاتيه: التربية الأسرارية، الرياضات، الإرشاد الروحي ….

ب ـ التربية على إصدار حكم صائب، في ضوء الإيمان، على تغييرات مجتمعنا الاجتماعية ـ الثقافية فيتمكن الشعب المسيحي هكذا من أن يميز القيم الحقيقية، لابد أيضا من أ يواجه مخاطر مدنيتنا الجارفة وان يتبنى المواقف الملائمة .

ج ـ إلقاء الأضواء على المسائل الدينية والأدبية الراهنة أي المشاكل التي تطرح على البشر في أيامنا فيما يتعلق مثلا بالأخلاق الجماعية والفردية والمسائل الاجتماعية وتربية الأجيال الطالعة .

د ـ شرح العلاقات بين النشاط الزمني والنشاط الكنسي، مع توضيح المميزات والتداخلات وتفاعلها المحتم في بلوغ هذا الهدف ،وهنا تؤلف العقيدة الكنسية الاجتماعية جزءا لا يتجزأ من تربية البالغين .

هـ ـ تطوير أسس الإيمان العقلية، ينبغي على مربي الإيمان الصحيح أن يظهر تطابق عمل الإيمان والحقائق الإيمانية مع متطلبات العقل البشرى، فالإنجيل هو دوما آني وحالي وموافق مع متطلبات كل عصر  ومن هنا الحاجة إلى تشجيع راعوية الفكر المسيحي والثقافة تشجيعاً فعالا، الشيء الذي يسمح بتخطي بعض أشكال المحافظة الدينية والأصولية العقيمة وتجنب التفسيرات الكيفية المزاجية والذاتية .

و ـ التربية على تحمل المسؤولية في رسالة الكنيسة وعلى الشهادة المسيحية في المجتمع

تؤلف كل هذا الأهداف التي يرمى إليها تعليم البالغين، مقومات الكرازة الجديدة، فالمطلوب، كما نقرأ هي الرسالة الراعوية السادسة لبطاركة الشرق الكاثوليك، معا نحو المستقبل بلورة مشروع كرازى واسع النطاق يحيى الإيمان في ظل المتغيرات الحالية وفقا لمتطلبات المنهجيات والوسائل الحديثة.

وهكذا يتعلم البالغون كيف يكتشفون ويقيمون ويطبقون ما نالوا فطرياً من الإيمان والنعمة سواء وسط الجماعة الكنيسة أو في قلب الجماعة البشرية ويصبحون كارزين بالإنجيل قادرين أن يجيبوا على تحديات العالم المعاصر، ليس فقط وفق حكمة العالم وفعاليته، بل أيضا وفق استعدادات قلب متجدد وقوى بحقيقة المسيح، و من هنا يستطيع المؤمنون العلمانيون بوصفهم شهوداً للمسيح في كل قطاعات حياة المجتمع، أن يلعبوا دوراً فريدا في محاربة الظلم والاستضعاف .

ثالثاً : صيغ تعليم البالغين ووسائله

5 ـ تعطى الأولوية بين صيغ تعليم البالغين للدورات المنظمة في مراحل ومناهج تكفلها كل كنيسة محلية من خلال إنشاء مراكز تنشئة للبالغين و أن توفر وسائل تقنية وتربوية ملائمة لمعارف المؤمنين .

إن المعاهد العليا للعلوم الدينية تقدم للمؤمنين العلمانيين تنشئة كتابية ولاهوتية وفلسفية وروحية وفقا لتعليم السلطة في الكنيسة، هذه التنشئة تمكنهم من تنمية حياتهم الروحية وأداء شهادة أعمق في حياتهم اليومية، والوصول إلى  مستوى متناغم من الدراسات اللاهوتية يتمشى مع دروسهم الدنيوية .

أن جمعيات المسيحيين البالغين وحركاتهم ورابطاتهم، التي تسعى إلى غايات تقوى الرسالة أو إلى أعمال محبة وعناية، تشكل وسيلة صالحة وأكيدة تتيح لأعضائها إمكانية الحصول على تنشئة إنسانية ودينية معمقة ودائمة .

        تلعب وسائل الأعلام الكاثوليكية دورا مميزا في التنشئة وفى نشر التعليم الكاثوليكي، سواء بواسطة محطات الإذاعة وتقنية التلفزة والمجلات والصحف أو من خلال إعداد برامج بث للوسائل الإعلامية الأخرى المستعدة لإدراج برامج دينية في شبكاتها .

مراكز التحضير للزواج والمشورة ومعاهد الدارسات الزواجية والعائلية تقدم الوسيلة المناسبة لتعليم الخاطبين والأزواج والأهل في أطر راعوية الأسرة في مختلف أبعادها الروحية والخلقية والاجتماعية والكنسية. ذلك أ العائلة على حد قول البابا يوحنا بولس الثاني، هي بالنسبة إلى الكنيسة أحد الأجهزة الأكثر فعالية للكرازة، ويضيف قداسته أن مستقبل العالم والكنيسة يمر عبر الأسرة .

عظة الأحد تقدم مساهمة قيمة لتعليم البالغين فالعظات المهيأة بكثير من الاعتناء وبالصلاة والدرس تساعد البالغين على مقاربة السر المسيحي وعلى عيش القيم الإنجيلية كل يوم .

6 ـ ويقدم دليل التعليم المسيحي العام صيغاً خاصة

أ ـ التعليم المسيحي للتنشئة المسيحية أو موعوظية البالغين .

ب ـ التعليم المسيحي لشعب الله بصيغ تقليدية في أثناء السنة الطقسية أو بصيغة الرسالات الفائقة العادة والمناسبات غير الاعتيادية  والقوية طقسياً .

ج ـ التعليم المسيحي المكمل للذين لهم مهمة تثقيفية تكوينية  في الجماعة : كمعلمي التعليم المسيح أو من هم ملتزمون برسالة تجاه إخوتهم العلمانيين .

د ـ التعليم المسيحي بمناسبة أحداث لها معناها الخاص في الحياة : الزواج عماد الأولاد وسائر أسرار التنشئة المسيحية وحقبات أكثر دقة في تربية الأولاد والمرض .. وبعض الظروف التي  تحمل الأشخاص على طرح أسئلة حول معنى الحياة الصحيح .

هـ ـ التعليم المسيحي تجاه خبرات في الحياة خاصة : الدخول في عالم العمل، العلم، الهجرة .. إنها لتغييرات  من الممكن أن تكون مناسبات غنى روحي كما من ِشأنها أن تكون مناسبة ضياع والتي هي بحاجة أن تكون مضاءة بكلمة الله ومسنودة بها .

و ـ التعليم المسيحي الذي يتعلق باستخدام المسيحي أوقات اللهو، ولا سيما بمناسبة العطلات والأسفار السياحية .

ز ـ التعليم المسيحي بمناسبة أحداث خاصة تتعلق بحياة الكنيسة والمجتمع .

الخاتمة

7 ـ التعليم المسيحي للبالغين يساعدهم، من حيث هو تربية الإيمان، على أن يؤمنوا بأن يسوع هو ابن الله لكي تكون لهم، إذا ؟آمنوا الحياة باسمه، تربيتهم وتثقيفهم في هذه الحياة من أجل بنيان جسد المسيح تدخلانهم في الجماعة الكنسية وفى الشهادة الرسولية والإرسالية .

        وبما أن التعليم المسيحي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بكل حياة الكنيسة في  حدود انتشارها الجغرافي وتزايدها العددي، ونموها الداخلي مع تصميم الله مرتبط بهذا التعليم فهو الوسيلة التي تهىء البالغين العلمانيين لدعوتهم ورسالتهم في الكنيسة والعالم، اللتين يتوسع فيهما البابا يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولى : العلمانيون المؤمنون بالمسيح .