مهابة المعلم وكرامة التلميذ من الإشكالية إلى التكاملية

على هامش قضايا العنف فى المدارس

 

السلام الاجتماعى من أبرز القيم الإنسانية المتوارثة عبر الأجيال فى المجتمع المصرى ،لكن يبدو أن تغييراً قد حدث فى التركيبة النفسية والمزاجية لدى البعض عمل على الإخلال بتلك القيمة الأصيلة . فلم يعد غريباً أن نستمع إلى صراع دائر بين الآباء والأبناء فى العائلات ، ولم يعد مستغرباً كذلك أن نرصد تصادماً حاداً بين الرؤساء والمرؤسين فى قطاعات الاعمال ، واخيراً نسطر بحسرة بالغة ظاهرة إشكالية العلاقة بين مهابة المعلم وكرامة التلميذ بين جدران المدارس ،وعن الحالة الاخيرة ستكون محاولتى فى القراءة الحاضرة ومن ثم التطلع نحو المستقبل.

( أ ) – المعلمون :

لا ينكر أحد دور المدرسة كوحدة تكوين تربوية تعمل على تنمية قدرات الطلاب المعرفية والوجدانية والمهارية من خلال البرامج والأنشطة التى يتم تفعيلها بقيادة المعلم الكفأ وهنا بيت القصيد . من هو المعلم الكفأ ؟ وما هى معايير كفائته ، وكيف السبيل إلى تقويمه بنزاهة وشفافية حتى يكون أهلاً إلى صياغة العقول وتهذيب النفوس التى أؤتمن عليها . وللمفارقة الغريبة نجد أن بوابة العبور إلى مهنة التدريس بلا ضوابط  تقريباً سوى شرط حصول المتقدم إليها على مؤهل عالى أى أن كان نوعه وأى أن كان حال الحاصل عليه .  ولعل من أكثر المنافذ تصديراً إلى فضاء العملية التعليمية هو منفذ العمل بالحصة مما يدفع صاحبه إلى الوقوف بين الطلاب دون تأهيل أو تقنين . وبالقراءة كذلك إلى أحوال المعلمين القدامى نجد أن أغلبهم لم يسعى إلى تنمية قدراته الذاتيه أو القناعة بمنظومة السياسات التعليمية التى يدور فى فلكها ، فأضحى خارج الخدمة تقريباً . وحتى لا تكون القراءة قد جانبها صواب الموضوعية فإننا نقدر النماذج المضيئة من المعلمين المتميزين ، تلك الفئة القانعة برسالتها والباحثة عن الإبداع فى أدائها ، ومثل هؤلاء بلا شك يتمتعون بالصحة النفسية التى تؤهلهم إلى تصميم الموقف التعليمى الصحيح ، مما يساعدهم على قيادة الطلاب نحو طريق الرشاد .

( ب ) – الطلاب :

تمتد الشريحة العمرية للطلاب فى مراحل التعليم الإلزامى من مرحلة الروضة حتى اتمام المرحلة الثانوية . ولكل مرحلة من المراحل طبيعتها العقلية وخريطتها النفسية . ولكنهم يتفقون جميعاً على هدف واحد هو طلب العلم . وهنا نتسأل إلى أى مدى يقدر الطلاب قيمة العلم ، وما معنى أن يكون الطالب متعلماً ، و لماذا تبدوا دافعية الكثيرين نحو التعليم ضئيلة ؟ . على جانب أخر أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن نناقش مدى قناعة الطالب بدور المدرسة كموسسة تربوية إلى جانب دورها كمؤسسة تعليمية فليس كافياً ان يقنع التلميذ بأنه طالب علم وحسب بل لأبد أن يتغلغل فى تكوينه الغض أنه طالب للتربية ايضاً . وفى هذا السياق التربوى يبرز دور الأسرة المحورى وطبيعة علاقتها بالمدرسة . ونتسأل أيضاً كيف ترى أسر التلاميذ أحوال المدارس المصرية ؟ وبأى لغة يتحدثون عن المعلمين أمام أبنائهم ؟ ولماذا تبدوا العلاقة أحياناً تصادمية بين الأسرة والمدرسة . حزمة من التساؤلات تقودنا إلى محاولة للتفكير فيما وصلت إليه طبيعة العلاقة الشائكة بين المعلم والتلاميذ .

(جـ ) – المؤسسة المركزية :

تلتزم وزارة التربية والتعليم بأن يكون التعليم قبل الجامعى تعليماً عالي الجودة للجميع ؛ كأحد الحقوق الأساسية للإنسان فى إطار نظام لا مركزى قائم على المشاركة المجتمعية ، وان يكون التعليم فى مصر نموذجاً رائداً فى المنطقة يعمل على إعداد المواطنين لمجتمع المعرفة فى ظل عقد اجتماعى جديد قائم على الديمقراطية والعدل وعبور دائم للمستقبل – عفواً – إن الأسطر الإنشائية السابقة ليست من نظم كاتب هذه السطور ؛ لكنها الرؤية التى ترفعها مؤسسة التعليم الأولى فى مصر . وفى سبيل تحقيق هذه الرؤية ترسم الوزارة السياسات التعليمية التى تقوم المدارس بتنفيذها تحت إشراف الإدارة المحلية . ورغم ما يمكن رصده من وجود سياسات علمية

صائبة وآليات حديثة فعاله حقاً ضمن تلك السياسات ، لكن يبدو أن الواقع المدرسى بعيداً عن التطبيق . واعتقد أن ذلك يعود إلى غياب التواصل بين الوزارة كمؤسسة مركزية وبين العاملين فى قطاع التعليم بالمدارس والادارات المحلية . واعتقد كذلك أنه آن الأوآن أن يكون المعلم مشاركة فعلياً فى صياغة السياسات التعليمية لا منفذاً لها فحسب ، حتى يشعر المعلمون والقائمون بالعمل التنفيذى بدورهم الفاعل فى منظومة التطوير العلمى والتربوى . فى ذات السياق لأبد من التأكيد على أهمية الدعم المجتمعى للسياسات التعليمية حتى تكون فئات المجتمع على دراية بأهم ملامح التغيير فى العملية التعليمية ، وأن هذا الوعى المجتمعى سيمكن الأسرة المصرية من متابعة أداء أبنائها والوصول بهم إلى النجاح والتميز .

( د ) – نحو المستقبل :

يبدو لى أحياناً كثيرة أن المعلمين تنازلوا طواعية عن دورهم الريادى فى التعليم والتربية فسقطت عنهم مهابتهم ، فى المقابل كذلك أهمل بعض الطلاب فى بلوغ العلم والفضيلة فجرحت كرامتهم . وفى محاولة إلى إعادة توزيع الأدوار وتنظيم الوشائج للوصول إلى التكافل بين العلاقات بين المعلمين والطلاب نضع عدد من الملاحظات :

1- إن العنف فى المدارس ظاهرة لأبد من دراستها فى سياق إشكالية العلاقة بين المعلم والتلميذ دون اغفال دور الأسرة والمجتمع .

2- لقد قطعت وزارة التربية والتعليم شوطاً كبيراً فى إصلاح أحوال المعلمين المادية فيما عرف بقانون الكادر الخاص بالمعلمين وعليه لأبد أن يوزاى ذلك عملية تأهيل تربوى مستمر للمعلمين حتى يقبلوا ذواتهم واوضاعهم وما يقومون بتنفيذه من سياسات تعليمية

3- فى تقديرى أن كليات التربية هى الجهات العلمية المؤهلة لإعداد المعلمين وتخريجهم لذا فإن عودة أمر التكليف لخريجيها سيقطع الطريق نحو دخول غير المؤهلين إلى حقل التعليم .

4- لأبد من دراسة السبل نحو توطين العلاقة السوية بين المدرسة والأسرة حتى يشعر أولياء الأموربالأطمئنان على تربية ابنائهم على أيدى معلمين اكفاء ، كذلك يشعر المعلمون بالمردود الطيب من التلاميذ وذويهم .

5- إن التعامل مع التلاميذ بتقدير واحترام وتنمية ما لديهم من مواهب وقدرات سيقود ذلك إلى مزيد من الدافعية فى التحصيل العلمى والنمو التربوى السليم .

6- عندما يقوم المعلمون بدورهم الرائد فى التعليم والتربية حسب معايير شفافة ، وعندما يعاقب الطلاب على قصورهم حسب الأدبيات التربوية المتعارف عليها ، وعندما تقوم المؤسسة التعليمية بدورها فى المحاسبة ، عند ذلك تتحقق للمعلم مهابته وتحفظ للتلميذ كرامته . وساعتها ستخذ العلاقة بين المعلم والتلميذ طريقها الإنسانى المستقيم ويتحول الانحراف فى مسارها من الإشكالية إلى التكاملية .

ناجح سمعـان