إنسانة جديدة: من الظلمة للنور – قصة

عزيزي القارئ اكتب لك هذه القصة التي مررت بإحداثها في هذا العالم الغريب لن اكتب لك عزيزي القارئ من اجل التسلية لا بل اكتب لك من اجل إظهار حقيقة رايتها بعيني قد تكون غائبة عنك ورجائي أن تستمع إلى هذه الحقيقة ولا تتعجب من سرد هذه القصة  أما عنوان قصتي فهو: "التائهة في العالم الأخر" والآن تعال معي لنستمع لقصتي:

كنت أسير في يوم من الأيام في شارع وكانت الحرارة شديدة جدا وكان الشارع شديد الزحام حتى خيل لي أنى أسير في يوم الحشر- كما يقولون. كنت قد استيقظت من فراشي في ساعة مبكرة وقد ملأتني الفرحة والبهجة من الخبر الذي بلغني إياه زوجي مساء أمس، انه ترقى في العمل وأصبح مديراً عاماً للشركة التي يعمل بها. آه ياربى قال لي زوجي هذا الخبر وأنا في ذهول تام وفرحة ما بعدها فرحة. صرخت بأعلى صوتي وقلتُ له: ماذا تقول؟ وماذا اسمع؟ إني الآن اسعد الناس جميعا فكم تمنيت أن أصبح زوجة رجل مهم، فكم كنت أتطلع إلى هذا وكنت احسد زوجة المدير السابق… آه اها ليتني استطيع أن أطير في السماء وأزف الخبر لجميع الناس… أنى الآن أصبحت زوجة رجل مهم، ذو نفوذ، ومركز مرموق في المجتمع، نعم انه رجل هادى أنيق محبوب من الجميع وكل أهلي وجيراني يحسدوني عليه… وما بالكم الآن وقد أصبح في هذا المركز….

كم دارت الأفكار في رأسي فانا الآن سأفعل الكثير والكثير والكثير فقد أصبحت زوجة رجل مهم الآن سوف اشترى سيارة فاخرة وسوف أجد ديكور شقتي سأجعلها افخر سيارة وافخر شقة في المنطقة… لا بل سأفعل أكثر وأكثر… آه أنى أسير الآن في الشارع ولا أدرى بنفسي من الفرحة التي تغمرني وتمتلك كل كياني… ولا أفكر في شيء غير مستقبلي القادم… والآن وصلت إلى السوق لكي اشترى طعام لزوجي، فسوف اعد لزوجي احلي وأشهى المأكولات التي يحبها ولذلك سأشترى له السمك الذي طالما أحبه. بل سوف أدعو كل احبائى وسوف نحتفل بهذه المناسبة الغالية….

وفي غمرة أفكاري بدأت أرى زحاما شديدا حول باع السمك… اه ياربي أني اشعر بدوخة شديدة تملأ راسي ولا استطيع الوقوف أنى الآن أتلمس راسي حتى أنى لاستطيع الوصول للرجل… لقد مرت ساعة كاملة ولاستطيع أن اشترى ما أريد… الضجيج من حولي في أذاني، أمد يدي بالنقود للرجل، ولكنه لا يراني من شدة الزحام وفجأة أحسست بدوخة شديدة، وقلت للواقفة بجواري مالي؟ وبعد ذلك لم اشعر باى شيء غير أنى واقعة على الأرض، وأغمض عيني عن هذه الدنيا …

بعدها أحسست أنى خفيفة الوزن، وشعرت أنى فراشة تطير في عالم جميل، لا يوجد فيه زحام وكنت أرى جسدي الملاقى على الأرض…  والآن أنا في عالم الغيب -كما يقولون… آه كم هو جميل وسهل والطريق… ورأيت رجل جميل الوجه طويل الذقن، لون شعره ابيض يلمع مثل الثلج…. اقتربت منه وقلت له وأنا خائفة: من أنت ياسيدى؟

اجابنى وجهه يبتسم: أنا حارس هذا الباب

قلت: باب ! باب من يا سيدي؟

قال: باب الآخرة

قلت له بدهشة: وهل أنا مت ؟؟؟

رد وهو يهون عليَّ: إلا تعرفين انكِ متِ

قلت: أنى صغيرة على الموت

قال: لي إلا تعرفين أن الموت لا يعرف أعمار؟ وان الموت هو الحقيقة الباقية

قلت: نعم اعرف أن الموت حقيقة ولكن كانت تغيب عنى

وهل تذكرتيها الآن؟

قلت له: المهم عرفني بنفسك وأنا سوف أعرفك بنفسي

قال: أنا الزمن

قلت له: أنا مدام سعاد حرم السيد المدير

قال: هنا لا يوجد مناصب أو ألقاب

قلت: أنا سمعت عن الزمن والأيام كثيراً، هل تقول لي ماذا افعل هنا ياسيدى الزمن؟

قال لي: أنت هنا في انتظار الملاك المنادى فسوف ينادى عليك وسوف تقودك أعمالك إلى المكان الذي اعددنها لنفسك وسوف تقودك أعمالك إلى مصيرك الابدى

قلت له في توسل: احكي لي عن مصيري

قال: لا اعلم ماذا سيكون مصيرك

قلت: أنا الآن اعلم… الآن أشعر بخوف شديد، فأرجوك تعال وأروي لي بعض تجارب الزمن….

قال: تجارب الزمن كثيرة جدا،

قلت له: سوف أسالك عن بعض الأشياء التي طالما حيرتني ولم أجد إجابة عليها…

قال: اسألي يا بنتي، بس تكون من اختصاصي…

قلت له: أرى أشياء كثيرة حولي أبواب كثيرة ولم يأتي الملاك حتى الآن ليأخذني لمصيري…

فرد عليّ: العدد اليوم كثير ولسوف يأتي ويأخذك في ثواني

قلت: أرجوك يا سيدي، افتح لي هذا الباب لكي أتمشى فيه، وأتفرج على ما بداخله أو ما يدور فيه…

قال، ممنوع

قلت له: في توسل أنى أشم رائحة ورود جميلة جدا ولا اعلم من أين؟ أو من التي تستخدم هذه الرائحة؟

قال وهو يضحك: سوف أوارب لكِ هذا الباب وأتركك تنظرين من بعيد ولا تقتربي منه…

قلت: أشكرك يا سيدي – اقتربت من الباب فرأيت جمع كبير جدا في صفوف متساوية يسبح ويرنم منهم جماعة تطير مثل الفراشات شديدة البياض ومنهم جماعة مثل الفرشات الملونة ومنهم جماعة مثل الفراشات الصغيرة البيضاء ورأيت جماعة في الناحية الأخرى مثل الخفافيش بل أكثر بشاعة ورأيت الفراشات البيضاء تتقدم الصفوف يليها الفراشات الملونة وهى ترفرف وتطير في عالم تمله التسابيح والنغمات العذبة بل تملئه رائحة الورود الجميلة التي أعجز كل العجز عن وصفها، وفى الناحية الأخرى أنواع مثل الوحوش والخفافيش فهم يهون في هاوية عميقة وكل واحد معلق في كم هائل من الأشواك الهائلة والوحوش التي لا توصف فهي معلقه في خناجر سميكة جدا ولهيب النار يحيط بهم من كل ناحية والغريب إن جميع أنواع الفراشات لا تتأثر بلهيب النار الذي يدور داخله الخفافيش والوحوش…

قال لي الزمن: كفاكِ وقوف أمام الباب لكي لا يراك احد الحراس

قلت: وهل يوجد هنا حراس

قال: نعم يوجد لكل باب حارس يستقبل الرواد ويوصلهم إلى أماكنهم الأخيرة

قلت: بربك يا سيدي الزمن أرجوك أن تجاوبني على بعض الأسئلة

قال: أسالي يا صغيرتي

قلت له اخبرني عن هذا الجمع من الفراشات البيضاء التي تسبح في نهر عظيم من الورود التي ليس لها مثيل في عالمنا…

قال: هذه هي الأرواح الخيّرة التي عاشت في الأرض تضحى بنفسها لغيرها وتعطى للجميع الخير والحب والسلام وكل أنواع العطف

فقلت: وماذا عن الفراشات الملونة 

قال: هي الأرواح التي عاشت على الأرض تدافع عن الحق والعدل ولم تظلم احد قط

قلت: اخبرني عن الفراشات ذات الحجم الصغير

فقال: إما هذه الفراشات فهي أرواح الأطفال الأبرياء الذين لم يفعلوا أي شر ولم تكتمل أعمارهم

قلت: وماذا عن الخفافيش التي أراها ساقطة في كم هائل من الأشواك ولا تستطيع الخلاص منها

قال: هذه الأشواك هما الذين زرعوها بأيدهم وهما الآن يحصدونها

قلت: وكيف يزرعون الشوك

قال: إلا تعلمين يا بنتي أنا كل إنسان يزرع كل يوم لنفسه محصول من الورود أو الأشواك

قلت: وكيف هذا؟

فقال: بأعماله التي ترضى الله أو تغضبه

فقلت: إذن هذه الفراشات التي تسبح في نهر عظيم من الورود هما الذين زرعوها بأعمالها الحسنة

قال: بكل تأكيد فكل عمل يعمل من اجل الله له إلف اجر… وماذا عن الوحوش التي تتعلق في خناجر جبارة هل هما الذين زرعوها بأيديهم

قال: نعم

وقلت: وهل يستطيع احد إن يزرع الخناجر؟

قال: هذه أشواك من كثرة ما جمعوه بقلوبه المتحجرة، وضمائرهم التي أماتوها، ولم يستمعوا إلى أصواتها أبدا، إنهم هم صناع هذه الخناجر، فلهم جهنم وبائس المصير…

قلت: نحن البشر لا يخطر على بالنا أننا في لحظة واحدة سوف نواجه الموت، بل نعيش في أمل مستمر، لا نفكر إلا في ماذا نأكل أو نشرب… باختصار في مصالح الحياة…

قال: معنى كلامكِ، أنكم لا تعرفون الله وإن عرفتموه تنسوه؟؟؟

قلت له: إننا نعرف الله تماماً، ولا ننساه أبدا!!!

قال: كيف؟

قلت: نطلب منه كل شي، وفي كل دقيقه، وفي ضيقاتنا، وعند احتياجاتنا…

قال: وهل الله يستجيب لكم؟

قلت: نعم، انه يعطينا كل شي حتى بدون أن نطلب منه.

قال: نعم، كما قال الكتاب عنكم "هذا الشعب يكرمن بشفتيه، أما قلبه فبعيد عنيّ"… لا يا بنتي، فكل من يعرف الله يعرف طريقه، ولا يحيد عنه… فطريق الله وإن بدا أمام الناس ضيقاً فهو في الأخر أوسع بكثير مما تتصورون…

قلت: إنه عالم غريب الذي نعيش فيه، فكل البشر مختلفين عن بعضهم …

قال: من حكمة الله انه خلق البشر مختلفين عن بعضهم، لكي يرى كيف يعامل الإنسان أخيه الإنسان، ويعرف ماذا يفعل الإنسان إمام هذه الاختلافات: هل سيحب الذين يحبونه أم سيحب فقط المتفقين معه في العقيدة أو الجنس أو اللون أو الدين؟ وهل سيعامل الله في كل مخلقاته بطريقة متساوية،، كما يعاملنا الله….

قلت له: إنى في ضيق شديد وحيرة كبيرة، لأنى الآن عرفت مصيري: فقد كنت إنسانة أنانية مغرورة لا تفكر في شيء سوى نفسها… كل ما يهمني أن اكونا أكثر الناس سعادة، ولا يهمني أمر أي إنسان مهما كان في حاجة إليّ، بل في أخر لحظات عمري كنت أفكر في تجديد شقتي وسيارتي وفى مجد هذا العالم الزائف، دون أن أفكر أن اشكر الله، الذي وهبني كل هذه النعم…

قال: لا تحزني يا بنيتي، فإن رحمة الله واسعة وهو أب رحيم للجميع

قلت: هل أستطيع أن أرجع للعالم مرة ثانية؟

قال: لماذا؟

قلت: لكي انصح الناس الغافلين الغارقين في مجد هذا العالم الغادر، وهم غير مدركين… إنى أريد أن أُحذر كل إنسان من هذه الحقيقة… سوف أقول لهم احذروا هذا العالم الكاذب… أريد إن اذكرهم أن كل شيء إلى الزوال… وأن الإنسان بقدر ما يعطي سيأخذ الآلاف المرات في الآخرة

قال: لا داعي أيتها الواعظة، فكم من الأنبياء دعوا الناس إلى طريق الله، وأنت بنفسك أكثر الناس الذين تلقوا الوعظ في دراستهم وحياتهم دون جدوى…

وهنا رأيتُ الملاكَ أمامي ينادى على اسم غير اسمي!!! فاقتربت منها وقلت له عن اسمي!!!

فصرخ بأعلى صوته وقال: إنك ليست أنت المطلوبة؛ فقد حدث خطأ… ارجعي الآن إلى جسدك مرة ثانية، وعندما تأتي ساعتك ستعودين هنا مرة أخرى…. وفى هذه اللحظة وجد نفسي ملاقاة على سريري، والكل من حولي يبكون وينحون عليّ… وعندما بدأتُ أحرك جسدي، كانت دهشة الجميع…

وفي الحقيقة التي عادت لم تكن أنا، فقد أصبحت إنسانة آخرة، تغيّرت كثيراً، فالآن أعرف كيف يحي الإنسان، وكيف يسير، والى أين ينتهي به المطاف… وقررت  أن أكرز حياتي وقلبي ونفسي لله وأن أعمل الخير مع الجميع وأن أعطي كل إنسان ما يحتاج إليه… إنسانة يقظة لا تعرف الكسل في أمور الله لأن كل ما هو لي هو عطية من الله… الله الذي إعطاني هذه الفرصة التي لا يعرفها احد غيري….

كم أنا شاكرة لك يا ربي على ما علمتني إياه ولأنك جعلتني أكتشف أن السعادة لا يمكن أن توجد إلا فيك… فشكرا لك

بقلم مدام أنجيل بولس جرس