رسالة المطران عصام يوحنا درويش بمناسبة الميلاد

أستراليا، الثلاثاء 23 ديسمبر 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي رسالة رئيس الأساقفة عصام يوحنا درويش راعي أبرشية الكنيسة الملكية الكاثوليكية في أستراليا ونيوزيلندا، بمناسبة عيد الميلاد المجيد.

"الكلمة صار جسدا وحلَّ فينا"

لمَّا بلغَ مِلْءُ الزَّمانِ، أَرسَلَ اللهُ ابنَهُ مَولودًا مِنِ امرأَةٍ، مَوْلودًا تحتَ النَّاموس، لِيَفْتديَ الذينَ تحتَ النَّاموسِ، ونَنالَ التبنّي. )غلا 4/4-5)

سلام الله ومحبته يشرقان عليكم في هذا العيد المبارك، عيد ميلاد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. إن ابن الله الوحيد، النور الذي لا يغرب، أخذ طبيعتنا البشرية ولبس جسدنا الضعيف "ليخلصنا من خطايانا" فكلمة الله "صار جسدا وسكن في ما بيننا" (يو1/14). في تجسده بقي الله إلها كما كان، أما إنسانيتنا فقد تغلغلت فيها الألوهة وصارت طبيعتنا البشرية والكون كله مسكن الله.

ميلاد هذه السنة يذكرنا بأن المسيح مازال معنا، يرافقنا، يباركنا، يقدسنا ويذكرنا أيضا بأن المسيحي مدعو ليفهم أن يسوع المتجسد هو كلمة الله وأنه بتجسده صار فينا ومعنا وبيننا. يذكرنا أيضا بأن المسيحي مدعو ليحيا ويتغذى من كلمة الله وأنه، بواسطة الليترجيا والصلاة وسماع شرح الكتاب المقدس وتعلمه وفهم رسالته، ينمو بالمسيح ويصير قادرا على إعلانه والتبشير به.

الكتاب المقدس في حياة المؤمن

كما أن المسيح هو "الطريق والحق والحياة" كذلك الكتاب المقدس هو طريقنا إلى يسوع المسيح المخلص، من خلاله نستطلع إرادة الله ونكتشف ما يريده منا. في كل مرة نفتح الكتاب ونقرأه ونتأمل ونصلي الكلمات التي نقرأها، يبدأ حوار الحب بيننا وبينه، تنمو الثقة، يكبر العهد ويكون الله أمينا لحبه ونحن أمناء له.

الإنجيل هو حقا تجسد ثان يجمع الألوهة والإنسانية، الإنسانية لأنه كُتب بأيدي بشر وعبّرَ عن  رؤيتهم الروحية وإلهي لأن الله يتكلم فيه وكلامه هو الحق والحياة. لكن الكلمة لا تجعلنا أبناء إلا بمقدار ما نعيشها والروح القدس يعلمنا كيف تتحول الكلمة إلى واقع ملموس: "الروح القدس يُرسله الآبُ باسمي، فيعلمكم جميع الأشياء ويُذكركم جميعَ ما قلتُه لكم" (يو14/26).

من أجل ذلك اشدد في هذه الرسالة الميلادية أن يقتني كل مؤمن الكتاب المقدس ويتخذه رفيقه ودليله ومرشده ومرجعه في الحياة. كما أدعوكم أيها الأخوات والأخوة أن تُلاقوا كلمة الله في ليترجيا الكلمة، تسمعون جيدا الرسالة والإنجيل وتصغون إلى العظة التي تشرحهما، وتُلاقوا الله في ليترجيا الافخارستيا التي "تفتح لنا أبواب السماء"، لأننا نلمس فيها حب الله الذي صيّرنا أبناء.

 

الميلاد فرح ومسؤولية

بشارة الخلاص تدق باستمرار أجراس الفرح "الكلمة صار جسدا" صار الله ترابا مثلنا وإنسانا يشبهنا لتصير البشرية شريكة في ألوهيته. لكن الفرح الكبير الذي خصنا به المسيح بميلاده هو أيضا مسؤولية كبيرة يحملنا إياها، فنحن المسيحيين مدعوّون لنعيش بتناغم ومحبة مع الآخرين لأننا نعرف أننا باتحادنا معه نتحد مع أخوتنا البشر كما أننا صرنا قادرين على الحب والمغفرة لأننا واحد مع المسيح.

كل مسيحي مدعو اليوم أن يذهب إلى مغارة يسوع، يسجد له، يتأمل وجهه السني، يُقدم له حبه وفقره ولا يترك المغارة إلا ويكون قد حمله في قلبه وعقله إلى العالم. المسيحي مسؤول، بعد أن يمتلئ من الكلمة الإلهية، أن يحمل هذه الكلمة إلى أخوته وأخواته البشر وأن يقنعهم بمثله وكلامه بأن الله محبة ومحبته تُظلل جميع البشر

أخواتي وأخوتي الأحباء

محبتي الأبوية لكل واحد منكم تحثني في هذا العيد المبارك أن أتوجه إلى كل واحد منكم صغارا وشبابا وكبارا متمنيا أن يكون عيد الميلاد مدخلا لنجدد حياتنا المسيحية والتزامنا بخدمة أختنا وأخينا الذي من أجلهما تجسد المسيح، كلمة الله الابن الوحيد. وأشاطر كل واحد منكم وكل عائلة، فرحة العيد، طالبا من الله أن يكون مباركا عليكم وعلى جميع أحبائكم وليكن العام الجديد فائضا بالخيرات والبركات بشفاعة الأم العذراء مريم، والدة الإله، التي تجسد المسيح، خالق السماء والأرض، من أحشائها وصار طفلا من أجل خلاصنا.

أخوكم وخادمكم بالرب