عظة البطريرك صفير بمناسبة عيد الميلاد

بكركي، الخميس 25 ديسمبر 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها غبطة البطريرك الماروني، مار نصرالله بطرس صفيرفي قداس الميلاد.

 

"ولد لكم اليوم مخلًّص، هو المسيح الرب، في مدينة داود

 بهذه العبارة بشّر الملاك رعاةً بيت لحم بمولد السيد المسيح. وأضاف: "وهذه علامة لكم: تجدون طفلا، مقمّطا، مضجعا في مذود". ويقول القديس لوقا: "وانضمّ فجأة الى الملاك جمهور من الجند السماوي يسبّحون الله، ويقولون: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر".

وكان الله قد وعد البشرية بالمخلّص، على ما جاء في انجيل القديس مرقس: "وعندما بلغ ملء الزمن، أرسل الله ابنه، مولوداً من امرأة، مولوداً في حكم الشريعة ،لكي يفتدي الذين هم في حكم الشريعة، حتى ننال البنوّة.(غل 4، 4).

لقد أراد السيد المسيح أن يُظهر في يوم مولده تواضعه، وعظمته في وقت معاً، فوُلد كأحقر ما يولد بشر. وُلد في مغارة، ولفّ بأقمطة، كسائر الناس، ووضع في مذود بقر. ولكن في الوقت عينه ظهرت فجأة من السماء جوقة من الملائكة تسبّح الله، وتنشد: "المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر".

لقد أراد السيّد المسيح منذ الدقيقة الأولى لوجوده فيما بيننا أن يعطينا أمثولة في التواضع، والكفر بمقتنى الدنيا، وغناها. فوُلد في مذود، وشعر بما نشعر به من عوامل الطبيعة فلُفّ باقمطة، اتقاء البرد القارص في هذه الآيام في بيت لحم، وأُضجع في مذود بقر، وهو سيّد الكون، وما فيه من كائنات.

والمسيح هو الذي يقود الكنيسة "لأنها، في وقت معاً، منظورة وروحيّة، وجماعة فيها تراتبية، وهي جسد المسيح السرّي. وهي واحدة مؤلفة من عنصرين بشريّ وإلهي، وهذا هو سرّها الذي لايقبله الاّ الايمان وحده".

"والكنيسة هي في هذا العالم سرّ الخلاص، وعلامة الاتحاد بالله والناس، وأداته" على ما جاء في تعليم الكنيسة الكاثوليكية (عد 779-780).

واتباع يسوع المسيح يعني الاشتراك مع يسوع القائم من الموت. كانت هذه حال الرسل الذين لم يظلّوا على علاقة مع الرجل الذي اسمه يسوع، بل أصبحوا في شراكة كاملة معه بالايمان بكلمته. وقد أوضح لهم ذلك بقوله: "أنا أمضي، وتطلبونني، وتموتون في خطيئتكمم. حيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا". ( يو 8: 21). واتباع يسوع معناه أولاً الايمان به، والشهادة له، والعمل بأقواله. واتمام رسالته يكون بالاقتداء به، كما قال: "كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا أيضاً" ( يو 20، 21).

إنّا نسأله تعالى أن يجود علينا أن بأن نقّوّي ايماننا به، مدركين أنه ما من أمر يحدث في الدنيا الاّ باذنه وسماحه. ومهما تأزّمت الأمور، وادلهمّت الأحداث، فهو على استعداد لمدّ يده الينا كما فعل مع التلاميذ ألذين كانوا في السفينة، وأوشكوا على الغرق، وصرخوا جميعا، فيما كان يسوع نائماً في مؤخّر السفينة، قائلين: يا ربّ نجنا! فنحن نهلك! فقال لهم: ما بالكم خائفين، يا قليلي الايمان؟ حينئذ قام وزجر الرياح والبحر، فحدث هدؤ عظيم. فتعجّب الناس وقالوا: "من هو هذا حتى يطيعه البحر نفسه والرياح؟". وان ما فعله مع التلاميذ، بمقدوره أن يفعله معنا ومع سوانا، فهو هو دائماً والى الأبد، شرط ألآّ يتزعزع ايماننا به وبقدرته على اسكات كل العواصف التي تهبّ علينا من أنّى أتت.

والعواصف في هذه الأيام كثيرة، وفخامتكم وكل معاونيكم وجميع العاملين في الحقل السياسيّ يعرفون ذلك. غير أن ثقة اللبنانيين بحكمتكم، وشجاعتكم، وبعد نظركم، يُدخل الى جميع القلوب الواجفة ما تحتاج اليه من اطمئنان. ما من أحد يجهل ما هي الصعوبات التي تعترض سبيلكم وسبيل الوطن، ويقتضي لتذليلها الكثير من الصبر، والجرأة، وطول الأناة، وهذه صفات آتاكم الله اياها. وستستخدمونها لارجاع الوطن الى دائرة الضؤ. وما زياراتكم الى مختلف البلدان شرقاً وغرباً غير دليل على همتكّم العالية وتصميمكم على ارجاعه، بما تكتسبون له من صداقات دولية، وتجهدون لجمع جميع أبنائه حولكم وحول الجمهورية، على اختلاف طوائفهم ونزعاتهم، و مشاربهم، الى سابق عهده من الطمأنية والازدهار.

أخذ الله بيدكم وكلّل مساعيكم بالنجاح، وأعاد الله على فخامتكم وعلى جميع اللبنانيين أعيادا عديدة ملؤها الخير والبركات.