بالميلاد صرنا ابناء الله

مقدمة:

"الذين قبلوه اعطاهم سلطاناً أن يصيروا ابناء الله" الكلمة صار بشراً وسكن فينا هكذا صار الاله انساناً كي يصير الانسان الهاً وحدت يارب لاهوتك بناسوتنا وناسوتنا بلاهوت اخذت ما لنا وهبتنا ما لكّ هذه بعضٍ من حقائق ايماننا

 في البدء خلق الله السماءَ والارض ، والكتاب المقدس كلُّه عبارة عن قصة لحدث واحد. وهذا الحدث هو الصراع القائم بين رغبة الله في أن يكون إلى جانب الانسان في حياته ورفض الانسان لأن يقبل هذا  الدخول أي بين الرغبة الالهية والتردد البشري، فالله عبر الزمان لم يغصب للانسان حريته ولكنه كان معه طويل الاناة وكثير الرحمة وجزيل التحنن واستطاع الله مساعدة الانسان على التفوّه بصرخته التي اعلنها يوحنا الحبيب صرخة النصرة " امين تعال أيها الرب يسوع" رؤ22/20 فبين أول عبارة وآخر عبارة في الكتاب المقدس يدخل تجسد المسيح كالحدث المفصل والاكبر في حياة البشرية. فهو الحدث الذي جمع الرغبة الالهية مع الحرية البشرية.

فقدَ الإنسان الأول بهجة التمتع بوجوده شخصيا في حضرة الله الخالق بسبب سقوطه في براثن الخطيئة والكبرياء والعصيان والتمرد على الله ذاته. وقد اغوته الحية القديمة، فضلّ الطريق ،عاش وحيداً يتعب ويكدّ ويكافح في الحياة وفي ظل علاقة بقيت لوقتٍ من الزمن منقطعة عن الله. ولآلاف من السنين بقي هذا الانفصال متوارثًا من جيل لجيل ، ينتقل من الأصل إلى الفروع.. لذلك عاش أسلافنا يملؤهم اضطراب القلب.. وفراغ روحي كبير جدا.. ومع ذلك لم يكن مشتهى الأجيال بعيدا عنهم. فقد تنبأ عنه أشعيا قبل ميلاده بما يقرب من سبعمائة سنة قائلا: "ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل" (أشعيا 7/14). جاء عمانوئيل الله معنا ليصالح الاثنين معاً " صالحْتَ الارضيين مع السمائيين" وأعادنا الى حضرة الاب  الخالق وهو الاله المتجسد . صرخ أيوب: "ليس بيننا مُصالح يضع يده علينا"(ايوب 9: 33).. كانت العادة في القديم وكما هي اليوم عندما يتخاصم اثنان، أن يأتي إليهما من يصالحهما، فيضع يده اليمنى على كتف الأول واليسرى على كتف الثاني ويقرّب بينهما طالبا منهما أن يتصافحا ويتصالحا.
"في ملء الزمان"، قدّم المسيح مفهوماً جديداً للحياة فجاء مصالحاً الانسان مع الله وناشراً للنور والحب بين الناس ومقدِّماً لهم الله كأب ومحرراً إياهم من مفهوم العبودية لذا قال لا أسميكم عبيداً بعد بل ابناء وهو دعانا في الوقت عينه أن ندعو الله دائماً ابانا فالله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه. فالكلمة نفسه تجسد في صورة بشر وحل بيننا.. الله الذي كان في شركة مع أبوينا الأوّلين عاد إلينا عن طريق الكلمة المتجسد في شركة جديدة.. طارقًا الباب لتتم المصالحة فقد جاء المُصالح الذي يضع يده علينا. عاشت البشرية تتمخض ألما لابتعادها عن الله بسبب خطاياها، مما أكد حاجتها الى إله محب. كان هذا الإله موجودا , لكنها لم تشعر به من جراء الخطيئة التي فصلتها عنه.نزل الإله المحب الذي أحبنا إلى المنتهى من أمجاد السماء وسط ترانيم الملائكة القائلة " المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وأتى إلينا ليعيش بيننا ويموت عن خطايانا. من الشرق أشرق نورًا للعالم , وبدد استار الظلام,"فالشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما.. الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور " , " لأنه يولد لنا ولد .. ويدعى اسمه عجيبا مشيرا,إلها قديرا,  اباً ابديا,رئيس السلام " (أشعياء 9: 2و6 ). هذا هو الطفل يسوع , مولود بيت لحم, الطفل العجيب الذي تحدث عنه الملاك للرعاة قائلا: تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود ".

تحدث عنه داود قائلا : "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك ". هذا هو القدوس الذي قال عنه فيليبس : "قد وجدنا مسيا" .. وهذا هو الطفل العظيم الذي قال عنه الكتاب : عظيم هو سر التقوى،  الله ظهر في الجسد " . فقد ولد في وسطنا ليموت عنا، ويُعْتِقَنا من العبودية المرة, ويحررَنا من خطايانا, ويطهِّرَنا من آثامنا، ويجعلَنا وارثين معه في المجد .قال غبطة ابينا البطريرك انطونيوس نجيب في رسالة الميلاد لهذا العام " يعتبر عيد الميلاد من جهة الايمان اعمق بكثير من كافة المظاهر الخارجية إنه الاحتفال بتجسد الابن الكلمة الازلي الذي شاء في حبه اللامتناهي أن يصير واحداً منا، وحّد في شخصه بين الابدي والزمني ، بين المطلق والمحدود، أراد هو ان يقتربَ الينا كي نقتربَ نحن اليه، فصار طفلاً رقيقاً، ليوقظَ افضل واسمى ما في الانسان القدرة على أن يبذل ذاته. تواضع وتحلّى بالضعف والفقر ليلتقي بنا في كل أوجه ضعفنا وفقرنا.

اخوتي الشباب اننا في مرحلة جديدة وبدء عام ميلادي جديد يمر من حياتنا علينا أن ننظر الى المسيح وإذا كنَّا مشغولين ومتهمين بآلهَّة اخري

مثل المال، الجنس، العمل، أو التليفزيون…أو متخاصم مع أحد

علينا أن نتذكر قول الرب "أنت مشغول بأمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد".انظروا لطيور السماء إنها لاتزرع ولاتحصد ولكن ابوكم السماوي يقوتها، فلا تهتموا بالغد، والقوا على الرب همكم فهو يعّولكّم. وضع قربانك على المذبح واذهب صالح أخاك فانا أريد رحمةً لاذبيحة

 

اخوتي نشكر الرب الذي يعتني بنا دائماً، وأوجدنا هنا في بلدٍ مليء بدور العبادة من كنائس ومساجد وبلدٍ يمتاز بطيعيةٍ جميلة خلابة فعلينا أن نستفيد من هذه النعمة ولانترك أي مجال يُبعدنا عن اللقاء بالله ، نثق ونؤمن مسيحيين ومسلمين إنَّ الله يسمعنا ونسمعه في عملنا ومسكنا ولكن علينا أن نلتقيه في صمتٍ وهدوء في دور العبادة  لالنسمعه فقط بل لنصغي إليه

ضع ذاتك أمامه ، وكن صريحاً ولا تهرب من ذاتك، وخذ خطوات وأهداف جديدة وقل له "ماذا تريد مني يا رب أن أفعل"، لا تيأس أبداً، وابدأ من جديد، أشكره على رعايته وحبه وإخلاصه المجاني وكم صنع معك في الايام الماضية، ففيه تجد راحتك،وسعادتك ورزقك،وحياتك.

فى هذه الليلة المباركة ، نرفع صلواتِنامتحدين مع قداسة البابا بندكتوس16من أجل كل الذين يعانون الآلام ، والعُزلة ، ومن أجل المرضى ، والعاطلين ، والمهمَّشين . فلتكن هذه المناسبة الدينية فرصة ً لنحمل لإخوتنا هؤلاء الفرحَ ودفءَ المودّة . فلنذهب لزيارتهم ، ولا ننسى المستشفيات ، والسجون ، وبيوت المسنـّين ، وأصحاب الاحتياجات الخاصة ، والأرامل والأيتام ، وكلَ مَن يحتاجُ معونة وحبا . يريد الله أن يولد الحب فى كل قلب . يريد أن يهب السلام والمحبة لكل أبناء البشر . فلنكن إذا زارعيّ حب وصانعي سلام ، مع كل إنسان وفي كل مكان .

نرفع إلى رئيسنا الجليل محمد حسنى مبارك ،  وفخامة الرئيس العماد ميشال سليمان وكل القائمين بشؤون الوطن من وزراء ونواب وقيادات وجنود كلَ شكرٍ وتقدير . ونصلّي كي يمنحهم اللهُ القدير القوّة والحكمة في التدبير، وأن يكلل بالنجاح كل المساعي المبذولة من أجل السلام والرخاء ، فى أرضنا وشرقنا . فليحفظهم الله روّاداً لمسيرة النهضة والحرية والعدالة … مع المسؤولين كافّة. سدّد الله خطاهم دائماً على طريق الحق والفضيلة .

كما نتوجه بالشكر الخاص الى سيادة المطران بولس مطر على رعايته لنا وسعادة السفير المصري الاستاذ احمد البديوي واعضاء السفارة المصرية في لبنان . كل الحاضرين دون استثناء

  ونشكر بصفة خاصة محطة تيلي لومييار ونور سات على تغطيتها هذا الاحتفال وعلى الرعاية الخاصة التي نحظى بها ونذكر بنوع خاصّ القيمين عليها وفريق العمل الموجود معنا اليوم.

ندعو للجميع بالتوفيق ووافر النعم والبركات .                     وكل عام وانتم بالف خير

            " المجد لله فى الأعالى ، وعلى الأرض السلام ، وللناس المسرّة "

 الاب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

Email: naim.ibrahim@hotmail.com