الفقرة 2 – الآب

 

الفصل الأول: أؤمن بالله واحد، المقام الأول من 232 – 267

1. «باسم الآب والابن والروح القدس»

232- المسيحيون يُعمَّدون «باسم الآب والابن والروح القدس» (متى 19:28). وقبل ذلك يجيبون بقولهم «أؤمن» عن السؤال المثلث الذي يطلب منهم الاعتراف بإيمانهم بالآب والابن والروح القدس؛ «إيمان جميع المسيحيين يقوم على الثالوث»[i].

233- المسيحيون يُعمَّدون «باسم» الآب والابن والروح القدس، لا «بأسماء» هؤلاء[ii] لأنه لا يوجد إلا إله واحد، الآب الكلي القدرة، وابنه الوحيد والروح القدس: الثالوث القدّوس.

234- سر الثالوث القدوس هو السر المركزيُّ في الإيمان وفي الحياة المسيحية. إنه سرُ الله في ذاته. وهو من ثمَّ أصل سائر أسرار الإيمان، النُّور الذي ينيرها. إنه العقيدة الأساسية والجوهرية الأكثر أهميةً في «هرمية حقائق الإيمان»[iii]. «ليس تاريخ الخلاص كله سوى تاريخ الطريقة والوسائل التي اعتمدها الله الحقُّ والواحد، والآبُ والابنُ والروح القدس، ليكشف عن ذاته ويتصالح هو والبشر الذين يتحولون عن الخطيئة، ويضمهم إليه»[iv].

235- سَتُعرض بإيجاز، في هذه الفقرة، الطريقة التي جرى بها الكشف عن سر الثالوث الأقدس (1ً)، وكيف صاغت الكنيسة عقيدة الإيمان في موضوع هذا السرّ (2ً)، وأخيراً كيف حقق الله
الآب «تصميمه العطوف» في الخلق والفداء والتقديس بوساطة رسالتي الابن والروح القدس الإلهيَّتين (3َ).

236- يميز آباء الكنيسة ما بين اللاهوت والتدبير دالين باللفظة الأولى على سر الحياة الحميمة عند الله – الثالوث، وباللفظة الثانية على جميع أعمال الله التي بها يكشف عن ذاته ويبث حياته. فبالتدبير أُحي لنا باللاهوت، وبعكس ذلك، فاللاهوت يجلو التدبير كلَّه. أعمال الله تكشف عما هو في ذاته؛ وبعكس ذلك، فسرُّ كيانه الصميم يُنير معرفة جميع أعماله. وهذا ما نجده، على وجه التشبيه، بين الأشخاص البشريين. فالشخص يظهر في فعله، وكلما أحسنَّا معرفة الشخص، أحسنا معرفة فعله.

237- الثالوث سرُّ إيمان بالمعنى الدقيق، أحدُ «الأسرار الخفية في الله، والتي لا يمكن أن تُعرف إذا لم يُوحَ بها من فوق»[v]. والحقيقة أن الله ترك آثاراً لكيانه الثالوثي في عمله الخلقي، وفي وحيه طيَّ العهد القديم. ولكن صميم كيانه، ثالوثاً مقدساً، هو سرٌّ لا يستطيع أن يدركه العقل البشريُّ المجرد، ولا إيمان إسرائيل نفسه قبل تجسد ابن الله وإرسال الروح القدس.

2ً. الوحي بالله ثالوثاً

الآب يكشف عنه الابن

238- دعوة الله على أنه «أبٌ» معروفةٌ في ديانات كثيرة. فكثيراً ما تُعدُّ الألوهة «أبا الآلهة والبشر». في إسرائيل يُدعى الله أباً في كونه خالق العالم[vi]. وأكثر من ذلك فالله أبٌ أيضاً بسبب العهد وإعطاء الشريعة لإسرائيل «ابنه البكر» (خر22:4). وقد دُعي أيضاً أبا ملك إسرائيل[vii]. وهو بنوع خاص «أبو المساكين» واليتيم والأرملة الذين هم في حمى محبته[viii].

239- إذا دُعي الله باسم "أب"، فلغة الإيمان تدل  بنوع خاص على وجهين: على أن الله هو المصدر الأول لكل سلطة عُليا، وأنه في الوقت نفسه جودةٌ وعنايةٌ مُحبة لجميع أبنائه. حنان القُربى هذا في الله يمكن التعبير عنه أيضاً بصورة الأمومة[ix] التي تدل دلالة أوفى على الملازمة في الله، على العلاقة الحميمة بين الله وخليقته. وهكذا فلغة الإيمان تستقي من تجربة الوالدين البشرية الذين هم، على وجهٍ ما، أوَّل الممثلين لله عند الإنسان. ولكن التجربة تقول أيضاً إن الوالدين البشريين غير معصومين عن الخطأ، وإنهم قد يشوهون صفحة الأبوة والأمومة. فمن الموافق التذكير بأن الله فوق التمييز البشري للجنسين. فهو ليس رجلا ولا إمرأة، إنه الله. إنه أيضاً فوق الأبوة والأمومة[x] البشريتين، في حين كونه المصدر والمقياس[xi]: ما من أحد يعدل الله في الأبوة.

240- لقد كشف يسوع عن الله أنه "أب" بمعنى لا مثيل له: فلا تنحصر أُبوته في كونه خالقاً، إنه أبٌ أزلياً في علاقته بابنه الوحيد، الذي لا يكون، منذ الأزل، ابناً إلا في علاقته بالآب:«ليس أحدٌ يعرف الابن إلا الآب، ولا أحدٌ يعرف الآب إلا الابن، ومن يريد الابن أن يكشف له» (متى27:11).

241- ولهذا فالرسل يعترفون بيسوع على أنه «الكلمة الذي كان في البدء لدى الله وكان الله» (يو1:1)، على أنه «صورة الله الغير منظورة» (كول15:1)، على أنه «ضياء مجده وصورة جوهره» (عب3:1).

242- على إثر الرسل وجرياً على التقليد الرسولي، اعترفت الكنيسة سنة 325، في مجمع نيقية المسكوني الأول، أن الابن «واحد في الجوهر» مع الآب[xii]، أي أنه هو والآب إلهٌ واحد. والمجمع المسكوني الثاني، المنعقد في القسطنطينية سنة 381، احتفظ بهذا التعبير في صياغة قانون إيمان نيقية، واعترف بقوله «ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور مولود من النور، إله حق صادر عن الله الحق، مولود غير مخلوق، هو والآب جوهرٌ واحد»[xiii].

الآب والابن يكشف عنهما الروح القدس

243- إن يسوع يعلن، قبل فصحه، عن إرسال «بارقليط آخر»، (محام)، الروح القدس. غنه في العمل منذ خلق العالم[xiv]، وقديماً «نطق بالأنبياء»[xv]،وهو الآن إلى جانب التلاميذ وفيهم[xvi]، لكي يعلمهم[xvii] ويرشدهم «إلى الحقيقة كلها» (يو13:16). وهكذا فقد كُشف عن الروح القدس على أنه أقنومٌ إلهيٌ آخر بالنسبة إلى يسوع والآب.

244- الأصل الأزلي للروح القدس تكشف في رسالته الزمنية. فالروح القدس مرُسلٌ إلى الرسل وإلى الكنيسة من لدن الآب باسم الابن كما هو مُرسلٌ من لَدُن الابن شخصياً بعد عودته إلى الآب[xviii]. وإن في إرسال أقنوم الروح القدس بعد تمجيد يسوع[xix] لكشفاً كاملاً عن سرّ الثالوث الأقدس.

245- الإيمان الرسولي في شأن الروح القدس اعترف به في المجمع المسكوني الثاني
سنة 381، في القسطنطينية: «نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب»[xx]. وهكذا ترى الكنيسة في الآب «ينبوع الإلوهة كلها ومصدرها»[xxi]. ومع ذلك فليس المصدر الأزليُّ للروح القدس بغير رابط بمصدر الابن:«الروح القدس، الأقنوم الثالث من الثالوث، هو الله، واحدٌ مساوٍ للآب والابن، جوهرٌ واحدٌ وطبيعةٌ واحدة (…) ومع ذلك لا نقول إنه روح الآب فقط، بل روح الآب والابن معاً[xxii]. قانون إيمان الكنيسة الصادر عن مجمع القسطنطينية المسكوني يعترف قائلاً:«مع الآب والابن يُعبد العبادة نفسها ويُمجد التمجيد نفسه»[xxiii].

246- إن التقليد اللاتيني لقانون الإيمان يعترف بأن الروح «ينبثق من الآب والابن». ومجمع فلورنسة، سنة1438، يصرح بأن «الروح القدس يستمد ذاتيته وكيانه معاً من الآب والابن وينبثق أزلياً من هذا وذاك كما من مبدأ واحد وبانبثاق واحد … وبما أن كل ما للآب أعطاه الآب ذاته لابنه الوحيد عندما ولده، ما عدا كونه أباً، فإن انبثاق الروح القدس ذاته عن طريق الابن يستمده أزلياً من أبيه الذي ولده أزلياً»[xxiv].

247- القول بـ «والابن» لم يكن موجوداً في القانون المعترف به سنة 381 في القسطنطينية. ولكن جرياً مع تقليد لاتيني واسكندراني قديم اعترف بع عقائدياً البابا القديس لاون سنة447[xxv]، قبل أن تعرف رومة وتتقبل، سنة451، في مجمع خلقدونية، قانون إيمان سنة 381. واستعمال هذه الصيغة في قانون الإيمان جُريَ عليه شيئاً فشيئاً في الليترجيا اللاتينية (ما بين القرن الثامن والقرن الحادي عشر). وإن إخال الليترجيا اللاتينية لـ «والابن» في قانون نيقية – القسطنطينية كان ولا يزال اليوم مبعث خلاف مع الكنائس الأرثوذكسية.

248- يعبر التقليد الشرقي أولا عن ميزة الآب كمصدر أول بالنسبة إلى الروح القدس. فعندما يعترف بأن الروح «ينبث من الآب» (يو26:15)، يُثبت أن هذا الروح منبثق من الآب بالابن[xxvi]. أما التقليد الغربي فهو يعبر أولاً عن الشركة في وحدة الجوهر بين الآب والابن بقوله إن الروح ينبثق من الآب والابن. يقول ذلك «على وجه شرعي ومعقول»[xxvii] لأن الرتبة الأزلية لدى الأقانيم الإلهية في شركتهم الأُحادية الجوهر تتضمن أن يكون الآب هو المصدر الأول للروح القدس لكونه «المبدأ الذي لا مبدأ له»[xxviii]، ولكنها تتضمن أيضاً، والآب أبو ابنه الوحيد، أن يكون معه «المبدأ الوحيد الذي ينبثق منه الروح القدس»[xxix]. هذا الاكتمال المشروع، إذا لم يُحجر، لا ينال من وحدة الإيمان في حقيقة السر عينه المعترف به.

3ً. الثالوث الأقدس في عقيدة الإيمان

تكوُّن العقيدة الثالوثية

249- حقيقة الثالوث الأقدس الموحى بها كانت منذ البدء في أصل إيمان الكنيسة الحي، ولا سيّما عن طريق المعمودية. وهي تجد عبارتها في نظام الإيمان العماديّ، مصوغةً في الكرازة، والتعليم المسيحي، وصلاة الكنيسة. مثل هذه الصياغات موجودةٌ قبلاً في الكتابات الرسولية، كما تشهد بذلك هذه التحية التي تنقلها الليترجيا الإفخارستيا: «نعمة الرب يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس معكم أجمعين» (2كو13:13)[xxx].

250- في أثناء القرون الأولى، عملت الكنيسة على صياغة عقيدتها الثالوثية صياغةً أصرح، لتعميق فهمها الذاتي للعقيدة، ثم للدفاع عنها في وجه الأضاليل التي كانت تُشوهها. ذلك كان عمل المجامع القديمة يساعدها البحث اللاهوتي عند آباء الكنيسة، ويُساندها حسُّ الإيمان عند الشعب المسيحي.

251- لصياغة عقيدة الثالوث اضطُرت الكنيسة إلى أن تتوسَّع في مصطلحات خاصة، مُستعينةً بأفكار من أصل فلسفي:«شخص» أو «أقنوم»، «علاقة»، إلخ. وفي عملها هذا لم تُخضع الإيمان لحكمةٍ بشرية، ولكنها أعطت معنىً جديداً لم يُعهد من قبل لهذه الألفاظ المدعوة إلى أن تعني أيضاً، من الآن فصاعداً، سراً عجيباً، «يسمو سمواً لا نهائياً على كل ما نستطيع تصوره في الحدود البشرية»[xxxi].

252- الكنيسة تستعمل اللفظة «جوهر» (يُعبَّر عنها أحياناً بالـ «إنية» أو «الطبيعة») للدلالة على الكائن الإلهي في وحدته، واللفظة «شخص» أو «أقنوم» للدلالة على الآب، والابن، والروح القدس في التمييز الحقيقي في ما بينهم، واللفظة «علاقة» للدلالة على واقع أن تميزهم يقوم في مرجعية بعضهم إلى بعض.

عقيدة الثالوث الأقدس

253- الثالوث واحد. إننا لا نعترف بثلاثة آلهة، بل بإلهٍ واحدٍ بثلاثة أقانيم: «الثالوث الأحدي الجوهر»[xxxii]. فالأقانيم الإلهية لا يتقاسمون الألوهة الواحدة، ولكن كلَّ واحد منهم هو الله كاملاً:«الآب هو ذات ما هو الابن، والابن هو ذات ما هو الآب، والآب والابن هما ذات ما هو الروح القدس، أي إله واحدٌ بالطبيعة»[xxxiii]. «كل أقنوم من الأقانيم الثلاثة هو هذه الحقيقة أي الجوهر، والإنية أو الطبيعة الإلهية»[xxxiv].

254- الأقانيم الإلهية متميزون تميزاً حقيقياً في ما بينهم. «الله واحد ولكنه غير متوحِد[xxxv]. «آب»، «ابن»، «روح قدس» ليسوا مجرد أسماء دالة على كيفيات للكائن الإلهي، إذ إنهم متميزون تميزاً حقيقياً في ما بينهم: «الذي هو الابن ليس الآب، والذي هو الآب ليس الابن، ولا الروح القدس هو الآب أو الابن»[xxxvi]. انهم متميزون فيما بينهم بعلاقات مصدرهم:«الآب هو الذي يلد، والابن هو المولود، والروح القدس هو الذي ينبثق»[xxxvii]. الوحدة الإلهية ثلاثية.

255- الأقانيم الإلهية ذو علاقة بعضهم ببعض. فالتميز الحقيقي القائم بين الأقانيم ولا يُقسم الوحدة الإلهية، يقوم فقط في العلاقات التي تُرجع بعضهم إلى بعض:«في أسماء الأقانيم النسبية، يُرجع الآب إلى الابن، والابن إلى الآب، والروح القدس إليهما كليهما؛ عندما يجري الكلام على هؤلاء الأقانيم الثلاثة باعتبار العلاقات، فالإيمان مع ذلك يبقى اعترافاً بطبيعة واحدة أو جوهر واحد»[xxxviii]. وهكذا «فكل شيءٍ واحد [فيهم] حيثما لا يوجد اعتراض للعلاقة»[xxxix]. «بسبب هذه الوحدة، الآبُ كله في الابن، وكله في الروح القدس؛ الابن كله في الآب، وكله في الروح القدس، الروح القدس كله في الآب، وكله في الابن»[xl].

256- لموعوظي القسطنطينية يُودع القديس غريغوريوس النزينزي، الذي يُدعى أيضاً «اللاهوتي»، خلاصة الإيمان الثالوثي هذا:

«حافظوا قبل كل شيء على هذه الوديعة الصالحة، التي لها أحيا وأقارع، ومعها أريد أن أموت، التي تجعلني أتحمل جميع الشرور وأزدري جميع المتع: أعني اعتراف الإيمان بالآب والابن والروح القدس. إني أودعكم إياه اليوم. وبه سأعمدُ بعد حين إلى تغطيسكم في الماء ثم رفعكم منه. إني أهبكم إياه رفيقاً وشفيعاً لحياتكم كلها. أهبكم ألوهةً واحدةً وقدرةً واحدةً، موجودةً واحدةً في الثلاثة، وحاويةً الثلاثة على وجه التميز. ألوهةً في غير اختلافٍ في الجوهر أو الطبيعة، في غير درجة عُليا تُعلي، أو درجة سُفلى تُدني. (…) إنها الوحدة اللامتناهية في الطبيعة لثلاثةٍ لا متناهين. الله كله كاملاً في كل واحدٍ في ذاته (…)، والله الثلاثة في الثلاثة معاً (…). ما إن آخذُ في التفكير بالوحدة حتى يغرقني الثالوث في ألَقهِ. وما إن آخذ في التفكير بالثالوث حتى تشدُّني الوحدة …»[xli].

4ً. الأعمال الإلهية والرسالات الثالوثية

257- «أيها الثالوث النور السعيد، أيها الوحدة الأولية!»[xlii]. الله هو السعادة الأزلية، الحياة التي لا تموت، النور الذي لا يخبو. الله محبة: الآب والابن والروح القدس. والله يريد أن يُشرك إشراكاً حُراً في مجد حياته السعيدة. هذا هو «تصميم العطف» (أف9:1) الذي صممه منذ قبل خلق العالم في ابنه الحبيب، «محدداً أن نكون له أبناء بيسوع المسيح هذا» (أف 5:1)، أي أن نكون «مشابهين لصورة ابنه» (رو29:8) بفضل «روح التبني» (رو15:8). هذا التصميم «نعمةٌ أُعطيت قبل جميع الدهور» (2تيم 9:1)، صادرة مباشرةً عن المحبة الثالوثية. وهو شائع في عمل الخلق، في تاريخ الخلاص كله بعد الخطيئة، في رسالتي الابن والروح اللتين تمتدان برسالة الكنيسة[xliii].

258- التدبير الإلهي كله عمل مشترك بين الأقانيم الثلاثة. فكما أنه ليس للثالوث إلا الطبيعة الواحدة ذاتها، فليس له إلا العمل الواحد ذاته[xliv]. «ليس الآب والابن والروح القدس ثلاثة مبادئ للخلائق بل مبدأ واحد»[xlv]. ومع ذلك فكل أقنوم إلهي يعمل العمل المشترك وفقاً لميزته الشخصية. وهكذا فالكنيسة تعترف، في عقب العهد الجديد[xlvi]، «بالله الآب الذي منه كل شيء، وبالرب يسوع المسيح الذي له كل شيء، وبالروح القدس الذي فيه كل شيء»[xlvii]. وإن رسالتيّ تجسد الابن وموهبة الروح القدس الإلهيتين هما اللتان تُظهران خصوصاً ميزات الأقانيم الإلهية.

259- التدبير الإلهي كله، في كونه عملاً مشتركاً وشخصياً في الوقت نفسه، يُظهر ميزة الأقانيم الإلهية ووحدة طبيعتهم. لذلك الحياة المسيحية كلها شركة مع كل من الأقانيم الإلهية، من دون أن تفصلهم البتة. من يمجد الآب يمجده بالابن في الروح القدس؛ ومن يتبع المسيح يتبعه لأن الآب يجذبه[xlviii] والروح يحركه[xlix].

260- غاية التدبير الإلهي كله القصوى هي أ، تدخل الخلائق في وحدة الثالوث المجيد الكاملة[l]. إلا أننا مدعوون منذ الآن إلى أن يسكن الثالوث القدوس فينا. فالرب يقول:«إن أحبني أحد يحفظ كلمتي، وأبي يُحبه، وإليه نأتي، وعنده نجعل مقامنا» (يو23:14):

«إلهي، الثالوث الذي أعبده، ساعدني على أن أنسى ذاتي نسياناً كاملاً فأقيم فيك سكون وهدوء كا لو كانت نفسي منذ الآن في الأبدية؛ لا لشيءٍ من شأنه أن يتمكن من إقلاق سلامي، أو أن يُخرجني منك، يا مَن لا يقبلُ التغير، بل فلتذهب بي كل دقيقة إلى أبعد في عمق سرك! هدي نفسي. اجعلها سماءك، مسكنك المحبوب ومقر راحتك. هَب أن لا أدعك فيها أبداً وحدك، بل أن أكون هناك بكل كياني، يَقظةً في إيماني، عابدةً عبادةً كاملة، مستسلمةً استسلاماً كاملاً لعملك الخَلاق»[li].

بإيجاز

261- سر الثالوث الأقدس هو السر الرئيسي للإيمان وللحياة المسيحية. الله وحده يستطيع أن يُعطينا معرفته بالكشف عن ذاته أباً وابناً وروح قدس.

262- تجسد ابن الله يكشف أن الله هو الآب الأزلي، وأن الابن هو والآب جوهرٌ واحد، أي إنه فيه ومعه الإله الواحد الأحد.

263- رسالة الروح القدس، الذي أرسله الآب باسم الابن[lii] وبالابن «من لدن الآب» (يو26:15)، تكشف أنه معهما الإله الواحد الأحد. «مع الآب والابن يُعبد العبادة نفسها ويُمجد التمجيد نفسه»[liii].

264- «الروح القدس ينبثق من الآب على أنه الينبوع الأول، وبالموهبة الأزلية التي من هذا الابن، ينبثق من الآب والابن متحدين في الشركة»[liv].

265- بنعمة المعمودية «باسم الآب والابن والروح القدس» (متى 19:28)، نحن مدعوون إلى الاشتراك في حياة الثالوث السعيدة، ههنا في ظلمة الإيمان، وهنالك بعد الموت في النور الأزلي[lv].

266- «الإيمان الكاثوليكي يقوم بما يلي: عبادة إله واحد في الثالوث، والثالوث في الوحدة، بغير خلطٍ للأقانيم، وبغير تقسيم للجوهر: إذ إن للآب أقنومه، وللابن أقنومه، وللروح القدس أقنومه؛ ولكن للآب والابن والروح القدس الألوهة واحدة، والمجد واحد، والسيادة واحدة في أزليتها»[lvi].

267- الأقانيم الإلهية غير منقسمة في ما هي عليه، غير منقسمة أيضاً في ما تعمل. ولكن في العمل الإلهي الواحد كل أقنوم يُظهر ما يختص به في الثالوث، ولاسيّما في رسالة تجسد الابن ورسالة موهبة الروح القدس الإلهيتين




[i] القديس سيزير أسقف أرل، في قانون الإيمان

[ii] رَ: اعتراف إيمان البابا فيجيل، سنة552: د415

[iii] رَ: د ت ع 43

[iv] د ت ع 47

[v] ق إش 16

[vi] رَ: تث 6:32؛ ملا 20:2

[vii] رَ: 2صم14:7

[viii] رَ: مز6:68

[ix] رَ: أش13:66؛ مز2:131

[x] رَ: مز27: 10

[xi] رَ: أف14:3-15؛ أش15:49

[xii] قانون نيقية: د125

[xiii] د150

[xiv] رَ: تك2:1

[xv] قانون نيقية -القسطنطينية

[xvi]  رَ: يو17:14

[xvii] رَ: يو26:14

[xviii] رَ: يو26:14؛ 26:15؛ 14:16

[xix]  رَ: يو39:7

[xx] د150

[xxi] رَ: مجمع طليطلة 6ً، (سنة638)، في الثالوث وابن الله الفادي المتجسد: د490

[xxii] مجمع طليطلة 11ً، (سنة 675)، قانون الإيمان: د527

[xxiii] د150

[xxiv] مجمع فلورنسة، قرار لليونانيين: د1300-1301

[xxv] رَ: د284

[xxvi] رَ: ن ر2

[xxvii] مجمع فلورنسة، قرار لليونانيين (سنة1439): د1302

[xxviii]  د1331

[xxix]  مجمع ليون2ً، دستور في الثالوث الأسمى والإيمان الكاثوليكي (سنة 1274): د850

[xxx]  رَ: 1كو4:12-6؛ أف4:4-6

[xxxi]  ق ش 9

[xxxii] مجمع القسطنطينية2ً، (سنة553)، إبسالات في الفصول الثلاثة، 1: د421

[xxxiii]  مجمع طليطلة 11ً، (سنة 675)، قانون الإيمان: د530

[xxxiv]  مجمع لاتران 4ً، (سنة 1215)، في ضلال الأباتي يواكيم: د804

[xxxv]  إيمان داماسيوس: د71

[xxxvi]  مجمع طليطلة 11ً، (سنة675)، قانون الإيمان: د530

[xxxvii]  مجمع لاتران4ً، (سنة 1215) في ضلال الأباتي يواكيم: د804

[xxxviii]  مجمع طليطلة 11ً، (سنة675)، قانون الإيمان: د528

[xxxix] مجمع فلورنسة، قرار لليعاقبة (سنة 1442): د1330

[xl] المرج السابق: د1331

[xli] خطابات 40، 41

[xlii] ل س، نشيد الغروب

[xliii] رَ: ن ر2-9

[xliv] رَ: مجمع القسطنطينية 2ً، (سنة553)، ابسالات في الفصول الثلاثة، 1: د421

[xlv] مجمع فلورنسة، قرار لليعاقبة (سنة 1442): د1331

[xlvi]  رَ: 1كو6:8

[xlvii] مجمع القسطنطينية 2ً، (سنة553)، ابسالات في الفصول الثلاثة: د421

[xlviii] رَ: يو44:6

[xlix] رَ: رو14:8

[l] رَ: يو21:17-23

[li] صلاة الطوباوية أليصابات الثالوث

[lii]  رَ: يو26:14

[liii] القانون النيقاوي – القسطنطيني: د150

[liv] القديس أغسطينوس، في الثالوث 15، 26، 47

[lv]  ق ش 9

[lvi] قانون الإيمان «كل من» : د75