مرحباً بالحبر الأعظم

 

ابراهيم غرايبة

جريدة الغد الأردنية

 

بالتأكيد فإن زيارة البابا بندكتس السادس عشر للأردن تحمل أبعادا رمزية إيجابية مهمة لنا في الأردن بخاصة، وللعلاقات الإسلامية المسيحية، فالأردن هو مهد المسيحية، يرقد في ثراه أنبياء وقديسون ينظر إليهم المسلمون والمسيحيون بالتقديس والإجلال، ونحمل في الأردن أجمل الذكريات والظواهر عن الاحترام والتقدير المتبادل، ومن أجمل ما يلفت منها تلك المقامات للأنبياء، والتي يكون بعضها مسجدا وبعضها كنيسة، ونحسبها جميعا كما ورد في القرآن "يذكر فيها اسم الله كثيرا"، ومنها أيضا زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم وإقامته في ضيافة الراهب "بحيرى" في أم الرصاص، والتي تضم اليوم أهم مجمع كنسيا تاريخيا كان في وقت من الأوقات هو الأكثر أهمية في العالم.

 

السريانية تطلق اليوم على أتباع أحد المذاهب المسيحية، ولكن التسمية مستمدة من سورية، فقد كان يطلق على من يعتنق المسيحية "سوري" كما كان الأوروبيون يطلقون على المسلمين تسمية عرب وترك ومورو (المغرب العربي) مازالت هذه التسمية تطلق على المسلمين في الفلبين، وأقام السريان أول مملكة مسيحية في العالم قبل أن يعتنقها الأباطرة البيزنطيون، وتحول الأوروبيين إلى الديانة المسيحية، والذين تأخر بعضهم في اعتناقها عدة قرون، الألمان مثلا دخلوا في المسيحية في القرن الثامن الميلادي، ويوجد اليوم في ولاية كيرالا في جنوب الهند حوالي 25 مليون مسيحي "سرياني".

 

عندما قابلت أحد مسؤولي الكنيسة الكاثوليكية في كوسوفا سرد باعتزاز أمثلة من التعايش المسيحي الإسلامي في كوسوفا، كنت أراها بسيطة وقليلة الأهمية بالنسبة لما نشهده في الأردن من علاقات تاريخية جميلة بين المسيحيين والمسلمين، ولكن من الملفت في كوسوفا أن الأرثوذكس يتقبلون المسلمين أكثر من الكاثوليك، والعكس أيضا فإن الكاثوليك يتقبلون المسلمين ويحترمونهم أكثر من الأرثوذكس، ولكني بهرت في الكنيسة الأرثوذكسية المهيبة في كوسوفا عندما رأيت المصلين هناك يصلون مثل المسلمين تقريبا من غير مقاعد كما هو سائد في الكنائس، وعلمت من أصدقاء أردنيين أن الكنائس في الأردن كانت تؤدى الصلاة فيها أيضا من غير مقاعد.

 

واليوم في مرحلة الصعود الديني والإقبال الكبير على التدين لدى المسلمين والمسيحيين على السواء، فإننا نملك جميعا فرصة كبيرة لاستحضار وتوظيف الموارد الدينية في السلام والتقدم، وتؤدي الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية اليوم دورا مميزا اجتماعيا ونضاليا أيضا.

 

ففي البرازيل تصف الكنيسة نفسها بأنها "كنيسة الشعب"، وكان لها دور كبير في التحول الديمقراطي، ودخلت لأجل الحريات والتنمية في صراع مع السلطات الحاكمة، وشغلت أيضا في برامج الإصلاح الزراعي والانحياز لخيار الفقراء، بل وتحول أساقفة الكنيسة إلى دعاة راديكاليين يهاجمون الأوضاع غير الإنسانية للفقراء والمزارعين، ويدعون علنا إلى الاشتراكية ومناهضة الرأسمالية.

 

وساهمت الكنيسة في تشكيل ونشأة الحركات النقابية الريفية، ومواجهة الحكم العسكري الذي جاء نيتجة انقلاب عام 1964 وبدأت مواجهة قوية بين الكنيسة والدولة موضوعها حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

 

وكان رد الكنيسة على سياسات الحكومة والاستثمارات الرأسمالية التي أدت إلى نشوء هجرة واسعة من الريف إلى المدن وقيام أحزمة البؤس حولها بمساعدة الهنود والريفيين على تنظيم أنفسهم، وتقديم الدعم والحماية لهم في مواجهة الإقطاعيين والسلطات المحلية والمركزية والشركات الاستثمارية.

 

وأنشئت أيضا مؤسسات كنسية من الأساقفة لهذه الأغراض، مثل اللجنة الرعوية لشؤون العمال والسكان الأصليين (الهنود) ولجنة العدل والسلام لتنسيق النشاطات الإنسانية والاجتماعية والنقابية، والعمل السياسي والإعلامي في مواجهة التعذيب والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.

 

ومع بداية الثمانينات كان يعمل في البرازيل حوالي ثمانية آلاف جمعية كنسية كانت تعمل كتنظيمات شعبية بين الطبقات الفقيرة بين البرازيليين البالغ عددهم حوالي 150 مليونا يعاني نصفهم على الأقل من الفقر ويعيشون على الهامش، وتعتبر الكنيسة هناك صوتهم الأساسي في مواجهة حالة لا يجدون فيها تمثيلا لآرائهم واهتماماتهم، فالكنيسة كما توصف هناك "صوت من لا صوت له".