ما الغاية من إزالة الحرم عن الأساقفة اللوفيفريين؟

بندكتس السادس عشر يوجه رسالة يشرح فيها نواياه

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الخميس 12 مارس 2009 (Zenit.org).

بعد اللغط الكبير الذي ولدته إزالة الحرم عن الأساقفة اللوفيفريين الأربعة، وجه البابا بندكتس السادس عشر رسالة أراد فيه التوضيح لمعنى هذه المبادرة، ولكي يرد على من يتهمه "بالرغبة بالرجوع إلى الماضي، إلى ما قبل المجمع"، خصوصًا وأن تزامن "مسألة الأسقف ويليامسون" مع إزالة الحرم زادت في تعكير الأجواء".

قامت دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي بنشر الرسالة اليوم الخميس 12 مارس 2009.

وصف البابا في رسالته خياره بإزالة الحرم بـ "بادرة رحمة"، وتأسف أن عمل الرحمة هذا ظهر وكأنه عكس ما هو عليه حقًا، وكأنه "إنكار للمصالحة بين المسيحيين واليهود، أي كرفض لما أوضحه المجمع في هذا المجال في مسيرة الكنيسة".

واستنكر البابا في رسالته جهوزية العديد من الصحفيين والكاثوليك لاستغلال الأخبار وتحريفها بغية التجريح بالبابا، بدل تقصي المعنى الحقيقي لها. وشكر في هذا الإطار "الأصدقاء اليهود الذين ساعدوني فورًا في إزالة سوء التفاهم وإعادة مناخ من الصداقة والثقة، الذي كان متوفرًا في زمن البابا يوحنا بولس الثاني، وما زال قائمًا أيضًا طوال فترة حبريتي".

ثم قام البابا بتوضيح معنى إزالة الحرم، موضحًا أن "الحرم يصيب الأشخاص لا المؤسسات"، و "سيامة أسقفية دون تفسيح رسولي يعني خطر الإنقسام، لأنه يضع علامة استفهام حول اتحاد مجمع الأساقفة بالبابا. ولذا يجب على الكنيسة أن ترد بالعقاب الأقصى، أي الحرم، بغية تذكير الأشخاص المعاقبين بهذا الشكل بضرورة التوبة والرجوع إلى الوحدة".

"بعد 20 سنة من القسمة، للأسف، لم يتم التوصل إلى هذا الهدف. وبالتالي فإن إزالة الحرم تهدف إلى الغاية عينها التي يهدف إليها الحرم: ألا وهي دعوة الأساقفة الأربعة مرة أخرى ومن جديد إلى العودة".

وشرح البابا أن هذه البادرة باتت ممكنة لأن "الأساقفة المعنيين اعترفوا من حيث المبدأ بالبابا وبسلطته كراعي، حتى ولو مع بعض التحفظ بصدد الطاعة لسلطته العقائدة، ولسلطة المجمع".

إزالة الحرم لا تعني تلقائيًا الشركة الكنسية

ثم أوضح الأب الأقدس أن بادرة إزالة الحرم تأتي في إطار "التدابير التأديبية الكنسية"، والتي يجب تمييزها عن "الإطار العقائدي"، لأن عدم اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بمرتبة قانونية لأخوية القديس بيوس العاشر ليست على صعيد تأديبي بل عقائدي".

وشدد البابا موضحًا أن "ما لم تحصل الأخوية على مرتبة قانونية في الكنيسة، فإن أساقفتها وكهنتها لا يقومون بخدمة مشروعة في الكنيسة".

وأفاض الأب الأقدس في التوضيح فقال: "إذا لم يتم توضيح المسائل العقائدية، فإن الأخوية لن تتمتع بأي حالة قانونية في الكنيسة، والإكليروس فيها – بالرغم من إزالة الحرم الكنسي عنهم – فإنهم لن يمارسوا بشكل مشروع أي خدمة في الكنيسة".

وأعلن بندكتس السادس عشر أنه يريد ربط اللجنة الحبرية "كنيسة الله" (Ecclesia Dei)، التي تهتم بإعادة منح الشركة الكنسية لمن يرغب الرجوع إليها من المنشقين من أتباع الأخوية، بمجمع عقيدة الإيمان. وهذا الأمر هو دليل أن المسائل التي ينبغي النقاش حولها الآن هي ذات طابع عقائدي، وبشكل خاص قبول المجمع الفاتيكاني الثاني، وتعليم البابوات بعد المجمع.

وأضاف البابا: "لا يمكن تجميد السلطة التعليمية في الكنيسة على ما كانت عليه في عام 1962، وهذا أمر يجب توضيحه للأخوية. ولكن يجب تذكير من يعتبر نفسه المحامي الأكبر عن المجمع، بأن الفاتيكاني الثاني يحمل في طياته كامل تاريخ الكنيسة العقائدي. ومن يريد أن يكون طيعًا للمجمع ينبغي عليه أن يقبل الإيمان الذي تم الاعتراف به على مر العصور، ولا يمكنه أن يقطع الجذور التي تعيش منه الشجرة".

البابا: المصالحة مع الإخوة المنشقين هي أولوية من أولويات المحبة المسيحية

" ‘النهش والأكل‘ الذي يتحدث عنه بولس في رسالته إلى الغلاطيين ما زال موجودًا اليوم في الكنيسة كتعبير عن حرية أسيء فهمها"

"في زمننا الحالي حيث تعيش مناطق واسعة من الأرض في خطر أن تنطفئ فيها شعلة الإيمان التي لا تجد تغذية، الأولوية التي تسبق جميع الأولويات هي أن نجعل الله حاضرًا في هذا العالم وأن نفتح للبشر السبيل للاتصال بالله"، هذا ما قاله البابا بندكتس السادس عشر متحدثًا عن أوليات حبريته، في الرسالة التي وجهها بشأن إزالة الحرم عن الأساقفة اللوفيفريين الأربعة.

فقد تساءل البابا في معرض الرسالة: "هل كانت إزالة هذا  الحرم ضرورية؟ أو كانت تشكل أولوية حقًا؟ أليست هناك أمور أهم؟"

وأجاب: "بالطبع هناك أمور أهم وأكثر إلحاحًا. لقد قام الرب عينه في العلية بتحديد الأولوية الأولى لخليفة بطرس بشكل واضح: "أنت… ثبت إخوتك" (لو 22، 32). وقد قدم بطرس عينه هذه الأولوية بشكل جديد في رسالته الأولى: "كونوا دومًا مستعدين أن تقدموا لكل من يسألكم حجة عن الرجاء الذي فيكم" (1 بط 3، 15).

وتابع الأب الأقدس: "في زمننا الحالي حيث تعيش مناطق واسعة من الأرض في خطر أن تنطفئ فيها شعلة الإيمان التي لا تجد تغذية، الأولوية التي تسبق جميع الأولويات هي أن نجعل الله حاضرًا في هذا العالم وأن نفتح للبشر السبيل للاتصال بالله. لا بأي إله كان، بل بالإله الذي تحدث على جبل سيناء؛ ذلك الإله الذي نتعرف على وجهه في الحب الذي وصل إلى المنتهى (راجع يو 13، 1) – في يسوع المسيح المصلوب والقائم".

"المشكلة الحقيقية في زمننا الحالي هي أن الله يختفي من أفق البشر ومع انطفاء النور الآتي من الله تضيع البشرية وجهتها، وتظهر نتائج هذا الضياع المدمرة أكثر فأكثر".

وأضاف الأب الأقدس: "الأولوية السامية والأساسية بالنسبة للكنيسة ولخليفة بطرس في هذا الزمن هي أن نقود البشر نحو الله، نحو الإله الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس. من هنا النتيجة المنطقية هي أن تكون وحدة المؤمنين عزيزة على قلبنا. فخلافهم وعداوتهم الداخلية تشكك في مصداقية كلامهم عن الله".

"لهذا فإن الجهد من أجل شهادة إيمان مسيحي مشتركة – للعمل المسكوني – هي من ضمن الأولية السامية. وتنضم إلى ذلك ضرورة أن يسعى جميع المؤمنين بالله إلى السلام، وأن يسعوا إلى التقارب بعضهم من بعض، لكي يسيروا سوية، حتى ولو في اختلاف تصورهم بشأن الله، نحو منهل النور – وهذا هو الحوار بن الأديان".

"من يعلن أن الله محبة ‘حتى المنتهى‘، يتوجب عليه أن يشهد للمحبة".

وعليه، إذا ما كان الالتزام المشترك والمضني لأجل الإيمان والرجاء والمحبة في العالم يشكل في هذا الزمن (وبأشكال مختلفة، دائمًا) أولية الكنيسة الحقة، فإن المصالحات الصغيرة والمتوسطة هي جزء من هذا الالتزام".

وسأل البابا: "هل كان حقًا أمرًا سيئًا الذهاب للقاء "أخ له عليك شيئًا" (راجع مت 5، 23+) ومحاولة المصالحة؟ أليس بالحري من واجب المجتمع المدني أن يحاول منع التطرف والسعي لإعادة خرط من ينتمي إليها – قدر المستطاع – في القوى الكبيرة التي تطبع الحياة الاجتماعية، لتحول دون عزلهم مع كل ما يحمل ذلك من نتائج؟ هل يعقل أن يكون أمرًا خاطئًا بالكلية الالتزام في فك التصلب والاحتقان، بغية إفساح المجال لما هو إيجابي ولما يمكن إرجاعه؟"

وتحدث الأب الأقدس عن خبرته الشخصية عن كيفية تحول الجو الداخلي في الجماعات التي عادت إلى روما، فتخلت عن مواقفها الأحادية الجانب ونتجت عن ذلك قوى إيجابية للعمل سوية.

وأضاف: "هل يمكننا أن نبقى غير مبالين أمام جماعة تضم 491 كاهنًا، 215 إكليريكيًا، 6 إكليريكيات، 88 مدرسة، معهدين جامعيين، 117 راهب، 164 راهبة وآلاف المؤمنين؟ هل نستطيع حقًا أن نتركهم يذهبون بهدوء بعيدًا عن الكنيسة؟

ولم يغفل الأب الأقدس مع ذلك الإشارة إلى بعض أقوال مسؤولي تلك الجماعة الذين صرحوا بأمور "غير متناغمة" نابعة عن الكبرياء والتعجرف، والتصلب الأحادي الجانب. ولكنه اعترف بأنه تلقى "شهادات مؤثرة تعبر عن العرفان، ظهر فيها انفتاح القلوب".

في الختام استشهد الأب الأقدس برسالة بولس إلى أهل غلاطية: "لا تجعلوا الحرية فرصة للجسد، بل بفضل المحبة اخدموا بعضكم بعضا. تمام الشريعة كلها في هذه الكلمة الواحدة: ‘أحبب قريبك حبك لنفسك‘. فإذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضا، فاحذروا أن يفني بعضكم بعضا" (غلا 5، 13 – 15).

اعترف الأب الأقدس أنه لطالما كان ميالاً إلى اعتبار هذه الجملة كإحدى المبالغات البلاغية التي توجد عادة عند القديس بولس، ثم أضاف: "ولكن للأسف هذا ‘النهش والأكل‘ ما زال موجودًا اليوم في الكنيسة كتعبير عن حرية أسيء فهمها". وشدد البابا في هذا الإطار على ضرورة أن "نتعلم دومًا ومن جديد الأولوية العليا: المحبة".