قداسة البابا وقناة الجزيرة وبعض المتطرفين العرب

محاضرة ريغينسبورغ وزيارة البابا للأراضي المقدسة كرجل سلام

الأب د. يوأنس لحظي جيد*

 

الموقف العربي من زيارة البابا

يختلف الموقف العربي اختلافا كبيرا، اختلافا يعكس الوضع العربي نفسه:

فنجد من ناحية كلمات الترحيب والتبجيل والاحترام لهذا الزائر الكبير في السن وفي المقام، نجد القادة ينحنون أماهم باحترام وتقدير ويقولون له : " ثمة أسس قوية للتناغم بيننا، فهناك على أحد المستويات، إنسانيتنا المشتركة التي تجمعنا في عالم مترابط، لكن هناك بيننا أيضاً، نحن المؤمنين بالله الواحد، أساساً أكثر عمقاً للتفاهم يتمثل في الوصايا التي نصت عليها الكتب المقدسة، الإسلامية والمسيحية واليهودية، أن نحب الله تعالى، وأن يحب المرء جاره، إن هذه المبادئ تظل أساسية ومتلازمة، وكما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". صاحب القداسة، إننا نرحب بالتزامكم بإزالة سوء الفهم والانقسامات التي ألحقت الضرر بالعلاقات بين المسيحيين والمسلمين، لقد استقبلتم قداستكم بدفء زائريكم من المفكرين المسلمين وغيرهم، وفي المقابل، فإن زيارتكم التاريخية لمسجد الملك الحسين هذا الأسبوع، ولقاءكم علماء الإسلام، يحظيان بترحيب كل الأردنيين، وآمل بأن نستطيع معاً توسيع الحوار الذي بدأناه، حواراً يقبل بخصوصية هوياتنا الدينية، ولا يخاف من نور الحقيقة، حواراً يعظّم قيمنا وروابطنا المشتركة والعميقة (1).

 

وكلمة الوداع لجلالة الملك: "صاحب القداسة، إنه لمن دواعي اعتزازي أن أقدم إليكم باسم كل الأردنيين، بالغ الشكر على الشرف الذي منحتموه لبلدنا، وأن أعبر عن أمانينا الطيبة لقداستكم بنجاح حجيجكم في الأراضي المقدسة… صاحب القداسة، تقبلوا تمنياتنا الطيبة والقلبية لكم بزيارات موفقة وناجحة في الأيام القادمة، ودعاءنا بأن تصحبكم ومن معكم بركات الله ويمنه ورعايته…. ونرجو أن تعودوا لزيارتنا في السنوات القادمة، صديقاً عزيزاً وموضع ترحيب وتقدير" (2).

ومن ناحية أخرى لا تكف قناة الجزيرة وبعض القنوات الأخرى من استضافة بعض الأشخاص الذين يجمدون العلاقات مع الفاتيكان (وحقيقة أنا لا أعرف ماذا يقصدون بتجميد العلاقات؟)، وأشخاص يقولون يجب على البابا الاعتذار وآخرون يقولون لا أهلا ولا سهلا لمن سب الإسلام والمسلمون ونبيهم الكريم، وآخرون يؤكدون أنه جاء من أجل إسرائيل لتلميع صورتها… ووابل من التصريحات المضحكة والتي لا تعبر إلا عن ضحالة علم أصحابها.

ولهذا رأيت أن أكتب هذه الكلمات علها تساعد من يريد أن يعرف حقيقة الأمر، وتفضح أولئك المتغنين بنظرية المأمورة، وكأن كل العالم لا هم له سوى "غذوهم ثقافيا ودينيا وحضاريا"… أولئك الذين لا يعرفون أن الإيمان القوي لا يهتز أمام "كلمات الآخرين"، وأن الحضارة لا ترتعب إلا إن كانت ضعيفة وهزيلة.

 

موقف قداسة البابا من العالم الإسلامي:

1- موقف مسيحي: في الكنيسة لا تختلف المواقف باختلاف الأشخاص، كما يحدث في أوطننا، بل أن الأشخاص يتغيرون ويتبدلون وتبقى الكنيسة هي هي ولا تتغير، والموقف الكاثوليكي من العالم الإسلامي هو موقف وواضح وقاطع، موقف مكتوب في واحد من أهم دساتير الكنيسة الكاثوليكية، أي في نص المجمع الفاتيكاني الثاني والذي يقول:

"وتنظر الكنيسة أيضا بتقدير وباحترام إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحي القيوم، الرحمان القدير الذي خلق السماوات والأرض، وكلم الناس. إنهم يسعون بكل نفوسهم إلى التسليم بأحكام الله وإن خفيت مقاصده، كما سلم لله إبراهيم الذي يفخر الدين الإسلامي بالانتساب إليه. وإنهم على كونهم لا يعترفون بيسوع إلها يكرمونه نبيا ويكرمون أمه العذراء مريم مبتهلين إليها أحيانا بإيمان. ثم إنهم ينتظرون يوم الدين الذي يجازي الله فيه الناس جميعا بعد ما يبعثون أحياء. من أجل هذا يقدرون الحياة الأدبية ويعبدون الله بالصلاة والصدقة والصوم خصوصا. ولئن كان وقع في غضون الزمن كثير من المنازعات والعداوات بين المسيحيين والمسلمين فإن المجمع يحرضهم جميعا على نسيان الماضي والعمل باجتهاد صادق في سبيل التفاهم في ما بينهم وأن يحموا ويعزروا كلهم معا من أجل جميع الناس العدالةَ الاجتماعيةَ والقيم الروحية والسلام والحرية "(3).

 

وهنا نتساءل ما هو الموقف الرسمي للعالم الإسلامي من الدين المسيحي؟ هل يوجد "نص رسمي" أم أن الأمر متروك لكل شيخ وداعية فنجد من المواقف ما يدعوا للإخوة والمحبة ومن يدعو لإبادتهم أن لم يؤمنوا وينطقوا الشهادتين، أين الموقف الرسمي؟؟؟؟

 

2- موقف احترام: عبر قداسة البابا بندكتس السادس عشر في كل مناسبة عن احترامه العميق للعالم الإسلامي وللثقافة الإسلامية، فنجده يقول للدبلوماسيين العرب:

«المسيحيين والمسلمين مدعوون إلى العمل كما يحصل في خبرات مشتركة مختلفة لتحاشي أي شكل من عدم التسامح ورفض العنف في مختلف أشكاله. وقال إننا نحتاج إلى حوار بين الديانات والثقافات قادر على مساعدتنا كي نتخطى معا كل التوترات بروح تعاون»(4).

 

3- موقف مسئول:

نجد قداسته يقول في كلمته أثناء زيارته مسجد الملك الحسين بن طلال:

"إن المسلمين والمسيحيين، بدافع تاريخهم المشترك الذي تميز في غالب الأحيان بعدم التفاهم، مدعوون اليوم إلى السجود لله ليكونوا أمناء للصلاة وراغبين في التصرف والعيش حسب توجيه الكلي القدرة تغذيهم الرحمة والرغبة في أداء شهادة لكل ما هو حق ومستحب مستذكرين دائما بالأصول المشتركة وبكرامة جميع الكائنات البشرية التي تبقى في طليعة تصميم الله الخالق للعالم والتاريخ"(5).

 

دعوة للعمل معا من أجل عالم أكثر إنسانية، عالم لا يترك المفاهيم الدينية ويحاربها بل يقوم عليها ويقويها، فهذا هو هدف اللقاءات المشتركة والحوار المسيحي الإسلامي: التفاهم المتبادل والعمل معا من أجل عالم أكثر إنسانية، وليس دخول المسيحية أو دخول الإسلام، وهنا استشهد بكلمات قداسة البابا:

"واضح أن هذه المبادرات تقود إلى تفاهم متبادل أعمق وتنمي الاحترام تجاه ما لدينا من قواسم مشتركة وما نفهمه بطريقة مختلفة ولذا ينبغي أن تحمل المسيحيين والمسلمين على الغوص في مفهوم العلاقة الأساسية بين الله وعالمه وهكذا نعمل سويا آيما يسير المجتمع بتناغم مع تدبير الله. في هذا الصدد يشكل التعاون الذي تم هنا في الأردن مثالا مشجعا، في المنطقة والعالم بأسره، للإسهام الإيجابي والخلاق الذي يمكن ويجب أن يقدمه الدين للمجتمع المدني… أيها الأصدقاء الموقرون- والكلمة لا زالت لقداسة البابا- أود الإشارة إلى مهمة تحدثت عنها في مناسبات مختلفة وكلي ثقة بأن المسيحيين والمسلمين قادرون على القيام بها وخصوصا من خلال إسهامهم المشترك في حقلي التربية والبحث العلمي وفي القطاع المدني وأعني التحدي للعمل من أجل الخير في إطار الإيمان والحقيقة على إنماء طاقات العقل البشري. في الواقع يصف المسيحيون الله كعقل خلاق، ينظم ويقود العالم. الله يعطينا القدرة على المشاركة في عقله والتصرف وفقا لما هو صالح. يعبد المسلمون الله، خالق السماء والأرض، الذي خاطب البشرية. إننا كمؤمنين بالله الواحد نعلم أن العقل البشري هو بحد ذاته عطية من عند الله يسمو إلى العلاء عندما يستنير بحقيقة الله. في الواقع، إن العقل البشري حينما ينقيه الإيمان لا يضعف أبدا، لا بل يزداد قوة في مقاومة الرغبة في تخطي حدوده. وبهذه الطريقة ينتعش العقل البشري في التزامه من أجل تحقيق هدفه النبيل في خدمة الإنسانية إذ إنه يعطي تطلعاتنا المشتركة تعبيرا ليوسع الحوار العام بدل تضييقه وتشويهه. إن معانقة صافية للدين تحول دون انكماش العقل وتوسع أفق التفاهم بين البشر وهذا ما يحمي المجتمع المدني من الأنانية الطائشة التي تميل إلى إعطاء النهاية طابع المطلق وتقليص اللانهاية بشكل تمارس فيه الحرية بتناغم مع الحقيقة وتغتني الثقافة بكل ما هو صادق، خيّر وجميل." (6).

  

المحاضرة ريغينسبورغ الشهيرة:

فيما يلي نورد الترجمة الكاملة لنص محاضرة البابا في جامعة ريغينسبورغ، تحت عنوان "الإيمان والعقل والجامعة: ذكريات وتأملات"، والذي أثار ردّات فعل حادة في العالم الإسلامي. وهي محاضرة يتضح لمن يقرأه بكاملها بأن البابا لم ينوِ أن يتكلم عن الإسلام، فحديثه كان موجها لعلماء أوروبيين، وكان يُعالج مشكلة فكرية في أوروبا، ألا وهي نقد المنطق الحديث. وحيث أن الحديث كان موجهاً لعلماء فمن الطبيعي أن يحتاج القارئ لخلفية ثقافية فلسفية معينة ليتمكن من فهم مغزى الحديث بكامله. أما فيما يخص الحديث عن الإسلام فالبابا في معرض حديثه عن العلاقة بين إرادة الله وطبيعته أراد أن يستشهد بحوارٍ من القرن الرابع عشر دون أن يتّفق مع العبارات التي استخدمها ودون أن يقصد توجيه إتهامٍ لفئة معيّنة، وإنه وإن قام بالنقد فقد قام به ضد تيار لاهوتيّ مسيحي وليس ضد الإسلام، مع توضيح: إن العنف لا يتفق مع طبيعة الله تعالى، كما يتبين من سياق المحاضرة، ستجد على هذا الرابط الترجمة الكاملة إلى اللغة العربية لنص محاضرة (7).

 

ردة فعل الشعوب الإسلامية:

خرجت الشعوب للتظاهر وللتنديد، وفي الغالب لم يكلف أحد نفسه عناء قراءة المحاضرة ووضع كلمات الاقتباس في مكانه، ووضع تعليق البابا على كلمات الإمبراطور… وخرجت الآلاف للتظاهرة حتى قبل أن تترجم المحاضرة إلى اللغة العربية… أليس هذا دليل على أننا نُقاد وأن الأعلام يلعب بشعوبنا كما يشاء؟ مجرد تساؤل!

 

ردة فعل قداسة البابا:

إن موقف قداسته يوجد في نفس نص المحاضرة حيث قال قداسته تعليقا على كلمات الإمبراطور: "وبعدما عبّر الإمبراطور عما في مكوننه (مكنون الإمبراطور) بهذا الشكل الفظ، يشرح بالتفصيل كيف أن نشرَ الإيمان عن طريق العنف هو أمرٌ لا منطقي. العنف هو ضد طبيعة الله وطبيعة النفس". (للتأكد راجع الرابط السابق -7)

وبعد أن اجتاحت العالم حملة صراخ وبكاء وتعويل عبر الأب الأقدس عن أسفه الشديد، وقال الفاتيكان إنه يأسف أشدّ الأسف أن تكون بعض مقتطفات من خطاب البابا قد بدت مهينة لمشاعر المؤمنين المسلمين، وفُسِّرَتْ بطريقة مخالفة لمقاصده. وأضاف في تصريحه: "إنّ البابا إذ يؤكّد احترامه وتقديره للمؤمنين المسلمين يأمل أنْ يتفهّموا كلماته بمعناها الصحيح كي تتقوّى، بعد تخطّي هذه الفترة غير السهلة، الشهادة للإله الواحد، القيوم الرحيم، الضابط الكل، خالق السماء والأرض، المكلِّم البشر، والتعاون المشترك من أجل حياته، وتعزيز العدالة الاجتماعية والخيور الأخلاقية والسلام والحرية".

وظهر قداسة البابا يوم الأحد، 17 أيلول 2006، وقبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي، قال: "أمّا الآن فأودّ فقط أنْ أضيف إنني أشعر بمرارة شديدة لردود الفعل التي سبَّبَتْها فقرة قصيرة من خطابي في جامعة ريغينسبورغ، حيث اعتُبِرَتْ مسيئة لمشاعر المؤمنين المسلمين، فيما كانت استشهاداً بنصّ من القرون الوسطى، لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن فكري الشخصي. لذلك آمل أنْ تهدأ الخواطر، وأنْ يكون خطابي دعوة إلى الحوار الصريح والصادق في إطار الاحترام المتبادل".

وفي حديثه يوم الأربعاء 2. أيلول 2006 _ في مقابلته العامة مع المؤمنين _ عاد قداسة البابا مرة أخرى يأسف على أنّ الكلمات التي استشهد بها أُسيءَ فهمها، وهو في الحقيقة لم يشأ ذلك وبأي شكل من الأشكال إساءة مشاعر أحد. كما إنّ مضمون المناظرة لا يعبّر إطلاقاً عن قناعته الشخصية (8).

 

بعيدا عن الأوهام: الحقيقة والوضوح

إن قداسة البابا هو رأس الكنيسة الكاثوليكية، يتبعه مليار وأكثر من مائتين مليون كاثوليكي، وبالتالي فمن أساسيات دوره ومن واجبات رسالته الشهادة للإيمان المسيحي، وبالتالي قول أن السيد المسيح بالنسبة للمسيحيين هو ابن الله وهو "الطريق والحق والحياة" وهو كمال الكشف الإلهي وأنه به الخلاص… وهذه هي أساسيات الإيمان المسيحي، وقداسة البابا لا يستطيع أن يقول خلاف ذلك، ومهما عَالتْ الصرخات والهجمات الإرهابية والاضطهاد لن يقول خلاف ذلك.

ولكنه في ذات الوقت يعلن دائما أن الإيمان المسيحي هو "دعوة" لمحبة الجميع، وحتى الأعداء، وأن القول: الله محبة يعني الربط بين محبة الله ومحبة القريب. فنجده يقول في المسجد بعمان: "الرابط العميق بين محبة الله ومحبة القريب وآذلك أيضا التضارب الأساسي الكامن في اللجوء إلى العنف والتهميش باسم الله. (الله محبة، 16)". حب لا عنف، لأن الحب يتنافي مع العنف.

وقد قال أيضا في القداس الإلهي بإستاد عمان مخاطبا المسيحيين: "إن الأمانة لجذوركم المسيحية ولرسالة الكنيسة في الأرض المقدسة تطلب من كل واحد منكم شجاعة مميزة: شجاعة المشاركة في الحوار والعمل إلى جانب باقي المسيحيين لخدمة الإنجيل والتضامن مع الفقير والمهجر وضحايا مآس بشرية عميقة، شجاعة بناء جسور جديدة تتيح المجال أمام لقاء مثمر بين شعوب من ديانات وثقافات مختلفة بشكل يغني النسيج الاجتماعي. وهذا يعني أيضا الشهادة للمحبة التي تحملنا على "بذل" حياتنا لخدمة الآخرين لمناقضة نمط تفكير من يبررون "سلب" حياة أبرياء آخرين" (9).

 

البيان المشترك للجنة الحوار المسيحي الإسلامي:

وقد استمر الفاتيكان في الحوار المسيحي الإسلامي، ورحب برسالة 138 التي تم توجيها لقداسة البابا وقد وقعت لجنة الحوار الديني على بيان مشترك (10) جاء فيه:

"إن الحياة البشرية هي هبة ثمينة منحها الله لكل إنسان. لذلك، يجب الحفاظ عليها واحترامها في جميع مراحلها…. تقتضي محبة القريب الحقيقية احترام الشخص وخياراته في مسائل العقل والدين. وتتضمن حق الأفراد والجماعات في ممارسة شعائرهم الدينية سراً وعلانية….  للأقليات الدينية الحق في أن يتم احترامها بقناعاتها وشعائرها الدينية الخاصة بها. كما لها الحق في أماكن العبادة الخاصة بها. ويجب ألا تتعرض صورها ورموزها الأساسية التي تعتبرها مقدسة إلى أي شكل من أشكال التهكم والسخرية. … نعترف بأن الكاثوليك والمسلمين مدعوون إلى أن يكونوا أدوات محبة وتناغم بين المؤمنين، ومن أجل البشرية جمعاء، بنبذ القمع، والعنف والإرهاب المرتكب باسم الدين، ودعم مبدأ العدالة للجميع"(11).

 

وهنا نتساؤل أين الدول العربية التي تنفذ هذا الكلام؟ وأين الحرية الدينية وحرية العبادة وحرية إقامة أماكن العبادة؟ وأين القوة الفعلية لهذه اللجنة؟ ومن تمثل؟ وهل هذه الوثيقة ملزمة للجميع المسلمين بقدر أنه ملزمة لمليار ومائتين مليون كاثوليكي؟ مجرد تساؤل!

 

قناة الجزيرة ونهج الرأي والرأي الأوحد

وهنا يصل بنا الحديث إلى قناة الجزيرة (قناة التهيج والإثارة) ونتساءل: ألم يحن وقت النضج لهذه القناة؟ وقد أصبحت واحدة من أهم القنوات الإخبارية، ولكنها حتى الآن لم تفهم أن أسلوب البكاء والعويل لم يعد يناسبها كما كان يناسبها في البداية، وسط عالم مليء بالقنوات الإخبارية، لجذب أكبر عدد من المشاهدين، ولخلق اسم خاص بها.

أما الآن فلماذا تسير على نفس النهج؟ وبدلا من أن تترك ثوب الأطفال وترتدي ثوب النضوج تأب ترك الطفولة، وترفض النضوج، وتستمر في أسلوبها القديم الذي لم يعد يناسبك… وكأنها امرأة ترتدي ثياب طفولتها…

لقد حان الوقت لترك أسلوب الهجوم والرأي الأوحد، للوصول إلى الرأي والرأي الآخر كما تتغنى، ففي الحقيقة هي قناة تعرض الرأي الآخر فقط عندما يتوافق مع رأيها وتحجب وتخرس أي أراء لا تتوافق معها ومع أسلوبها الطفولي

ونتساءل: ألم يحن الوقت لعرض الأخبار بحيادية ونضج دون البحث عن ما يهيج وما يثير العواطف الدينية والقومية؟ … ألم يحن الوقت للتعلم من القنوات الإخبارية المحترمة العالمية التي تعرض الأخبار بقدر كبير من الموضوعية والحيادية؟ … ألم يحن الوقت للكف عن توجيه المشاهدين وكأنهم قطيع غنم يثار بمجرد لمس مشاعره الدينية؟

فوطننا العربي به من البلايا ما يكفيه وهو بحاجة لمن يساعده للخروج من هذه الطفولية الدينية التي تشمل وتغطي وتبتلع كل طاقاته وتجعل منه أخر شعوب الأرض تقدما وأكثره تخلفا وتعصبا وتذمرا وصراخا… وكل هذا بسبب الذين ينهجون نهج "الجزيرة" ويلعبون بالدين لأنه أسهل الطرق وأكثر الأوراق لتحريك أكبر الأعداد، وخاصة في وطن كثيرا ما يكون فيه الدين: "أفيون الشعوب"….

 

قناة الجزيرة وزيارة قداسة البابا

بمناسبة وبغير مناسبة في كل مرة يذكر فيها اسم قداسة البابا نجد قناة الجزيرة تقول: "لأنه أساء إلى الإسلام في تصريحات سابقة ورفض الاعتذار عنها". وهنا أتحدى أن توجد مقال أو خبر واحد على موقع الجزيرة، سواء كان الأمر له علاقة أو ليس لها أدنى علاقة، إلا وقامت قناة الجزيرة بالتذكير بهذه الحادثة، وكأنها تريد دائما أن تجدد الجراح وان تذكر العالم العربي الإسلامي، الغرق في الفقر والمعاناة، بأن هذا البابا الألماني قد تهجم على الدين الإسلامي، وبالتالي لا يحق لأحد أن ينسى أو أن يسامح… وهنا أريد أن أوضح شيئين:

الأول: أن تصريحات البابا لم يكن بها أي إهانة لأي دين ففي محاضرته العلمية  والتي استشهد فيها بقول الإمبراطور قد عبر قداسته، في نفس المحاضرة وفيما بعد، أن كلمات الإمبراطور هي كلمات لا يمكن قبولها…

وكان هدف المحاضر: أنه لا يمكن الجمع بين الله والعنف، فالعنف يتضاد مع طبيعة الله... وكان رد الفعل الإسلامي ردا عنيفا بدون مبرر. ألا يدعو الأمر للتفكير؟؟ ففي الوقت الذي أردت فيه العامة، وبالطبع قناة الجزيرة المحترمة، تأكيد أن الإسلام ليس دين عنف، ماذا فعلوا؟ مظاهرات عنيفة، وحرق كنائس وأعلام؟ وقتل أبرياء، وراهبات كرسوا حياتهم لخدمة الفقراء والمحتاجين؟ وتنديد وشتم … أوليس ذلك تأكيد للعنف بعنف غير مسبوق؟؟؟ وشخصيا أظن أن الإهانة الحقيقية للدين الإسلامي كانت رد الفعل الإسلامية وليست كلمات البابا!

 

والثاني: لقد عبر قداسة البابا في مناسبات عديدة عن أسفه وحزنه الشديد لرد الفعل الإسلامي، ولأن كلماته، التي أخذت بعيدا عن سياقها العلمي، قد تسببت في جرح مشاعر المسلمين، وأكد احترامه للمسلمين، ولثقافتهم ولمشاعرهم الدينية. وقد استدعى قداسة البابا كل الدبلوماسيين العرب المعتمدين لدي الكرسي الرسولي وأوضح لهم الموقف الرسمي للكنيسة الكاثوليكية من العالم الإسلامي، واحترام البابا للمسلمين ولمعتقداتهم (12).

 

 كما تحاول تلك القناة باستمرار إدعاء تعاطف البابا مع إسرائيل وتجاهله للمسلمين، وهنا نوضح الأتي:

علاقة الكنيسة باليهود وبأسرائيل:

إن الكنيسة الكاثوليكية أوضحت دائما أن هناك فرق بين الشعب اليهودي ودولة اسرائيل، فالفاتيكان كان من أخر الدول التي اعترفت بإسرائيل في حين أن بعض الدول العربية قام بذلك مبكرا جدا!!…

فقداسة البابا عندما يتكلم عن الشعب اليهودي فهو يتكلم عن شعب العهد القديم، (شعب التوراة)، وهو جزء لا يمكن فصله عن "الإيمان المسيحي" وليس عن دولة إسرائيل أو الصهيونية، وهنا أدعو لقراءة مقال عن "تبرئة اليهود من دم المسيح" (13).

 

فكفانا لخبطة بين شعب العهد القديم، (شعب التوراة)، وبين دولة اسرائيل، أو على الأقل كفانا اتهام الآخرين بالتخبط، لأن هذا لا يعبر إلا عن جهلنا بما يقوله الآخرون!!

 

 قناة الجزيرة وزيارة البابا

ماذا تريد قناة الجزيرة من قداسة البابا؟ أتريد أن ينطق بالشهادتين؟ وأن يؤم الأمة الإسلامية في الصلاة؟… فهل هذا ممكناً أو حتى منطقياً؟؟؟  وهل يمكننا أن نتخيل أن شيخ الأزهر مثلا (مع الاختلاف الجوهري في المنصب والمكانه) أن يؤمن بأن السيد المسيح هو ابن الله وأنه صلب ومات وقام من بين الأموات، فهل هذا ممكنا، وهل هذا منطقيا؟

فلكلٍ عقائده الثابتة والتي لا يمكن له أن يغيرها لأن قناة ما تصرخ ليلا ونهارا أو لأن آلاف المتظاهرين الغاضبين يصرخون ويحرقون الأعلام ويقتلون الأبرياء؟؟ فالثوابت الدينية لا تتغير أمام جهل المتظاهرين وصراخهم. وقداسة البابا لا يمكن له إلا أن يقدم الاحترام لدين الإسلامي وللثقافة الإسلامية وللأشخاص المسلمين، وهذا ما قد فعله وما يفعله في كل مناسبة، ومطالبته بأكثر من ذلك ليست إلا دربا من الخيال وعدم النضوج؟

 

زيارة غزة:

تعترض قناة الجزيرة، وأغلب القنوات العربية الأخرى، على أن البابا لم يضع قطاع غزة في برنامج زيارته للأراضي المقدسة: وهنا نتساءل: من هو الحاكم العربي الذي زار قطاع غزة؟ ولماذا تطالبون قداسة البابا بما لم يقم به أي حاكم من حكام الدول الإسلامية ومن المعروف أن سكان غزة من المسلمين، وأن الكاثوليك هناك لا يتعدون 200 مؤمن؟  أوليس ورقة غزة ليست إلا تأكيد على سياسة التهيج وإثارة مشاعر الكراهية ضد قداسته بدون داعي ولا مبرر؟

ودعون نتساءل أيضا: هل كان البابا حقا يستطيع زيارة غزة؟ من كان سيقوم بحمايته؟ حماس أم فتح؟ أم الجيش الإسرائيلي؟ لاسيما وأن كثير من المواقع الإسلامية المتطرفة هدد باغتياله… يقول المثل العربي: "إن أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع" ولكننا نطالب دائما الآخرين حتى بما لا نستطيع نحن القيام به؟ وعجبي!!

 

دورس من زيارة قداسة البابا لمنطقتنا العربية:

1- الحرية الدينية:

لم يترك قداسة البابا مناسبة إلا وطالب بحرية العبادة كحق أساسي من حقوق الإنسان، كل إنسان وأي إنسان، حق معترف به دوليا وحتى من البلاد الشيوعية والملحدة والعلمانية، ولكنه فقط في وطننا العربي مغتصب وممنوع؟

وقد أكد دائما الفاتيكان: "أن هذا حق أصلي لكل إنسان". ودعا منذ فترة طويلة لمنح المسيحيين في الدول الإسلامية حقوقا أكبر لاسيما في السعودية حيث لا يسمح للأقلية المسيحية الصغيرة بممارسة شعائرها الدينية علنا. وعندما استقبل البابا الملك عبد الله في الفاتيكان في نوفمبر تشرين الثاني الماضي بحث معه وضع الأقلية المسيحية في المملكة.

وقال البابا "من المفهوم أن الظروف قد تدفع المسيحيين أحيانا إلى ترك بلدانهم بحثا عن أرض يلقون فيها ترحيبا اكبر وحيث يسمح لهم بأن يعيشوا بحرية أكبر". وأضاف "لكن يجب علينا أن نشجع وأن نؤيد بشدة أولئك الذين اختاروا أن يظلوا أوفياء لأرضهم كي لا تتحول إلى موقع أثرية خالية من أي حياة كنسية". وفي السابق عبر البابا عن قلقه بشكل خاص لنزوح المسيحيين من العراق حيث قتل عدد من رجال الدين المسيحيين (14).

لأن الحرية الدينية ليست واحدة من بين الحقوق الإنسانية، بل هي أبرزها(15).

 

2- المناداة بالظلم والقهر:

لم يترك أيضا مناسبة إلا ونادى بالظلم والعنف باسم الدين والاستغلال الايدولجي للدين لهداف سياسية، مؤكدا أن الدين لله وأن السياسة عندما تتدخل في الدين تُفقد الدين معناه وتحوله إلى وسيلة في يد الساسة للعب به وبمشاعر العامة من الشعب لأهدافها السياسية والتي لا علاقة لها بالدين، وخلاصة قول قداسته هي: "أتركوا الدين بعيدا عن السياسة ولا تجعلوا السياسة توجه الدين لأن هذا يقود للعنف وللتخلف الاقتصادي والحضاري" ، أوليس هذا ما نعانيه في وطننا العربي؟؟؟ هذا ملخص ما قال في مسجد عمان.

وقال في زيارته نصب ياد فاشيم موجها كلمته للشهب اليهودي وللجميع:

"بإمكان المرء أن يسرق مقتنيات جاره، أن يفوّت عليه فرصا مهمة أو أن يحرمه من حريته. بإمكان المرء أن يحيك شبكة من الأكاذيب ليقنع الآخرين بأن بعض الجماعات لا تستحق الاحترام. ولكن مهما حاول الإنسان لا يستطيع أبدا أن يسلب اسم كائن بشري آخر… إن الكنيسة الكاثوليكية الملتزمة في تعاليم يسوع والتي ترنو إلى الاقتداء بمحبة كل شخص تشعر برحمة عميقة تجاه الضحايا الذين ذكرناهم. وفي الوقت نفسه تقف إلى جانب الذين يعانون اليوم من اضطهادات بدافع العرق واللون والدين والظروف الحياتية وتقاسمهم آلامهم ورجاءهم بالعدالة"(16).

 

3- كرامة المرأة

فقد قال قداسته في عظته بإستاد عمان: "في إطار سنة العائلة شكلت مسألة كرامة المرأة الخاصة، دعوتها ورسالتها في تدبير الله موضع تأملاتنا. كم تشعر الكنيسة في هذه الأراضي بعرفان الجميل لشهادة الإيمان والمحبة لأعداد لا تحصى من الأمهات المسيحيات، الراهبات، المدرسات، الطبيبات والممرضات، وكم هو فضل جميع النساء اللواتي كرسن حياتهن بشكل أو بآخر وبشجاعة في بعض الأحيان لبناء السلام وتنمية المحبة على مجتمعكم! في مطلع الكتاب المقدس نرى كيف أن الرجل والمرأة، المخلوقين على صورة الله، تكاملا مع بعضهما وتعاونا مع الله من خلال وهب الحياة لعالمنا، مادية كانت أم روحية. لكن وللأسف لم يلق غالبا دور المرأة وآرامتها، اللذين هما هبة من لدن الله، ما يكفي من الفهم والتقدير. ينبغي على الكنيسة والمجتمع ككل أن يدركا ما نحن بحاجة ماسة إليه، ما سماه سلفي البابا يوحنا بولس الثاني "الموهبة النبوية" للمرأة (في كرامة المرأة، 29) كحاملة للمحبة، مربية على الرأفة، بانية للسلام ومعطية الدفء والإنسانية لعالم غالبا ما ينظر إلى قيم الشخص بعين الاستغلال والمنفعة. إن الكنيسة في الأرض المقدسة، من خلال شهادتها العلنية لاحترام النساء ودفاعها عن الكرامة المتأصلة بطبيعة الشخص البشري، قادرة على تقديم إسهام كبير في نمو ثقافة بشرية حقة وفي بناء حضارة المحبة".

فلا نمو بلا مساواة بين الرجل والمرأة وبين جميع أفراد العائلة البشرية.

 

4- حل الدولتين:

تكلم البابا عن ضرورة قيام دولتين (فلسطينية وإسرائيلية) وطالب بحل عادل للجميع: "فيتمكن هكذا كلا الشعبين من العيش بسلام، كل في وطنه"… أليس هذا كل ما يمكنه أن يقول؟ أم أنه كان يجب أن يدعوا جيوشه العظيمة لتحرير الأراضي الفلسطينية من الإسرائيليين وتسليمها للفلسطينيين هدية محبة؟؟؟؟…

أليس كل ما يتمناه أي فلسطيني وأي إسرائيلي مخلص هو دولة يحيا فيها بسلام؟ (17).

 

5- الحوار اليهودي والإسلامي:

وهنا أقتبس من كلمة البابا في لقاءه مع المنظمات الملتزمة في الحوار بين الأديان في أورشليم:

"يعاش الإيمان دوما في قلب ثقافة ما، ويبين لنا تاريخ الأديان أن جماعة المؤمنين تسير تدريجيا نحو ملء أمانتها لله إذ تستقي في مسيرتها من الثقافة التي تعايشها لتصقلها. نجد هذه الديناميكية عينها لدى مؤمني الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى: إننا نستجيب لدعوة الله على مثال إبراهيم ونرحل للبحث عن تمام وعوده، نسعى جاهدين للانصياع لمشيئته ونشق دربا في ثقافتنا الخاصة… اليوم وبعد ما يقارب أربعة آلاف سنة على مجيء إبراهيم لا يتم اللقاء بين الأديان والثقافة على صعيد جغرافي وحسب فقد خلقت بعض نواحي ظاهرة العولمة وخصوصا عالم الإنترنت ثقافة افتراضية واسعة النطاق ذات قيمة متنوعة وأوجه عدة. مما لا شك فيه أن انجازات كثيرة تحققت بهدف تعزيز الوحدة والتقارب بين أعضاء العائلة البشرية، على كل حال وفي الوقت نفسه فإن الاستخدام غير المحدود للحاسوب الذي يحصل الأشخاص من خلاله وبسهولة على معلومات من مصادر متنوعة  قادر على أن يصبح عامل تفكك: تتفتت وحدة المعرفة فيما يتم إهمال التمييز والتفرقة المأخوذين من التقاليد الأكاديمية والأخلاقية… نرى إمكانية وحدة غير منوطة بالتماثل. وقد تبدو في بعض الأحيان الخلافات التي نعالجها في الحوار الديني المشترك كحواجز، مع ذلك فهي لا تقتضي تعتيم المعنى المشترك للمخاوف الوقورة واحترام الطابع الجامعي والمطلق والحقيقة التي تدفع بالدرجة الأولى المؤمنين إلى إقامة علاقات الواحد مع الآخر. إنه اقتناع مشترك بأن الوقائع المتسامية تجد مصدرها في الكلي القدرة وتحمل بصمات الله الذي يمجده المؤمنون الواحد تجاه الآخر وأمام المنظمات ومجتمعنا وعالمنا. بهذه الطريقة لا نغني الثقافة وحسب بل نصقلها: حياة أمانة دينية تردد صدى حضور الله القوي وتشكل ثقافة لا تعرف حدود الزمان والمكان إذ تغذيها أساسا المبادئ والأعمال المتأتية عن الإيمان… إن الإيمان الديني يتطلب الحقيقة والمؤمن هو من يبحث عن الحقيقة ويعيش استنادا إليها. على الرغم من أن الوسيلة التي نبحث من خلالها عن الحقيقة وندركها تختلف بعض الشيء بين ديانة وأخرى ينبغي ألا تحبط عزيمتنا في الشهادة لقوة الحقيقة. باستطاعتنا أن نعلن سويا أن الله موجود ويمكن التعرف عليه وأن الأرض خليقته وأننا خلائقه وأنه يدعو كل رجل وامرأة إلى نمط حياة يحترم المخطط الذي وضعه من أجل العالم. أيها الأصدقاء، إذا آمنا أن معيار الحكم والتمييز مستمد من الله وموجه للبشرية كلها لا يسعنا أن نكل في جعل هذه المعرفة تؤثر على الحياة المدنية. ينبغي أن توضع الحقيقة بتصرف الجميع لأن أعضاء المجتمع كافة بحاجة إليها. إن الحقيقة تسلط الضوء على الأسس الأدبية والخلقية وتملأ العقل بالقوة اللازمة لتخطي حدوده للتعبير عن أعمق تطلعاتنا المشتركة. الحقيقة لا تهدد التسامح إزاء الاختلافات والتعددية الثقافية بل تجعل الوفاق ممكنا وتثبت النقاش العام في المنطق والنزاهة والوضوح وتمهد الطريق أمام السلام. في الواقع إن إنماء الرغبة في طاعة الحقيقة يوسع آفاق فهمنا للمنطق ولإطار تطبيقه ويجعل ممكنا الحوار الأصيل بين الثقافات والأديان والذي نحتاج إليه اليوم بشكل خاص" (18).

 

6- الشهادة للحق والعيش بحسب الحقيقة:

وقد قال قداسته أيضا في مقال بعنوان: "الحوار بين الأديان لا يمكن أن يتم بمعزل عن البحث عن الحقيقة: "تريد الكنيسة أن تستمر في بناء جسور الصداقة مع أتباع كل الديانات، بغية البحث عن الخير الأصيل لصالح كل إنسان والمجتمع ككل". ثم كرر البابا التشديد بأن الإيمان المسيحي لا يعتبر "الحقيقة والعدل والحب مجرد مثل عليا، بل هي وقائع مهمة جدًا"، موضحًا أن "المحبة بالنسبة للكنيسة ليست نوعًا من الرعاية الاجتماعية التي يمكن إيكالها إلى الآخرين، بل هي أمر يرتبط بطبيعة الكنيسة بالذات، وهي تعبير عن جوهرها بالذات" (راجع الرسالة العامة "الله محبة"، 25)-(19).

 

ودعونا في نهاية هذا المقال نتساءل: أين إدانة الدول العربية والعالم الإسلامي من الظلم الذي تتعرض له الأقليات المسيحية في كثير من الدول العربية؟ أين إدانة الدول العربية لأعمال الإرهاب التي تتم باسم الدين ويقتل فيها الأبرياء؟ أين الاعتذارات التي قدمها العالم الإسلامي ليسأل من الآخرين أن يقدموا له بدورهم الاعتذار؟ ولماذا يطلب الاعتذار عن الحروب الصليبية ولم يعتذر أبدا عن حروبه لنشر الدين في أوروبا وأفريقيا؟ ولماذا يسمي حروبه فتوحات وفتوحات الآخرين حروب؟

 

كفانا ازدواجية في المعايير ولنتعلم من السيد المسيح: "لماذا تنظر إلى القشة في عين اخيك ولا تبالي بالخشبة في عينك ، بل كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القشة من عينك وها هي الخشبة في عينك أنت ؟ يا مرائي أخرج الخشبة من عينك أولا حتى تبصر جيدا فتخرج القشة من عين أخيك" لوقا 7 : 1- 5

واختتم مقالي بدعوة جميع الكاثوليك بالفرح والابتهال لأن الأب الأقدس جاء إلى إلى الأراضي المقدسة وتكلم بشجاعة الأنبياء لم يتملق للشر ولا يحني هامته أمام رجالات السياسة أو الإرهابيين… جاء ليعلن الحب والسلام والمساواة للجميع دون تفرقه بين أحد، لا اللون، ولا العرق، ولا الدين، ولا اللغة… لأن الله يشرق شمسه على الجميع ولأنه يريد أن الجميع يخلصون ولمعرفة الحق يبلغون.. ولنصلي لكي يتعلم الجميع منه الشهادة للحق بالمحبة.

الأب د. يوأنس لحظي جيد

رئيس تحرير موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي

 

*هذا المقال يعبر فقط عن رأي وموقف كاتبه الشخصي

 

المراجع

(1) راجع:  كلمة الملك عبد الله مرحبا بقداسة البابا:

http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9NDc1MQ%3D%3D

(2) راجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9NDc4NA%3D%3D

(3) مراجع: عن المجمع الفاتيكاني الثاني بيان في علاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحية الفقرة 3 روما في 28 أكتوبر/تشرين الأول: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/7BA90E6B-26FB-4897-9E87-DB594D2C9372.htm

(4) راجع: http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=384528&issueno=10164

(5) راجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9NDc2Ng%3D%3D

(6) راجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9NDc2Ng%3D%3D

(7) راجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9Mzk1MA%3D%3D

(8) راجع:

http://www.cisro.org/index.php?page=58&lang=ar&table=contributi&news=86&group=contributi&subgroup=doc_2006

(9) راجع:http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9NDc3MQ%3D%3D

(10) (النص العربي للرسالة التي وجهها 138 عالم مسلم: كلمةٌٌ سواء بيننا وبينكم- http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9MTc3MQ%3D%3D).

(11) النص الكامل للبيان: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9MzkyNQ%3D%3D

(12) راجع: http://www.muslm.net/vb/archive/index.php/t-181371.html +

http://www.alriyadh.com/2006/09/18/article187486.html

(13) راجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9MzIyOA%3D%3D

(14) راجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9MjE4MA%3D%3D

(15) راجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9MTczMQ%3D%3D

(16) راجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9NDc4NQ%3D%3D

(17) راجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9NDc5Mw%3D%3D

(18) رجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9NDc4Nw%3D%3D

(19) رجع: http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9MzA1Nw%3D%3D

 

وادعوا لقراءة : لقاء مع دبلوماسيين من الدول الإسلامية: أهداف الكرسي الرسولي: الشخص البشري والعدالة والسلام" العمل على تعزيز الحق في التنمية:

http://www.coptcatholic.net/section.php?hash=aWQ9OTM2

وأيضا:

http://www.oasiscenter.eu/pages/benedict16_ankara_28_11_2006_ar.html

وايضا: موقف الكنيسة الكاثوليكية من الإسلام بعد اﻟﻤﺠمع الفاتيكاني الثاني

http://www.tabahfoundation.org/ar/research/activities/papers/?action="v"iew&id=7