ثيوفيلوس الثالث يستقبل البابا بمقر البطريركية الأرثوذكسية

 

 

القدس -معا- استقبل البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك القدس والأراضي المقدسة والأردن، صباح اليوم قداسة بابا الفاتيكان بينيدكتوس السادس عشر في مقر بطريركية الروم الأرثوذكس في البلدة القديمة بالقدس، بمشاركة كبار رجال الدين من الكنيستين الأرثوذكسية و الكاثوليكية وحضور الدكتور رفيق الحسيني رئيس ديوان الرئاسة الفلسطينية و المهندس عدنان الحسيني محافظ القدس و زياد البندك وزير الحكم المحلي و قناصل دول اوروبية في القدس.

ورحب بطريرك القدس بالحبر الأعظم في رحلة الحج الى الأراضي المقدسة، مستذكراً رحلة الحج التي قام بها سلفه البابا يوحنا بولص الثاني في عام 2000 حين كان الأمل في السلام يملأ النفوس ويعد بمستقبل امن و مزدهر لأهل المدينة المقدسة و المنطقة جمعاء.

وفي كلمته شدد البطريرك على دور الكنيسة في دفع عجلة السلام من منظور انساني و عقائدي مسيحي يسعى الى إنهاء العذابات و مد جسور المحبة والعدل. ولفت الى الأهمية التي توليها الكنيسة الأرثوذكسية لتضاؤل أعداد المسيحيين في الأراضي المقدسة جراء الهجرة التي سببها انعدام السلام و العدالة وفرص العيش الكريم و استمرار التدهور السياسي و الاقتصادي في المنطقة التي تعاني من الحروب منذ عقود.

وعبّر غبطته عن استعداد الكنيسة الأرثوذكسية للتعاون مع الكنيسة الكاثوليكية لمواجهة التحديات الكامنة في انعدام السلام و العدالة و الهجرة المسيحية خاصة تلك المتعلقة بهجرة الشباب. واختتم غبطته بالتمني لأن تلفت زيارة قداسة البابا أنظار العالم لحاجة القدس و الأراضي المقدسة للسلام.

بدوره، شكر البابا البطريرك ثيوفيلوس الثالث على استقباله في المدينة المقدسة، مؤكداً على أهمية رسالة الكنيسة بالتاخي و المحبة، مشدداً على أنه أن الاوان لاحلال السلام في الأرض المقدسة. كما عبّر الحبر الأعظم عن دعمه لمبادرات الحوار بين الأديان و التي تشكل الكنيسة الأرثوذكسية عنصراً أساسياً فيها خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وأضاف قداسته "إني إذ أشجعكم على الإعلان بفرح الرب القائم من بين الأموات، أود أن أقر بعمل قادة الجماعات المسيحية في هذا الاتجاه الذين يجتمعون بشكل انتظامي في هذه المدينة. إن أكبر خدمة يمكن لمسيحيي القدس تقديمها لمواطنيهم هي تربية وتعليم جيل جديد من المسيحيين المهيأين والملتزمين تحييهم رغبة الإسهام بسخاء في الحياة الدينية والمدنية لهذه المدينة الفريدة من نوعها والمقدسة".

و شدد قداسته" أن الأولوية الأساسية لكل مسؤول ديني هي تغذية إيمان الأفراد والعائلات الموكلة إلى رعايته الدائمة. وإن هذا الاهتمام الرعوي المشترك سيجعل لقاءاتكم الاعتيادية تتميز بالحكمة والمحبة الأخوية الضروريتين ليدعم الواحد الآخر ولمواجهة الأفراح والصعاب التي تطبع حياة الناس. أصلي كي يدرك الجميع أن تطلعات مسيحيي القدس تتماشى مع تطلعات كل سكانها من كل الديانات: حياة موسومة بالحرية الدينية وبالتواجد السلمي ـ وخصوصا للأجيال الفتية ـ وبإمكانية التربية وإيجاد مكان عمل وبتطلعات ضيافة ملائمة ومسكن عائلي وبإمكانية الاستفادة من وضع اقتصادي مستقر والإسهام في تحسينه."

وقال الأب عيسى مصلح، الناطق باسم الكنيسة الأرثوذكسية، أن زيارة قداسة البابا للبطريركية الأرثوذكسية حملت عدة معاني أهمها التعاون بين الكنيسة الكاثوليكية و الكنيسة الأرثوذكسية في تطبيق رسالة السيد المسيح على الأرض و في أولوياتها نشر المحبة و العدل و السلام بين الناس، كما أبرزت الزيارة وما دار فيها من حديث على العلاقات المتينة التي تربط الفاتيكان و البطريركية المقدسية.

وبعد ذلك توجه البابا بينيدكتوس السادس عشر برفقة المتروبوليت ايسيخيوس مندوب البطريرك ثيوفيلوس الثالث و كبار رجال الدين الى كنيسة القيامة حيث قال قداسته في كلمة اختتم بها زيارته الى القبر المقدس "وأود أن أعبر بالطريقة نفسها عن تقديري الترحيب الذي حفظه لي المسؤولون عن الكنيسة الأرثوذكسية" .

وأضاف "إنجيل القديس يوحنا يحكي عن زيارة بطرس والرسول الحبيب للقبر الفارغ في صباح الفصح. واليوم، وبعد عشرين قرنا تقريبا، يوجد خليفة بطرس، أسقف روما، أمام هذا القبر الفارغ ليتأمل في سر الفداء. على خطى الرسول، أود مرة أخرى الإعلان أمام رجال ونساء عصرنا إيمان الكنيسة المتين بأن يسوع المسيح "صلب، مات ودفن"، وبأنه "في اليوم الثالث قام من بين الأموات". وإذ رفع إلى يمين الآب أرسل لنا روحه لمغفرة الخطايا. فليس هناك إلا الذي شاءه الله ربا ومسيحا، "فما من اسم آخر تحت السماء أعطيه الناس نستطيع به أن ندرك الخلاص"

و أكد قداسة البابا أنه في هذا المكان المقدس انطلاقا من ذاك الحدث الرائع كيف لنا ألا نشعر "بحزن في القلوب" ، كما حصل مع الذين سمعوا كلام بطرس يوم العنصرة؟ في هذا المكان مات المسيح وقام من بين الأموات كي لا يموت أبدا. وهنا تبدل تاريخ البشرية نهائيا إذ تم تدمير سيطرة الخطيئة والموت مع انتصار الطاعة والحياة. خشبة الصليب تكشف عن حقيقة الخير والشر البسيطة. وتم الإعلان عن عدل الله في هذا العالم وانسكبت نعمة الروح القدس على البشرية بأسرها. في هذا المكان علمنا المسيح، آدم الجديد، أن الكلمة الأخيرة ليست للشر وأن المحبة أقوى من الموت وأن مستقبلنا ومستقبل البشرية هو في يدي الله.

وأعلن الحبر الأعظم انتهاء رحلة حجه للأراضي المقدسة بقوله "القبر الفارغ يحكي لنا عن الرجاء، الذي لا يخيب الآمال، لأنه عطية من الروح للحياة . هذه هي الرسالة التي أريد أن أتركها لكم اليوم، في نهاية حجي إلى الأرض المقدسة. ليسد الرجاء من جديد، بنعمة الله، قلب كل شخص يعيش في هذه الأراضي! وليترسخ في قلوبكم وفي عائلاتكم وجماعاتكم لينعش في كل واحد منكم شهادة أكثر أمانة لأمير السلام. الكنيسة في الأرض المقدسة، التي اختبرت كثيرا سر الجلجلة الخفي، مدعوة إلى أن تبقى رائدة نيرة لرسالة الرجاء التي يعلنها هذا القبر الفارغ. يقول لنا الإنجيل إن الله قادر على تجديد جميع الأشياء، وإن التاريخ لا يعيد نفسه بالضرورة، وإن الذكريات قادرة على أن تنقى وإنه يمكن تخطي ثمار المعاناة والعدائية المرة وإن مستقبل عدل وسلام وازدهار وتعاون ممكن لكل رجل وامرأة وللعائلة البشرية كلها، وخصوصا للشعب المقيم في هذه الأرض العزيزة جدا على قلب المخلص. وأضاف قداسته "بكلمات التشجيع ، أيها الأصدقاء الأعزاء، أنهي حجي للأماكن المقدسة، أماكن خلاصنا وولادتنا الجديدة بالمسيح. أصلي كي ما تستمد الكنيسة في الأرض المقدسة قوة أكبر من التأمل في قبر الفادي الفارغ. إنها مدعوة لأن تدفن في هذا القبر كل الاضطرابات والمخاوف كي تنبعث مجددا كل يوم وتواصل رحلتها على طرقات القدس والجليل وأبعد منهما، معلنة انتصار مغفرة المسيح والوعد بحياة جديدة. إننا كمسيحيين، ندرك أن السلام الذي تطمح إليه هذه الأرض المعذبة له اسم: يسوع المسيح. "هو سلامنا"، المسيح الذي صالحنا مع الله بواسطة الصليب، واضعا حدا للعداوة . لذا فلنضع رجاءنا بالمستقبل بين يديه، كما وضع هو روحه بين يدي الآب ساعة الظلمة."