الملك والبابا.. صفحة جديدة للسلام العالمي

 

عرفات حجازي

جريدة الدستور الأردنية

  

زيارة قداسة البابا بندكتس السادس عشر للاردن جاءت لتضع حجراً راسخاً في عملية السلام بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة بعد الشروخ التي أحدثتها حرب العراق التي قادها الرئيس الأمريكي السابق بوش عندما أعلنها بأنها ستكون حرباً صليبية بعد أن نسي المسلمون مآسي تلك الحرب الصليبية المجرمة التي قام الجيش الصليبي الكاثوليكي بارتكاب أبشع الجرائم الوحشية في المدينة المقدسة القدس التي بلغت دماء المسلمين فيها الذين قام الجيش الصليبي بذبحهم الى خلاخل خيل المسلمين فجاء اليوم قداسة البابا لينهي بالتعاون مع الملك الهاشمي تلك المآسي من أذهان المسلمين عندما قال في كلمته التي القاها خلال زيارته لمسجد الملك الحسين بن طلال أنه على المسلمين والمسيحيين أن يبحثوا معاً عما هو عادل ومستقيم وعلينا أن نلتزم بتخطي مصالحنا الخاصة وتشجيع الاخرين وخصوصاً المسؤولين المدنيين والقادة على البحث عن الحق بهدف خدمة الخير المشترك حتى عبر التضحيات وبما أن كرامتنا البشرية تشكل أصيل الحقوق الانسانية الجامعة فإن هذه الحقوق تصلح لكل رجل وامرأة بدون اي تمييز ديني أو اجتماعي أو عرقي وفي هذا المنظار نلاحظ أن الحق في الحرية الدينية يذهب أبعد من مسألة العبادة ويتضمن حق الجميع وخصوصاً بالنسبة للإقليات في دخول عالم العمل والحياة المدنية.

 

ثم حيا قداسته غبطه البطريرك عمانوئيل الثالث بطريرك بغداد الذي جاء خصيصاً لاستقبال قداسته وهو يذكرنا بمواطني العراق الذين وجد كثيرون منهم ضيافة ودية في الاردن حاثاً المجتمع الدولي على بذل جهوده لتعزيز السلام والمصالحة لإعطاء ثمارها في حياة العراقيين وكان واضحاً ان كلام قداسة البابا في مسجد كان يعتذر عن حرب الصليبية التي شنها بوش على العراق وقتل خلالها أكثر من مليون عراقي علو على تدمير عاصمة الحضارة والخيرات ولم ينس سمو الأمير غازي بن محمد الممثل الشخصي والمستشار الخاص لجلالة الملك أن يقدر هذه المشاعر القاضية لقداسة البابا عندما حتى في كلمة الترحيب التي القاها في تحية قداسته: هذه هي المرة الأولى في التاريخ الذي يزور فيه البابا مسجداً جديداً ومن هنا فنرى في هذه الزيارة رسالة واضحة عن ضرورة الوئام والانسجام ما بين الديانات والاحترام المتبادل في العالم المعاصر وبرهاناً ملموساً على استعداد قداستكم للقيام بدور قيادي في الشأن.

 

وقال سمو الأمير غازي رداً على موقف ومشاعر قداسة البابا وبالنسبة قبل أنه أساؤوا لرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن قال سموه: وعلي أن اعرب عن الشكر لقداستكم على "الندم" الذي عبرتم عنه بعد المحاضرة التي ألقيتموها في ريجنسبيرغ في 13 ايلول 2006 على الإيذاء الذي سببته هذه المحاضرة لمشاعر المسلمين وبالطبع فات المسلمين يعرفون أنه ليس هناك من قول أو فعل في هذا العالم يمكن أن يسبب أي أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يشير لنا كلماته الأخيرة أنه مع الرفيق الأعلى سبحانه وتعالى -في الجنة- ولكن مشاعر المسلمين تأذت بسبب حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم النبي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم (سورة الأحزاب) ومن هنا فإن المسلمين قدروا بصورة خاصة التوضيح الذي صدر عن الفاتيكان بأن ما قيل في المحاضرة التي الغيت في ريجنسيبرغ لا يعكس رأي قداسة البابا وأنه كان مجرد اقتباس من محاضرة أكاديمية. إضافة الى ذلك فإن من الواضح تماماً بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يحبه المسلمون ويقتدون بسنته ويعرفونه كحقيقة حية ووجود روحي مختلف تماماً وكاملاً عن الصورة التي ترسم له تاريخياً في الغرب منذ أيام القديس يوحنا الدمشقي فهذه التصويرات المشوهة من قبل أولئك الذين يجهلون اللغة العربية أو القرآن الكريم والحديث الشريف فهم لا يفقهون السياق التاريخي الثقافي لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم يسيئون فهم النية والمقاصد الروحية وراء احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله الشريفة وهي المسؤولة لسوء الخط عن الكثير من التوتر التاريخي والثقافي بين المسيحين والمسلمين ولذلك أنه من واجب المسلمين أن يقصدوا لتوضيح قدوة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل كل شيء من خلال أفعال فاضلة ومحسنة وتقيه وخيرة مستذكرين بأن رسول الله صلى عليه وسلم كان لعلي خلق عظيم (سورة القلم) وقول الله تبارك وتعالى في القران الكريم: "لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً".

 

واختتم سمو الأمير خطابه فقال لقداسة البابا: وأخيراً يتوجب علي أن أشكر قداستكم على العديد من البوادر الودية والاعمال الكريمة الأخرى تجاه المسلمين منذ اعتلائكم سدة البابوية عام 2005 بما في ذلك استقبالكم بكل الاجلال صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية عام 2005 والملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية خادم الحرمين الشريفين عام 2008 وبشكل خاص أشكر قداستكم على استقبالكم الحار للرسالة التاريخية المفتوحة "كلمة سواء بيننا وبينكم" والتي وجهها 138 من العلماء المسلمين المرموقين عالمياً الذين تستمر أعدادهم في الإزدياد حتى يومنا هذا الى قادة المسيحيين في العالم في 13 تشرين الأول 2007. وإنطلاقاً من هذه المبادرة التي أقرت من قبل القرآن الكريم والتوراة والأنجيل أن من أعظم قيمتين في الدين الإسلامي والدين المسيحي حب الله وحب الجبار.. قام الفاتيكان وبتوجيهكم الشخصي بعقد أول ندوة للمنتدى الإسلامي الكاثوليكي العالمي بين 4-6-2008 وسنعمل قريباً بمشيئة الله مع نيافه الكاردينال توران القدير على متابعة العمل الذي أنطلق في هذا الاجتماع ولكن سأكتفي الأن بأن أقتبس واردد كلماتك التي وردت في الخطاب الذي القيتموه قداستكم بمناسبة انتهاء الندوة فقد قلتم: إن الموضوع الذي اختتمتموه اجتماعكم وهو حب الله وحب الجار كرامة الإنسان والاحترام المتبادل مهم بصورة خاصة وقد أخذ من الرسالة المفتوحة التي تعتبر حب الله وحب الجار قلب كا من الاسلام والمسيحية وهذا الموضوع يسلط الضوء بدرجة أكبر من الوضوح على الأسس اللاهوتية والروحية للتعاليم الاساسية لديننا.

 

الملك رافع الرايات

وفي هذه الزيارة التاريخية لقداسة البابا بندكتوس السادس عشر للاردن فتح جديد للعلاقات الإيمانية مابين القوتين العالميتين الاسلام والمسيحية خصوصاً عندما رفع رايات المحبة والسلام بكل رجولة ومسؤولية جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم عندما رحب بقداسة البابا بخطاب تاريخي يوم وصوله الاراضي الاردنية يوم الخامس من أيار 2009 عندما استهل خطابه وهو يقول بصدق القائد المؤمن: اننا نرحب بالتزامكم بازالة سوء الفهم والانقسامات التي الحقت الضرر بالعلاقات بين المسيحيين والمسلمين وإن زيارتكم التاريخية لمسجد الملك الحسين ولقاءكم علماء الاسلام يخطيان بترحيب كل الاردنيين وأمل بأن نستطيع معاً توسيع الحوار الذي بدأناه حواراً يقبل بخصوصية هوياتنا الدينية ولا يخاف من نور الحقيقة حواراً يعظم قيمنا وروابطنا المشتركة والعميقة.

 

صفحة جديدة بين المسلمين والمسيحيين

ويمكن القول أن زيارة البابا بندكتس السادس عشر للاردن والحفاوة التي لقيها من الملك الهاشمي ومن كافة الأردنيين قد أرست علاقات جديدة إعادت للذكراة وحدة الاديان والعلاقات الاسلامية المسيحية التي أسست لها العهدة العمرية والتي ستجعل من الأردن ميداناً تنطلق منه كل معاني المحبة والسلام والأمان وستعيده عن الأحقاد التي أرست جذورها الصليبية الكاثوليكية التي حاول الرئيس الأمريكي السابق بوش أن يجعلها قاعدة لعداء الشعوب وسفك دمائهم ونشر البغضاء بينهم وتحويل أرض السلام الى ساحات للقتال والكراهية والابتعاد عن كل الصلوات الله ورسله الذين ارادوا الخير للبشرية والمحبة للجار ولكل إنسان يعيش على هذه الإرض التي أرادها الله أن تكون أرض الخير والسلام للجميع.

 

ولقد أمضى البابا اربعة أيام في الأردن كنت قريباً منه وأراقبه وأراقب كل الذين احاطوا به من مسيحيين ومسلمين وكنت أشعر أن الكثير من الدفء والمحبة والتآخي والتحابب أصبحت دعوة الجميع لابد دعوة قداسة البابا التي أساسها الإنجيل هي ذات دعوة الملك الهاشمي الذي عرف العهدة العمرية أنها دعوة تؤكد على ضرورة التعلق بالايمان والتمسك بحب الأخ والجار والاخرين حتى تسود حياة السلام بين البشر وحتى يعم الخير مع البشرية ويكون لهذه الزيارة التي أطلق بداياتها بوش باعلان الحرب الصليبيةالتي أصابت شرورها كل البشرية ولا بد من أن نواصل دعوانا أن يرحم الله أهل غزة ونسائها وأطفالهامن تلك الحرب المجنونة وأن يطلق أسر الأحد عشر الف أسير فلسطيني الذين يريدون أن يحبوا في وطنهم وبين أهلهم وينعم كل المسلمين بعد والمسيحيين وأن يعم السلام كل مساحات هذا الوطن وهذه الارض وأن ينعم هذا الشعب بالامان والسلام بعيداً عن حقد الحاقدين ومؤامرات المتآمرين. وحفظ الله الأردن وقائده والأمة وظللنا الله بالامن والعافية والأمان. انه سامع دعوات الصادقين المخلصين.