لأن الجماعات اليهودية والصهيونية هاجمت الكاردينال جوزيف راتزنجر الذي اختير عام 2005 لتولي منصب البابوية في روما بشدة وبعنف، لأنه أولاً من أصل ألماني غربي!! ولا بد أنه سيكون ممن يحملون ضغينة ولو مبطنة ضد اليهود.. وثانياً لأنه اختار أسماً كنسياً هو بنديكتوس السادس عشر تيمنا بسميه الخامس عشر الذي لم يكتف ( 1919 ) بالاعتراض علي قيام الحكومة البريطانية بإصدار وعد بلفور الشهير، بل اتخذ موقفاً رافضاً لقيام وطن قومي لليهود في فلسطين..
لأن موقف الحكومات الإسرائيلية المتعنت معه طوال الخمس سنوات الماضية، قاد إلي تعريض البابا أثناء زيارته " كحاج " للأماكن المقدسة في فلسطين المحتلة لأشرس هجوم يمكن أن ينال من شخصية دينية بحجمه ومكانته علي رأس الكنسية الكاثوليكية ودولة الفاتيكان.. بشهادة الأعلام الدولي، تلقفته موجة من العداء شملت متعصبين دينياً وعدد من الوزراء والنواب والحاخامات، أكثر ما ميزها طلب تقدم به كل من باروخ مارزل ( حزب الاتحاد القومي ) و إيتان بن جبير ( من قيادات التطرف الاستيطاني ) إلي مباحث امن الدولة قبل بدء الزيارة لاستصدار أمر باعتقاله " فور وصوله للبلاد " بتهمة " إخفاء الذهب الذي استولي عليه القائد الروماني بعد أن قام بهدم هيكل سليمان عام 79 ميلادية "!!..
لأن هيئة الحاخامات العليا رفضت أن تشارك بروتوكولياً في استقبال البابا لدي هبوطه من الطائرة قادماً من عمان، واكتفي مندوبوها بلقائه عندما زار مقرها في القدس الغربية.. وطفح تعليل المتحدث باسمها بالكراهية عندما وصف الزيارة بأنها " لا تَصب في مصلحة إسرائيل بل هي لتعزيز مكانة البابا المسيحية في العالم، مما يتوجب علي اليهود أن يرفضوها ".. وقال دوف شتاين رئيس تجمع سنهادرين الدينى المتشدد " لولا الديانة المسيحية لكان عدد اليهود اليوم حوالي نصف مليار ".. أما تصريح داني باز العقيد السابق بالجيش فكان أشدها عنفا حيث قال " لا يوجد في التاريخ البشري اكبر ولا أخطر من الكنيسة الكاثوليكية "..
حافظت المملكة الأردنية الهاشمية علي طابع الزيارة الديني الذي صدر به بيان رسمي من الفاتيكان جاء فيه " زيارة البابا للأماكن المقدسة ليست سياسية بل دينية، الحبر الأعظم لا يجئ بصفته رئيساً لدولة الفاتيكان ولكن بصفته رئيساً للكنيسة الكاثوليكية التي تضم أكثر من بليون نسمة ".. أما إسرائيل فقلبتها إلي زيارة سياسية، ثم حاسبوه رسمياً وشعبياً لأنه لم يؤكد بصراحة ووضوح علي مقتل 6 مليون يهودي في المحارق الألمانية.. ولم يشر بصراحة ووضوح إلي هوية قاتلهم النازية!! من هذه الزاوية رآه البعض متضامناً مع الكاهن البريطاني ريتشارد وليامسون المنكر للمحرقة والرافض لعدد اليهود الذين راحوا ضحيتها..
وبالغت غالبية وسائل الإعلام في كراهيتها للزيارة والقائم بها عندما، أجمعت علي أنها لم تترك أثراً يذكر لأنه " لم يطلب المعذرة والغفران ولم يُذرف دمعة واحدة كتعبير عن الندم والشعور بالذنب ".. بل أدعا بعضها بأنه أهان الدولة " عندما طلب إزالة نجمة داود عن جانبي سيارة الإسعاف التي كانت ترافق موكبه "..
وبينما اعتبر الحاخام مائير لو أن زيارة البابا للمتحف التذكاري لضحايا الهولوكست " ناقصة وغامضة لأنه وصفهم بأنهم ماتوا ولم يقل أنهم قتلوا أو أبيدوا "، قال توم سيجف في صحيفة هآرتس ( 13 / 5 ) أن رفض البابا لاستخدام الصيغ المتعارف عليها عند إلقاءه خطاب بهذه المناسبة " يدل علي إنكاره للمسئولية الملقاة علي عاتقه كمسيحي وكألماني، وبالتالي إنكاره لاستحقاق اليهود أن يَهتم ( البابا ) بكارثتهم العظمي أو أن يحرص علي قول الحقيقة "..
أما أرييلا رينجل هوفمان فقال ( 13 مايو ) في صحيفة يديعوت تحت عنوان " زيارة البابا هدر تاريخي " إنهم – أي البابا وحاشيته – لن يفهموا معني الغضب والاستياء الذي " نجم عن زيارتهم لنا ".. وكذلك توافق معه روبيك روزنتال في صحيفة معاريف في نفس اليوم حيث قال تحت عنوان " زيارة البابا إخفاق كبير " ما الصلة بيننا وبين هذا الرجل الذي يقول كلام عكس ما توقعناه منه.. لقد حاولت أن أجد شيئاً واحداً يجمعني بهذا الرجل الذي يلبس لباسا ابيض، فلم اجد ".. وختم مقاله قائلا " أنني افرق بين عدم مبالاتي بمملكة الكرادلة والشمامسة، وبين البشر الذين يعيشون متمسكين بعقيدتهم المسيحية "..
الكراهية والمعاندة أنستهم تصريحات البابا المتعاطفة مع ضحايا حقبة الحكم النازي في المانيا.. وجعلتهم ينكرون عليه حرصه علي تأكيد مستويات الصداقة بين الكنيسة الكاثوليكية والشعب اليهودى، لدرجة ان بعضهم وصفه بأنه " يمثل المحافظين في كنيسة روما اللذين هم اخطر علي اليهودية من المسلمين واخطر علي قضية التسامح من الآخرين ".. وحتى حرصه علي زيارة المتحف ومقر الحاخامية العظمي وحائط البراق ( المبكي ) لم يروا فيه تعبيرا صريحا عن تقديره لدولة إسرائيل، التي ربما يشكك في شرعية وجودها!!..
تعبيرا عن الكراهية، رفضت حكومة إسرائيل رسمياً الاستجابة لمطلبين علي قدر هائل من الأهمية كانا علي جدول الزيارة..
الأول.. طلب استعادة السيطرة علي ست أماكن مقدسة صادرتها قوات الاحتلال العسكرية بالضفة، يأتي علي رأسها كنيسة البشارة في الناصرة وكنيسة العشاء الأخير بالقدس، حيث أبدي وزير الداخلية إيلي يشاي رفضاً باتا التنازل عن تلك الأماكن!!..
والثاني رفض منح تأشيرة دخول لـ 500 قسيس من أبناء الدول العربية للقيام بخدمة المسيحيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وفي إسرائيل..
الدكتور حسن عبد ربه المصري
استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk