مجمع الكنائس الشّرقيّة في الفاتيكان

بقلم الأب فرنسوا عقل المريمي

الفاتيكان، الخميس 4 يونيو 2009 (Zenit.org).

يعلم القاصي والدّاني أنّ الكرسيّ الرّسوليّ هو مركز السّلطة الكنسيّة العليا بالنّسبة إلى جميع الكاثوليك في العالم، وهو يتمثّل بالحبر الأعظم بمعاونة بعض الكرادلة، والأساقفة، والمجامع، والمجالس، واللجان الحبريّة، والمحاكم، وبعض المؤسّسات الفاتيكانيّة.

وبما أنّ للكاثوليك الشّرقيّين وبطاركتهم وإكليروسهم مكانة خاصّة في قلب الكرسيّ الرّسوليّ وصلب اهتماماته، أنشأ الأحبار الأعظمون دائرة حبريّة خاصّة، تُعنى بشؤون كنيسة المشرق والمؤمنين الكاثوليك من ذوي الطّقوس الشّرقيّة المتنوّعة، فتهتمّ بأحوالهم وتتابع قضاياهم ومسائلهم؛ وبالرّغم من تبدّل اسم تلك الدّائرة عبر التّاريخ وتعديل صلاحيّاتها وتوسيع مهامّها، فهي لم تتوانَ يوما في القيام بواجباتها نحوهم على مختلف الأصعدة.  

لذا، نودّ في هذا البحث الصّغير التّوقف مليّا عند أبرز محطّات هذه الدّائرة الحبريّة، بغية التّعرّف بها، وتبيان صلاحيّاتها وإظهار أهمّيّتها وضرورة وجودها من أجل مؤازرة خليفة بطرس في خدمة أتباع يسوع الشّرقيّين.

1-  تاريخيّة المجمع

يعود أصل مجمع الكنائس الشّرقيّة إلى السّادس من كانون الثّاني عام 1862، حين أعلن البابا بيوس التّاسع في وثيقة "Romani Pontifices" إنشاء "دائرة شؤون الطّقوس الشّرقيّة التّابعة لمجمع نشر الإيمان"، Congregatio de Propaganda Fide pro Negotiis Ritus Orientalis,  التي حوّلها البابا بنيديكتوس الخامس عشر في "الإرادة الرّسوليّة"  "Dei provedentis" عام 1917 إلى مجمع قائم في ذاته، عُرف باسم "مجمع الكنيسة الشّرقيّة" الذي عاد وأطلق عليه البابا بولس السّادس عام 1967، اسم "المجمع المقدّس للكنائس الشّرقيّة" Sacra congregatio pro Ecclesiae Orientali، بسبب وجود عدد كبير من الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة في العالم، ولا يجب حصرها ضمن كنيسة شرقيّة واحدة.

2-  هيكليّة المجمع

يتألّف المجمع مِن:

o       الرّئيس

o       الأمين السّرّ

o       مساعد أمين السّرّ

o       الكرادلة الأعضاء

o       البطاركة الشّرقيّين الكاثوليك

o       الرّؤساء الأساقفة الكبار

o       رئيس المجلس الحبري لوحدة المسيحيّين

o       رؤساء المكاتب

o       المعتمدين الإداريّين لشؤون الكنائس (Minutanti)

o       المستشارين

o       التّقنيّين

o       الكتّاب

o       الحجّاب.

3-   صلاحيّات المجمع

 بصورة عامّة

إنطلاقا من "الحفاظ على حقّ الحبر الرّومانيّ الذي لا يتغيّر من ناحية التّدخّل في بعض القضايا" Salvo inalienabili Romani Pontificis iure in singulis casibus interveniendi   ،( A.A.S., 57 (1965) 79)  (CO 9)يعاون مجمعُ الكنائس الشّرقيّة قداسةَ البابا في العناية بشؤون الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة، وهو يحلّ في المرتبة الثّانية بعد مجمع العقيدة والإيمان بالنّسبة إلى التّراتبيّة الفاتيكانيّة، رغم أنّ المجامع والمجالس الحبريّة عموما، متساوية من النّاحية القانونيّة.

يُعتبرهذا المجمع، بمثابة السّلطة العليا أو المرجعيّة العليا لكلّ الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة، وهو يمارس سلطته على الأشخاص والأشياء؛ إذ له بحكم القانون الكنسيّ على البطريركيّات والأبرشيّات والأساقفة والإكليروس والرّهبان والرّاهبات والعلمانيّين من الطّقوس الشّرقيّة الكاثوليكيّة، الصّلاحيّات عينها التي لمجمع الأساقفة ولمجمع مؤسّسات الحياة المكرّسة ومنظّمات الحياة الرّسوليّة، ولمجمع التّربية الكاثوليكيّة على الكاثوليك ذويّ الطّقس اللاتينيّ.

كما يحتفظ المجمع ببعض اللجان، نذكر منها "لجنة الدّراسات حول الشّرق المسيحيّ"، وهي تهدف إلى دراسة الوثائق والمبادرات التي بإمكانها أن تعرّف الشّرق المسيحيّ إلى الكاثوليكيّة الغربيّة، ومواصلة التّعمّق بالأبحاث حول تراثات الكنائس الشّرقيّة؛ و"لجنة تنشئة الإكليروس والرّهبان" التي تعنى بتنشئة الطّلاّب الشّرقيّين في روما على اختلاف انتماءاتهم وتقاليدهم؛ إلى جانب لجنة (R.O.A.C.O) أي "تجمّع المؤسّسات لمساعدة الكنائس الشّرقيّة"، وهي تضمّ مجموعة مكاتب ووكالات من مختلف أنحاء العالم، وتقوم ببعض المساعدات الماليّة لإنشاء المباني الكنسيّة والاجتماعيّة، وتأمين المنح الدّراسيّة، وإعانة المؤسّسات التّربويّة والمدرسيّة، وخدمة الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات الاجتماعيّة والصّحّيّة. 

تشمل سلطة المجمع، عمليّا، بلدان الشّرق الأوسط والهند والحبشة وأوروبا الشّرقيّة وغيرها من البلدان التي يتواجد فيها شرقيّون كاثوليك.

ثمّة ستّ موادّ في دستور الكوريا الرّومانيّة "الرّاعي الصّالح" Pastor Bonus (صدر عن البابا يوحنّا بولس الثّاني عام 1988) تحدّد الخطوط العريضة لصلاحيّات المجمع (61-56)؛ إذ تحقّ له بموجبها معالجة جميع المواد التي تتناول الأشخاص الشّرقيّين وأمورهم التي يعود البتّ فيها للكرسيّ الرّسوليّ، من النّاحية الهيكليّة أو التّنظيميّة وممارسة الخدمة التّعليميّة والتّقديسيّة والإداريّة، ناهيك عن الاهتمام بأوضاع الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة عموما، وبحقوقها وواجباتها، وهو يرعى أيضا شؤون الشّرقيّين الكاثوليك المقيمين في الأماكن الخاضعة لولاية الكنيسة اللاتينيّة (A.A.S., 80 (1988) 874-876).

 

بصورة خاصّة

متابعة المسائل المحفوظة لقداسة البابا، ورفع ما يلزم منها إليه، في الحالات التالية:

1)    منح البطاركة المُنتخَبين "الشّركة الكنسيّة" (ق. 76 § 2)؛

2)    تعيين بطريرك الكنيسة ذات الحقّ الخاصّ، إن لم يتمّ انتخابه في غضون خمسة عشر يوما منذ بدء انعقاد سينودوس الأساقفة (ق. 72 § 2)؛

3)    تثبيت رؤساء الأساقفة الكبار بعد انتخابهم قانونيّا (ق. 153 § 2-3)؛

4)    الموافقة على المرشّحين للأسقفيّة (ق. 182 § 3)؛

5)    تعيين متروبوليت الكنيسة الميتروبوليتيّة (ق. 155 § 1)؛

6)    تعيين الأساقفة خارج نطاق الرّقعة البطريركيّة (ق. 181 § 2؛ ق. 149)؛

7)    نقل الكرسيّ البطريركيّ (ق. 57 § 1)؛

8)    إنشاء الكنائس الميتروبوليتيّة المتمتّعة بحكم ذاتيّ (ق. 155 § 2)؛

9)    إنشاء الأبرشيّات وتغييرها وإلغاؤها خارج حدود منطقة الكنيسة البطريركيّة (ق. 177 § 2)؛

10)          تعيين مدبّرين وزائرين وموفدين رسوليّين؛

11)          إبداء الرّأي في مسألة تخلّي البطريرك عن منصبه لدى سينودوس الأساقفة؛ (ق. 57 § 1)؛

12)          الموافقة على تعيين الوكيل العام البطريركيّ لدى الكرسيّ الرّسوليّ (ق.61)؛

13)          الاطّلاع على اعمال وقوانين ومقرّرات سينودوس الأساقفة (ق. 111 § 3)؛

14)          التّفسيح من المانعَين التّاليَين في ما يتعلّق بسرّ الزّواج: الدّرجة المقدّسة ونذر العفّة العلنيّ الدّائم (ق. 795 § 2)؛

15)          منح العصمة البابويّة للجمعيّات الرّهبانيّة (ق. 412 § 2)؛

16)          إبداء الرّأي في مسألة إنشاء الأبرشيّات وتقسيمها وإلغائها داخل حدود المنطقة البطريركيّة (ق. 85 § 1)؛

17)          تعيين زائر أو مبعوث من قبل الكرسيّ الرّسوليّ؛

18)          الموافقة على تعيين زائر بطريركيّ للمؤمنين المتواجدين خارج حدود منطقة الكنيسة البطريركيّة (ق. 184 § 1)؛

19)          التظلّم ضدّ قرار البطريرك الإداريّ (ق. 1006)؛

20)          التّظلّم ضدّ قرارات جميع الرّؤساء المحلّيّين خارج المنطقة البطريركيّة؛

21)          تحديد القيمة القصوى للأموال الكنسيّة الممكن تمليكها (ق. 1036 § 1)؛

22)          منح الإذن بنقل الممتلكات الكنسيّة وإقامة العقود في هذا الصّدد في مصر والأردن واليونان وإيران والعراق وإسرائيل ومنطقة الحكم الذّاتيّ الفلسطينيّة ولبنان وسوريا وتركيا؛ 

23)          تأسيس أديار وإلغاؤها للرّهبانيّات ذات الحقّ الحبريّ (ق. 434)، (ق. 438 § 4)؛

24)          إبداء الرّأي في حال إنشاء منّظمة رهبانيّة ذات حقّ بطريركيّ (ق. 506 § 2)؛

25)          إبداء الرّأي في حال إنشاء دير ذي حقّ أبرشيّ ضمن حدود المنطقة البطريركيّة (ق. 435 § 1)؛

26)          إعتماد أنماط جديدة للحياة المكرّسة (ق. 571)؛

27)          منح الرّضى للبطريرك لإلغاء جمعيّة رهبانيّة ذات حقّ بطريركيّ (ق. 507 § 2)؛

28)          السّماح لطالب من كنيسة ذات حقّّ خاص، بدخول منظّمة رهبانيّة تابعة لكنيسة أخرى (ق. 451)؛

29)          السّماح لراهب بالإنتقال إلى رهبانيّة تابعة لكنيسة أخرى كاثوليكيّة (ق. 487 § 4)؛

30)          إعطاء التّفسيح من النّذور المؤبّدة لراهب يريد الانفصال عن الرّهبانيّة (ق. 500 § 4)؛

31)          تظلّم الرّهبان ذويّ النّذور المؤبّدة ضدّ قرارات الرّئيس العام في الرّهبانيّة؛

32)          إعادة النّظر بالنّصوص الطّقسيّة (ق. 657)؛

33)          منح صلاحيّة خاصّة لممارسة الاحتفالات الطّقسيّة بحسب طقس آخر (ق. 674 § 2)؛

34)          تبنّ لطقس آخر؛

35)          منح ترخيص لسيامة مرشّح خاضع للأسقف الأبرشيّ وهو ينتمي إلى كنيسة أخرى متمتّعة بحكم ذاتيّ؛

36)          إعطاء إذن للاحتفال بسرّ العماد بحسب طقس مختلف؛

37)          الإنتقال من كنيسة إلى كنيسة أخرى ذات حكم ذاتيّ (ق.32 § 1)؛

38)          قبول معمّد غير كاثوليكيّ ذي طقس شرقيّ في الكنيسة اللاتينيّة (ق.37)؛

39)          تعيين رؤساء المعاهد الشّرقيّة في روما.

4-  الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة

المقصود بالكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة تلك الكنائس التي هي على اتّحاد كامل مع الكرسيّ الرّسوليّ. وهذا الاتّحاد لا يعني أبدا التّخلّي عن الفكر اللاهوتيّ والليتورجيّ، والتّراث العريق، والتّقاليد القديمة، والثّقافة الخاصّة بتلك الكنائس، بل تتميم إرادة الرّبّ يسوع بأن نكون واحدا.

"إنّ الكنيسة الكاثوليكيّة لتعتبر إعتباراً كبيراً مؤسّسات الكنائس الشّرقيّة، ورتبها الطّقسيّة، وتقاليدها الكنسيّة، ونظام حياتها المسيحيّة. وبالفعل بسبب جلال القدم الذي تتشرّف به هذه الكنائس، يتألّق فيها التّقليد الذي يأتي من الرّسل عبر الآباء والذي يؤلّف جزءاً لا يتجزّأ من تراث الكنيسة جمعاء وقد أوحى الله به"                  (A.A.S., 57 (1965) 76) (CO 1).

تتمايز الكنائس الشرقية والكنيسة اللاتينيّة في ما بينها، من خلال طقوسها وأنظمتها الكنسيّة وتراثها الرّوحيّ فقط، لكنها تخضع جميعها لسلطة الحبر الرّومانيّ الرّعويّة، نائب المسيح على الأرض، وخليفة القديس بطرس في الأولويّة على الكنيسة الجامعة. فهي تتمتّع بكرامة متساوية، بحيث أنّه ليس لواحدة منها أن تتقدّم على الأخرى بسبب طقسها، بل تنعم بالحقوق عينها، وعليها الواجبات ذاتها.

قال الشّاعر الرّوسيّ إيفانوف V. Ivanov (1866-1949): "الكنيسة الجامعة تتنفّس عبر الرّئتين، الأولى من التّقليد الشّرقيّ والثّانية من التّقليد الغربيّ". وقد تبنّى البابا الكبير يوحنّا بولس الثّاني هذه الصّورة في أحاديث له كثيرة، ومواقف عديدة.

تتفرّع الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة من خمسة تقاليد كبيرة: التّقليد القسطنطينيّ والاسكندريّ والإنطاكيّ والأرمنيّ والكلدانيّ.

ثمّة اثنتان وعشرون كنيسة شرقيّة كاثوليكيّة في العالم اليوم، أهمّها الكنائس البطريركيّة: الكنيسة القبطيّة في مصر، والسّريانيّة الكاثوليكيّة والسّريانيّة المارونيّة، والملكيّة، والكلدانيّة والأرمنيّة، كما أنّ هناك كنائس تابعة لرؤساء الأساقفة الكبار، كالكنيسة الأوكرانيّة والسّيرو-ملاباريّة والسّيرو-ملنكاريّة في الهند، والكنيسة الرّومانيّة، إذ يصل عدد أتباع هذه الكنائس جميعها إلى ما يقارب  17,000.000 نسمة.  إنّه حقّا "لتنوّع عجيب عرف به الله أن يصنع من حجيرات مختلفة فسيفساء هكذا جميلة ومتنوّعة"، على ما قاله البابا يوحنّا بولس الثّاني في رسالته الرّسوليّة نور الشّرق (يوحنّا بولس الثّاني، نور الشّرق Orientale Lumen، رسالة رسوليّة، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جلّ الدّيب لبنان، د.ت.، رقم 5.).

كما يؤكّد المجمع الفاتيكانيّ الثّاني: 

"…أنّ من حقّ الكنائس الشّرقيّة والكنائس الغربيّة بل من واجبها، أن تحكم نفسها وفقاً لأنظمتها الخاصّة الذّاتية".

ولكن ليس من أجل السّلطة والحكم، بل "لتضمن للنّفوس خيراً عميقاً" (CO 5).

5-  البلدان التي للمجمع سلطة عليها

إنّ البلدان التي للكرسي الرّسوليّ سلطة على كنائسها عموما ولمجمع الكنائس الشّرقيّة خصوصا، هي: مصر، إيريتريا، أثيوبيا الشّماليّة، بلغاريا، قبرص، اليونان، إيران العراق، إسرائيل والحكم الذاتي الفلسطينيّ، لبنان، سوريا، الأردن، تركيا، ألبانيا أرمينيا، أزِربَجيان، بيلروسيان بوسنا، جورجيا، كَزاخِستان، كيرغيستان، مَشيدونيا، مولدوفا، مونتينيغرو، صربيا، تَِجيكِستان، تِرْكمينِستان وأُوزبيكستان.

6-  المحافظة على الطّقس والتّراث

تدعو الكنيسة الشّرقيّين جميعهم بإلحاح، إلى المحافظة الدّائمة على طقوسهم الليتورجيّة الشّرعيّة بكلّ أمانة، وألاّ يُدخلوا عليها أيّة تغييرات إلاّ بسبب تقدّمهم الذّاتي والعضويّ؛ بل عليهم أن يبحروا في معرفتها بطريقة أفضل، وأن يمارسوها ممارسة أكمل. وإذا ما أبعدوا عنها إضطرارياً، بحكم ظروف الزّمان والأشخاص، فليهمّوا بالرّجوع إليها، لأنّ لكلّ شعب تعبيره الإيمانيّ الخاصّ، المرتبط بثقافته وذهنيّته وبيئته . (A.A.S., 57 (1965) 78) (CO 6)

7-  دور الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة في تعزيز الحوار المسكونيّ

إنّ الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة هي بمثابة جسر تواصل وهمزة وصل بالنّسبة إلى العلاقة مع الكنائس الأرثوذكسيّة، لأنّها تشترك معها بالطّقس وباللغة أحيانا وببعض التّقاليد؛ وهي تتوق منذ نشأتها إلى تأدية دور مميّز، هو دور "الجسر" الذي يربط بين الكنيستين: الغربيّة الكاثوليكيّة من جهة، والشّرقيّة الأرثوذكسيّة من جهة أخرى. إنّها "شرقيّة" من حيث هويّتها، وتقليدها، ولاهوتها، وثقافتها، ووجودها الجغرافيّ، وهي "كاثوليكيّة"، باتّحادها برأس الكنيسة الكاثوليكيّة المنظور، وبالشّركة المقدّسة التي تربطها بهذه الكنيسة. هذه هي المهمّة الكبرى التي شاءت العناية الإلهيّة أن تُلقي بها على عاتق الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة، حتى انبلاج فجر الوحدة الكاملة، وهي ما زالت تقوم بواجبها في هذا الصّدد، من دون أن يثنيها تعب أو توقفها عقبة.

خاتمة

إنّ وجود مجمع الكنائس الشّرقيّة في الفاتيكان لهو تعبير عن قيمة الشّرقيّين الكبيرة، ومكانتهم المرموقة، وعلاقتهم الوطيدة بكرسيّ بطرس. فلا ينظرنّ أحد إليه كمركز كنسيّ خارجيّ يهدف إلى فرض القرارات "الجاهزة" على الشّرقيّين، والتّدخّل في شؤونهم، ووضع يده على قرارهم وتراثهم؛ فهو ليس وصيّا على أحد، ولا "برج مراقبة" ولا "فوج تدخّل" في أمور لا علاقة له بها، كما ليس هو بمصرف كنسيّ دوليّ لمنح المساعدات الماديّة فقط، وتمويل المشاريع الكبيرة. بل إنّه آليّة خدمة وعطاء في يد قداسة البابا من أجل كنائس المشرق العتيقة الأيّام.

لا نستطيع أن نكنه معنى وجوده، وسبب نشأته، إلاّ ضمن إطار فهمنا لمنطق سرّ الكنيسة، وهرميّتها، وواقعها التّراتبيّ، ومشورة الطّاعة الإنجيليّة-الكنسيّة المقدَّسة. فكنائسنا البطريركيّة ذات الحقّ الخاصّ، وغيرها من الكنائس الشّرقيّة، تتميّز بحكم ذاتيّ إلى حدّ ما، ولها خصوصيّتها وإرثها اللاهوتيّ والفكريّ والثّقافيّ والطقسيّ، غير أنّها لا يجب أن تجنح يوما إلى الاحتفاظ لنفسها باستقلاليّة مطلقة، لئلاّ يسبّب ذلك شرخا آخر أو انشقاقا جديدا، أو خطرا داهما على التّكامل اللاهوتيّ، والشّراكة الكنسيّة، والاتّحاد الكامل بأسقف روما وبالكنيسة الجامعة المقدّسة الرّسوليّة.

 

المصادر والمراجع

–        Congregazione per le Chiese Orientali, Istruzione per l\’applicazione delle prescrizioni liturgiche del Codice dei Canoni delle Chiese Orientali, Libreria editrice vaticana, Città del Vaticano 1996;

–        Enciclopedia Cattolica, Vol. IV, Casa Editrice Sansoni, Città del Vaticano 1950, pp. 308-350;

 

–        Ioannis Paulus II, Costitutio Apostolica, Pastor Bonus, 28 Iunii 1988, A.A.S., 80 (1988) 841-934;

        La Sacra Congregazione per le Chiese Orientali nel cinquantesima della fondazione, 1917 – 1967, Roma 1969;

–        Paulus VI, Decretum de Ecclesiis Orientalium Ecclesiarum, Orientalium Ecclesiarum, 21 Novembris 1964, A.A.S., 57 (1965) 76-89;

– إدمون فرحات، الفاتيكان في مبانيه ومعانيه، المطبعة الكاثوليكيّة، بيروت 1992؛

– مجموعة قوانين الكنائس الشّرقيّة، منشورات المركز الفرنسيسكانيّ للدّراسات الشّرقيّة المسيحيّة، القاهرة 1995؛

– يوحنّا بولس الثّاني، نور الشّرق Orientale Lumen، رسالة رسوليّة، منشورات اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، جلّ الدّيب لبنان، د.ت.

* * *

الأب فرنسوا عقل، راهب مارونيّ مريميّ يعمل في مجمع الكنائس الشّرقيّة في الفاتيكان، حائز على  دكتوراه في القانون الكنسيّ، من جامعة مار يوحنّا اللاتران الحبريّة في روما، وبكالوريوس في الفلسفة واللاهوت من جامعة الرّوح القدس –الكسليك- في لبنان، وجامعة مار يوحنّا اللاتران الحبريّة في روما، ودبلوم في الدّراسات العربيّة والإسلاميّة، في المعهد البابويّ للدّراسات العربيّة والإسلاميّة في روما. من مؤلّفاته: "شِعْر وْصَلا"، صدر عام 2001، و"أضواء على العلاقات السّياسيّة والقانونيّة بين البطريركيّة المارونيّة والدّولة اللّبنانيّة"،  صدر عام 2007.